ترجمة وتحرير: نون بوست
في شباط/ فبراير 2020، تلقى الناشط الحقوقي المغربي فؤاد عبد المومني بعض الأخبار المروعة مفادها أنه وقع تصويره في وضع حميمي مع زوجته داخل منزلهما ووقع تداول مقاطع فيديو لهما على تطبيق واتساب. قال أصدقاء عبد المومني وأفراد أسرته إنهم تلقوا من رقم مجهول سلسلة من سبعة مقاطع فيديو يبدو أنها صُورت من فتحات تكييف الهواء التي توفر رؤية داخل غرفة النوم وغرفة المعيشة. وعندما تفقد عبد المومني فتحات التهوية بنفسه، لم يجد أي كاميرات. وفي تصريح له لموقع “ذي إنترسبت” قال الناشط الحقوقي: “شعرت بانتهاك حرمتي وبالأسى على بلدي”.
يقول الخبير الاقتصادي البالغ من العمر 63 سنة والناقد لفساد وانتهاكات ما يسمى بـ “المخزن”، وهو مصطلح واسع الاستخدام في المغرب لوصف النخب الحاكمة وحلفائهم، إنه على يقين من أن مقاطع الفيديو الهدف منها الانتقام من صراحته. فقبل أشهر فقط، كان الناشط المقرب من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وعضو في فرع منظمة الشفافية الدولية في البلاد، قد شجب علنا المراقبة المفروضة عليه.
في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، تم إبلاغ عبد المومني من قبل “سيتيزن لاب”، وهي مجموعة مقرها جامعة تورنتو تتعقب المراقبة الرقمية في جميع أنحاء العالم، أنه ظهر على قائمة الأهداف المحتملة لبرنامج غير معروف آنذاك يسمى “بيغاسوس”، إلى جانب سبعة نشطاء وصحفيين مغاربة آخرين. وقع تطوير برنامج التجسس من قبل مجموعة إن إس أو ومقرها إسرائيل، ويسمح برنامج التجسس للمهاجمين من مراقبة الاتصالات والبيانات الأخرى على الهاتف المحمول للشخص المستهدف.
ردّ عبد المومني على ذلك بتوقيع رسالة مع باقي المجموعة المستهدفة أرسِل إلى سلطات حماية البيانات المغربية يدين فيه المراقبة ويطالب الحكومة بفتح تحقيق. (أحد كتاب هذا التقرير عبد اللطيف الحماموشي أُبلغ أيضًا في ذلك الوقت بأنه ظهر على القائمة وشارك في التوقيع على تلك الرسالة).
لم تكن المراقبة بالفيديو لمنزل عبد المومني من نتاج برنامج التجسس بيغاسوس، وهو يعتقد أن التدخل في حياته الخاصة شكل من أشكال الابتزاز الذي يتعرض له بهدف ثنيه عن التحدث علنًا عن الفساد. وقد صرّح علنا بأن المراقبة أجريت بأمر من الملك. وحسب ما نشرته مجلة الإيكونوميست في كانون الثاني/يناير فإن “عبد المومني يقول إن العشرات من منتقدي الملك.. واجهوا حملات تشهير مماثلة”.
قال عبد المومني لموقع ذي إنترسبت: “وقع تصويري في وضع حميمي مع زوجتي كوسيلة لإسكاتي. أنا أواجه ضغوطا هائلة، لكنني لم ولن أخضع للشرطة السياسية التي تحاول ابتزازي”.
عبد المومني واحد من بين العديد من النشطاء والصحفيين ومنتقدي الحكومة الذين وقعوا ضحية جهاز المراقبة الشامل في المغرب. مع أن الدولة المغربية تعتبر في كثير من الأحيان أقل قمعية مقارنة بالعديد من جيرانها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أن النقاد والمعارضين في الداخل يشعرون أن البلاد تنجرف بشكل خطير نحو الاستبدادية. وفي الواقع، ساعد الكشف مؤخرا عن برامج التجسس بيغاسوس في تسليط الضوء على جزء واحد فقط من آلة المراقبة الأخطبوطية في المغرب.
في تموز/يوليو، كشف تحقيق أجرته منظمة “قصص محرمة” الاستقصائية غير الربحية، ومختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية، وائتلاف من المراسلين الدوليين – المعروف باسم مشروع بيغاسوس – أن الحكومة المغربية مستخدم رئيسي لبرنامج التجسس الذي طورته مجموعة “إن إس أو”. وتضمنت النتائج التي استندت إلى تسريب للبيانات قائمة بأكثر من 50 ألف رقم هاتف اعتقدت منظمة العفو الدولية ومنظمة قصص محرمة أنها أهداف محتملة لبيغاسوس. وما يقرب من خمس أرقام الهواتف تعود لمقيمين في المغرب.
عملت المنظمات الإعلامية المشاركة في مشروع بيغاسوس على تحليل القائمة، وفحص مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية 67 هاتفا ذكيًا 23 منها استهدفه برامج تجسس و14 أظهرت علامات محاولة اختراق. من جهتها، نفت مجموعة “إن إس أو” تورطها مدعية أن أي مراقبة للصحفيين أو النشطاء أو السياسيين هي إساءة استخدام لتقنيتها.
تمتد قائمة أهداف المراقبة المحتملة إلى ما أبعد من الحدود المغربية. وفقا للسجلات التي قدمتها منظمة “قصص محرمة” ومنظمة العفو الدولية، تضمنت الإدخالات المختارة من المغرب أرقام هواتف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والصحفي الفرنسي البارز إدوي بلينيل والدبلوماسي الأمريكي وكبير المفاوضين بشأن الاتفاق النووي الإيراني لسنة 2015 روبرت مالي. وداخل البلاد، كان المستهدفون في أغلب الأحيان صحفيون مستقلون رفيعو المستوى.
رغم كل هذه الضجة، لا يعدو برنامج التجسس بيغاسوس أن يكون سوى مجرد جزء من الصورة – إحدى العديد من أدوات المراقبة الموسعة المتاحة للدولة المغربية لتضييق الخناق على الصحفيين والنشطاء والمعارضين.
بالإضافة إلى رؤساء الدول والنشطاء والسياسيين الذين عثر على أرقام هواتفهم من بين 50 ألف رقم، 180 رقما يعود لصحفيين من 20 دولة مختلفة. ووفقا لصحيفة الغارديان، تضمنت القائمة أرقام هواتف 38 صحفيا في المغرب من بينهم توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي – وجميعهم الآن في السجن.
تشكك الحكومة المغربية، وهي ملكية دستورية مع رئيس وزراء معين مباشرة من قبل الملك محمد السادس، بشدة في دقة هذه النتائج. في تموز/يوليو، أعلن المدعي العام للدولة عن فتح تحقيق في “المزاعم الكاذبة والاتهامات الواردة في المقالات الإخبارية الصادرة عن الصحف الأجنبية”، بينما رفعت سفارة البلاد في باريس دعوى قضائية أمام محكمة فرنسية تتهم فيها منظمة “قصص محرمة” ومنظمة العفو الدولية بالتشهير.
رغم كل هذه الضجة، لا يعدو برنامج التجسس بيغاسوس أن يكون سوى مجرد جزء من الصورة – إحدى العديد من أدوات المراقبة الموسعة المتاحة للدولة المغربية لتضييق الخناق على الصحفيين والنشطاء والمعارضين. يقول الحقوقيون إنه يحدث في بعض الأحيان أن تُنشر معلومات استخباراتية في محاولة للتشهير أو ابتزاز الأشخاص المستهدفين – كما في حالة عبد المومني. وأحيانًا أخرى، تُستخدم هذه المواد من قبل وسائل الإعلام الموالية للحكومة لمهاجمة الأصوات الناقدة، بل يمكن استخدامها لتوجيه تهم جنائية كاملة ضد المعارضين، وهو أمر عايشه مجموعة من الصحفيين المستقلين بشكل مباشر.
وفقا للمعطي منجب، المؤرخ والناشط البارز الذي قضى ثلاثة أشهر في السجن هذه السنة بتهمتي “الاحتيال” و”تهديد أمن الدولة” قبل منحه الإفراج المؤقت، تلعب مراقبة الدولة المغربية دورًا أساسيًا في الحفاظ على سطوة النظام. ويقول منجب، رئيس جمعية “الحرية الآن” للدفاع عن حرية التعبير وحرية الصحافة، وأستاذ التاريخ في جامعة محمد الخامس بالرباط، إن الأهداف تتجاوز مجرد تثبيط عزيمة المعارضين الأكثر صراحة. عندما فحصت منظمة العفو الدولية هاتفه، وجد المحللون الجنائيون أدلة على عمليات مشبوهة أدت إلى إنشاء نطاقات تسمح بتثبيت برنامج بيغاسوس. كتب باحثو مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية أن جهازه أصبح “مفيدا” لنماذج المحللين.
حسب ما أفاد به منجب لموقع الإنترسبت قبل أسابيع من جلسة المحكمة المرتبطة بقضيته: “يبدو أن الهدف العام هو أن يشعر الجميع بأنهم يخضعون للمراقبة، بما في ذلك السياسيون المؤيدون للنظام. هذا الشعور العام بالمراقبة يشل جزءا كبيرا من المجتمع المغربي ويشجع الرقابة الذاتية في الداخل. في السابق، كان حتى السياسيون الموالون للنظام ينتقدونه أحيانا عندما يكونون فيما بينهم أو خارج المغرب. لكن هذا لم يعد ممكنا الآن”.
لم يرد وزير حقوق الإنسان المغربي السابق مصطفى الرميد على طلبات موقع الإنترسبت للتعليق على هذه القصة، علمًا بأنه تم التواصل معه على رقمه الشخصي عبر تطبيق واتساب عندما كان لا يزال في منصبه. لم يرد رئيس الوزراء السابق سعد الدين العثماني على طلبات متعددة للتعليق التي أُرسلت إلى مكتبه. اعتبارًا من السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وبعد الانتخابات البرلمانية في أيلول/سبتمبر وموافقة الملك، أصبح للمغرب حكومة جديدة. وعلى نحو مماثل، لم يرد رئيس الوزراء الجديد عزيز أخنوش على طلب التعليق.
بيغاسوس: أداة واحدة في صندوق أدوات المراقبة
في آب/أغسطس 2019، ظنت الصحفية هاجر الريسوني عندما أوقفتها الشرطة المغربية أنها تتعرض للسرقة. كانت تغادر مكتب طبيبتها النسائية في الرباط مع خطيبها آنذاك (وهو الآن زوجها) عندما وقع مواجهتها بتفاصيل حميمة ومجموعة من الاتهامات.
قالت هاجر لموقع الإنترسبت: “أُبلغت بمعلومات شخصية للغاية لا يمكن لأحد أن يعرفها إلا إذا كان يستمع إلى مكالماتي طوال الوقت. أخبروني أنني أذهب في ساعة معينة إلى منزل خطيبي رفعت عندما يكون مسافرا لإخراج الكلاب، وذكروا لي الساعات والأيام المحددة”. في ذلك الشهر، ألقي القبض عليها ووُجهت إليها تهمة القيام بالإجهاض وممارسة علاقات جنسية خارج إطار الزواج، وهما أمران غير قانونيان وغير مقبولان اجتماعيًا.
من بين العديد من القضايا التي يتعين على الصحفيين المغاربة التعامل معها هي “الخطوط الحمراء” الفاضحة المذكورة صراحة في قانون العقوبات في البلاد: مكانة الإسلام وشرعية النظام الملكي وسلامة أراضي البلاد (هذه الأخيرة ذات صلة بمطالب المغرب بأراضي الصحراء الغربية المتنازع عليها، والتي اعترفت بها إدارة ترامب في كانون الأول/ ديسمبر الماضي مخالفة بذلك سنوات الإجماع الدولي وميسرة إقامة المغرب التطبيع مع إسرائيل).
تتذكر هاجر أن المحققين أمطروها بأسئلة حول أفكارها السياسية وتغطيتها لحراك الريف في سنة 2016، وهي حركة طالبت بتحسينات اجتماعية واقتصادية في المنطقة الشمالية الناطقة بالأمازيغية في المغرب لعدة أشهر – حتى وقع اعتقال العشرات من النشطاء وتلاشت الاحتجاجات. في أيار/ مايو 2019، كانت هاجر قد نشرت سلسلة من المقابلات مع والد زعيم الحركة ناصر الزفزافي حول الحكم بالسجن 20 سنة الذي صدر في حق نجله. وتقول إن المحققين سألوها أيضا عن أفراد ذوي نفوذ في عائلتها، بمن فيهم صحفي وباحث معروفان بانتقادهما للسلطات.
حتى بعد إطلاق سراحها، أكدت هاجر أن مجهولين استمروا في ملاحقتها في شوارع العاصمة المغربية: “لم يعد بإمكاني الذهاب إلى أي مكان بعد الآن. كان عناصر من الشرطة بملابس مدنية يتبعونني على الدوام”.
لم تتفاجأ هاجر عندما أبلغتها منظمة “قصص محرمة” بعد حوالي سنتين أن رقمها كان على القائمة المسربة التي وقع ربطها ببرنامج بيغاسوس. وتعتقد أن المراقبة الحكومية لعبت دورا رئيسيا في اتهاماتها، وقضت بسببها شهرا ونصف في السجن ثم غادرت بلدها الأصلي إلى المنفى الاختياري.
وفقا لمنظمة قصص محرمة، استُهدفت هاجر من قبل برنامج بيغاسوس في أيار/ مايو 2019. في ذلك الوقت، أثارت التهم الموجهة إلى هاجر غضبًا دوليًا، وأدينت من مجموعات مثل هيومن رايتس ووتش وفرونت لاين ديفندرز ومنظمة العفو الدولية. ساعدت موجة الانتقادات هاجر على تجنب قضاء مدة أطول في السجن. ومع أن محكمة الرباط حكمت عليها بالسجن لمدة سنة في أيلول/سبتمبر 2019، تم الإفراج عنها في الشهر التالي بعد تلقيها عفوا ملكيا مباشرة من الملك محمد السادس.
لكن حتى بعد إطلاق سراحها، أكدت هاجر أن مجهولين استمروا في ملاحقتها في شوارع العاصمة المغربية: “لم يعد بإمكاني الذهاب إلى أي مكان بعد الآن. كان عناصر من الشرطة بملابس مدنية يتبعونني على الدوام”. في نهاية المطاف، وبعد أن “سئمت من كل المضايقات والاستهداف”، اختارت هاجر مغادرة البلاد في أوائل سنة 2020، واستقرت في السودان مع زوجها.
حرب المعلومات والتشهير
مثل تركيا ومصر وسائر الدول ذات الميول الاستبدادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تُحكم الحكومة المغربية سيطرتها على تدفق المعلومات. في حين أنه لا يوجد عملاق إعلامي تابع للدولة يسيطر على هذا المجال، فإن المشهد الإعلامي في البلاد به بمجموعة من المنافذ التي يديرها القطاع الخاص اسميا والتي تدافع بانتظام عن تصرفات الملك محمد السادس وتهاجم أولئك الذين يتحدون الخط الرسمي للدولة – في كثير من الأحيان عن طريق الاستشهاد بمصادر مجهولة المصدر دون إثبات والتعمق في الحياة الشخصية للأشخاص. في بعض الحالات، تنشر هذه المنافذ معلومات محددة للغاية يعتقد الكثيرون أنه لا يمكن انتزاعها إلا عن طريق استخبارات الدولة.
يشمل هؤلاء الناشرون، الذين يطلق عليهم النشطاء عادة باسم “صحافة التشهير”، موقعي كواليس اليوم وبرلمان. فعلى سبيل المثال، نشر البرلمان مقطع فيديو سيئ السمعة للزفزافي، زعيم حراك الريف، في السجن في سنة 2017. في الصور، يخلع زعيم حركة الريف ملابسه ويكشف أجزاء مختلفة من جسده – وهو مشهد يُفترض أنه يهدف إلى إظهار أنه لم يتعرض للتعذيب – ولكن وقع تفسيره أيضا على نطاق واسع على أنه محاولة لإحراج هذا الناشط. وفي قائمة المنافذ المماثلة يوجد أيضا لو360 والدار وتليكسبريس وأنفاس بريس، لكن “شوف تي في” هي الرائدة في هذا النوع بلا منازع.
يقبع سليمان الريسوني، المحرر السابق لجريدة أخبار اليوم، وهي صحيفة يومية مطبوعة ووقع إطلاقها في سنة 2009 ومعروفة بخطها التحريري المستقل، في السجن منذ أيار/مايو 2020. قبل خمسة أيام من اعتقاله، نشرت قناة “شوف تي في” قصة مكتوبة بقلم “أبو وائل” – اسم مستعار غالبا ما يستخدم للإشارة إلى القرب من مسؤولي المخابرات – مما أوحى له بأنه سيواجه مشاكل قريبًا.
زعمت القناة أن “أبواب الجحيم قد فتحت” على سليمان، وأن “سياسة الأرض المحروقة ستحرقه” عشية عيد الفطر. اعتُقل سليمان، عم هاجر، أمام منزله في تلك الليلة وكان محاطًا بمجموعة من الصحفيين من قناة “شوف تي في”، حيث قام هذا “المنفذ الإعلامي” ببث ما حدث على يوتيوب التي تستضيف أكثر من 6 ملايين مشترك.
قالت خلود مختاري، زوجة سليمان إنه: “قبل حوالي 20 يومًا من القبض على سليمان، لم تغادر سيارة أمن سرية باب المنزل، حيث كانت تتبعنا أينما ذهبنا. كما نُشرت بعض مكالمات سليمان كلمة بكلمة في الصحف القريبة من الأجهزة الأمنية، وهي محادثات تتعلق بوضع “أخبار اليوم” بالإضافة إلى بعض الأمور العائلية الخاصة للغاية“.
اعتُقل عمر الراضي بعد شهرين فقط من اعتقال سليمان، الذي كان أيضًا هدفًا متكررًا للهجمات في وسائل الإعلام الموالية للحكومة، وقناة شوف على وجه الخصوص.
وفقًا لملفات قانونية حصل عليها موقع “ذي إنترسبت”، يبدو أن مكتب المدعي العام يعتمد على قناة “شوف تي في” لبناء قضيته ضد عمر الراضي، وهو صحفي معروف بتغطيته للحركات الاجتماعية. أرسل مكتب المدعي العام في 23 حزيران/ يونيو 2020 رسالة إلى رئيس شعبة الشرطة القضائية الوطنية يطلب فيها “إجراء بحث أولي لمعرفة حقيقة ما ورد في مقالين نشرتا” على قناة “شوف تي في” حيث زعم الأول أن الراضي كان يعمل مع المخابرات الغربية، بينما عرض المقال الثاني تفاصيل “فضائح” عمر الراضي الذي اتُهم ببيع معلومات عن المغاربة في الخارج.
مع استمرار قضية عمر الراضي، رفض شاهد رئيسي يدعى عماد ستيتو التعاون مع الدولة. وعلى خلفية ذلك، اعتبره الادعاء متآمرًا في أيلول/ سبتمبر 2020، وقد أُدين فعلا بتهمة “عدم الإبلاغ عن جريمة” وحُكم عليه بالسجن لمدة سنة.
قال ستيتو، الذي أُطلق سراحه حاليا بعد تأجيل الاستئناف: “لم أكن الشخصية التي أرادوها في روايتهم، وكان من الضروري أن يجعلوا مني عبرة. وقد نجحت هذه الخطة فعلا إلى حد كبير في ترهيب المتعاطفين الآخرين، حيث سمعت في الكثير من الأحيان في دوائري من يقول “هل تريد أن تكون عماد ستيتو القادم؟”.
استغلال حملة أنا أيضًا
إن قضية سليمان وعمر الراضي توضح نمطًا مزعجًا آخر ظهر في المغرب خلال السنوات الأخيرة، فهما اثنان من أصل ثلاثة صحفيين بارزين معروفين بانتقادهم السلطة وقد سُجن كلاهما بسبب مزاعم الاعتداء الجنسي. وقوبلت جميع الإجراءات القانونية المنفذة في حقهما بانتقادات من قبل المنظمات غير الحكومية الرائدة في مجال حقوق الإنسان لما تضمنته من مخالفات. ومن جهتها، نددت منظمة “مراسلون بلا حدود”، التي تصنف المغرب في المرتبة 136 من بين 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة، بما أسمته “استخدام تهم جنسية ملفقة ضد الصحفيين”.
بدأت سلسلة القضايا مع توفيق بوعشرين، مؤسس ومدير “أخبار اليوم”، في شباط/ فبراير 2018 في مقر صحيفته بالدار البيضاء بتهمة الاغتصاب والاتجار بالبشر و”إساءة استخدام السلطة لأغراض جنسية”. وحُكم على الصحفي في نهاية المطاف بالسجن لمدة 15 سنة في تشرين الأول/ أكتوبر 2019. وقد تم التنديد بظروف احتجاز بوعشرين والمحاكمة نفسها من قبل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، في حين وثق تقرير من فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع لمجلس حقوق الإنسان كيف سعى العديد من الضحايا المزعومين إلى إبعاد أنفسهم عن القضية.
تضم هذه المجموعة عفاف برناني، وهي مراسلة سابقة في أخبار اليوم، التي تؤكد أن الشرطة زورت أقوالها وأنه تم استجوابها لأول مرة كشاهدة على اعتداء جنسي مزعوم من قبل بوعشرين، وتم تصنيفها في النهاية على أنها ضحية لرئيسها السابق. ولكن بعد الطعن في هذه الرواية في المحكمة، اتُهمت برناني بارتكاب جريمة “البلاغ الكاذب والافتراء” وحُكم عليها بالسجن ستة أشهر. أخبرت برناني موقع “ذي إنترسبت”: “كان الغرض من عقوبتي هو تخويف بقية النساء اللاتي تورطن في الدعوى القضائية”.
أضافت برناني أنه بعد فترة وجيزة من توجيه التهم لها كثفت السلطات الضغط من خلال التجسس عليها: “تعرضت لمراقبة أمنية مشددة في الشارع، حيث كانت الشرطة السريّة متمركزة أمام منزلي وتتبعني أينما ذهبت، وقد تمت ملاحقتي حتى عند زيارتي للطبيب أيضًا”. وفي النهاية، اختارت مغادرة البلاد بدلاً من قضاء عقوبة بالسجن، وانتقلت في يوليو/ تموز 2019 إلى تونس.
تطول قائمة القضايا الملفقة التي تستهدف كل من يتجرأ على الحديث علانية عن “المخزن” أو من يفكر حتى في ذلك، مما يغذي الشعور بأن المراقبة منتشرة في كل مكان وأن التتبعات القانونية ليست بعيدة أبدًا.
اعتُقل سليمان، الرجل الذي حل محل بوعشرين على رأس صحيفة “أخبار اليوم”، ووجهت إليه تهمة الاعتداء الجنسي في أيار/ مايو الماضي. ورغم احتجاجات المنظمات غير الحكومية وإضراب الجوع الذي استمر قرابة 120 يومًا، حُكم على سليمان بالسجن خمس سنوات في تموز/ يوليو الماضي.
اعتُقل الراضي السنة الماضية ووجهت إليه تهمة الاغتصاب والتجسس قبل أن يحكم عليه في نهاية المطاف بالسجن ست سنوات في تموز/ يوليو. وحسب خديجة رياض، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فإن هذه القضايا بعيدة كل البعد عن الانتصار لحقوق المرأة أو القضية النسوية.
حسب ما أفادت به خديجة رياض: “يلفق النظام المغربي لصحفيين مستقلين قضايا جنائية تتعلق بقضايا نبيلة مثل محاربة العنف ضد المرأة بهدف تشويه سمعة المستهدفين والحد من تأثيرهم في المجتمع. ولكن لحسن الحظ، يعرف غالبية الناس حاليا أنها قضايا ملفقة تهدف إلى إسكات وعزل الصحفيين الذين يمثلون مصدر إزعاج للسلطات”.
أورد سمير بوعزيز، رئيس قسم المناصرة في مكتب شمال أفريقيا في منظمة مراسلون بلا حدود، أن “النظام المغربي يعدل تكتيكاته على أمل إخفاء قمعه بشكل أفضل، وقد استغلت السلطات ‘حملة أنا أيضا’ كوسيلة لإرباك الرأي العام الوطني والدولي”.
يرى بوعزيز نمطًا خاصًا في قمع الدولة لبوعشرين وسليمان وعمر الراضي، الذين كان كل واحد منهم على قائمة أهداف بيغاسوس المحتملة التي كشفت عنها منظمة القصص المحرمة.
أوضح بوعزيز أن “الاستعدادات لاعتقال الصحفيين المستهدفين تتم بالتنسيق مع صحافة التشهير المقرّبة من الأجهزة الأمنية، التي تشن حملات التشويه قبل حدوث الاعتقالات”، مشيرا إلى أن ذلك “أفضل طريقة للتمهيد إلى التهم الملفقة”.
تطول قائمة القضايا الملفقة التي تستهدف كل من يتجرأ على الحديث علانية عن “المخزن” أو من يفكر حتى في ذلك، مما يغذي الشعور بأن المراقبة منتشرة في كل مكان وأن التتبعات القانونية ليست بعيدة أبدًا.
في ظل موجة القمع، يحاول المعطي منجب رئيس جمعية “الحرية الآن” البقاء متفائلاً. وباعتباره مؤيدا لعمر الراضي وسليمان وغيرهما من الصحفيين المسجونين، أشار منجب إلى أن “التشهير القائم على المراقبة يبدو أكثر تثبيطًا لعزيمة السواد الأعظم من النشطاء وأشدّ إيلاما من التعذيب”. وقد تعرض منجب لهجمات لا حصر لها من قبل الصحافة المغربية. وفي السنة الماضية، اتهمته وسائل إعلام موالية للحكومة بغسل الأموال، ونشرت قناة “شوف تي في” صورة له في مطار باريس توحي بأنه بصدد الفرار من البلاد.
منذ سنة 2015، يواجه منجب اتهامات “بتهديد أمن الدولة” إلى جانب تورطه في قضية لا نهاية لها على ما يبدو يقضي بسببها فترة سجن ونفذ إضرابي جوع متتاليين. مثل الناشط البالغ من العمر 59 سنة أمام المحكمة الشهر الماضي، وقد أخبر موقع “ذي إنترسبت” أن مصدر إلهامه هو حقيقة أن الكتاب والمعارضين الآخرين يواصلون العمل. وأضاف منجب أن “المثقفين والصحفيين الشجعان يتحدون التشهير والسجن ويواصلون عملهم من أجل الديمقراطية والحرية من خلال فضح فساد النخبة في الدولة وانتهاكات حقوق الإنسان”.
المصدر: ذي إنترسبت