تزايدت تحركات قوات النظام والمليشيات المحلية والأجنبية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني في الجبهات مع المعارضة السورية في حلب وإدلب شمال غرب سوريا، وشملت التحركات غير المسبوقة التي بدأتها المليشيات منذ بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول، إرسال تعزيزات عسكرية وعمليات إعادة انتشار وإنشاء نقاط تمركز جديدة في عدد من المحاور.
وعمل النظام والمليشيات الإيرانية على تكثيف الدعاية التي تروج لعودة الحياة لبعض المناطق في ريف ادلب، والعمل على إظهار حراك شعبي مفترض يرفض ويندد بأي عملية عسكرية للجيش التركي والفصائل المعارضة على مناطق في ريف حلب يسيطر عليها تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية ypg، وهي مناطق توجد فيها قوات النظام والمليشيات بشكل جزئي، مثل تل رفعت ومنبج وغيرها.
منطقة حلب
بتنسيق من غرفة عمليات الإعلام الإلكتروني لشمال حلب التابعة لمليشيا “نبل والزهراء” شمال حلب، نظم في مدينة تل رفعت يوم 22 من أكتوبر/تشرين الأول تظاهرة شارك فيها المئات من أنصار الوحدات والنظام والمليشيات الإيرانية المقيمين في المدينة والمنتشرين في جبهاتها، وندد المتظاهرون بالعملية العسكرية التي تهدد تركيا والمعارضة بإطلاقها ضد مناطق سيطرة الوحدات في ريف حلب.
ونقلت المليشيا الإيرانية في نبل بالتعاون مع وحدات الحماية المئات من أعضاء شعب وفرق “حزب البعث” في المنطقة إلى تل رفعت للمشاركة في المظاهرة، وبحسب مصادر متطابقة في تل رفعت قالت لموقع “نون بوست”: “رئيس مجلس مدينة تل رفعت التابع للنظام إبراهيم ديبو استقبل في مقر المجلس عددًا من مسؤولي البعث والمليشيات وقادة في الوحدات، وتم التباحث في دعم الحراك الشعبي المزعوم ضد العملية العسكرية التركية، والعمل على إظهار سيطرة النظام على المدينة والقرى التي تسيطر عليها الوحدات فعليًا”.
وكانت الوحدات قد سمحت للنظام بإعادة تفعيل المجلس المحلي للمدينة منذ بداية العام 2021، وسبق للوحدات أن سمحت للفرقة الحزبية التابعة لشعبة أعزاز لحزب البعث بافتتاح مقرها في المدينة خلال عام 2018، وخلال العامين 2019 و2020 فتحت الوحدات الباب لدخول قوات النظام والمليشيات الإيرانية في مناطق سيطرتها (مقاطعة الشهباء)، التي انتشرت في مختلف جبهات المنطقة المقابلة للمعارضة في أعزاز ومارع وعفرين وريف الباب.
ووصلت منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول تعزيزات عسكرية تابعة للمليشيات الإيرانية و”الفرقة الرابعة” إلى تل رفعت بالتنسيق مع الوحدات، وضمت أرتال التعزيزات مدرعات ودبابات، وتوزعت التعزيزات على نقاط التمركز التقليدية وأنشأت نقاط تمركز جديدة في أطراف مطار منغ وقرى العلقمية وغيرها قبالة جبهات المعارضة جنوب غرب أعزاز، وفي مناطق ريف عفرين الجنوبي.
قال محمد الأحمد وهو نازح من تل رفعت لموقع “نون بوست”: “ما أشبه اليوم بالأمس، نشاهد اليوم سيناريو مشابهًا لما حصل قبيل العملية العسكرية على عفرين، حينها روج النظام لدخول تعزيزات عسكرية إلى منطقة عفرين لمنع عملية عسكرية جهزت لها الفصائل والجيش التركي بداية عام 2018، ورأينا كيف زعم إعلاميون مقربون من المليشيات الإيرانية في ذلك الوقت أن المنطقة لن تسقط، وبثوا من داخل عفرين مقاطع مصورة لجانب من التعزيزات، وهم اليوم يعيدون الكرة، ولن يفلحوا في منع معركة استعادة تل رفعت في حال اتخذ القرار بالفعل”.
الناشط الإعلامي أيمن سويد قال في فيسبوك: “يبدو حسب الفيديوهات والصور من تل رفعت أن سيناريو عفرين سيتكرر من جديد، رفع صور بشار الأسد المجرم والأهازيج الوطنية الرخيصة لم ولن تكون كفيلة لحمايتكم يا محتلين يا غرباء، فنحن أصحاب الأرض وأنتم الغرباء وراحلون إلى غير رجعة”.
وبالتزامن مع المظاهرة التي حشد لها النظام والمليشيات الإيرانية في تل رفعت، خرج آلاف المتظاهرين في سجو قرب معبر باب السلامة شمال أعزاز، مطالبين بالعودة إلى مناطقهم في تل رفعت وأكثر من 30 قرية وبلدة تسيطر عليها الوحدات شمال حلب.
وعبر المتظاهرون عن دعمهم لعملية عسكرية يخوضها الجيش التركي والفصائل المعارضة ضد وحدات الحماية في تل رفعت وريفها.
مصدر عسكري في الجيش الوطني قال لموقع “نون بوست”: “خشية الإيرانيين لا تقل عن الروس بخصوص الخسارة المحتملة لتل رفعت وذلك لصالح الفصائل وتركيا، فالخسارة المفترضة للمنطقة وطرد الوحدات منها تعني بالضرورة وصول الفصائل إلى تخوم نبل والزهراء الشيعيتين شمال حلب اللتين تعتبران المعقل البارز للمليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني في ريف حلب الشمالي”.
أضاف المصدر “تبدو الحشود العسكرية والمزاعم التي تتحدث عن اكتظاظ سكاني في المنطقة ورفض شعبي مفترض للهجوم عليها مبررة من ناحية الرغبة في الإبقاء على منطقة عازلة تجعل المعارضة بعيدة نسبيًا عن معقل المليشيات في نبل ومركز مدينة حلب، ففي حال السيطرة على تل رفعت ستقترب الفصائل أكثر من مدينة حلب وستهدد بسهولة النظام وحلفاءه هناك”.
ويندرج القصف المدفعي والصاروخي على سرمدا شمال إدلب منتصف الشهر الحاليّ ضمن التحركات الإيرانية التي تسعى لإظهار نفسها كقوة موجودة قرب جبهات القتال مع المعارضة، فالقصف الذي تسبب بمقتل 4 أشخاص انطلق من قواعد المليشيات الإيرانية في الفوج 46 وعدد من نقاط تمركز المليشيات في ريف حلب الشمالي الغربي.
وأعلنت مليشيا “فيلق المدافعين عن حلب” المدعومة من إيران إصابة نقاط حساسة تابعة لهيئة تحرير الشام في سرمدا التي تعتبرها المليشيات مركز ثقل اقتصادي بالنسبة لتحرير الشام.
منطقة إدلب
بدأت المليشيات الإيرانية العمل على تعزيز مواقعها القريبة من خطوط التماس مع المعارضة في إدلب منذ منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك بالتزامن مع تصعيد قوات النظام وروسيا على عموم مناطق المعارضة شمال غرب سوريا، وبدت التعزيزات كجزء من التجهيزات العسكرية والحشد للمعركة التي يلوح بها النظام منذ بداية شهر سبتمبر/أيلول.
ولم تقتصر عمليات إعادة الانتشار التي نفذتها المليشيات على المحاور التقليدية التي توجد فيها منذ توقف العمليات مطلع العام 2020، إنما امتدت إلى محاور غربي منطقتي سراقب ومعرة النعمان، وفي الجبهات الجنوبية المطلة على منطقة جبل الزاوية وفي سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي، ووصلت التحركات الإيرانية إلى مرتفعات الساحل في ريف اللاذقية الشمالي، في كبانة والتلال الحمر وغيرها.
ورصدت المعارضة عمليات إعادة انتشار مفاجئة نفذها مقاتلو مليشيا لواء فاطميون الأفغاني وبالتحديد من “لواء الإمام الرضا” التابع لفاطميين، وإنشاؤه مواقع عسكرية ونقاط تمركز جديدة في الخطوط الأمامية من جبهات القتال، وضمه عددًا من المتطوعين المحليين إلى صفوفه، من ريف معرة النعمان الشرقي ومناطق شرقي سكة الحجاز في أرياف حماة وحلب وإدلب الشرقية، مستغلًا الحاجة الماسة لأبناء المنطقة.
تزامنت تحركات المليشيات الإيرانية في جبهات ريف إدلب مع تحركات لمجلس المحافظة التابع للنظام، الذي بدأ منذ بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول بالحديث عن عودة مزعومة للاستقرار في عدد من البلدات التي سيطر عليها النظام في ريف إدلب (على جانبي الطريق إم5) خلال العمليات العسكرية لقوات النظام وحلفائه في النصف الثاني من عام 2019، وحتى بداية العام 2020.
وتحدث مسؤولو المجلس عن استعدادات المنطقة لاستقبال العائدين إليها في إشارة إلى إمكانية استقبال المهجرين في حال استأنف النظام وحلفاؤه العمليات العسكرية على مناطق المعارضة، وهذه الدعاية تكررت قبل كل عملية عسكرية لقوات النظام على إدلب.
قال مجلس محافظة إدلب التابع للنظام ويتخذ من خان شيخون جنوب إدلب مقرًا له: “شاركت القيادات السياسية والتنفيذية والعسكرية في محافظة إدلب احتفال أهالي بلدة حيش بالعودة لمنازلهم التي هجروا منها بسبب الإرهاب منذ سنوات”، وقال رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في إدلب، اللواء ميلاد جديد “أنجزنا التحرير وسنكمل المعركة”.
وأشار محافظ إدلب محمد نتوف إلى استعداد الدوائر الخدمية للشروع بإعادة تأهيل البنية التحتية لاستقبال العائدين، مؤكدًا أن “استعادة محافظة إدلب بات قريبًا”.
وزعم المجلس أنه افتتح ممر سراقب في 16 من أكتوبر/تشرين الأول بهدف استقبال طلاب الشهادة الثانوية الراغبين بالتقدم لامتحان السبر لدى مديرية تربية إدلب المؤقتة بحماه لكن تحرير الشام منعت الطلاب من العبور.