ترجمة وتحرير: نون بوست
يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه يعتزم توجيه سؤال مباشر لنظيره الأمريكي جو بايدن حول وضعية الطلب التركي المقدم لشراء طائرات مقاتلة من طراز إف-16. وفي حديثه إلى صحفيين على متن رحلة عائدًا من زيارة رسمية إلى غرب أفريقيا، قال أردوغان إنه حين يقابل بايدن في قمة الدول العشرين في روما الأسبوع المقبل سيسأله: “ما الذي نحن بصدد فعله هنا؟ ما الذي يحدث؟ لن نسمح بهضم حقوق تركيا بأي شكل من الأشكال”.
كانت أنقرة قد أعلمت واشنطن الشهر الماضي برغبتها في شراء 40 مقاتلة إف-16 جديدة، مع 80 طقما لتحديث الطائرات التي بحوزتها.
ويشار إلى أن الخلافات بين هذين البلدين كثيرة رغم كونهما أعضاء في حلف الناتو، وهما لا يتفقان أصلا حول تسمية الطرف المبادر بهذه العملية، حيث يقول أردوغان إن واشنطن شجعت أنقرة على تقديم هذا المقترح كنوع من التعويض على مبلغ 1.4 مليار دولار الذي دفعته سابقًا لشراء مقاتلات إف-35.
سبق لأنقرة أن طلبت شراء أكثر من 100 طائرة من هذا الطراز ولكن الولايات المتحدة استبعدتها من هذا البرنامج في سنة 2019 على خلفية إقدامها على شراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية إس-400. كما تعرّض قطاع الصناعات الدفاعية التركي لعقوبات أمريكية منذ كانون الأول/ ديسمبر 2020.
في المقابل، تقول وزارة الخارجية الأمريكية إنها لم تتقدم بأي مقترحات مالية لتركيا بشأن تلك الصفقة ولم تقدم أي إخطار رسمي أو غير رسمي للكونغرس حول هذا الموضوع.
يبدو أن الرئيس التركي سعى خلال الأسابيع الأخيرة لجعل لقائه مع نظيره الأمريكي فرصة من أجل تجاوز الخلافات التي تقف عقبة أمام إتمام هذه الصفقة، إلا أن البيت الأبيض لم يؤكد إلى الآن وجود لقاء مبرمج بين الزعيمين.
يوم الخميس، قال أردوغان للمراسلين الصحفيين: “سوف نحصل على نقودنا البالغة 1.4 مليار دولارا بشكل أو بآخر. وأنا أعتقد أننا سنحرز تقدما في روما”.
وحسب مارك بيريني، السفير الأوروبي السابق في أنقرة، والباحث في معهد كارنيجي، فإن اللقاء مع بايدن مهم جدًا بالنسبة لأردوغان الذي يواجه أزمة اقتصادية حادة في الداخل ينضاف إليها تراجع شعبيته. ويضيف هذا الباحث: “يسعى أردوغان إلى إظهار هيبته ووقوفه في وجه الولايات المتحدة ينظر إليه في الداخل على أنه يخدم صورة الرئيس”.
مشاعر الرفض جاءت لتعزز التعليقات التي صدرت خلال الشهر الماضي عن السيناتور الديمقراطي روبرت منديز
مع ذلك، يظل التوصل إلى اتفاق مع إدارة بايدن مجرد جزء من هذه العملية، إذ أن صفقة البيع يمكن أن يوقفها الكونغرس الذي زادت مواقفه السلبية تجاه تركيا خلال السنوات الأخيرة.
يوم الجمعة، كانت مجموعة من المشرعين من كلا الحزبين بقيادة النائب الجمهوري غاس بيليراكيس والديمقراطيان كريس باباس وكارولين مالوني قد وزعت رسالة تدعو وزارة الخارجية لرفض عمليتي بيع وتحديث طائرات إف-16 لفائدة تركيا.
وقد ورد في نص هذه الرسالة ما يلي: “نعتقد أن التغطية الإعلامية الكبيرة المصاحبة للطلب التركي إلى جانب تصريحات الرئيس أردوغان توفر لنا أساسا كافيا للإعلان عن معارضتنا لهذه الصفقة المحتملة”.
يبدو أن مشاعر الرفض جاءت لتعزز التعليقات التي صدرت خلال الشهر الماضي عن السيناتور الديمقراطي روبرت منديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الذي قال: “من وجهة نظري، لا أرى إمكانية إبرام أي صفقات جديدة لبيع أسلحة أمريكية لتركيا إلا إذا حدث تغير مفاجئ في مسار صفقة منظومة إس-400”.
حليف موثوق؟
في مواجهة المقاومة الكبيرة من الكونغرس الأمريكي ضد مسألة بيع المقاتلات لتركيا، تبرز هذه الصفقة كمؤشر حاسم على مدى توتر العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن. فلا تزال مواقف إدارة بايدن تجاه تركيا إلى الآن فاترةً في أحسن الأحوال. وقد اختار بايدن بريت ماكغورك – المعارض الشرس لتركيا – ليكون ممثله الأول في حملة للقضاء على تنظيم الدولة، علما بأنه رفض في مناسبات سابقة مقترحات للقاء أردوغان.
إلى جانب ذلك، جددت الولايات المتحدة اتفاقية دفاع مشترك مع اليونان – الخصم اللدود لتركيا في شرق المتوسط – وهو ما يسمح لواشنطن بتمديد حضورها العسكري في وقت يعتقد فيه البعض أن اليونان قد تكون بديلًا مناسبا لإقامة القواعد العسكرية الأمريكية عوضا عن تركيا.
وفقًا لرايتشل إيليهوس، نائبة مدير برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: “إذا تم رفض طلب طائرات إف-16، فهذا سيكون دليلا على أن العلاقة بين البلدين متدهورة”. وتضيف: “سيبدو الأمر كما لو أن أمريكا لا ترغب حتى في أن تبيع للأتراك نوعية الطائرات التي يمتلكونها أصلا، وأردوغان يحاول كشف مناورة الحكومة الأمريكية من خلال تقديم هذا الطلب”.
تمتلك تركيا حوالي 250 طائرة مقاتلة من طراز إف-16 بدأت في شرائها منذ الثمانينات عندما كانت حليفا للولايات المتحدة في الحرب الباردة، وهذا الرقم يجعلها ثالث أكبر مشغل لهذه الطائرات المقاتلة بعد كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
في رسالتهم يوم الجمعة، أشار المشرعون الأمريكيون إلى إقصاء تركيا من برنامج طائرات إف-35 بسبب مخاوف من أن هذه التكنولوجيا المتطورة قد تكون في خطر في ظل وجود منظومة إس-400 الروسية، معتبرين أن هذا يمثل حجة كافية لمنع أي اتفاق حول طائرات إف-16.
وجاء أيضا في هذه الرسالة: “إن الخبراء يشيرون إلى أن تطوير طائرات إف-16 ينطوي على خطر مماثل إذا تمسكت أنقرة بمنظومة إس-400 الروسية. وبما أن طائرات إف-16 المحدثة ستواصل لعب دور كبير بالنسبة لنا ولحلفائنا الموثوقين، فإن في ذلك مخاطرة نجدها غير مقبولة”.
لا يوجد أي سبب وجيه لرفض طلب تركيا بشراء طائرات إف-16
يذكر أن كثيرين في أنقرة قابلوا هذه الرسالة بالكثير من السخط، معتبرين أن تركيا تقوم فعليا بتشغيل طائرات إف-16 المملوكة لهذه الدول، في إطار المناورات العسكرية.
في أيلول/ سبتمبر، كانت تركيا قد أرسلت أربعة من طائراتها إف-16 للمشاركة في مهمة أمنية تابعة للناتو في بولندا. وفي الصيف، نفذ طياروها مناورات مع الدول الحليفة في البحر الأسود، الذي بات يمثل منطقة ساخنة في الصراع مع روسيا، والذي دعت تركيا إلى تعزيز حضور الناتو فيه.
يرى مراد أصلان، خبير الاستخبارات العسكرية الذي اضطلع بأدوار متنوعة في وزارة الدفاع التركية، أنه “لا يوجد أي سبب وجيه لرفض طلب تركيا بشراء طائرات إف-16. نحن نمتلك كل نماذج طائرات إف-16، وهي موجودة منذ سنوات لدى قواتنا الجوية جنبا إلى جنب مع منظومة إس-400. إذا رفضوا هذا الطلب فإن الدوافع ستكون سياسية”.
التخلف عن الركب
يُنظر إلى قرار تركيا بشراء منظومة إس-400 على أنه انتصار لموسكو ضد الناتو، إلا أن الخلافات الأمريكية التركية تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك. فقد باتت أنقرة أكثر إقدامًا على التحرك العسكري المستقل في الصراعات الإقليمية، مثل ليبيا وحرب ناغورنو كاراباخ وسوريا، وهو ما يزعج كثيرين في واشنطن. هذا إلى جانب مخاوف من دعم تركيا للإخوان المسلمين، وعلاقاتها المتوترة مع إسرائيل، وتحركاتها في شرق المتوسط.
ومن جانبها، تشتكي تركيا أساسا مما تعتبره ضعفا في التزام حلفائها في الناتو أثناء حربها ضد المسلحين الأكراد، خاصة حزب العمال الكردستاني. فبينما تصنف أنقرة وواشطن هذه المجموعة على أنها منظمة إرهابية، دعمت الولايات المتحدة الجناح السوري من هذه المنظمة، وهو وحدات حماية الشعب الكردية، في إطار حملتها للقضاء على تنظيم الدولة في خطوة أثارت حفيظة تركيا.
وما يزيد من تعقيد صفقة طائرات إف-16 هو تعهد أردوغان مؤخرًا بتصعيد الحملة ضد وحدات حماية الشعب الكردية، بعد مقتل جنديين تركيين في هجوم لهذه الميليشيا في شمال سوريا.
تؤكد إيليهوس أن “لا أحد في الكونغرس، من مختلف مكونات الطيف السياسي، يقدم دعما حقيقيا لتركيا وهذا ما يجعل إتمام صفقة إف-16 في غاية الصعوبة”.
يعتقد أردا مولود أوغلو، الخبير في الصناعات الدفاعية في تركيا، أنه بغض النظر عن التصريحات التي تتمحور حول المساعي للحصول على شيء مقابل الأموال التي دُفعت في صفقة إف-35، فإن أنقرة كانت ستقدم هذا الطلب في كل الأحوال. وأضاف هذا الخبير في حديثه مع ميدل إيست آي: “هذا الأمر لا يجب أن يفاجئ أي شخص. إن تحديث طائرات إف-16 كان مبرمجًا سلفًا، وهذا النوع يمثل العمود الفقري للقوة الجوية التركية”.
في الأثناء، يعكف جيران تركيا أيضًا على تعزيز ترسانتهم الجوية، إذ وافقت اليونان على شراء مقاتلات رافال الفرنسية وتعمل على تحديث طائراتها من طراز إف-16. كما عززت إسرائيل أسطولها من طائرات إف-35، وتمضي الإمارات قدما في مخططاتها لشراء الجيل الخامس من المقاتلات. “إن القوى الإقليمية تستثمر بشكل كبير في قوتها الجوية، وتركيا تواجه خطر التخلف عن الركب، وهذا يجعل طلبها هذه المرة أكثر أهمية”، على حد تعبير مولود أوغلو.
الطائرات الروسية، هل هي تهديدات فارغة؟
صرح أردوغان بأن تركيا مستعدة للنظر في خيارات أخرى إذا عرقلت واشنطن هذه الصفقة، كما أعلن قائد الصناعات الدفاعية التركية أن بلاده مستعدة لشراء طائرات روسية. ولكن يرى الكثير من المراقبين أن أنقرة ستكون على الأرجح مترددة بشأن المضي قدما في صفقة مماثلة.
وصف بيريني فرضية شراء الطائرات الروسية بأنها “أقل الخيارات جودة”، ذلك أن أردوغان يتعرض لضغوط من بوتين لزيادة صفقات الشراء العسكرية من موسكو، بالتوازي مع مساعيه لمعالجة المخاوف الأمنية المتعلقة بالحدود مع سوريا.
يواجه البرنامج التركي تي-إف/أكس لتطوير المقاتلات صعوبات في الحصول على بعض المكونات والمحركات، إلا أن أنقرة تؤكد أن نموذجا أوليا من طائراتها سيكون جاهزا في 2023
يوضح مولود أوغلو أن شراء مقاتلات من روسيا أو حتى من بلد في حلف الناتو مثل بريطانيا سوف يمثل خطوة كبيرة من قبل تركيا تتضمن ترتيبات وإعدادات معقدة وجديدة كليًا. وهذا سيعني إعادة ضبط إعدادات القوة الجوية التركية من الصفر. شراء طائرات مقاتلة جديدة ليس بهذه البساطة. فكل شيء من التدريب واللوجستيات وحتى الذخيرة يجب أن يتغير”.
يحذر أصلان من أنه في حال رفضت الولايات المتحدة الطلب التركي، فإن أنقرة ستكون مضطرة لدفع هذا الثمن الباهظ: “حينها ستكون روسيا قادرة على فرض إرادتها السياسية أكثر. ولهذا فإن تركيا تميل نحو طائرات إف-16، بينما تبقي على فكرة شراء طائرات أخرى كخيار محتمل”.
يطرح البعض فكرة السماح لتركيا بتحديث طائراتها القديمة، مع عدم الموافقة على بيعها طائرات جديدة، وهو خيار قد يحظى قبولًا أكبر لدى الكونغرس.
حسب إيليهوس “إن ذلك من بين فرضيات التسوية، إن بعض المقاتلات تحتاج للتحديث والبعض الآخر لا يحتاج، ولكن إذا تم استبعاد تركيا بشكل كامل من برنامج إف-16، فإن هذا سيمثل ضربة موجعة”.
يشير مولود أوغلو إلى أن أحد نتائج هذه الضبابية حول صفقة الطائرات، هي أن تركيا باتت أكثر تركيزا على إنتاج المقاتلات محليا: “إن الصناعات الدفاعية الوطنية تمثل أولوية لكل الأطياف السياسية في تركيا، والخلاف حول طائرات إف-16 عزز هذا الإجماع”.
يواجه البرنامج التركي تي-إف/أكس لتطوير المقاتلات صعوبات في الحصول على بعض المكونات والمحركات، إلا أن أنقرة تؤكد أن نموذجا أوليا من طائراتها سيكون جاهزا في 2023، خلال الذكرى المئوية لتأسيس تركيا الحديثة. وهي تخطط لنشر هذه الطائرات في بداية العشرية المقبلة. ويؤكد أصلان أن “تركيا لا تريد أن تكون في تبعية للدعم الأجنبي من أجل تحقيق أمنها”.
المصدر: ميدل إيست آي