في السنوات الثلاثة الأخيرة، ارتفعت وتيرة الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية بشكل جنوني، لدرجة أنها وصفت كالسرطان الذي ينهش مدن وقرى الضفة المحتلة والقدس لإقامة البؤر والمشاريع الاستيطانية تحت حماية القوة العسكرية ومخزون لا ينضب من قنابل الغاز والرصاص وجرافات تعمل دون توقف في كل مكان.
ولعل ما ساهم في زيادة رقعة الاستيطان ومشاريعه أسباب عدة منها تطبيع بعض الدول العربية مع “إسرائيل”، بالإضافة إلى ما جرى في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فقد صعدت السلطات الإسرائيلية حينها نشاطاتها الاستيطانية وصادقت في السنوات الثلاثة الأخيرة على بناء نحو 7 آلاف وحدة سكنية سنويًا أي ما يقرب من ضعف متوسط الوحدات في زمن باراك أوباما الرئيس الذي سبقه.
يأتي مشروع محطة المواصلات لربط المستوطنات ببعضها وتقطيع أوصال الضفة وتكثيف الوجود الاستيطاني فيها حيث المزيد من الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وتقييد حركتهم عند التنقل من قرية لأخرى
محطة مواصلات استيطانية
تسعى “إسرائيل” إلى خدمة المستوطنين وتوفير سبل الراحة المعيشية لهم على حساب الفلسطينيين وابتزازهم، فمؤخرًا بدأت فرق إسرائيلية في إنشاء محطة مواصلات ضخمة في محيط مستوطنة “راحيليم” قرب نابلس، وذلك ضمن مخطط أعلنته قبل شهرين وزارة المواصلات الإسرائيلية.
تقع المحطة التي يتم إنشاؤها حاليًّا، على يسار الطريق من رام الله إلى نابلس، قبيل الوصول إلى حاجز زعترة بنحو كيلومتر، ووصفت أنها ستكون “ثورة المواصلات” للطرق الاستيطانية بالضفة، وذلك في إطار الخطة الحكومية الإسرائيلية الهادفة إلى جلب مليون مستوطن لمستوطنات الضفة.
كما يأتي مشروع محطة المواصلات لربط المستوطنات ببعضها وتقطيع أوصال الضفة وتكثيف الوجود الاستيطاني فيها حيث مزيد من الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين من أجل مخطط المحطة، وكذلك تقييد حركتهم عند التنقل من قرية لأخرى.
وستعمل هذه المحطة على تحسين وسائل النقل العام بشكل كبير للمستوطنين في شمال الضفة، إذ ستكون مركزًا لانطلاق الحافلات التي تنقل المستوطنين بين شمال الضفة وغور الأردن و”تل أبيب” وجنوب فلسطين المحتلة. وستغير المحطة تمامًا خريطة الخدمات البلدية للمستوطنين في مستوطنات “راحاليم” و”نفي نحميا” و”كفار تبوح” و”ميغداليم” و”شيلو”.
يذكر أن تكلفة المحطة تبلغ 40 مليون شيكل، ويتوقع إنجازها خلال 6 أشهر، وستضم أكثر من 300 موقف للحافلات، ومنطقة تشغيلية ومحطة وقود ومغسلة، بالإضافة إلى مباني مكاتب.
الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين
تلعب المناكفات في الساحة السياسية الإسرائيلية دورًا كبيرًا في تسريع المشاريع الاستيطانية، فنفتالي بينت رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي يحاول كسب أصوات المستوطنين عبر تكثيف الاستيطان وخدمة المستوطنين وإظهار أنه الأكثر حرصًا على أمن “إسرائيل”.
يقول جمال عمرو الخبير الاستيطاني: “ما يجري على أراضي الضفة المحتلة من مشاريع استيطانية يندرج تحت مشروع الضم الإسرائيلي الذي يعني تطبيق سيادة الاحتلال على أراضي الضفة الغربية التي يسميها الاحتلال “يهودا والسامرة” التي لا يعترف بها قانون الاحتلال وكذلك القانون الدولي اليوم كأراض للكيان”.
ويوضح عمرو خلال حديثه لـ”نون بوست” أن الاحتلال الإسرائيلي يعمل بصمت على البنية التحتية لخدمة نصف مليون مستوطن، فيسعى لتأمين مواصلاته، مشيرًا إلى أن هناك أسطولًا من الحافلات أعد لنقل المستوطنين إلى مؤسساتهم التعليمية والخدماتية المختلفة.
ووصف شكل تلك الحافلات بأنها خضراء اللون مصفحة تتحرك بسرعة فائقة، وقد تحمل اثنين من المستوطنين لنقلهم إلى مكان عملهم أو الجهة التي يودون تلقي الخدمة منها.
ويرى الخبير الاستيطاني أن المحطة ستكون مركزية وتأتي ضمن عمل الاحتلال على “تطوير الطرق الالتفافية في الضفة” خاصة الشريان الرئيسي شارع 60، لافتًا إلى أنها ستكون نقطة توزيع وربط بين شارع 60 والامتداد لشارع “أرائيل” الاستيطاني لما بعد الخط الأخضر (الداخل المحتل).
المحطة ستعزز البناء الاستيطاني وستمنح الشعور بالطمأنينة للمستوطنين، وكذلك الانتصار المعنوي في تأمين البنية التحتية لهم
ووفق قوله فإن المحطة ستسهل حركة تنقل المستوطنين، بالإضافة إلى أن وجودها يعني وجود مخططات إسرائيلية لتفعيل البناء الاستيطاني في المنطقة بدلًا من البؤر.
وعن خطورة إنشاء محطة المواصلات على الفلسطينيين، ذكر عمرو أنها تعني الاستيلاء على مساحة واسعة من الأراضي وتعزيز وجود الأمن الإسرائيلي أكثر مما هو عليه بحجة حماية المستوطنين، مشيرًا إلى أن إنشاء المحطة سيحد من حركة تنقل الفلسطينيين.
وأوضح أن حركة تنقل الفلسطينيين ستستغرق وقتًا طويلًا، فبدلًا من الوصول في دقائق قليلة سيحتاجون ساعات، لا سيما أن هناك عنصرية لدى الجنود الإسرائيليين في التعامل على الطرقات كونهم المتحكمين في إشارات المرور، فمثلًا تفتح الإشارة للفلسطيني لأقل من دقيقة بينما للمستوطنين تبقى مفتوحة ربع ساعة.
وأكد عمرو أن محطة المواصلات وتشديد الرقابة الأمنية عليها، سيسهل مطاردة أي مطلوب فلسطيني للاحتلال، لا سيما أنه سيكون هناك تعزيز أمني على شوارع الحيوية والالتفافية.
واعتبر أن المحطة ستعزز البناء الاستيطاني وستمنح الشعور بالطمأنينة للمستوطنين، وكذلك الانتصار المعنوي في تأمين البنية التحتية لهم، منوهًا في الوقت ذاته إلى أن “إسرائيل” وافقت مؤخرًا على بناء 2600 وحدة استيطانية جديدة.
يقول عمرو: “حان الآن رحيل سلطة أوسلو وقيادتها التي تحتضر بفعل ما ترتكبه من تنسيق وحماية للجنود والمستوطنين (..) ومنح الشعب المسؤولية لقيادة المرحلة المقبلة في مواجهة المحتل الذي بات هشًا بفعل التجاذبات بين أحزابه”.
بناءً على تلك المعطيات، فإن الاحتلال الإسرائيلي ومنذ عام 1976 مستمر في طرح مشاريع لتوطين اليهود على أراضي الفلسطينيين، دون اعتبار لحقوقهم أو القوانين الدولية التي تمنع التهجير القسري، وبالتالي تأتي محطة المواصلات الاستياطنية ضمن سياسات “إسرائيل” التي تهدف إلى تغيير معالم الضفة الغربية الديموغرافية والجغرافية.