ترجمة حفصة جودة
بعد عقود من الاضطهاد في ميانمار الذي بلغ أوجه في حملة الإبادة الجماعية التي شنها الجيش عام 2017، اضطر مئات آلاف الروهينغا المسلمين للجوء في جميع أنحاء العالم، عانى بعضهم من إعادة التوطين في بلدان اللجوء خاصة الهند التي يعيش بها قرابة 17 ألف من الروهينغا في مخيمات اللجوء.
يقول الكثيرون إن فرص العمل والرعاية الصحية أسوأ بكثير من دول أخرى مثل ماليزيا وتايلاند وبنغلاديش، لا يواجه اللاجئون الروهينغا في الهند ظروفًا معيشيةً بائسةً فقط، لكنهم يعانون من الاضطهاد لنفس السبب الذين عانوا منه في ميانمار: دينهم.
فقد ازدادت المشاعر المعادية للمسلمين في البلاد منذ وصول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من حزب بهاراتيا جاناتا للسلطة في 2014، خلال السنوات القليلة الماضية قدمت حكومته تغييرات سياسية تهدف إلى تعجيز المسلمين، من إلغاء الوضع شبه المستقل لولاية كشمير ذات الأغلبية المسلمة إلى تمرير قانون المواطنة المثير للجدل الذي انتشرت الاحتجاجات بسببه في جميع أنحاء البلاد، حيث إنه سيتسبب في نزع جنسية الكثير من المسلمين.
في هذا الوضع، أصبح الروهينغا هدفًا لتلك المشاعر المعادية للمسلمين، والآن يخشون إجبارهم على الفرار مرة أخرى.
يستطيع صابر كياو مين – مدير مبادرة حقوق الإنسان للروهينغا، ولاجئ أيضًا – أن يحدد متى بدأت هذه الكراهية ضد الروهينغا، فيقول: “منذ 2017 استهدفت الجماعات المتطرفة مجتمعنا في ولايات معينة في الهند، فقد أشعلوا النيران في المخيمات وضربوا اللاجئين، بينما ازدادت خطابات الكراهية تجاهنا، وفُرضت المزيد من القيود على الحياة المتوسطة التي نعيشها”، تتضمن هذه القيود بصمات التحقق من الهوية وتعيين أفراد شرطة أمام مخيمات اللاجئين.
منعت حكومة مودي اللاجئين من الحصول على بطاقة “آدهار” وهي وثيقة هوية أساسية تعتمد على البصمة للوصول إلى الخدمات الأساسية مثل المصارف والرعاية الصحية والتعليم والوظائف في الهند
في 2017، قال وزير الشؤون الداخلية في الهند كيرين ريجيجو “الدولة أصدرت تعليمات مفصلة لترحيل الجنسيات الأجنبية غير القانونية ومن ضمنهم الروهينغا”، ورغم أن ذلك الأمر مخالف للقانون الهندي والدولي فقد أثار حملة غير مسبوقة ضد هذا المجتمع، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، منعت حكومة مودي اللاجئين من الحصول على بطاقة “آدهار” وهي وثيقة هوية أساسية تعتمد على البصمة للوصول إلى الخدمات الأساسية مثل المصارف والرعاية الصحية والتعليم والوظائف في الهند.
يقول صابر كياو مين إن الجائحة عمّقت من مخاوف البقاء في بلد لا يقدم أي حماية قانونية للاجئين (لم توقع الهند على اتفاقية 1951 للاجئين)، فمجتمعه في دلهي مثل بقية مجتمعات اللاجئين الأفغان والصوماليين والسودانيين، يعيش على الهامش دائمًا خوفًا من الاعتقال أو التهديد بالترحيل وزيادة حملات الشرطة.
يقول اللاجئون الروهينغا في جميع أنحاء البلاد إن الحياة لم تكن لطيفة معهم، ففي نيودلهي احترق 56 كوخًا في مخيم “مادانبور خضار” للاجئين يوم 12 من يونيو/حزيران بسبب ماس كهربائي، وتعد ثاني حادثة حريق في المخيم خلال 3 سنوات.
حمل اللاجئون ما تمكنوا من حمله من الوثائق بينما يشاهدون حياتهم المتنقلة تتحول إلى رماد، يقول أحد اللاجئين: “في ميانمار كنا نجري خوفًا من الجيش، وهنا نجري حفاظًا على مستقبلنا من الانهيار”.
بالقرب من ذلك، في مخيم “شاران فيهار” بدلهي، أودت الفيضانات في أول سبتمبر/أيلول بحياة اللاجئ محمد جاشيم – 18 عامًا – بعد أن مشى فوق المياه التي لامست سلك كهرباء عارٍ في خيمته بينما كان والداه ينظران في عجز، يقول نور الأمين أحد لاجئي المخيم: “ظلّ الوالدان يلعنان مصيرهما ويقولان إن الفتى حاول كسب الكثير من المال لأجلهما”.
نظرًا لنقص التوثيق، يستطيع اللاجئون في الهند العمل في الوظائف غير الرسمية فقط مثل العمل كعمال يوميين أو عمال نظافة أو خياطين أو في البناء
تحدث اللاجئ محمد روفيق – 29 عامًا – الذي يعيش في مخيم بمدينة بونهانا في ولاية هاريانا شمال الهند، عن الفيضانات أيضًا، يعيش روفيق تحت 3 أغطية من القماش المشمع المدعوم بحبال النايلون وعصيّ البامبو مثل بقية بيوت المخيم، يرمم روفيق الحُفر في خيمته كل أسبوع منذ شهر يوليو/تموز بسبب الرياح الموسمية، ويقول: “عندما تمطر تملأ المياه الخيمة بينما تطفو أغراضنا فوق المياه أمام أعيننا”.
يهدد هطول الأمطار بظهور العقارب والثعابين والحشرات السامة أيضًا، يتذكر روفيق حادثة وقعت يوم 17 من سبتمبر/أيلول عندما عضّ ثعبان طفلًا عمره 3 سنوات كان نائمًا في المخيم، تحول لون الطفل إلى الأزرق ومات في الحال، يقول روفيق: “هذه هي الظروف التي نعيش فيها، هذه حياتنا كلاجئين”.
في مخيم آخر بولاية هاريانا، يتحدث حسين – قائد مجتمعي – عن مشاكل مماثلة ومشاكل مالية كذلك، كان حسين يحلم بالتخصص في الرياضيات، لكنه بدلًا من ذلك يعمل كعامل يومي يخلط الإسمنت في مواقع البناء، والآن يعاني حسين لإطعام عائلته، فظروفه المالية سيئة منذ وصوله إلى الهند قبل 10 سنوات.
نظرًا لنقص التوثيق، يستطيع اللاجئون في الهند العمل في الوظائف غير الرسمية فقط مثل العمل كعمال يوميين أو عمال نظافة أو خياطين أو في البناء مثل حسين، هذا يعني عدم وجود راتب ثابت أو عقد أو تأمين صحي.
أدى ذلك إلى عمل الكثير من اللاجئين في وظائف قليلة الراتب أو العيش بالمساعدة المالية القليلة التي تقدمها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئوون اللاجئين، أثرت الظروف المالية بشكل خاص على السيدات مثلما تقول اللاجئة نور مارجان -18 عامًا – فقد دفع الفقر بعض السيدات إلى استخدام الملابس بدلًا من المنتجات الصحية النسائية (الفوط الصحية).
بينما كان العالم يحارب كوفيد-19، كان الحزب مشغولًا بنشر الأكاذيب عن محاولة المسلمين نشر الفيروس عمدًا
أدت الجائحة إلى زيادة الأوضاع سوءًا، يقول نصر الله من مخيم “مادانبور خضار” في نيودلهي إن المجتمع بأكمله يجلس داخل المخيم خوفًا من المرض، كما حددوا الحركة واستخدموا قطع القماش كأقنعة وجه، وأضاف “لم نكن نخشى كوفيد-19، كنا نخشى الموت بسبب الأوضاع المالية السيئة التي تمنعنا من الحصول على العلاج في المستشفيات”.
اعتنى نصر الله بصحة عائلته، فقد صنع لهم مشروبًا منزليًا يتضمن خليطًا من الأعشاب، يعلم نصر الله أن الخليط ليس له أي قيمة علمية لكنه العلاج الوحيد الذي يستطيع أن يتحمل تكلفته.
تقول اللاجئة سلمى بي من الخيمة المجاورة لنصر الله: “هل سيكون الوضع أفضل لو قتلنا الفيروس جميعًا؟ إن حياتنا كلها الآن تتمحور حول الفرار من الأماكن، لقد فررنا من أراكان وفررنا من بنغلاديش، والآن نعيش هنا لكننا لا نعيش حقًا، يبدو الأمر كأننا محبوسون في كل مكان نذهب إليه”.
بعد هروبه من الإبادة الجماعية، حلم حسين بحياة دون خوف في الهند حيث يمكنه الدراسة وكسب المال وعدم الاضطرار لإخفاء دينه في الأماكن العامة مثلما كان يفعل في ميانمار، يقول حسين: “أجبرتني أمي على الفرار حتى أستطيع العيش”.
كان حسين يحلم – مثل بقية الروهينغا – أن الحياة في الهند تستحق المعيشة حتى لو كان ذلك يعني أن يبدأ من الصفر، يقول حسين “اعتدنا مشاهدة أخبار الهند والأفلام الهندية، فمن ميانمار كنا نرى الهند دولة تقدمية ديمقراطية تقدّر العلمانية”.
يتعرض المسلمون للضرب ويُجبرون على ترديد ترانيم المانترا الهندوسية “Jai Shri Ram” ويشاهدون الجماعات اليمينية المتطرفة الهندوسية وهم يطالبون بإبادتهم.
منذ 2014، كان هدف حزب بهاراتيا جانات بتهميش المسلمين واضحًا للغاية، من إقامة معبد هندوسي على أنقاض مسجد بابري إلى التدخل في قوانين الزواج الإسلامية، التزم الحزب ببيانه الانتخابي، فبينما كان العالم يحارب كوفيد-19، كان الحزب مشغولًا بنشر الأكاذيب عن محاولة المسلمين نشر الفيروس عمدًا، بالنسبة للاجئين المسلمين، فهذا التمييز القاسي ضاعف الصعوبات الحاليّة المتعلقة بانعدام الجنسية واللجوء.
ازداد الاضطهاد ضد المسلمين هذا العام، ففي مارس/آذار وُضع نحو 170 لاجئًا من الروهينغا – بينهم نساء وأطفال – في سجن هيراناجار الفرعي في ولاية كاثوا في الهند، بعد أن ادعت الحكومة أنهم مهاجرون غير شرعيين، فُصل الآباء عن أطفالهم الذين يبكون في الخيام الفارغة وذهبوا دون طعام، وما زال هؤلاء اللاجئون محتجزين حتى اليوم.
في أغسطس/آب، انتشرت الأخبار عن الأعمال الوحشية المرتكبة ضد المسلمين كل أسبوع، ففي المدن الهندية الكبرى من أجمير وكانبور وإندور وحتى دلهي، يتعرض المسلمون للضرب ويُجبرون على ترديد ترانيم المانترا الهندوسية “Jai Shri Ram” ويشاهدون الجماعات اليمينية المتطرفة الهندوسية وهم يطالبون بإبادتهم.
والآن يعيش الروهينغا وسط حصار المتطرفين اليمينيين بينما يخشون ليس فقط على ظروفهم المعيشية بل على إجبارهم على الرحيل من الهند، يقول حسين: “لا تنظروا إلينا كمسلمين أو لاجئين، انظروا إلينا فقط كبشر يتعرضون للخطر، إننا الناجون من الإبادة الجماعية”.
المصدر: فورين بوليسي