بحلول عام 2050 من المتوقع أن يأتي نحو نصف إنتاج الطاقة العالمي من مصادر متجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
يتطلب هذا التحول مبالغ ضخمة من الاستثمار في الطاقة، فقد أنفقت شركات الطاقة في بريطانيا نحو ملياري دولار (1.4 مليار جنيه إسترليني) منذ عام 2016 على الاستثمار في الطاقة المتجددة، كما يقوم المستثمرون المؤسسون مثل صناديق التقاعد الكبيرة بوضع مبالغ ضخمة من المال في هذا القطاع.
وجد استطلاع حديث أجراه مدير الاستثمار البديل Octopus أنهم يخططون لضخ 743 مليار دولار في مصادر الطاقة المتجددة في العقد المقبل، فقد أصبحت الاستدامة سلعةً بحد ذاتها، يتم تداولها وشراؤها وبيعها وإدارتها مثل جميع السلع الأخرى.
على هذا النحو، تمت صياغة مصطلحات من بينها “الرأسمالية الخضراء” كأداة لشرح كيف يمكن للرأسمالية أن تحل المشاكل البيئية والمناخية التي نواجهها.
الرأسمالية الخضراء
“الرأسمالية البيئية” أو كما تُعرف باسم “الرأسمالية الخضراء” هي نهج لإدارة العلاقات بين الأنشطة الاقتصادية والبيئة التي تفترض درجة كبيرة من التوافق بين الرأسمالية والجهود الحالية للحد من التأثيرات البشرية على البيئة وتغير المناخ. وقد تأسست على مبدأ أن الملكية الخاصة وحرية تنظيم المشاريع وتبادل السوق هي أكثر الطرق فعالية للتعامل مع استخدام الموارد الطبيعية والتدهور البيئي.
العديد من الشركات يحركها الربح، مما يعني في كثير من الأحيان أنه يُسمح باستمرار الضرر الذي يلحق بالبيئة بشرط جني الأموال. ومع ذلك، فإن الرأسمالية الخضراء هي وسيلة للشركات لتحقيق الربح جنبًا إلى جنب مع الأهداف البيئية. لذلك لا يمكن للشركة ومساهميها الاستفادة فحسب، بل يمكن أيضًا أن تستفيد البيئة والمجتمع.
السندات الخضراء تتصدى للتغيرات المناخية
السندات الخضراء” أو “السندات المناخية” هي نوع من مخططات تمويل المشاريع التي تستخدمها الشركات والحكومات والبنوك لتمويل المشاريع الجديدة والقائمة التي تقدم فوائد بيئية، ومن خلالها تنشر الوعي حول تحديات التغير المناخي وتتيح للمؤسسات الاستثمارية دعم الاستثمارات الواعية بالمناخ من خلال أدوات سائلة دون الحاجة إلى التفريط في العائدات، كما أنها تبرز القيمة الاجتماعية لاستثمارات الدخل الثابت والحاجة إلى التركيز الأشد على الشفافية.
يتم إصدار معظم السندات الخضراء من البنوك، رغم قيام الشركات بإصدارها أيضًا، وتعد الولايات المتحدة والصين وفرنسا أكبر ثلاث جهات مصدرة للسندات الخضراء.
في الوقت الحاليّ، يمتلك البنك المركزي الأوروبي نحو 20% من جميع الديون الخضراء المقومة باليورو، على الرغم من أنه بدأ فقط في شراء سندات الشركات مؤخرًا عام 2016، ما يشير إلى أن البنك يرى هذا كطريقة لتعزيز أجندته الخضراء الخاصة.
لماذا علينا الاستثمار في الطاقة النظيفة؟
كثير من الناس لديهم أسباب شخصية أو أخلاقية للاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة، لكن فرصة مساعدة الكوكب ليست الفائدة المحتملة الوحيدة لإدراج الطاقة المتجددة في محفظتك الاستثمارية، إذ يمكن أن يساعد الاستثمار في الطاقة البديلة في تنويع ممتلكاتك، وعندما يواجه النفط وموارد الطاقة التقليدية الأخرى تقلبات، قد تعمل الاستثمارات المتجددة كقوة استقرار.
كما أصبحت الطاقة المتجددة أيضًا في متناول الجميع، ما يجعلها أكثر جاذبية للمشترين وربما للمستثمرين، فقد انخفض سعر الطاقة الشمسية وكذلك تكلفة الألواح الشمسية نفسها، كما تعد طاقة الرياح أيضًا واحدة من أسرع مصادر الطاقة نموًا في العالم، وواحدة من أرخصها.
حوافز إنشاء مشاريع الطاقة النظيفة
أثبتت الحوافز والإستراتيجيات المستهدفة حتى الآن أنها بناءة في تشجيع تنفيذ مشاريع الطاقة النظيفة، كما يمكن لعدة أنواع من الحوافز تسريع نشر الطاقة المتجددة، ويمكن تصنيف هذه الحوافز إلى أربعة أنواع هي:
– البحث والتطوير: يمكن للبلدان أن تصبح معتمدة على نفسها في إنتاج الطاقة المتجددة من خلال إنتاج الألواح الشمسية وتوربينات الرياح الخاصة بها، كما هو الحال مع الشركات المصنعة لمصانع الرياح الصينية، التي كانت تعتمد على دعم حافز البحث والتطوير الحكومية.
– المالية والضريبية: تقديم الحوافز المالية والضريبية عندما يتم التنازل عن الضرائب والرسوم على واردات معدات الطاقة المتجددة بحيث يمكن دمج الطاقة المتجددة تدريجيًا في النظام. نفذت الصين هذه السياسة لتشجيع استيراد التقنيات التي لم تصل بعد إلى مرحلة النضج في الصين.
– تطوير السوق: إن وضع سياسة ذات تعريفات معيارية تحت سلطة تنظيمية تشجع مستثمري الطاقة المتجددة على المشاركة في مشاريع الطاقة النظيفة، كما يؤدي الاختبار والاعتماد القياسيان لمنتجي الطاقة الصغيرة أيضًا إلى تعزيز سوق الطاقة المتجددة.
– اتصال الشبكة والحوافز الجمركية:ىأحد أسباب عدم تمويل المستثمرين لمشروع الطاقة المتجددة هو عدم توافر الشبكة، أي أن هناك إنتاج للكهرباء، لكن البنية التحتية للشبكة لا يمكنها استيعاب الطاقة الإضافية. في مثل هذه الحالة، فإن الكهرباء المولدة من هذا المنتج تذهب هباءً أو يتم شراؤها جزئيًا فقط.
الاستثمار في الطاقة النظيفة
أشار تقرير جديد للوكالة الدولية للطاقة، تمت كتابته بالتعاون مع البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي، إلى أن: “مستقبل الطاقة والمناخ في العالم يتوقف بشكل متزايد على ما إذا كانت الاقتصادات الناشئة والنامية قادرة على الانتقال بنجاح إلى أنظمة طاقة أنظف”
لقد حدد التقرير أهم ثلاثة مجالات واسعة يمكن معالجتها لتقليل هذه العقبات، وبالتالي المساعدة في تحفيز الاستثمار في الطاقة المتجددة وهي:
– ترتيبات سلطة منظمة وشفافة: بشكل عام، لا بد أن تؤسس السياسات الشفافية والقدرة على التنبؤ، ما يوفر الثقة للمستثمرين في القدرة على استرداد الاستثمارات في توليد الطاقة.
تتضمن أمثلة هذه السياسة السماح لمنتجي الطاقة المستقلين، بوجود قوالب اتفاقية شراء طاقة موحدة وقابلة للتمويل المصرفي، وإجراء مزادات شفافة ووجود تعديلات شفافة وعادلة في الأسعار والمشاركة العامة.
– تدابير عامة صديقة للأعمال: هناك العديد من السياسات العامة (أي ليست بالضرورة خاصة بالطاقة) التي يمكن أن تسهل الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتشمل هذه السياسة الضريبية مثل عدم استقطاع الضرائب على الأرباح وعدم وجود ضريبة القيمة المضافة على مبيعات الطاقة النظيفة والسماح بالاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) وتحسين إجراءات التصاريح والعملات الأجنبية /القدرة على إعادة الأرباح إلى الوطن.
– آليات التمويل المبتكرة: يمكن أن تكون آليات التمويل من أنواع مختلفة مفيدة في تخفيف المخاطر أو تقديم عائد إضافي محتمل أو خلق المزيد من فرص الاستثمار، على سبيل المثال تقدم سندات ماسالا، وهي سندات مقومة بالروبية الهندية صادرة في دول أجنبية للاستثمار في الهند، مثالاً على تخفيف المخاطر (في هذه الحالة توفر تحوطًا من العملة).
وبالإمكان جعل تكلفة التمويل، وبالتالي العائد المالي للمشروع، مشروطة بتحقيق أهداف إزالة الكربون، على سبيل المثال، يتضمن استثمار سندات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية البالغ 56 مليون يورو في عرض بقيمة 233 مليون يورو من شركة Tauron Polska Energia تكاليف تمويل أقل إذا حققت شركة Tauron أهداف إزالة الكربون لعام 2030.
يقع جزء كبير من المسؤولية المرتبطة بهذه المجالات الثلاث على عاتق الحكومة، وعلى الحكومات في الاقتصادات الناشئة أن تسن تشريعات داعمة لتخفيف بعض المخاطر وتحسين آفاق العائد المالي لمشاريع الطاقة، ولا بد من العمل مع القطاع الخاص لتحديد المعايير والأهداف لفرص الاستثمار في الطاقة المتجددة.
النموذج العربي للرأسمالية الخضراء
في نهاية عام 2020، أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، زيادة حصته من 33.36% إلى 50% في أسهم شركة “أكواباور” السعودية، لدعم تطوير قطاع الطاقة النظيفة داخل السعودية.
صندوق الاستثمارات السعودي يتوسع في الهند، ويعد هذا الاستثمار جزءًا من إستراتيجية صندوق الاستثمارات العامة لدعم تطوير قطاع الطاقة النظيفة داخل المملكة العربية السعودية ودعم نمو الشركات الوطنية وتمكينها لتكون رائدة إقليميًا وعالميًا، وفي الوقت نفسه تحقيق عوائد استثمارية مستدامة.
من المتوقع أن تلعب شركة “أكواباور” السعودية، دورًا رئيسيًا في برنامج الصندوق للطاقة المتجددة، وصرح متحدث رسمي من صندوق الاستثمارات العامة قائلًا: “من المؤكد أن زيادة حصة الصندوق في أكواباور من خلال توقيع قرض بقيمة 10 مليارات دولار، وهي دلالة على طموح الشركة وتقدمها، فالصندوق مستثمرٌ على المدى الطويل، ولديه التزام بتمكين وتطوير القطاعات الاقتصادية الرئيسية في المملكة العربية السعودية”.
ختامًا، تخبرنا الرأسمالية الخضراء أن الاتجاه الصعودي هو استخدام موارد أقل – الطاقة والمواد الخام والمياه – مفيد ليس فقط لكوكب الأرض ولكن أيضًا للأرباح، وبالتالي سَيتعين على جميع الشركات معرفة كيفية القيام بالمزيد بموارد أقل. علاوة على ذلك، فإن أولئك الذين تحولوا إلى الأساليب الصديقة للبيئة سيكونون مستعدين للتغلب على منافسيهم الأقل خضرة.
وبمجرد أن يكون للتلوث تكلفة ويكون لرأس المال الطبيعي قيمة مالية، فمن المتوقع أن يؤدي منطق الرأسمالية الخضراء إلى الابتكار والكفاءة لتقليل التكاليف وزيادة الدخل.