تواصل “هيئة تحرير الشام” حملتها العسكرية على تنظيم “جند الله” والمجموعات الجهادية المناهضة لها، المتحصنة في منطقة المرتفعات الجبلية في ريف اللاذقية الشمالي وعدد من المناطق غرب إدلب، وبالفعل أحرزت تحرير الشام تقدمًا كبيرًا في المنطقة بعد أن زجت بمزيد من التعزيزات العسكرية خلال الساعات 24 الماضية، وتروج عبر إعلامها الرسمي والرديف للمعركة باعتبارها مواجهة بين سلطة حاكمة (مهمتها فرض حالة الاستقرار والأمن) وجماعات متشددة وتكفيرية وقطاع طرق، في حين ترفض تشبيه المواجهات الحاليّة بالاقتتال الفصائلي الذي كانت طرفًا مبادرًا فيه خلال السنوات الماضية.
المرحلة الثانية.. الاستفراد بجند الله
بدأت تحرير الشام المرحلة الثانية من حملتها العسكرية ضد “جند الله” والمجموعات الجهادية في ريف اللاذقية الشمالي ومناطق غرب إدلب في 26 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك بعد ساعات قليلة من إخراج تنظيم “جنود الشام” الذي يتزعمه مسلم الشيشاني ومعه 70 من عناصره من منطقة العمليات في جبل التركمان، ليل 25/26 أكتوبر/تشرين الأول، بوساطة “الحزب الإسلامي التركستاني”، وبدت تحرير الشام بعد خروج الشيشاني وتنظيمه من المنطقة مرتاحةً لأن الجماعات المستهدفة أصبحت وحيدةً أمام الحملة العسكرية.
تمكنت تحرير الشام من السيطرة على تلال أبو عارف والمشفى والأبراج وتواصل هجومها على منطقة المرتفعات الوعرة في جبل التركمان، وخسرت أكثر من 10 عناصر في المواجهات بسبب تحصن “جند الله” والمجموعات الجهادية المتعاونة معه في مواقع دفاعية مرتفعة، واستخدامهم للأسلحة القناصة خلال المواجهات القريبة.
بينما خسر التنظيم والجماعات المتحالفة معه أكثر من 12 عنصرًا، وأسرت تحرير الشام آخرين خلال المواجهات وتطويق المواقع والمقار العسكرية.
مصادر عسكرية متطابقة في جبل التركمان قالت لموقع “نون بوست”: “مهمة القضاء على جند الله والمجموعات الجهادية الصغيرة المتحالفة معه في المنطقة ليست بالأمر السهل، تحتاج المهمة لمزيد من الوقت، القوات المقتحمة تمشط المنطقة بشكل تدريجي وبطيء خوفًا من الألغام التي زرعها التنظيم في المواقع التي انسحب منها، ويحاول قادة الحملة تقليل ما يمكن من الخسائر ومحاولة حشر التنظيم في بقعة جغرافية صغيرة من خلال القصف البري المكثف ليسهل فيما بعد تطويقه والقضاء عليه بشكل كلي، أو على الأقل إجبارهم على الاستسلام”.
وأضافت المصادر “عثر في مقار جند الله على قطع نقدية من عدة فئات كان يستخدمها تنظيم داعش، كما عثر المقتحمون على أسلحة وذخائر وألغام لم تتمكن المجموعات المنسحبة من نقلها معها بسبب كثافة النيران التي انهالت على مقارهم ومواقعهم المتقدمة”.
وأشارت المصادر إلى أن “الضغط الناري وتكثيف عمليات الهجوم ضد جند الله في جبل التركمان ومناطق غرب إدلب دفع بعض قيادات التنظيم وعدد من الشخصيات الجهادية المستقلة وأخرى تتبع لمجموعات جهادية صغيرة إلى محاولة الهروب من المنطقة، إما نحو الداخل في ريف إدلب وإما نحو تركيا، وتمكنت الحواجز التابعة للجهاز الأمني في تحرير الشام من إلقاء القبض على عدد من الفارين”.
وبحسب المصادر “ألقي القبض على كل من أبو موسى الشيشاني وعبد الله البنكيسي الشيشاني وأبو عبد الله الشيشاني في أثناء محاولتهم الهروب إلى تركيا وذلك عند الشريط الحدودي القريب من خربة الجوز، وكان أبو موسى الشيشاني المقرب من زعيم جنود الشام مسلم الشيشاني حاضرًا جلسات المفاوضات التي عقدت برعاية التركستان مؤخرًا، ورفض أبو موسى الاتفاق الذي نص على الخروج من جبل التركمان، وقرر ومن معه الانضمام إلى صفوف جند الله أو جماعة أبو فاطمة التركي كما تطلق عليها تحرير الشام”.
بدأت هيئة تحرير الشام بحملة عسكرية ضد جماعة “جنود الشام” بقيادة مسلم الشيشاني، وجماعة “أبو فاطمة التركي” في منطقة جبل التركمان.
في حزيران الماضي أبلغت #هتش الشيشاني بتسليم سلاحه ومغادرة إدلب، وردّ بالرفض ونفي التهم.
تستكمل الهيئة عمليات استئصال الجهاديين أثناء تصعيد روسي في إدلب
— أحمد أبازيد (@abazeid89) October 25, 2021
حرب كلامية
بدأ قادة تنظيم “جند الله” حراكًا إعلاميًا مضادًا للحملة الإعلامية التي يخوضها أنصار تحرير الشام ضد التنظيم، وذلك عبر بث تسجيلات صوتية ونشر تصريحات ومعلومات مكتوبة تتداولها شخصيات جهادية مناهضة لتحرير الشام ونشطة في موقعي “تويتر” و”تيلغرام”، وجاء في تسجيل صوتي لأحد قادة الجند المحليين (سوري الجنسية)، أن “جند الله” لا يضم عناصر تكفيريين كما زعمت تحرير الشام، والتنظيم لا علاقة له بتنظيم “جند الخلافة” الذي أنشأ عام 2015 في منطقة الدانا بحسب اتهامات تحرير الشام، ولم يكن مبايعًا لتنظيم “داعش”، بل هو تنظيم محلي يضم مهاجرين وكانت له مشاركة واسعة في المعارك في ريف حلب الغربي وإدلب وريف حماة.
كان أسامة العدني ويقال إنه مساعد الجهادي العراقي في صفوف تحرير الشام أبو ماريا القحطاني قد وجه لجند الله – أو كما أسماهم جند الخلافة – مجموعة اتهامات ووصفهم بالتكفيريين والخوارج وحملة فكر تنظيم داعش، إذ قال في تليغرام: “في العام 2014 ظهرت في ريف المهندسين الثاني بريف حلب جماعة من غلاة التكفير المعروفين حاليًّا “بالحازمية” وهم قوم جهال ضُلال يكفرون كل المسلمين في المحرر، بل في الأرض كلها، إلا من اعتقد عقيدتهم، ويقود هؤلاء كل من أبو علي المصري وأبو عبد الله الأذري”.
أضاف “وبعد انتشار فسادهم حاصرت جبهة النصرة مقرهم واعتقلت منهم 40 شخصًا، وتم طرد البقية إلى مناطق سيطرة داعش في المنطقة الشرقية، وهناك اصطدموا مع داعش التي كفروها أيضًا، وكفروا خليفتها المزعوم، فبطشت بهم داعش، ورجعوا مرة أخرى إلى إدلب في العام 2015 وعلى رأسهم أبو فاطمة التركي وأبو حنيف الأذري، وأسسوا كتيبة باسم جند الخلافة في منطقة الدانا، وبعد فترة قصيرة انتقلوا إلى منطقة جبل التركمان، وسبب اختيارهم لجبل التركمان هو أن يكون موطئ قدم لهم حتى يكونوا بعيدين عن أنظار الهيئة، ولسهولة اختفاء المطلوبين والمجرمين”.
قال أحد قادة “جند الله” ويطلق على نفسه لقب مهاجر في بلاد الشام: “جند الخلافة تأسست في ريف المهندسين وقت وجود تنظيم داعش في مناطق الفصائل وقبل انحيازه، وفي النصف الأول من عام 2013 قامت جبهة النصرة بالقبض على معظم أفراد التنظيم، وكان من المشاركين في العملية كتيبة أبو عبد الله العراقي الذي لا يزال أميرًا عند الجولاني إلى وقتنا هذا”.
أضاف “تعاملت جبهة النصرة مع معتقلي جماعة جند الخلافة على قسمين، القسم الأول قسم الأفراد والعناصر العاديين فقاموا بإخراج المهاجرين منهم إلى تركيا، وأما الأنصار فأخرجوهم من السجن مع الاشتراط عليهم بعدم الانضمام لأي فصيل ولا حتى حيازة سلاح شخصي في بيته ويمارس حياته العادية على راحته، أما القسم الثاني، قسم القيادات وقد قاموا في النصف الثاني من عام 2014 بقتلهم ومنهم الشرعي العام أبو علي المصري، وقد نجح عدد من تنظيم جند الخلافة بالوصول إلى مناطق سيطرة داعش، وهناك أسسوا تيار الحازمية ثم كفروا تنظيم داعش وحرّموا الرباط معه”.
تابع “تنظيم داعش قام بقتل عدد من تيار الحازمية واعتقال عدد آخر ووضعوهم في معسكر اعتقال في صحراء حماة وأسموه معسكر التوبة ولا يخرج الفرد منهم حتى يقبل الرباط مع تنظيم داعش، أما كتيبة جند الله المرابطة في جبل التركمان فقد تأسست عام 2015، التي تقاتلها تحرير الشام اليوم، شاركوا في صد الحملة الروسية على الساحل وقدموا شهداء، وشاركوا في صد حملة النظام الماضية في ريف حلب حتى قامت تحرير الشام بتطفيشهم من المنطقة”.
الترويج للحملة العسكرية
بدأ الترويج للحملة العسكرية على “جند الله” من تحرير الشام منذ 20 أكتوبر/تشرين الأول، وبحسب الاتهامات التي وجهتها تحرير الشام للتنظيم الذي يشكل الأذريون الغالبية في صفوفه ويتراوح عددهم بين 130 و150 عنصرًا، بأن التنظيم تكفيري، وبنظره جميع الناس الأصل فيهم الكفر، وبأن عناصره يعيشون على الاحتطاب والسرقة والقتل من الفصائل والعوام، كما أن مناطق انتشارهم أصبحت ملاذًا آمنًا للمجرمين، لذلك بات من الضروري شن حملة عسكرية للقضاء على التنظيم.
تتهم تحرير الشام السلفيين والجهاديين المستقلين المناهضين لها وينكرون عليها حملتها العسكرية الأخيرة ضد التنظيمات، بأنهم وراء الزج بمسلم الشيشاني وتنظيمه في المعركة على الرغم من أن الحملة ليست موجهة ضده، بل تستهدف بشكل خاص “جند الله”، فقال أسامة العدني في تليغرام: “الحمد لله الذي أنعم علينا بإخراج مسلم الشيشاني وعدد من جنوده من منطقة العمل بعد أن انجرّوا وراء تحريش شياطين الإنس الذين وسوسوا له بأنه مستهدف بالحملة العسكرية، ليزجوا به وبجماعته في قتال لا ناقة لهم فيه ولا جمل، ويتاجروا بقضيته ليلًا نهارًا ظانين أنهم سيحشدون بذلك الناس على قتال المشروع القائم في الساحة وتخريبه بدعاوى باطلة وعناوين عاطفية كقتال المهاجرين وإبعاد الصادقين عن خطوط التماس مع النظام”.
الناشط في المجال الإغاثي محمد شاكيل المعروف بـ”شاكيل البريطاني”، قال: “مسلم الشيشاني ليس الهدف ولا مجموعته، لكن الهدف هم المجموعات المرتبطة بالخوارج، وأنا كشخص مستقل، كنت موجودًا في لقاء التفاوض مع الشيشاني، وأني لم أكذب في أي كلمة قلتها”.
يوجه الجهاديون والتنظيمات المناهضة لتحرير الشام اتهامات عديدة فيما يخص الحملة العسكرية الحاليّة، أهمها، اتهامها بمحاولة إفراغ المنطقة من المجموعات التي كانت سببًا رئيسيًا في صمودها أمام الحملات العسكرية لقوات النظام والمليشيات الموالية لها طيلة السنوات الماضية، ويستشهدون بمعارك كبانة والمواجهات في المرتفعات الجبلية التي تعتبر خطوط تماس بين الطرفين، ويرجح الجهاديون والتنظيمات المناهضة أن تكون الحملة العسكرية ضد “جند الله” مقدمة لتسليم المنطقة لقوات النظام لاحقًا، وفق صفقة بين ضامني اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، روسيا وتركيا.
قال المنشق السابق عن تحرير الشام، أبو حمزة الكردي على تليغرام: “بحجة تسليم المنطقة والتهاون في الدفاع عنها وتدشيمها تم البغي على الأحرار ثم سقطت قلعة المضيق وكفرنبودة وما حولها، ثم بتهمة العمالة للروسي تم البغي على حركة الزنكي ثم سقطت عين جارة وما حولها، والآن بحجة الإفساد والدعشنة يتم البغي على المستقلين وإخراج مسلم الشيشاني ومعه المستقلين من جبل التركمان، فماذا سيكون مصير المنطقة هناك، كثُرَت الأسباب والتهم والنتيجة واحدة، سقوط المناطق وخسارة الحاضنة الشعبية والمجاهدين”.
في المقابل، تلمح تحرير الشام وقادتها إلى أن الحملة العسكرية ضد “جند الله” في حال نجحت، سينعكس أثرها الإيجابي على كامل إدلب ومحيطها خلال الفترة القادمة من ناحية الأمن والاستقرار، لأنها تستهدف جيبًا جغرافيًا شكل لسنوات ملاذًا لمجموعات من التكفيريين وخلايا تنظيم داعش التي تقوم بالتفجيرات وعمليات الخطف والاغتيال، بالإضافة لكونها منطقة يحتمي فيها فلول تنظيم “حراس الدين” التابع للقاعدة الذي تطارده تحرير الشام، والسيطرة على الجيب يعني وفق تبريرات قادة في تحرير الشام انكشاف كامل المنطقة أمام دوريات الجهاز الأمني، وحرمان الفارين من المخابئ.
السلطة في مواجهة التكفيريين
ترفض تحرير الشام رسميًا وعبر إعلامها الرديف أن يطلق على المواجهات مع “جند الله” غرب إدلب وفي ريف اللاذقية الشمالي وصف الاقتتال الداخلي أو أن توصف حملتها بمعركة البغي على تنظيم جهادي، أي جعل خصومها المستهدفين بالحملة ندًا، ومساواتهم بها، فهي تروج لنفسها بأنها سلطة شرعية تحكم المنطقة، وبالتالي فإنها أمام التزام أخلاقي لحماية الناس وممتلكاتهم في مناطق سيطرتها، وملاحقة كل من يهدد الأمن والاستقرار واجب عليها.
الجهادي التونسي في صفوف تحرير الشام، عبد الرحمن الإدريسي، قال على “تويتر”: “ما يحصل في ريف اللاذقية باختصار، مجموعة من الغلاة التكفيريين المتورطين بأعمال قتل ونهب بحق عوام المسلمين متحصنة في المنطقة وجهاز الأمن العام بالاشتراك مع الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام يقومون بإخضاعهم، وما سوى ذلك إشاعات وكذب”.
من جهته، قال الشرعي العسكري في تحرير الشام، الجهادي المصري أبو الفتح الفرغلي: “تنبيه، القتال الفصائلي في المحرر انتهى إلى غير رجعة منذ سنتين ولن يعود مرة أخرى بإذن الله وفضله ومنته”.