ترجمة حفصة جودة
تحت ضغوط إزالة الكربونات، أعلنت السعودية مجموعة كبيرة من الإجراءات للتعامل مع أزمة المناخ التي تزداد حدتها، لكن النقاد يقولون إن هذه الخطوات ما هي إلا ستار للحفاظ على الوقود الأحفوري الذي يعزز اقتصادها.
بعد إقامة “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر” في نهاية الأسبوع الماضي، قدم ولي عهد السعودية محمد بن سلمان سلسلة من الخطط لمعالجة مخاطر الاحتباس الحراري الذي سببته الدول الغنية بشكل كبير خلال القرون الثلاث الماضية.
تضمنت المبادرة تحقيق “صافي صفر” لانبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2060 وزراعة 50 مليار شجرة في الشرق الأوسط خلال العقد القادم وإطلاق مشروع الطاقة النظيفة في المنطقة بقيمة 10.4 مليار دولار.
جاءت هذه التعهدات بعد أن أعلنت “أرامكو السعودية” – أكبر منتج للنفط في العالم – خططها لرفع إنتاج النفط الخام من 12 مليون برميل في اليوم إلى 13 مليون برميل بحلول عام 2027، وهي الخطوة التي يقول العلماء وخبراء الطاقة والنشطاء إنها مضادة تمامًا لما نحتاجه لتجنب الآثار الخطيرة لتغير المناخ، إذ يقول باحثو المناخ: “يجب أن تبقى جميع الهيدروكربونات في الأرض بداية من الآن”.
بررت السعودية خطواتها المتناقضة بالحد من انبعاثات الكربون مع الاستمرار في استخراج النفط من الأرض وبيعه عالميًا، بأنها جزء من خطة لإنشاء “اقتصاد كربون دائري”، هذه التصورات بمواصلة استخراج النفط الممتلئ بالكربون من الأرض مع استخدام تقنيات حديثة لالتقاط وتخزين أو بيع تلك الانبعاثات، هو بالأساس مخطط تعويضي.
يجب على الحكومات والشركات التوقف فورًا عن الاستثمار في مشاريع غاز ونفط جديدة إذا أراد العالم أن يحقق “صافي صفر” من انبعاثات الكربون بحلول عام 2050
تقول السعودية ومنتجو الطاقة التقليديين إنه ليس واقعيًا ببساطة إغلاق صنابير الغاز والنفط حاليًّا لأننا سنحتاج إلى الوقود الأحفوري لعقود قادمة في أثناء تحولنا إلى الطاقة المتجددة، قال الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو أمين ناصر: “شيطنة صناعة الهيدروكربونات لن تساعد أحد، وكذلك إزالة الكربون عن الاقتصاد لن يقدم المساعدة”.
لعبة طويلة
حددت المملكة سابقًا خططها لبناء أكبر مصنع للهيدروجين الأخضر يُدار بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح في مدينتها المستقبلية “نيوم”، وقالت الرياض إن مبادرة السعودية الخضراء ستتضمن استثمارات بأكثر من 700 مليار ريال (187 مليار دولار) بحلول عام 2030.
أشادت الخبيرة الاقتصادية في مجال الغاز والنفط كورنيليا ماير بخطط تحول المملكة للاقتصاد الأخضر، فقالت “تتجه السعودية نحو مسار جيد مع المبادرات الخضراء للشرق الأوسط والسعودية ومشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة، وعلى المدى الطويل سينجح ذلك في تطوير تقنية “CCUS” (التقاط وتخزين وفصل ثاني أكسيد الكربون) ومفهوم اقتصاد الكربون الدائري، لأن عملية مكافحة تغير المناخ لعبة طويلة”.
لكن الآخرين يشككون في مسار الرياض في التعامل مع أزمة المناخ المتصاعدة، فقد قالت وكالة الطاقة الدولية “IEA” – أكبر هيئة للطاقة في العالم – يجب على الحكومات والشركات التوقف فورًا عن الاستثمار في مشاريع غاز ونفط جديدة إذا أراد العالم أن يحقق “صافي صفر” من انبعاثات الكربون بحلول عام 2050.
تشير التقديرات إلى أن قطاع النفط والغاز يشكل نحو 87% من إيرادات الميزانية و42% من إجمالي الناتج المحلي و90% من عائدات التصدير السعودية
هناك تساؤلات أيضًا تحيط بالموقف الحاليّ لتقنية “التقاط الكربون” التي تروج لها السعودية، تلك التقنية التي لا تزال فاعليتها غير مثبتة، كما أنها باهظة للغاية لاستخدامها في الاستخراج على نطاق واسع.
ليس من الصعب أن نفهم لماذا ستقاوم المملكة التصرف بسرعة وحسم في الابتعاد عن إنتاج الهيدروكربون، تمتلك السعودية نحو 16% من احتياطي البترول في العالم، تشير التقديرات إلى أن قطاع النفط والغاز يشكل ما يقارب 87% من إيرادات الميزانية و42% من إجمالي الناتج المحلي و90% من عائدات التصدير.
ومع ذلك، مع انبعاثات الغازات الدفيئة المتزايدة وما يصاحبها من ارتفاع درجة الحرارة عالميًا والدمار البيئي المرتبط بذلك، سننتظر أن نرى إذا كانت تقنية التقاط الكربون وزراعة مليار شجرة يمكنها أن تلغي الإحراق الجماعي المستمر للوقود الأحفوري.
التعامل مع الأسباب الجذرية
يتهم بعض النقاد السعودية بـ”الغسيل الأخضر” أو ادعاء أن شيئًا ما جيد للبيئة بينما يقول الواقع عكس ذلك، تقول يارا عاصي – زميلة غير مقيمة بالمركز العربي في واشنطن – إن تقنية السعودية لالتقاط الكربون شيء واحد من بين عدة أشياء ضرورية لحل الأزمة، فهي وحدها ليست كافية كإستراتيجية.
الطريق الوحيد لإزالة الكربونات سريعًا لتفادي النتائج الكارثية للاحتباس الحراري، هو حظر أي تطويرات جديدة للوقود الأحفوري
وتضيف عاصي “هذه الخطوة مناسبة إذا كانت الدولة غير مستعدة لخفض كمية الكربون التي تنتجها، لكنها تريد فوائد الادعاء بأنها تقلل انبعاثات الكربون، إن إعلانات السعودية الخضراء في قمة “COP26″ مثل زراعة مليون شجرة في السنوات القليلة القادمة أمر مطلوب، لكن الجهد الرئيسي في مكافحة الاحتباس الحراري هو التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري”.
“وفي النهاية، هذا النوع من المبادرات يقدم عنوانًا رئيسيًا جيدًا للدولة، بينما يسمح لها بتجنب التعامل مع الأسباب الجذرية لتغير المناخ وانبعاثات الكربون التي ستتطلب إعادة التفكير بشكل جوهري في كيفية بناء عالمنا وكيف نوفر الطاقة لما بنيناه”.
خطير ووهمي
كان ماثيو آرشر – الباحث في معهد الدراسات العليا بجنيف – أكثر صراحة عند سؤاله عن خطة “اقتصاد الكربون الدائري” للسعودية، فقد قال: “من السخافة أن نعتقد بأن الاقتصاد القائم على استخلاص وحرق الوقود الإحفوري قد يكون “دائريًا” بأي معنى للكلمة، الطريقة الوحيد لنجاح ذلك الاعتماد على تقنيات ليست موجودة بعد، هذه المبادرات مليئة باللغة الطموح والغامضة، مع القليل من الخطط المحددة ودون أي آليات مسؤولة”.
مع تسليط الضوء على التحذيرات الشديدة في التقرير الصادر عن اللجنة الدولية لتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، يقول آرشر إن الطريق الوحيد لإزالة الكربونات سريعًا لتفادي النتائج الكارثية للاحتباس الحراري، هو حظر أي تطويرات جديدة للوقود الأحفوري والاستثمار المكثف في مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية العامة، أي شيء أقل من ذلك ليس مجرد غسيل أخضر، لكنه خطير ووهمي.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية