قبل أيام عجّت شبكات التواصل الاجتماعي بمشاهد غير مسبوقة في المملكة العربية السعودية، لكنها قد تنذر بحدوث تطبيع قريب بين الرياض وتل أبيب، في مشاهد تعيد للذاكرة مرحلة ما قبل تطبيع العلاقات بين الإمارات و”إسرائيل”، فهل باتت السعودية قريبة من اتفاق أبراهام، متنازلة عن واجباتها تجاه فلسطين؟
“حاخام” يرقص فرحًا
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر كبير حاخامات الجالية اليهودية في الخليج الحاخام اليهودي الإسرائيلي يعقوب يسرائيل هرتزوغ، يقول فيه إنه يتجول في أحد شوارع العاصمة السعودية الرياض رفقة أحد رجال الأعمال السعوديين.
يسرائيل نشر صورة يظهر فيها وهو ينظر إلى الرياض معلقًا: “إن شاء الله في المستقبل”، في إشارة على ما يبدو إلى حدوث تطبيع قريب.
إن شاء الله في المستقبل. pic.twitter.com/FhQepyhPz8
— Rabbi Jacob Y. Herzog الحاخام يعقوب يسرائيل هرتسوغ (@RabbiHerzog) October 19, 2021
انتشر بعدها مقطع فيديو آخر يظهر فيه يسرائيل يرقص مع مواطن سعودي في الرياض، تناولتها مواقع عدة سعودية وصفتها بأيام سلام تاريخية.
ليست بالمجان
بالتزامن مع هذه المشاهد، تدور جلسات النقاش بين الطرفين السعودي والأمريكي للحديث عن ملف التطبيع مرة أخرى، بعدما تم تهميشه مع تسلم إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، الذي أثار تخوفات المملكة بشأن تعاطيه مع ملفات أخرى تخص سجل السعودية في حقوق الإنسان، عدا عن ملف اغتيال الصحفي جمال خاشقجي.
هذه التطورات الجديدة كشفها موقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي، بقوله إن مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، بحث قضية التطبيع مع “إسرائيل” خلال اجتماعه الأخير مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
الموقع نقل عن ثلاثة مصادر أمريكية وعربية القول: “سوليفان أثار القضية في اجتماع جرى في 27 سبتمبر/أيلول الماضي بمدينة نيوم السعودية”، وأشار إلى أن “ابن سلمان لم يرفض الموضوع بشكل قاطع”.
البيان الرسمي السعودي الذي نشر بعد لقاء سوليفان وابن سلمان لم يشر إلى أنهما تطرقا لقضية التطبيع مع “إسرائيل”
لكن هذه الخطوة لو تمت فلن تحصل بـ”المجان” وفقًا لمحلل سعودي نقل عنه الموقع، فإن السعوديين قالوا إن التطبيع مع “إسرائيل” سيستغرق بعض الوقت وأعطوا سوليفان قائمة بالخطوات التي يجب اتخاذها قبل الشروع به.
من بين هذه الخطوات تحسين العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية، فمن المرجح أن تكون أي خطوة سعودية للتطبيع “جزءًا من صفقة أكبر يمكن أن تشمل خطوات إسرائيلية بشأن القضية الفلسطينية وخطوات أمريكية لاستعادة العلاقات مع ابن سلمان، الذي رفض بايدن التعامل معه بشكل مباشر”.
ولم يصدر أي موقف رسمي من الرياض بشأن ما ورد في التقرير الأمريكي، حتى إن البيان الرسمي السعودي الذي نشر بعد لقاء سوليفان وابن سلمان لم يشر إلى أنهما تطرقا لقضية التطبيع مع “إسرائيل”، واكتفى بالإشارة إلى أنهما بحثا “العلاقات الإستراتيجية بين البلدين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، كما تناولت المباحثات قضايا المنطقة والقضايا ذات الاهتمام المشترك”.
خطر كبير
محللون أشاروا إلى خطورة هذه الخطوة، ففي حال إتمامها ستكون السعودية أكبر لاعب إقليمي يوقع على اتفاقية سلام مع “إسرائيل”، ومن المرجح أن يؤدي هذا الاختراق الكبير إلى إقناع دول عربية وإسلامية أخرى بأن تحذو حذوها.
وعلى الرغم من أن المملكة لم تعلق بعد، فإن تصريحات سابقة دلت على ترحيبها الضمني بالتطبيع، ومن ذلك ما أدلى به وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في مقابلة مع قناة “سي إن إن” (CNN) الأمريكية شهر أبريل/نيسان الماضي، حين قال إن تطبيع العلاقات المحتمل مع “إسرائيل” سيعود بفائدة هائلة على منطقة الشرق الأوسط كلها اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا.
وكانت تصريحاته قد تلت أخرى قالها ابن سلمان، اعتبر فيها أن للإسرائيليين الحق في العيش بسلام على أرضه، مؤكدًا في الوقت ذاته “يجب أن يكون لدينا اتفاق سلام لكي يتأمن الاستقرار للجميع ولكي تكون هناك علاقات طبيعية”.
ماذا يؤخر الرياض؟
على الرغم من جميع المقومات التي قد تُظهر أن إتمام عملية التطبيع بين الرياض وتل أبيب أمر سهل مماثل لما حدث مع جارتيها الإمارات والبحرين، فإن هناك عوائق تبطئ من سير العملية وتصعبها على ولي العهد الذي يبدو متلهفًا لها.
أولًا، من الطبيعي، أن الشعب السعودي ما زال غير مهئيأ لخطوة بهذه البشاعة، ولعل الأحداث الأخيرة أبرزها زيارة الحاخام للمملكة، ما هي إلا إجراء جس نبض لمدى تقبل الشعب الذي عاش عقودًا محافظًا بطبعه، فكرة وجود إسرائيليين على أرضهم، التي يعتبرونها حاملة لواء الدفاع عن الأماكن الإسلامية المقدسة في فلسطين والعالم.
أما المعوق الثاني، أنه على الرغم من سمات التسرع التي يتحلى بها ولي العهد الشاب، فإن المملكة يبدو أنها أعادت نظرها في أمر التطبيع خلال الأشهر الماضية التي حملت تطورات وتجاوزات إسرائيلية في الأراضي المحتلة لم تفعلها منذ عقود.
وذلك عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية المدججة بالسلاح المسجد الأقصى، وجاءت لقطات الهواتف المحمولة للهجوم الإسرائيلي غير المسبوق بقنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية داخل المسجد، وتهجير عائلات فلسطينية من الشيخ جراح، لتسبب حرجًا كبيرًا للإمارات والبحرين، اللتين قالتا إنهما أبرما الاتفاق بعد وعود إسرائيلية بشأن القضية الفلسطينية.
الملك سلمان يصمم على موقف السعودية السابق، أن لا تطبيع مع “إسرائيل” دون حل القضية الفلسطينية بشكل عادل
هذا الأمر وحده، أجبر السياسة السعودية على التأني بشأن هرولة ولي عهدها نحو تل أبيب، وإعادة النظر في الملف كله، وكانوا يراقبون بعناية ما يحصل ويحسبون الصعوبات التي سيجلبها عليهم التطبيع الفعلي والعلني للعلاقات مع “إسرائيل”، وفقًا لما كشفته هآرتس العبرية.
ثالث الأمور، تظهر على السطح الخلاف بين أفراد العائلة المالكة، التي كشفتها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، وهي أن ابن سلمان، أراد أن يوقع اتفاق تطبيع مع “إسرائيل” بعد الإمارات والبحرين، إلا أن والده الملك سلمان عارض ذلك.
فالملك سلمان يصمم على موقف السعودية السابق، أن لا تطبيع مع “إسرائيل” دون حل القضية الفلسطينية بشكل عادل، وفقًا لـ”المبادرة العربية للسلام”، وهي مقترح سعودي اعتمدته جامعة الدول العربية في قمتها التي عقدتها في بيروت عام 2002.
وعلى الرغم من هذا كله، فإن محللين قالوا إن مؤشرات كبيرة تدل على أن السعودية ستقوم بالتطبيع عاجلًا أم آجلًا، خصوصًا بعد تلميحات إسرائيلية متكرررة بشأن اقتراب تطبيع دولة عربية بارزة.
تطبيع آخر
على النقيض تمامًا، تقف الرياض أمام خيار التطبيع مع طهران، المعادية لـ”إسرائيل”، فبعد نحو خمس سنوات من القطيعة الدبلوماسية، و42 عامًا من الحرب الباردة، عبَّرت كلٌّ من السعودية وإيران عن نيتهما استئناف المحادثات التي يرعاها العراق للتقريب بين البلدين المتناقضين في معظم الملفات الإقليمية.
وقد تعزَّزت بوادر التحولات في الموقف الرسمي الإيراني تزامنًا مع صعود إبراهيم رئيسي، السياسي الإيراني المحافظ، إلى رئاسة الجمهورية في إيران، الذي تبنى خطة بدأها سلفه حسن روحاني من أجل التطبيع مع السعودية.
وكانت التصريحات الرسمية الإيرانية في الأشهر الأخيرة دالة على هذا الموقف، إذ صرح محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني السابق، بأن بلاده مستعدة لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية واستئناف تبادل السفراء بين البلدين.
وفي تصريح نادر فاجأ المجتمع الدولي، قال الملك سلمان بكل وضوح الشهر الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: “إيران دولة جارة، ونأمل أن تؤدي المحادثات بيننا إلى بناء الثقة والتعاون”.
وعلى الرغم من أن التناقضات في المصالح والأيديولوجيات لا يمكن حلها بسهولة، فإن الطرفين لديهما مكاسب من التقارب والتفاوض في الوقت الراهن، خصوصًا أن السعودية أُنهكت من حربها في اليمن، لكن أي هدنة دبلوماسية مُحتملة أو تطبيع مع طهران سوف يعزز الاستقرار الإقليمي، وفوائد أخرى للمملكة.