ترجمة حفصة جودة
زرع زهدي حسن أرضه في محافظة سلفيت بالضفة الغربية التي تحتلها “إسرائيل” منذ عقود، لكن هذا العام تحديدًا كان سيئًا بالنسبة له، فمثل بقية زارعي الزيتون الفلسطينيين الذين يعانون لحصاد محصولهم نتيجة هجمات المستوطنين الإسرائيليين والقيود على الحركة وقلة هطول الأمطار، يواجه حسن – 57 عامًا – مشاكل مادية هذا الموسم.
يقول حسن: “لدي 60 شجرة زيتون في أرضي بجوار الجدار العازل، عادة ما تنتج هذه الأشجار 18 كيسًا من الزيتون، لكن هذا العام بعد هجمات المستوطنين، استطاع ابني أن يجمع فقط كيسين من الزيتون”.
لم يكن أمام المزارعين ومساعديهم في سلفيت الشهر الماضي إلا الوقوف عاجزين ومشاهدة المستوطنين الإسرائيليين من مستوطنة آريل القريبة غير الشرعية، وهم يقطعون ويشعلون النار في المئات من أشجار الزيتون بأراضيهم، سرق المستوطنون الزيتون أيضًا والجرافات التي تُستخدم للعمل في الحقول الزراعية.
يقول مجد سنونو المتحدث باسم بلدية سلفيت: “لم يستطع المزارعون إيقاف هذا التدمير والوصول إلى أراضيهم لأنها على الجانب الآخر من الجدار العازل وكانت البوابات مغلقة، اتصلنا بالإدارة المدنية الإسرائيلية وأخبرناهم بما يحدث وحاولنا التنسيق للوصول إلى أراضينا، لكن عندما استلمنا تصريح الدخول إلى الأرض كان الضرر قد وقع بالفعل وكان المستوطنون قد رحلوا”.
يتجاوز الجدار العازل الإسرائيلي الحدود المعترف بها دوليًا “الخط الأخضر” الذي يفصل بين أراضي الضفة الغربية و”إسرائيل” حيث يتعمق الجدار بنسبة 85% داخل الضفة الغربية في المناطق التي تصادر فيها السلطات الإسرائيلية الأراضي الفلسطينية لصالح المستوطنين والمستوطنات الجديدة.
الجدار العازل يعمل كأداة سياسية كبيرة لتعزيز أهداف الضم الإسرائيلية
وفقًا لمنظمة “بتسليم” الحقوقية الإسرائيلية فإن “العامل الرئيسي في تحديد مسار الجدار موقع المستوطنات، وبالتالي وضع حجر الأساس للضم الفعلي لمعظم المستوطنات والكثير من الأراضي للتوسع في المستقبل”.
تقول المنظمة إن الجدار يعمل كأداة سياسية كبيرة لتعزيز أهداف الضم الإسرائيلية، مضيفة أنه ساعد في ضم “إسرائيل” لنحو 10% من أراضي الضفة الغربية.
قيود على المزارعين
تُدر صناعة الزيتون في سلفيت داخلًا يصل إلى نحو 1.5 مليون دولار كل عام، لم ينته موسم الزيتون بعد، لكن البلدية تُقدّر أن 150 مزارعًا خسروا على الأقل ربع ريعهم السنوي، وبنهاية موسم الزيتون الشهر القادم قد تصل خسارتهم إلى أكثر من نصف الريع السنوي.
يعمل نحو ربع سكان سلفيت كعمال في صناعة الزيتون، ما أضر بسبل معيشتهم بشدة، ضاعف من تلك المشكلة قلة هطول الأمطار، قال حسن إنه رغم قدرته على حصاد محصول الزيتون من أشجاره في منطقة الدراجه بسلفيت قرب الجدار العازل، فإن قلة هطول الأمطار أثرت على الإنتاج.
يقول حسن: “عادة ما أنتج نحو 20 وعاءً بلاستيكيًا كبيرًا من زيت الزيتون، لكن هذا العام تمكنت فقط من إنتاج 6 أو 7 أوعية، أعتقد أن حصاد العام القادم سيكون ضعيفًا أيضًا بسبب المستوطنين وتدميرهم المستمر للأشجار”.
عند بعض البوابات تمنح الإدارة الإسرائيلية وقتًا قصيرًا جدًا للمزارعين لدخول أراضيهم وحصاد الزيتون، نحو 20 دقيقة 3 مرات في اليوم
قال عمدة سلفيت عبد الكريم الزبيدي إنه بالإضافة إلى الأعمال التخريبية للمستوطنين بما فيها تدمير 500 شجرة زيتون خلال الـ6 أسابيع الماضية، فإن المزارعين عانوا للوصول إلى أراضيهم بسبب القيود الشديدة التي تفرضها الإدارة المدنية (الهيئة الإدارية للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية).
يضيف الزبيدي “عند بعض البوابات تمنح الإدارة وقتًا قصيرًا جدًا للمزارعين لدخول أراضيهم وحصاد الزيتون، نحو 20 دقيقة 3 مرات في اليوم، وهي ليست كافية بالطبع لوصول المزارعين إلى أراضيهم وتجهيزها وجمع الزيتون”. “وحتى مع هذه الأوقات المحددة، قد لا يظهر الجنود عند البوابات للسماح للمزارعين بالمرور أو يخبرونهم بالقدوم غدًا وعادة لا يصلون في الوقت المحدد إذا سمحوا لهم بالدخول”.
قيود المناخ
قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان لها مطلع هذا الشهر: “إضافة إلى العنف والقيود المستمرة، فإن تغير المناخ وتغير الأحوال الجوية تسبب في تعميق المشكلة، شهد عام 2020 موسم حصاد ضعيف للزيتون بشكل استثنائي بانخفاض بنسبة 55% في المحصول، يرجع ذلك إلى الفاكهة البديلة داخل وخارج الموسم بالإضافة إلى توزيع هطول الأمطار المتقطع وارتفاع درجة الحرارة في أثناء دورة النمو”.
بالنسبة لأحمد ماريتا – 42 عامًا – الموظف في بلدية سلفيت، فإن زراعة الزيتون مصدر دخل إضافي له، تقع أرضه في منطقة وادي عبد الرحمن بسلفيت، ويقع جزء منها قرب الجدار العازل، لذا كان قادرًا على الوصول إلى أرضه دون التنسيق مع جدول الإدارة المدنية الصارم.
رغم معاناتهم المستمرة للوصول إلى أراضيهم وأشجار الزيتون، ما زال سكان سلفيت حازمين وجسورين
يقول أحمد: “لم تكن لديّ مشكلة في جمع الزيتون مثل بقية المزارعين على الجانب الآخر من الجدار العازل، لكن المشاكل المستمرة مع الإسرائيليين نزعت روح المجتمع وفرحة جمع الزيتون ولم تعد تجتمع العائلات معًا للقيام بذلك مثلما اعتادوا من قبل”.
اشترى محمود جاد الله – 49 عامًا، ويعمل جنرالًا في قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية – أرضًا مزروعةً بأشجار الزيتون مؤخرًا في وادي سلامة بسلفيت، وكان متفائلًا بمشروعه الجديد، يقول جاد الله: “لم يكن لديّ الوقت للعمل في الأرض وهذا هو أول حصاد أقوم به لذا لا أستطيع أن أحدد كم يجب أن يكون المحصول هذا العام، لكنني أعتقد أنك إذا عملت في الأرض وأحسنت معاملتها ستحصل على نتيجة جيدة”.
لم يأخذ المزارعون ومتطوعو القرى ونشطاء اليسار الإسرائيلي تلك القيود الإسرائيلية بجدية وحاولوا دخول حقولهم المحظورة قبل عدة أسابيع مع بداية موسم الزيتون، انتهى الموقف بعنف عندما اعتدى الجنود الإسرائيليون على بعض النشطاء واعتقلوهم بعد محاولتهم عبور المنطقة المحاطة بالأسلاك.
قال سنونو: “تعامل الجنود معنا بقسوة ووحشية ومنعوا مسؤولين من السلطة الفلسطينية من دخول المنطقة، لقد حاولوا تدمير علاقتنا الوثيقة بأراضينا وكذلك سبل معيشتنا على أمل أن يطردونا منها”.
ومع ذلك، رغم معاناتهم المستمرة للوصول إلى أراضيهم وأشجار الزيتون، ما زال سكان سلفيت حازمين وجسورين، يقول الزبيدي: “إننا متفائلون ونشعر بانتهاء ذلك قريبًا، سيضطر المستوطنون للرحيل عن الأراضي التي احتلوها، وسيتمكن أصحاب الأرض الحقيقيون يومًا ما من زراعتها بحرية لأن الاحتلال لا يدوم للأبد، هذه الأرض وهويتها فلسطينية وعربية”.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية