لا تعيش تركيا مؤخرًا أفضل أيامها من الناحية الاقتصادية، فشبح التضخم يخيّم بشكل أو بآخر على الأسواق التركية، والأسعار تستمر بالارتفاع مع ثبات الأجور وعدم استقرار اقتصادي يحول بيننا وبين منطقة الراحة المالية التي تعودناها.
في هذا التقرير، نقدم بعضًا من أهم النصائح التي قد تهون علينا شبح التضخم، وكيف يمكن تحويل هذه المحنة لصالحنا.
ما التضخم؟
يمكن تعريف التضخم الاقتصادي بأنه الزيادة في الأسعار بمرور الوقت، ما يؤدي لاحقًا إلى انخفاض القوة الشرائية للنقود، إذا كانت تكلفة سلعة ما 10 دولارات في العام الماضي وتضخمت الأسعار بنسبة 10% هذا العام، فيمكنك توقع أن تُكلف الآن 11 دولارًا، لذلك ستحتاج إلى 10% إضافية من المال لشرائها، بمعنى آخر، إذا كنت قد احتفظت بمبلغ 10 دولارات نقدًا، فإن قيمتها الآن أقل، إذ يفترض شراء تلك السلعة بنفس النسبة.
أسبابه كثيرة أهمها تدهور قيمة العملة المحلية أو طبع الدولة لأوراق نقدية من عملتها المحلية دون غطاء من الذهب أو العملة الصعبة، مثلًا معدل التضخم العالمي عام 2021 يقارب 3.1% وهو أعلى معدل منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، لكن بعض الدول تملك معدلات تضخم مرتفعة جدًا كموزنبيق وسوريا ولبنان والأرجنتين والبرازيل وتركيا، إذ يبلغ معدل التضخم في لبنان 144% وسوريا 71.5% والأرجنتين 52.5% وفي تركيا 19.45% والبرازيل 10.25%.
إذًا، كيف نستثمر التضخم في البلد الذي نعيش فيه بشكل نحول هذه المحنة إلى منحة؟
1. ادخر بالعملات الصعبة والأصول الثابتة
يعتبر تحويل المدخرات بالعملة المحلية لأصول بالعملات الصعبة كالدولار واليورو والجنيه الإسترليني أو الذهب أو الاستثمار في أصول ثابتة مثل العقارات والأراضي الزراعية من أفضل الملاذات الآمنة هربًا من التضخم، إذ ترتفع أسعار هذه الاستثمارات بشكل مستمر وطردي بالنسبة للعملة المحلية مع الحفاظ على قيمتها الفعلية.
2. لا تُضارب بالعملات
تدهور العملة المحلية وامتلاك العملات الصعبة قد تكون مغرية لإعادة شراء العملة المحلية وتحقيق أرباح سريعة، لكن هذا النوع من المُضاربة يحتاج خبرة طويلة إن لم تمتلكها ستكون تحت رحمة تقلبات السوق، ما يجعلها خطرةً جدًا على رأس المال.
3. زد مدخولك الشهري وحاول إيجاد عمل بعملة صعبة
في عالم الإنترنت أصبح تعلم المهارات أسهل بكثير وكذا العمل عن بعد، فيمكنك من خلال مواقع العمل الحر أن تتعلم مهارة جديدة وتعمل من منزلك أو بأوقات الفراغ وتستقبل الأموال بعملات غير العملة المحلية المتدهورة، وأفضل المجالات التي تعتبر جيدة للعمل الحر هي (البرمجة، التصميم الجرافيكي، التسويق الإلكتروني، كتابة المحتوى، والترجمة، وغيرها)، وتستطيع استثمار مواقع تقديم الخدمات الرقمية كمستقل، خمسات و FREELANCER وغيرها للعمل الحر على الإنترنت وزيادة مدخولك بالدولار.
أما على صعيد عملك الحاليّ، إن كان مدخولك بالعملة المحلية حاول جاهدًا زيادة المدخول بمعدل قريب لمعدلات التضخم في البلد الذي تعيش به سنويًا من خلال الترفّع الوظيفي الذي يرافقه زيادة في الراتب الشهري، أو المطالبة بزيادة الراتب الشهري بنسب تتناسب مع معدلات التضخم في البلد الذي تعيش فيه.
لا ننسى بالطبع مساوئ الاقتراض لذلك تذكر دائمًا أن لا تقترض ما لا يمكنك سداده
4. اقترض من البنك (ولو كنت تملك ثمن ما ستشتريه نقدًا)
إن كان مدخولك بالعملة الصعبة؛ فيعتبر الاقتراض بالعملة المحلية من أسهل الطرق للتهرب من التضخم بدلًا من دفع قيمتها نقديًا (حتى لو كنت تمتلك ثمن ما ستشتريه نقدًا)، إذ تستطيع الاقتراض بنسب مرابحة إجماليّة أقل من نسبة التضخم العامة في البلد الذي تعيش فيه.
دعنا نضرب مثالًا: معدل التضخم في تركيا لعام 2021 هو 19.45%، أما معدل المرابحة في البنوك الإسلامية التركية يتراوح بين 1.45% و1.60% شهريًا أي 17.4% سنويًا تقريبًا، أي أنك تسدد القرض (بعد إضافة المرابحة بقيمة أقل من قيمة القرض ذاته في حال ادخارك لثمن المنتج بالعملة الصعبة).
مثال عملي: تقترض 100.000 ليرة تركية من البنك الكويتي التركي لمدة سنة بهدف شراء سيارة، ومع زيادة المُرابحة التي يتقاضاها البنك يصبح المبلغ الإجمالي للقرض 111.916 ليرة، أي أن البنك يتقاضى تقريبًا 12% نسبة مرابحة على القرض، أما نسبة التضخم في تركيا فتتراوح بين 18% و20% سنويًا، أي أن السيارة التي اشتريتها سيرتفع سعرها بمعدل 20% بعد تسديد القرض، ما يترك لك نسبة ربح 8% تقريبًا.
لا ننسى بالطبع مساوئ الاقتراض، لذلك تذكر دائمًا أن لا تقترض ما لا يمكنك سداده.
5. اقتنص العروض والتخفيضات وتجنب الكماليات
في أوقات الأعياد والمناسبات من كل عام تضج مواقع التسوق الإلكتروني والأسواق بالعروض والتخفيضات على كثير من المنتجات خصوصًا في شهر نوفمبر ومارس من كل عام، لذلك حاول أن تؤجل مشترياتك غير الضرورية لهكذا أوقات، ما قدّ يوفر عليك مبلغًا لا بأس به، أما المشتريات غير الضرورية والكماليات فقطعًا هذا ليس وقتها، حاول ادخار أموالك بعملات قوية أو أو ذهب أو أصول.
6. لا تؤجل شراء الحاجات الضرورية
على عكس النصيحة السابقة فأي حاجة ضرورية تريد شراءها بشكل مؤكد في فترة تتراوح بين شهر و3 أشهر مقبلة، الآن هو الوقت الأفضل لشرائها، لأنه في الدول ذات معدلات التضخم الكبيرة، عادةً ما يرتفع سعر المنتجات بشكل كبير خلال فترة قصيرة من الزمن.
7. استخدم خدمات التقسيط لا سيما التي دون فوائد
عند شرائك منتج جديد، حتى لو كنت تملك سعره نقدًا، فتقسيط قيمة المنتج دون فوائد أو مرابحات خيار اقتصادي ممتاز، لأنك تسدد سعر المنتج بالعملة المحلية بعد خسارتها لقيمتها، أي أنك ستوفر تقريبًا 1.6% من قيمة المنتج كل شهر وبشكل تراكمي.
8. التصدير أفضل الاستثمارات
في الدول التي تعاني من تدهور في قيمة عملتها، يعتبر التصدير منها لدول أخرى من أنجح الاستثمارات في هذه الأوقات الصعبة، حيث فرق سعر الصرف بين العملة المحلية والعملات الصعبة يجعل من تكاليف الإنتاج والمواد الخام المحلية وأجور العمالة مشجعة أكثر على المنافسة في الأسواق العالمية مما كانت عليه سابقًا، لذلك إذا كنت مدخرًا للقليل من الأموال وتريد استثمارها فقد يكون التصدير نصيحة مثمرة.
أخيرًا.. التضخم هو كابوس حقيقي يؤرق المستهلكين ويحرمهم من عيش حياة اعتادوها، لكن هذه الخطوات قد تسهّل عليك هذه الفترة الصعبة، أما إن كُنت من أصحاب الأعمال فبهذه الأوقات أنصحك بالتروّي والانتظار وعدم الخوض بأي استثمارات جديدة حتى تتضح لك مآلات الوضع الاقتصادي العام.