ترجمة وتحرير: نون بوست
نفّذ قادة عسكريون سودانيون يوم الإثنين انقلابا على الديمقراطية السودانية. ويمثل الانقلاب استيلاء ساخرًا على السلطة من قبل إطار من الضباط العسكريين اليائسين للحفاظ على الامتيازات الاقتصادية للجيش والخائفين من المساءلة التي سيجلبها الحكم المدني الحقيقي.
انطلق الجيش في محاولة الانقلاب عند حلول آجال تسليم رئاسة مجلس السيادة المؤقت للمدنيين، وذلك بموجب ما وقع الاتفاق عليه في الإعلان الدستوري الموقع من قبل ائتلاف قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي في آب/ أغسطس 2019.
حل عبد الفتاح البرهان، الرئيس السابق للمجلس العسكري الانتقالي، مجلس السيادة الذي كان يرأسه إلى جانب مجلس الوزراء، وأقال حكام المناطق واعتقل كبار السياسيين المدنيين بمن فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي ورد أنه اعتقل بعد رفضه قراءة إفادة سُلمت إليه. والسؤال المطروح: كيف سيحكم الجيش البلاد في أعقاب محاولته الانقلابية على الديموقراطيين المدنيين؟
من سنة 1985 إلى سنة 2021
أعلن الجيش رسميًا أنه سيلتزم بالإعلان الدستوري، مع تعليق العمل بمواد معينة، من بينها المادة 11 و12 و15 و16 المتعلقة بدور المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير في تشكيل مجلس السيادة ومجلس الوزراء وصلاحيات تلك المؤسسات، وكذلك المادة 24 (3) التي تنص على أن قوى الحرية والتغيير سترشح 67 بالمئة من مقاعد المجلس التشريعي الانتقالي الذي لم يقع تشكيله بعد.
كما علق البرهان المادة 71 التي تؤكد أن إعلان المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير هو مصدر شرعية الميثاق، والمادة 72 التي تنص على أن إنشاء مجلس السيادة سيؤدي إلى إنهاء المجلس العسكري الانتقالي الأصلي. هذا يعني أن البرهان يحاول في الواقع إخراج قوى الحرية والتغيير من الحكومة المؤقتة، ويبدو أنه عازم مرة أخرى على لعب دور الرئيس السابق سوار الذهب الذي قاد عملية إزاحة جعفر النميري في الفترة الانتقالية سنة 1985، وقيادة الفترة الانتقالية كرئيس للمجلس العسكري الانتقالي التابع للفاعلين المدنيين الرئيسيين.
تكمن نقطة الاختلاف عن سنة 1985 في أن سوار الذهب في ذلك الوقت كان يتمتع بدعم ضمني من الأحزاب السياسية الأكثر تحفظًا، بما في ذلك الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة القومي والجبهة الإسلامية الوطنية، التي كانت ترى في المجلس العسكري الانتقالي وسيلة لإزاحة اليسار الحضري الراديكالي.
اليوم، الداعمون الرئيسيون للبرهان هم فصائل متمردة محددة في دارفور وقّعت اتفاق جوبا للسلام لسنة 2020، ولا سيما فصيل مني مناوي من جيش تحرير السودان. وقد استنكرت غالبية الأطراف المدنية، ولا سيما حزب الأمة، الانقلاب كما عارضه العديد من المتمردين الآخرين. ومن غير الواضح كيف يعتزم البرهان إدارة المرحلة الانتقالية على النحو المتصوَّر في الإعلان الدستوري دون دعمهم.
العودة إلى نظام الحزب الواحد
سيكافح البرهان من أجل تأسيس نظام حزبي آخر، على عكس النميري في سنة 1969 وعمر البشير في سنة 1989، إذ ليس لديه حركة أيديولوجية كبيرة تدعمه. ولن تكون العودة إلى الإسلاميين من أجل الشرعية الأيديولوجية مهمة مباشرة، لأن البرهان كان المرشح المفضل في البداية من قبل المحور المصري السعودي الإماراتي بسبب قدرته على النأي بنفسه عن الحركة الإسلامية.
بقدر ما يعتمد على بقايا النظام القديم، لن يسعى البرهان إلى الاعتماد على الإسلاميين المتشددين بل على طبقة الانتهازيين الذين انضموا إلى نظام البشير ونظام النميري قبل ذلك مدفوعين بمزيج من السعي وراء السلطة والفساد وازدراء الحكم الديمقراطي وليس لأسباب أيديولوجية.
بدا اتفاق جوبا للسلام لسنة 2020 في البداية كأنه إنجاز رئيسي للمرحلة الانتقالية. وقد حققت الحكومة المؤقتة ما لم تحققه أي من سابقاتها في سنتيْ 1964 و1985، من خلال التوصل إلى اتفاق سلام مع الجماعات المتمردة المتمركزة في المناطق المهمشة.
لسوء الحظ، تميل الحكومات التي يقودها الجيش إلى توقيع اتفاقيات سلام بسبب السياسة الواقعية أكثر من الإيثار. عندما وقّع النميري اتفاقية أديس أبابا للسلام التي أنهت الحرب الأهلية الأولى في السودان سنة 1972، كان هدفه كسب دعم المتمردين الإقليميين ضد خصومه في وسط النهر بعد حملات القمع العنيفة ضد حزب الأمة والشيوعيين. ومثل النميري في سنة 1972، سعى البرهان إلى استخدام اتفاقية سلام مع حركات التمرد في المناطق المهمشة لتقويض الخصوم المدنيين في وسط السودان.
احتجاج على الانقلاب العسكري الذي أطاح بالانتقال إلى الحكم المدني، في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 في الخرطوم.
من خلال إشراك المتمردين في أنظمة الحكم الانتقالية وإلزامهم بالاندماج في الجيش، عززت اتفاقية جوبا للسلام دور الجيش في المؤسسات المؤقتة، حيث استغل البرهان وخاصة محمد حمدان دقلو (حميدتي) استياء المتمردين من الأحزاب المدنية في الخرطوم.
الجهات الفاعلة الانتهازية
من بين الفاعلين الرئيسيين مني مناوي، حاكم دارفور وزعيم حركة تحرير السودان الذي كان تاريخيا من أكثر قادة التمرد انتهازية. في الأيام التي سبقت الانقلاب، انضم مناوي إلى اعتصام مدعوم من الجيش خارج القصر الجمهوري للمطالبة بحل الحكومة المؤقتة. ومن بين أمور أخرى، كان مناوي يدافع عن قراره كحاكم لما بعد اتفاقية السلام في دارفور بحل لجنة إزالة التمكين فرع الفاشر، والمكلفة بتفكيك مؤسسات النظام السابق.
كما هو الحال في التحولات السابقة، واجهت محاولات الديمقراطيين المدنيين تفكيك المؤسسات الاستبدادية أزمة في المناطق المهمشة في الغرب والشرق، حيث حاول حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه البشير درء المعارضة من خلال جلب قادة إقليميين مختارين إلى أجهزته الخاصة.
في الشرق، أدى ذلك إلى احتجاجات من قبل المجلس القبلي المحلي في شرق السودان، نظارات البجا في عهد حزب المؤتمر الوطني، الذي حاول شل اقتصاد السودان من خلال قطع الطريق إلى بورتسودان. وعندما حل البرهان الحكومة الانتقالية، علّق أيضا عمل لجنة إزالة التمكين، بالتزامن مع اعتقال رئيس اللجنة وجدي صالح. ربما يأمل البرهان في النسج على خطى عبد الفتاح السيسي لسحق الديمقراطية، على أمل إدارة نظام الحزب الواحد الذي وقع إضعافه بينما يسير الجهاز الأمني والعسكري الموروث من النظام القديم البلاد بحكم الأمر الواقع.
قوة الشارع
كان للديمقراطيين في السودان بالتأكيد أفكار أخرى. فالسياسة البرلمانية أكثر رسوخا في السودان مقارنة بمصر، وحدثت بالفعل ثلاث انتفاضات مدنية، في 1964 و1985 و2018-2019، سعت كلها إلى العودة إلى الحكم الديمقراطي البرلماني.
بينما استمرت كل الأنظمة البرلمانية التاريخية الثلاثة في السودان ما بين ثلاث وخمس سنوات فقط، فشلت الانقلابات العسكرية التي أطاحت بها في إنهاء الالتزام بالتعددية السياسية في السودان، خاصة خلال عهد البشير، وسعت القوى السياسية في المنفى في السودان جاهدة للتوصل إلى توافق حول كيفية جعل النظام الديمقراطي القادم أقوى.
تلاشى هذا الإجماع إلى حد ما خلال سنوات التنافس السياسي بعد الثورة داخل ائتلاف قوى الحرية والتغيير، لكن التهديد بالعودة إلى الحكم العسكري الصريح قد جدده. قد يكون البرهان قلل أيضا من تقدير قوة الشارع – ففي حين أن المجلس العسكري الانتقالي لسنة 1985 كان قادرًا على إيقاف الجهود التي تتحداه بسرعة نسبية، فإن الحشد الشعبي اليوم أصبح أكثر استدامة.
حتى لو بالغ البرهان في استخدام قواه، سيكون من الصعب عليه التراجع بعد أن فقد الآن الشرعية الشعبية المحدودة التي حصل عليها من دفاعه الزائف عن الثورة من خلال اعتقال نظرائه المدنيين. ويكمن الخطر في أن الجيش يعود إلى الشكل الوحيد المتبقي من الشرعية ألا وهو القوة الغاشمة.
وقع الإبلاغ بالفعل عن مقتل سبعة متظاهرين برصاص قوات الأمن. لقد وصل الانتقال في السودان إلى أخطر لحظاته. يجب على الحكومات الدولية أن تفعل أكثر من مجرد التعبير عن “قلقها” من استيلاء الجيش على السلطة – ويجب أيضًا ممارسة ضغط حقيقي على الحكومات الإقليمية التي تدعم الجيش المؤقت، والتي تسبب دعمها الضمني من وقوع آخر مذبحة كبيرة للمتظاهرين في السودان.
المصدر: ميدل إيست آي