ترجمة وتحرير: نون بوست
مع استمرار الأزمة في ليبيا، تتجه الأنظار نحو الانتخابات المقرر إجراؤها في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021. ويركز المجتمع الدولي، الذي صمم الجدول الزمني للانتخابات كجزء من خارطة الطريق، بشكل خاص على الوصول إلى هذه الانتخابات في الوقت المحدد، وهو ما يطالب به أيضا العديد من الليبيين على أمل أن تخرج البلاد أخيرًا من دائرة النزاع المسلح.
لكن الاتفاق على إطار تشريعي ودستوري يُخرج البلاد من أزمتها، يتطلب التغلب على العديد من العقبات التي من شأنها أن تعطل سير الانتخابات. وبعد شهور من المفاوضات، لم يتم الاتفاق على الخطوة الأولى بالكامل، حيث يبدو الالتزام بالجدول الزمني الذي أقرته الأمم المتحدة أمرا صعبا. والأهم من ذلك، أنه في حالة إجراء الانتخابات، فمن غير المرجح أن تضع حدا للأزمة الليبية التي طال أمدها.
أثبتت الحلول السابقة التي تبناها المجتمع الدولي فشل مسار الانتخابات في ليبيا ما بعد القذافي. يشمل ذلك حكومة الوحدة الوطنية التي تم تشكيلها مؤخرًا، والتي كان من المفترض أن تعمل كهيئة توافقية، مثل سابقتها، ولكنها لم تحقق المطلوب.
ومع الانقسام الذي تشهده البلاد، لا يبدو أن الانتخابات الجديدة قادرة على معالجة الانقسامات التي مزقت البلاد، بل يمكن أن تجعل الأمور أكثر سوءا.
معركة من أجل الرئاسة
من المنتظر أن تُجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية في آن واحد، لكن الانتخابات الرئاسية – وهي الأولى في ليبيا ما بعد القذافي – تحظى بالاهتمام الأكبر.
ومع أن موعد الترشيحات الرسمية لم يحن بعد، إلا أن العديد من الشخصيات البارزة أكدت عزمها خوض الانتخابات، ومن بينها السفير الليبي السابق في الإمارات العربية المتحدة، عارف النايض.
ومع تعمّق الانقسامات في البلاد، فإنه من الصعب التكهن بمدى قدرة هذه الشخصيات على أن توحد الشعب الليبي.
ومن بين هذه الشخصيات، خليفة حفتر، القائد العسكري المسيطر على شرق البلاد، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي يستعد للترشح رغم شعبيته المحدودة.
آمال حفتر في الغرب تبدو ضعيفة، خاصة أن غالبية سكان البلاد يعيشون في طرابلس، كما أن الرئيس سيُنتخب بأغلبية الأصوات.
ويقول مصدر ليبي رفيع المستوى من شرق ليبيا، رفض الكشف عن هويته، لـ موقع ميدل إيست آي إن “عقيلة غير مرغوب به في الغرب أو الشرق، لقد انتهى دوره”.
في المقابل، يحظى حفتر بدعم كبير في الشرق رغم كثرة منتقديه، حيث يستطيع التعويل على قوات العسكرية، وبعض قبائل برقة التي بقيت موالية له رغم المخاوف بشأن حملته على طرابلس. ومن المنتظر أن يواجه حفتر صعوبات في كسب الأصوات في المنطقة الشرقية خارج برقة، وفي بعض مناطق الجنوب.
ويملك حفتر آمالا ضعيفة في كسب الأصوات في غرب البلاد، باعتباره شخصية مرفوضة في العديد من المدن. ويقول وزير الدفاع السابق مهدي البرغثي لـ”ميدل إيست آي”، معبرا عن رأي الكثير من الليبيين: “لا يمكن أن يكون هناك استقرار في ليبيا طالما أن حفتر موجود”. كما أن الدعم الذي كان حفتر يحظى به سابقا في مدن غربية مثل الزنتان وترهونة وبعض المدن الساحلية، تبدد إلى حد كبير بعد حربه على طرابلس.
بالتالي، فإن آمال حفتر في الغرب تبدو ضعيفة، خاصة أن غالبية سكان البلاد يعيشون في طرابلس، كما أن الرئيس سيُنتخب بأغلبية الأصوات.
مرشحو الغرب
رغم أن سكان غرب ليبيا يفوقون سكان الشرق والجنوب، إلا أن الفوز لن يكون سهلًا لأي مرشح من الغرب. من المنتظر أن ينقسم التصويت في الغرب بين العديد من المرشحين، الذين ليس لديهم برامج واضحة وأيديولوجية مميزة.
ومن بين أبرز مرشحي الغرب وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، الذي ينحدر من مصراتة ويحظى بشعبية بين عدد من القبائل الغربية، رغم مواجهته معارضة من بعض الجماعات المسلحة القوية في طرابلس أثناء تولي منصبه، والتي ترفض ترشحه للرئاسة.
مع ذلك، يبقى باشاغا أحد أقوى مرشحي الغرب الذين عملوا على كسب التأييد الدولي. وما يدعم موقفه، جهوده السابقة للتواصل مع قبائل الشرق، ومحاولاته الأخيرة لكسب تأييد القبائل المرتبطة بالنظام السابق.
في هذا السياق، يقول الباحث والأكاديمي الليبي عبد الجواد البدين لـ”ميدل إيست آي” إن “لدى باشاغا رؤية وقدرة كبيرة على التواصل، وهو ما ساعده في سد الفجوة بين المناطق”.
لكن أحد الشخصيات البارزة في بنغازي يرى أن حملة باشاغا في الشرق لن تكون ناجحة، ويقول: “رغم كل ما قام به من مجهودات انتخابية، إلا أنه لا يستطيع تعليق صورته في الشرق”.
يعد النائب السابق لمجلس الرئاسة، أحمد معيتيق، أصيل مصراتة، المرشح الغربي الأوفر حظا. ورغم ما يُقال أحيانًا أنه مجرد رجل أعمال، إلا أنه يتمتع بقدر من الشعبية في الغرب، لكن أحد الشخصيات البارزة أكد لـ”ميدل إيست آي” أن “شعبية أحمد معيتيق لا تتجاوز مصراتة، والتي فيها منافس له أيضا”.
ورغم أنه حقق نجاحًا ملحوظًا في أيلول/ سبتمبر 2020 من خلال التوسط في اتفاق مع جيش حفتر لرفع الحصار عن المنشآت النفطية، إلا أنه يعتبر بالنسبة لسكان الشرق -على غرار باشاغا- جزءا من المعسكر المؤيد لتركيا والذي تعمّد تهميش الشرق منذ السيطرة على الحكم في 2014.
وهناك رئيس الوزراء الحالي عبد الحميد الدبيبة، وهو أيضا من مصراتة. ورغم أنه يمثل جزءا من الحكومة الحالية، فقد فسر البعض وعوده الأخيرة برفع أجور القطاع العام وتقديم مساعدات حكومية للشباب من أجل تسهيل الزواج، على أنها دليل على رغبته في خوض الانتخابات الرئاسية.
ورغم أن هذه الإجراءات قد تُكسبه شعبية في الغرب، إلا أنه لا يحظى بتأييد في الشرق، حيث تتصاعد الضغوط لإجراء انتخابات رئاسية لضمان عدم تمكنه من البقاء في السلطة. وقد أصدر أعضاء في حكومته – ينحدرون من شرق ليبيا – في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بيانا يتهمونه فيه باتخاذ قرارات أحادية و”دكتاتورية”.
وبصرف النظر عن التنافس بين هذه الشخصيات الغربية، فلن يُقبل أي منها في الشرق وفي مناطق واسعة من الجنوب. في الواقع، سوف تفتقر هذه الشخصيات إلى حد كبير إلى الشرعية خارج نطاق دوائرها الانتخابية، لهذا السبب فإن كلا منهم يسعى جاهدا إلى كسب التأييد الدولي.
مرشحون محتملون آخرون
هناك عدد من الأسماء المحتملة الأخرى المدرجة في القائمة، بما في ذلك نجل معمر القذافي، سيف الإسلام. ورغم أنه قد يحظى بدعم بعض الموالين للقذافي، فإن محاولته لن تلقى تأييدا كبيرا، على الأقل بسبب الحكم الصادر ضده من المحكمة الجنائية الدولية، وماضيه المريع. كما أن الدوائر المؤيدة للنظام السابق ليست متجانسة، ومن هنا جاءت محاولات الشرق والغرب لتفتيتها كسبا للأصوات.
وقد سعت الشخصيات من الشرق والغرب إلى كسب تأييد عدد من رموز النظام السابق والقبائل المؤيدة له. كما أن إطلاق سراح مسؤولي عهد القذافي مؤخرا، بما في ذلك الساعدي القذافي، لا علاقة له بالمصالحة الوطنية، ولكن بالمناورات السياسية. ورغم تصريحاته لصحيفة “نيويورك تايمز” في شهر تموز/ يوليو الماضي، إلا أنه من غير المرجح أن يحظى سيف الإسلام بأي تأييد دولي.
ومن بين المرشحين المحتملين الآخرين، حافظ قدور، المحافظ السابق للبنك المركزي والسفير السابق لحكومة الوحدة الوطنية في الاتحاد الأوروبي، والشيخ السنوسي الحليق رئيس المجلس الأعلى لقبائل الزوية. وبالنظر إلى قدرته على الاعتماد على التحالفات القبلية في مختلف أنحاء ليبيا، فقد يكون الحليق في وضع جيد يسمح له بالحصول على الدعم وتجاوز الانقسامات.
في الحقيقة، يرغب سكان الشرق في تنصيب رئيس قوي، بينما يفضل سكان الغرب برلمانا أقوى، ولم تتم تسوية هذه القضية حتى الآن، وبعد عملية الاقتراع، قد تكون هناك المزيد من المشاكل
وقد أكد الحليق لـ”ميدل إيست آي” أنه مرشح “القبيلة والمدينة والطبقات العاملة”، مؤكدا أنه يؤمن بـ”رئيس قوي يمكن أن يحبه الناس ويدعمه المجتمع الدولي”. وأضاف: “لن أجد مشكلة في تعليق ملصقات حملتي الانتخابية في أي منطقة من ليبيا”. مع ذلك، فإن الحصول على الدعم الكافي سوف يشكل تحديا لأي مرشح في ظل الانقسامات الليبية، بما في ذلك المرشحين الأقل إثارة للجدل.
ومن غير المرجح أن يفوز أي مرشح في الجولة الأولى. ويقول البدين لـ”ميدل إيست آي”: “أي مرشح سيحصل على ثلث أو ربع الأصوات في الجولة الأولى، يمكن أن يحشد دعما كافيا ليفوز في الجولة الثانية”.
لكن إلى حد الآن، ليس هناك ما يضمن احترام النتائج، فكل مرشح لا يقبل النتيجة سيطعن فيها متذرعا بحجج مختلفة، بما في ذلك الأسس الدستورية والقانونية للانتخابات، وسيكون هناك أيضا خلافات حول صلاحيات الرئيس.
في الحقيقة، يرغب سكان الشرق في تنصيب رئيس قوي، بينما يفضل سكان الغرب برلمانا أقوى، ولم تتم تسوية هذه القضية حتى الآن، وبعد عملية الاقتراع، قد تكون هناك المزيد من المشاكل. ويقول البدين في هذا السياق، إن “إجراء الانتخابات الرئاسية في الوقت الراهن قد يؤدي إلى اندلاع صراع جديد بسبب عدم وجود أساس دستوري للانتخابات”.
انفصال الشرق عن الغرب
يبدو في ظل هذا الوضع أن الانتخابات القادمة لن تحل المشكلة الأساسية التي تواجهها ليبيا، ألا وهي انفصال الشرق عن الغرب والخلافات العميقة بينهما، والتي لم تتم معالجتها طوال السنوات الماضية.
لن يغير إجراء انتخابات جديدة حقيقة أن أي مرشح فائز من الغرب لن يكون قادرا على اختراق الشرق، الذي أصبح تقريبا تحت سيطرة جيش حفتر.
تعتبر تجربة حكومة الوحدة الوطنية أبرز مثال على ذلك، فقد أدى فشلها في التعامل مع هياكل السلطة في الشرق إلى تقويض مصداقيتها وحصر نفوذها في الغرب.
وإذا فاز مرشح من الشرق، فإن أي محاولة لفرض السيطرة على الغرب بالقوة ستكون كارثية، وقد تعيد البلاد إلى دائرة الصراع المفتوح. كما أن فوز مرشح جنوبي لن يكون الحل، فمن غير المرجح أن يضطلع أي شخص من الجنوب بالنفوذ الكافي للسيطرة على مقاليد الحكم.
إن هذا الوضع الصعب يعد انعكاسا لعمق الانقسام الليبي. فمنذ اندلاع الثورة، أصبحت السياسة الليبية تقوم على مبدأ المحاصصة، وأصبح توزيع المناصب الحكومية على أساس المناطق مبدأ أساسيا في إدارة شؤون البلاد.
لهذا السبب، فإن فكرة اعتماد ليبيا على مرشح واحد كرئيس يتمتع بسلطات وصلاحيات واسعة فكرة غير جيدة. وقد يضغط الليبيون بشدة لإجراء الانتخابات وفي وقتها المحدد، لكن من غير المرجح أن تُخرج هذه الانتخابات البلاد من عنق الزجاجة. ويختم البدين قائلا: “ما زلنا نراوح مكاننا، ونحن مهددون بالعودة إلى المربع الأول”.
المصدر: ميدل إيست آي