تصاعدت خلال الساعات الماضية أزمة تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، بخصوص ما اعتبره عدوانًا سعوديًا على اليمن، وأن من حق الحوثيين الدفاع عن أنفسهم بوجه ما عاد وكرره ووصفه بالعدوان، وبلغت الأزمة مستوى متقدمًا تمثل بطرد السعودية السفير اللبناني لديها، واستدعاء السفير السعودي من بيروت، وصولًا إلى وقف التعاملات التجارية والاقتصادية مع لبنان، ولا يعرف أحدٌ أين يمكن أن تصل الأمور وما يمكن أن يترتب عليها.
أصل الأزمة أن وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، وصف في برنامج تليفزيوني كان قد تم تسجيله في شهر أغسطس/آب الماضي، ما يجري في اليمن بأنه عدوانٌ سعودي على اليمن وعلى الشعب اليمني، متجاهلًا الحكومة الشرعية القائمة هناك، كما اعتبر أن من حق الحوثيين الدفاع عن أنفسهم حتى لو من خلال إطلاق الصواريخ الباليستية على المدن السعودية أو المدن اليمنية التي تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية، ولو أيضًا من خلال استهداف المسيرات الحوثية للمرافق الحيوية والمطارات والمرافئ في السعودية.
وقد بُثت مقابلة الوزير بعد أن شغل منصبه الوزاري، غير أنه وعلى الرغم من الأزمة التي خلفتها تصريحاته، تمسك بموقفه، ورفض الاعتذار رغم توضيح رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزارة الخارجية اللبنانية الذين اعتبروا جميعًا أن تصريحات قرداحي لا تعبر عن موقف لبنان الرسمي، بل تعنيه هو فقط.
لم تقبل المملكة العربية السعودية من لبنان هذا التفسير لتصريحات الوزير الذي يتحدث إلى الإعلام باسم الحكومة عقب كل اجتماع لها، وعليه قررت المملكة التصعيد بوجه الحكومة اللبنانية التي يجهد رئيسها في البحث عن أي باب يدخله إلى الخليج من أجل الحصول على تمويلٍ لبنان بأمس الحاجة إليه من أجل التعافي من أزمته الاقتصادية والمعيشية الحادة.
ناشد الرئيس ميقاتي الدول العربية والخليجية عدم ترك لبنان، والعمل والمساعدة على تجاوز هذه الأزمة من أجل الحفاظ على التماسك العربي في هذه الظروف الدقيقة
وبالعودة إلى القرار السعودي الأخير، فقد طلبت المملكة العربية السعودية بعد ظهر يوم الجمعة (29 أكتوبر/تشرين الأول 2021) من السفير اللبناني لديها مغادرة المملكة، واستدعت أيضًا سفيرها في بيروت، كما قررت وقف كل الواردات اللبنانية إلى المملكة، وكشفت عن اتخاذ عدد من الإجراءات الأخرى خلال الأيام المقبلة من بينها منع سفر السعوديين إلى لبنان.
فضلًا عن أن مصدرًا سعوديًا كشف أن الأزمة الدبلوماسية الحادة ستؤدي الى عزلة لبنان عربيًا، قائلًا: “لا نزال في البداية”، وفي هذا السياق أكد مصدر مقرب من مجلس التعاون الخليجي أنه سيتم طرد جميع سفراء لبنان من دول مجلس التعاون في الساعات القليلة المقبلة، وأن هناك عقوبات اقتصادية وسياسية شاملة ستفرضها دول المجلس على لبنان بالتزامن مع طرد السفراء من دون كشف طبيعة هذه العقوبات أو نوعها وحدودها.
كما أن مصادر في جامعة الدول العربية أشارت إلى أن الجامعة قد تعد ورقة عمل ربطًا بالتداعيات التي خلفتها الأزمة بين لبنان ودول الخليج من دون كشف طبيعة هذه الورقة وما ستتضمنه.
لبنانيًا أثارت الخطوة السعودية ومن خلفها الخليجية ذعرًا وقلقًا كبيرين في لبنان الذي يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة جعلت الليرة اللبنانية تفقد أكثر من 90% من قيمتها، وجعلت اللبنانيين يخسرون أكثر من 90% من قدرتهم الشرائية، ومن المتوقع أن يكون للقرارات السعودية والخليجية وقْعٌ كبير على لبنان، وأن يزيد من حجم الأزمة وتفاقمها، خاصة أن لبنان يصدر إلى المملكة منتجات وبضائع بقيمة أكثر من مليار ومئتي مليون دولار وهذه ستتوقف في ظل قرار وقف الواردات اللبنانية إلى المملكة، وهناك أيضًا اللبنانيون العاملون في المملكة الذين يحولون شهريًا مبالغ مالية كبيرة لا يُعرف بعد إذا ما كانت المملكة ستسمح باستمرارها أم أنها ستمنع تلك التحويلات أو أنها ستطرد أيضًا العمال اللبنانيين منها.
الأزمة ظاهرها تصريحات وزير الإعلام اللبناني الحديث العهد بالمنصب الذي هو فيه، لكن باطنها وجوهرها يلخص الموقف السياسي السعودي مما يعتبره سيطرة وهيمنة حزب الله على القرار اللبناني
فضلًا عن ذلك فإن رئيس الحكومة اللبنانية الحاليّ نجيب ميقاتي، كان يمني النفس ويجهد من أجل فتح أي باب يوصله إلى الخليج ويفتح صناديق دول الخليج لدعم لبنان من جديد، وبناءً عليه فقد ناشد ميقاتي الدول العربية والخليجية عدم ترك لبنان، والعمل والمساعدة على تجاوز هذه الأزمة من أجل الحفاظ على التماسك العربي في هذه الظروف الدقيقة التي تعيشها أوطاننا وشعوبنا، وأكد استمراره في إجراء الاتصالات لمعالجة الأزمة وذيولها وتداعياتها، وشدد على رفض أي إساءة للمملكة أو لغيرها، طالبًا من القيادة السعودية إعادة النظر بالقرار المتخذ.
وفي موازاة ذلك طلب من وزير الإعلام في حكومته اتخاذ ما يلزم من قرار صائب يوفر على لبنان مزيد من الأزمات في إشارة ضمنية إلى الطلب منه التقدم باستقالته من الحكومة قبل اللجوء إلى إقالته منها لوضع حد لهذه الأزمة الحادة، كما أن رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط دخل على خط المعالجة بعد استشعاره لحجم الخطر المحدق وقال: “كفانا كوارث”، وأضاف عبر تويتر “أقيلوا هذا الوزير الذي سيدمر علاقاتنا مع الخليج العربي قبل فوات الأوان”، متسائلًا “إلى متى سيستفحل الغباء والتآمر والعملاء بالسياسة الداخلية والخارجية اللبنانية؟”.
العقوبات الخليجية فيما لو فُعلت سيكون لها تداعيات خطيرة جدًا على لبنان تزيد من حجم الأزمة والمأزق الذي يمر به البلد
هي معركة أعلنتها السعودية على لبنان ظاهرها تصريحات وزير الإعلام اللبناني الحديث العهد بالمنصب الذي هو فيه، لكن باطنها وجوهرها يلخص الموقف السياسي السعودي مما يعتبره سيطرة وهيمنة حزب الله على القرار اللبناني واتخاذ لبنان منصة لمعاداة المملكة وبقية العرب بحسب وجهة النظر السعودية التي تجاهر بها المملكة ولا تخفيها، وقد أشارت المملكة إلى ذلك في بيان طرد السفير اللبناني من الرياض عندما أشارت إلى وقوع لبنان تحت سيطرة حزب الله واتخاذه منصة لمعاداتها.
لقد فتحت هذه القرارات جبهة جديدة على لبنان في وقت لم ينته بعد من لملمة جراحه من الأزمة الداخلية الحادة التي تمثلت قبل أيام بأحداث الطيونة التي كادت تنزلق بالبلد نحو الفوضى والمجهول والحرب الأهلية لولا تدارك ذلك في ربع الساعة الأخير.
لبنان الآن أمام تحدٍ جديد وخطير في الوقت ذاته، فالعقوبات الخليجية فيما لو فُعلت سيكون لها تداعيات خطيرة جدًا على لبنان تزيد من حجم الأزمة والمأزق الذي يمر به البلد، فضلًا عن أنها ستعيد إنتاج الانقسام القائم أساسًا من جديد، لكن هذه المرة قد يكون بأساليب وطرق أخرى قد تكون أكثر خطورة على البلد، ولعل الانتخابات النيابية المقبلة التي يعول عليها الكثير من الناس والجهات ستكون أولى ضحايا الواقع الذي سيستجد.
لبنان اليوم بات في مهب العقوبات الخليجية، تلك العقوبات التي يمكن أن يكون لها تأثير في المشهد اللبناني أكثر من أي شيء آخر بانتظار إما الانزلاق نحو الفوضى والمجهول، وإما العودة إلى التعقل والحكمة عند الجميع دون استثناء حتى تستقيم الأمور في بلد لا يمكن أن يخضع لطرف أو فريق واحد مهما بلغ من القوة والاقتدار.