ترجمة وتحرير: نون بوست
كانت سنة 2021 حافلة بالانقلابات، وشهدت خلالها محاولات الاستيلاء على السلطة في العديد من الدول نجاحا كبيرا مقارنة بالسنوات الخمس السابقة. في ميانمار، قاد المجلس العسكري انقلابا وانحرف عن الديمقراطية الوليدة في البلاد في شهر شباط/ فبراير واعتقل أبرز القيادات المدنية. وفي غرب إفريقيا، نفذ قادة الجيش في مالي وغينيا وتشاد انقلابات أطاحت بالحكومات الشرعية.
جاء الدور لاحقا على تونس والسودان. بدأ الانقلاب في تونس منذ أواخر تموز/ يوليو، عندما أقال الرئيس قيس سعيد رئيس الحكومة وجمّد البرلمان وسط احتجاجات شعبية واسعة النطاق، واستحوذ على جل السلطات. بعد مرور عقد من الثورة التونسية التي أطاحت بالديكتاتور بن علي الذي حكم البلاد 23 سنة، عادت البلاد مرة أخرى إلى دوامة الاستبداد وشُيّعت جنازة الديمقراطية الوحيدة الناجحة للربيع العربي.
في السودان، تصاعد التوتر خلال الشهر الماضي بين قيادة مدنية هشة وجيش قوي، قبل أن يُنفّذ الجيش انقلابه في بداية هذا الأسبوع، حيث اعتقل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وبقية أعضاء حكومته، وحلّ البرلمان وأعلن حالة الطوارئ. ومثلما فعل قيس سعيد، ويفعله كل الانقلابيين، وصف الفريق عبد الفتاح البرهان، القائد العسكري الأعلى في السودان، انقلابه باعتباره خطوة نحو الاستقرار والتقدم.
في مؤتمر صحفي عُقد يوم الثلاثاء، نفى البرهان أنباء عن قيام قوات الأمن باعتقال العديد من المسؤولين المدنيين وشن هجمات على نشطاء مؤيدين للديمقراطية، وقال إن “أفرادا معينين تم احتجازهم لأنهم يقوضون الوحدة الوطنية والأمن القومي. نحن لا نكمم الأفواه، بل نحجب أي صوت يقوض تناغمنا الوطني بشكل مباشر”.
بينما تكافح حكومة سعيد الانتقالية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لتعويض العجز الكبير في الميزانية، يجري الرئيس التونسي محادثات مع الإماراتيين والسعوديين من أجل إنقاذ الاقتصاد التونسي.
يقوّض تدخل الجيش السوداني الديمقراطية الهشة التي وُلدت قبل حوالي ثلاث سنوات بعد احتجاجات حاشدة ضد الدكتاتور عمر البشير. تمكنت الحركة الاحتجاجية التي ضمت فئات واسعة من الشعب السوداني، من الإطاحة بالبشير في شهر نيسان/ أبريل سنة 2019 بعد أن انقلبت شخصيات بارزة في المؤسسة الأمنية السودانية على الرئيس السابق. وفي الأشهر المتقلبة التي تلت ذلك، تجاوز السودان عزلته الدبلوماسية وأعاد علاقاته مع بعض الحكومات الغربية ونجح في إزالة اسم البلاد من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.
لكن كل هذه المكاسب كانت هشة. وقد أكد زميلي ماكس بيراك أن “القادة العسكريين والمدنيين في السودان تقاسموا السلطة في ظل توافق هش أضعفته الشكوك المتبادلة والخلافات حول القضايا الأساسية، مثل من يتحمل المسؤولية عن الفظائع والانتهاكات التي ارتُكبت في عهد البشير، وإمكانية انخراط الجيش في إدارة بعض القطاعات الاقتصادية”. وأضاف أن “اللاعبين القدامى والجدد يتنافسون على السلطة في السودان في ظل فوضى عارمة”.
أُعلن عن انقلاب البرهان بعد ساعات فقط من مغادرة المبعوث الأمريكي للمنطقة، جيفري فيلتمان، العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعدما أجرى اجتماعات مع كبار القادة المدنيين والعسكريين في البلاد. وقد أدانت إدارة بايدن الانقلاب وقالت إنها جمدت 700 مليون دولار من المساعدات المباشرة للسودان، والتي وعدت بها كجزء من خطة أمريكية لدعم التحول الديمقراطي في البلاد.
لكن البرهان الذي يحظى بدعم ضمني من عدد من الأنظمة الاستبدادية العربية، يبدو في موقف قوي. يقول مجدي الجزولي، المحلل السوداني في معهد ريفت فالي: “قد ينجح البرهان في انقلابه بدعم من حلفاء آخرين، مثل مصر والسعودية والإمارات. إنه ليس منبوذا كما كان البشير في آخر حكمه، وليس إسلاميا. سيجد وجها مدنيًا جديدا أكثر مرونة، وسيحافظ على البروتوكولات، وسيتعامل الغرب مع ذلك الشخص في نهاية المطاف”.
هذا الثلاثي – مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – ساند أيضا إجراءات قيس سعيد. كان الرئيس التونسي على خلاف مع عدة فصائل سياسية، بينها حزب النهضة الإسلامي، المرتبط تاريخيا بجماعة الإخوان المسلمين، ما يجعله هدفا للحملات المعادية من القاهرة وأبو ظبي.
بينما تكافح حكومة سعيد الانتقالية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لتعويض العجز الكبير في الميزانية، تشير التقارير إلى أن الرئيس التونسي يجري محادثات مع الإماراتيين والسعوديين من أجل إنقاذ الاقتصاد التونسي.
ألبرتو فرنانديز: “لم تعلن القاهرة والدوحة وأبو ظبي والرياض موقفها بشكل رسمي مما حدث، لكن هذه الدول ستحتاج إلى تحقيق التوازن بين أجنداتها في السودان وعلاقاتها المعقدة مع الغرب”.
سنة 2013، لعبت الدولتان الخليجيتان دورا محوريا في دعم نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد انقلابه على مرسي، وقد تحاولان أيضا دعم البرهان في السودان، التي أصحبت -على غرار تونس- ساحة “للعبة إقليمية كبرى” ومواجهة جيوسياسية بين مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة، وقطر وتركيا من جهة أخرى. ظهرت هذه المواجهة بشكل واضح في ليبيا المجاورة لتونس، حيث دعم المعسكران فصائل متناحرة، وقد امتدت آثار الأزمة الليبية إلى الساحة السياسية التونسية.
يشير محللون إلى أن أموال الخليج عززت قوة الجيش السوداني بعد سقوط البشير. وكتب الباحث المتخصص في الشأن السوداني، جان باتيست غالوبين: “منح الدعم المالي من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للجنرالات القدرة على مقاومة المطالب الشعبية بحكم مدني، مما شكل توازنا هشا سمح للجنرالات باجتياز فترة التعبئة الجماهيرية. الأموال السرية الإماراتية منحت الجيش نفوذا لا مثيل له عبر قطاعات كبيرة من الطيف السياسي، مما ساعد الجنرالات على تعزيز سلطتهم”.
في ظل الوضع الراهن، يرى الخبراء أن أي أمل في استعادة المسار الديمقراطي في السودان يتطلب ممارسة الضغط على هذه الدول العربية. وقد أشارت مذكرة صادرة عن مجموعة الأزمات الدولية إلى أن “ممالك الخليج ومصر، التي أقامت روابط وثيقة مع البرهان وقادة الجيش، يجب أن تحث السلطات على ضبط النفس بدلا من اللجوء إلى القوة المفرطة. يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استخدام النفوذ الكبير في الخليج والقاهرة لإقناعهم بدفع الجنرالات في الخرطوم لتغيير المسار”.
ويقول ألبرتو فرنانديز، القائم بالأعمال الأمريكي السابق في السودان: “سيتم خلال الأسابيع القادمة الكشف عن الحكومات العربية والساسة السودانيين الذين يدعمون الحكم العسكري الجديد، ويجب على واشنطن والأطراف الأخرى توضيح أن هناك عواقب لدعم نظام مارق. لم تعلن القاهرة والدوحة وأبو ظبي والرياض موقفها بشكل رسمي مما حدث، لكن هذه الدول ستحتاج إلى تحقيق التوازن بين أجنداتها في السودان وعلاقاتها المعقدة مع الغرب”.
المصدر: واشنطن بوست