يتواصل تدفق الأرتال العسكرية التركية نحو الجبهات مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في منطقة “نبع السلام” شرق الفرات، وذلك بالتزامن مع رفع الفصائل المعارضة لجاهزية مقاتليها وتنفيذ عمليات إعادة انتشار جديدة على طول خطوط التماس تأهبًا للمعركة التي باتت وشيكة.
وعلى الطرف الآخر من الجبهات بدأت وحدات حماية الشعب الكردية ypg التي تقود تحالف “قسد” بتعزيز خطوطها الأمامية بمزيد من الأعداد والعتاد الحربي، وتعمل في الوقت ذاته على حشد الشارع ضد العملية العسكرية التركية المفترضة، وتكثيف لقاءاتها مع قوات النظام وروسيا لمنع المعركة.
التأهب للمعركة
دفع الجيش التركي خلال الأيام الثلاث الماضية بتعزيزات عسكرية كبيرة نحو منطقتي تل أبيض شمال الرقة ورأس العين في ريف الحسكة، وتوزعت التعزيزات التي ضمت دبابات وراجمات صواريخ ومدفعية وناقلات جند وآليات مخصصة لعمليات التحصين في القواعد العسكرية ونقاط التمركز التركية القريبة من خط التماس مع “قسد”.
وعملت القوات التركية الواصلة حديثًا إلى خطوط التماس على تحصين مواقعها بالتزامن مع تحليق مكثف للطائرات المسيرة التركية في سماء المنطقة، التي امتد تحليقها إلى أجواء منطقة عين العرب/كوباني شمال شرق حلب، ونفذت فيها مسيرة تركية منتصف ليل 30/31 أكتوبر/تشرين الأول غارة جوية استهدفت حاجز لقسد قرب جسر قره قوزاق الذي يصل المنطقة بمدينة منبج، وذلك بحسب مواقع إعلامية مقربة من النظام وقسد.
ونفذت الفصائل المعارضة في “الجبهة السورية للتحرير” وغرفة القيادة الموحدة “عزم” عمليات إعادة انتشار جديدة في جبهات منطقة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ومنطقة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، ونقلت الفصائل جزءًا من عتادها الحربي وعددًا من كتائبها في ريف حلب إلى منطقة “نبع السلام”، ومن المفترض أن تجري عمليات نقل جديدة وبشكل أوسع مع اقتراب موعد المعركة.
وأجرت غرفة القيادة الموحدة “عزم” التي تضم في صفوفها العدد الأكبر من فصائل الجيش الوطني المدعوم من تركيا تدريبات عسكرية لمقاتليها لزيادة قدراتهم القتالية ورفع لياقتهم البدنية، وأخضعت سرايا القناصة لتدريبات مكثفة بهدف رفع القدرات القتالية، أما الجبهة السورية للتحرير فقد أعلنت عن جاهزية مقاتليها للمشاركة في المعركة بعد أن أنهت استعداداتها العسكرية.
وقال رئيس المكتب السياسي للجبهة مصطفى سيجري على “تويتر”: “أنهينا التدريبات والاستعدادات العسكرية اللازمة للعملية العسكرية المرتقبة، وبات الآلاف من المقاتلين على أهبة الاستعداد لاستئناف العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني وأذرعه الإرهابية في سوريا”.
أشرف نائب قائد الجبهة السورية سيف أبو بكر على تخريج دورة جديدة من مقاتلي القوات الخاصة الذين من المفترض إشراكهم في المعركة المقبلة، وحضر حفل التخرج ضباط في الجيش التركي، وقال أبو بكر على “تويتر”: “أنهى عناصرنا تدريباتهم ضمن معسكر القوات الخاصة وقمنا بالإعلان عن تخريجها بحضور قادة في الجيش التركي وقادة وضباط الجبهة السورية للتحرير، وبدورنا نعلن بعدها جاهزيتنا الكاملة للمشاركة بالأعمال العسكرية التي ستحرر أرضنا وشعبنا من نظام الأسد وتنظيمات PKK-PYD”.
مصدر عسكري معارض قال لموقع “نون بوست”: “لم تصل حتى الآن التحركات العسكرية للفصائل والجيش التركي إلى ذروتها رغم الإعلان عن الجاهزية الكاملة لتنفيذ أي تحرك عسكري حال أعلنت ساعة الصفر، هناك محوران على الأقل ستبدأ فيهما المعركة التي ستكون غالبا في منطقتين منفصلتين جغرافيًا، أي في منطقتي درع الفرات بريف حلب ونبع السلام شرقي الفرات، وهذا يتطلب غرفتي عمليات، وتوزيعًا أكبر للمقاتلين، وتحركات أوسع من ناحية الاستنفار ورفع الجاهزية والتحشد العسكري الهجومي بالقرب من خطوط التماس”.
أضاف المصدر “قد نشهد خلال النصف الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني قصفًا متصاعدًا على قسد شرقي الفرات والوحدات الكردية غربه في ريف حلب، الذي من المفترض أن يستهدف مستودعات الأسلحة والنقاط المتقدمة والخطوط الدفاعية، وهو ما يمكن تسميته الاستطلاع بالقوة الذي يمهد للهجوم البري ويكشف الثغرات والخواصر التي يمكن أن يتوجه نحوها”.
تحركات قسد الدفاعية
أرسلت المجالس العسكري التابعة لقسد في دير الزور والرقة والحسكة تعزيزات عسكرية ضخمة إلى خطوط التماس مع المعارضة في منطقة “نبع السلام” شرق الفرات، وتركزت تعزيزاتها بشكل أكبر في ثلاث مناطق رئيسية هي: تل تمر بريف الحسكة، وعين عيسى شمال الرقة، ومنطقة عين العرب/كوباني، ودفعت بالمئات من المجندين الجدد إلى خطوط المواجهة بعد أن تم تخريجهم من دوراتهم العسكرية قبل انتهاء المدة المفترضة.
وامتدت التحركات إلى جبهات منطقة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، التي شهدت استنفارًا لمجلسي الباب ومنبج العسكريين، ترك تركيا الباب مفتوحًا أمام الكثير من الاحتمالات حول المناطق التي سوف تستهدفها العملية العسكرية المفترضة، وعمليات إعادة الانتشار الغامضة، أربكت “قسد”، فخط المواجهة طويل ويصعب عليها تغطية كل المحاور بالمعدات والوسائل الدفاعية.
ترافقت تحركات “قسد” الدفاعية شرق الفرات مع تحركات لقوات النظام والقوات الروسية في ريف الرقة الشمالي، وشهد “اللواء 93” ومطار الطبقة العسكري عدة اجتماعات جمعت مسؤولين في “قسد” وقادة في قوات النظام والقوات الروسية لبحث التطورات الميدانية، والتنسيق لمنع المعركة.
وشهدت المناطق القريبة من جبهات القتال مع المعارضة جولات استطلاعية لقادة في قوات النظام والقوات الروسية التي حطت أولى طائراتها الحربية مؤخرًا في مطار القامشلي بعد أن كان يقتصر استخدامه العسكري على استقبال المروحيات الروسية خلال العامين الماضيين، بالإضافة إلى استقباله طائرات الشحن الصغيرة التابعة لقوات النظام التي كانت تنقل الأسلحة والمؤن لمليشيا “الدفاع الوطني” منذ العام 2013 في محافظة الحسكة.
ونفذت “قسد” حملة اعتقالات في ريفي الرقة والحسكة ضد مجموعات وأشخاص تعتقد أنهم ينسقون مع فصائل المعارضة، وعملت أجهزتها الأمنية على نشر حواجز عسكرية في المناطق القريبة من خطوط التماس مع المعارضة في منطقتي عين عيسى وتل تمر، وبدأت فعليًا في تهيئة الأنفاق والخنادق التي حفرتها في وقت سابق وذلك للاستفادة منها في العمليات العسكرية الدفاعية.
منطقة “نبع السلام” محاطة بكم كبير من التحصينات الدفاعية التي بدأت “قسد” في إنشائها مع بداية العام 2020، وتتركز بشكل أكبر في عين العرب وعين عيسى وتل تمر، وعلى الشريط الحدودي مع تركيا شمال الحسكة وشمال عين العرب، لكن التحصينات والأنفاق لم يكن لها أثر في قلب موازين المعركة في عفرين عام 2018، حينها انسحبت الوحدات الكردية من مواقعها في وقت قياسي رغم تمركزها في مواقع محصنة وأنفاق ومخابئ عملت على بنائها منذ العام 2014، أي بعد أن استلمتها من النظام بفترة قصيرة.
وعلى صعيد الحشد الشعبي ضد العملية العسكرية، نظمت “قسد” عشرات الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات المنددة بالتهديدات التركية، وشهدت منبج وعين العرب والقامشلي والرقة وريفها وريف دير الزور مظاهرات حاشدة ووقفات احتجاجية هتف خلالها أنصار “قسد” ضد تركيا والمعارضة السورية.
كما نظم النظام تظاهرة في ريف القامشلي الذي تنتشر فيه عشائر تتبع لقبيلة طي العربية، التي تعتبر عماد قوات “الدفاع الوطني” التابعة للنظام في الحسكة.
يرى الباحث في الشأن السوري محمد السكري أن “ملامح العملية العسكرية بدأت تتضح من خلال المعطيات المتوافرة في إطار التعزيزات التركية الكبيرة التي رصدت شرق الفرات وكذلك استخدام تركيا المسيرات خلال عمليات الاستهداف للوحدات في مناطق متفرقة شرق الفرات”.
أضاف السكري خلال حديثه لموقع “نون بوست”: “أعتقد أن تركيا ما زالت في مرحلة المناورة العسكرية وتختبر جدّية الأطراف الأخرى في التعاطي مع تحركاتها كذلك مع حيثيات الرد في حال شنت العملية العسكرية، ومن المرجح أن تتطور المناورات التركية لمعركة نوعية على الأقل على خطوط الإمداد الرئيسية لوحدات الحماية وقسد ريثما يتم تحديد الوجهة المستهدفة وفقًا لتفاهمات ما قد تجري مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية”.
يضيف “بتقديري كل الأنظار تتجه نحو عملية في عين العرب/كوباني لوصل مناطق غرب الفرات بشرقها، بينما الاجتماعات الروسية مع قادة قسد وبحضور قادة في قوات النظام، هي إشارة لاستعدادات تلوح بالأفق إما لخوض عملية عسكرية مع قسد ضد المعارضة وتركيا، ومحاولة جرها لمعركة استنزاف، على الأقل من خلال الدعم الغير مباشر لقسد في الميدان، وإما روسيا تعمل على التحضير لتسليم المنطقة وفقًا لتفاهم مع أنقرة، وتحاول إقناع قسد بالانسحاب من المحاور المستهدفة”.
تابع “ما زالت كل الاحتمالات مفتوحة، لكن مع مرور الوقت يتضح الإصرار التركي غير المسبوق على خوض العملية العسكرية وهذا قد يضع الأطراف الأخرى في موقف يدفعهم للتنازل الجزئي، فمن الواضح أن سياسة أنقرة ترتكز على الضغط السياسي المتواصل مرفقًا بضغط ومناورات عسكرية قبل شن العملية وهذا حصل في عفرين وكذلك الأمر في تل أبيض ورأس العين ويحصل الآن”.