ترجمة حفصة جودة
متى ستتحمل الدول الغنية المسؤولية؟ في الأسبوع الماضي، قبل مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي “Cop26” في غلاسكو، اتضح أن العديد من هذه الدول ضغطت ضد توصيات الأمم المتحدة بشأن المناخ، ما يعني أننا بحاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة.
في الوقت نفسه، يستنكر البعض الحاجة إلى تمويل الدول الفقيرة للتكيف مع آثار تغير المناخ رغم فشل الدول المتقدمة في توفير 100 مليار دولار التي تعهدت بدفعها.
لم تتسبب إفريقيا بالكثير في خلق أزمة المناخ، لكن وباء الجراد الصحراوي في القرن الإفريقي وأول مجاعة بسبب تغير المناخ في مدغشقر وأزمة المياه في جنوب إفريقيا دليل على أن القارة تدفع بالفعل ثمن انبعاثات الآخرين، لذا فهذا المال الذي يحاول البعض تقليصه ليس صدقةً، إنه رسوم تنظيف يجب دفعها.
لزيادة الأمر تعقيدًا، تفرض الدول الغنية تحولًا في الطاقة على إفريقيا، الأمر الذي قد يسبب ضررًا كبيرًا، فالعديد من الحكومات ومؤسسات الإقراض متعددة الأطراف تحظر تمويل البنى التحتية للوقود الإحفوري وتشجع الآخرين على القيام بذلك.
قد يبدو الأمر منطقيًا على الورق، لكنهم يستبعدون أيضًا الانتقال من خلال الغاز الطبيعي الذي يعد أنظف وقود أحفوري، وعمليًا، ينطبق ذلك على الدول الفقيرة فقط، أما الدول الغنية فتواجه القليل من الحظر على تطوير وتصدير الغاز.
تمتلك قارة إفريقيا أقل كمية كهرباء في العالم، ويفتقر نحو 600 مليون شخص الوصول إليها بشكل فعال
تمتلك إفريقيا الحق في الكهرباء، لكن الطاقة المتجددة لا يمكنها تلبية الاحتياجات والتطلعات بشكل كامل، فتقنيات التخزين ليست متقدمة بما فيه الكفاية لكي نستطيع الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرهما من مصادر الطاقة المتقطعة.
إن الحصول على الكهرباء – أحد أهداف التنمية المستدامة لدى الأمم المتحدة – يعني أكثر من مجرد شحن الهواتف باستخدام ألوح الطاقة الشمسية، الأمر يتعلق بالطاقة المستمرة والمكثفة والموجودة عند الطلب لتشغيل المصانع وبناء البنية التحتية وخلق وظائف جديدة وفي النهاية انتشال المواطنين من الفقر.
تمتلك قارة إفريقيا أقل كمية كهرباء في العالم، ويفتقر نحو 600 مليون شخص الوصول إليها بشكل فعال، إذا تضاعف استهلاك الكهرباء التي يعمل بالغاز الطبيعي ثلاث مرات جنوب الصحراء الكبرى – باستثناء جنوب إفريقيا – بين ليلة وضحاها فإن الانبعاثات العالمية ستزداد بنسبة 0.62% فقط.
إضافة إلى تشغيل المصانع فإن الغاز يؤمن تطوير الزراعة والأمن الغذائي، فسنكون بحاجة إلى أنظمة الري شديدة الاستهلاك للطاقة لتحديث المزارع، سنكون كذلك بحاجة إلى الأسمدة الاصطناعية التي يعد الغاز الطبيعي أكثر المواد الخام كفاءة بها، ومع شيوع الجفاف وعجز المحاصيل سنكون بحاجة إليهما بشكل أكبر لمواصلة تغذية القارة.
الخيار بين طاقة غير نظيفة أو لا طاقة ليس خيارًا للأفراد أو الشركات في الدول النامية
إن التعامل مع التغير المناخي يعني التعامل أيضًا مع عواقبه، فنحن بحاجة إلى بنية تحتية ذات كفاءة للمواصلات وأمن غذائي وشبكات كهرباء يمكن الاعتماد عليها لتخفيف الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضان.
كلما كانت الدولة متقدمة كانت أكثر مرونة، وإذا حل الغاز الطبيعي محل الفحم والكتل الحيوية السامة أيضًا للطبخ داخل المنزل، فإن مئات آلاف الحيوات – معظمهم نساء وأطفال – سيُحافظ عليهم عبر القارة.
في الوقت الحاليّ تعتبر مولدات طاقة الديزل وحدة الطاقة المفضلة عبر القارة، وإذا لم يُقدم عرض بديل يمكن الاعتماد عليه، فإن الممارسات السيئة ستستمر، لأن الخيار بين طاقة غير نظيفة أو لا طاقة ليس خيارًا للأفراد أو الشركات في الدول النامية.
الأهم من ذلك، أن استخدام مصادر الغاز لا يعيق الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة بقارة إفريقيا، فالقارة تستخدم بالفعل الكثير من تلك المصادر، على سبيل المثال تحصل مالاوي على أكثر من 80% من الكهرباء من الطاقة الكهرومائية.
آثار أزمة المناخ غير عادلة، إنها تنتشر بشكل غير متساوٍ في جميع أنحاء العالم، ويبدو أن قارة إفريقيا الأكثر عرضة للخطر
سنحتاج إلى منهجية أكثر دقة إذا أردنا احترام عدالة وإنصاف المناخ، عند كتابة المفاهيم في اتفاقية باريس 2015 لمكافحة التغير المناخي كان الاتفاق يعني أمرين:
الأول: يجب على الدول التي أصبحت غنية باستخدام الهيدروكربونات أن تمنع الانبعاثات بشكل أسرع للسماح للدول الأفقر بالنمو.
الثاني: هذه الدول مسؤولة عن مساعدة الدول غير المتقدمة للتكيف مع الظروف السيئة التي لم يصنعوها، فآثار أزمة المناخ غير عادلة، إنها تنتشر بشكل غير متساوٍ في جميع أنحاء العالم، ويبدو أن قارة إفريقيا الأكثر عرضة للخطر.
لتحقيق اتفافية المناخ في باريس، كان لا بد من موازنة تلك الحقوق والمسؤوليات والواجبات والالتزامات المختلفة ومناقشتها ثم إبرام الاتفاقية، لكن حظر الغاز الشامل على الدول النامية أظهر أن الغرب نسي المبدأ الأول، والفشل المتكرر في جمع المليارات الموعودة للمساعدات المناخية أظهر أنهم تجاهلوا المبدأ الثاني، وهو ليس تصرفًا مشينًا فقط، لكنه خيانة كذلك.
إذا لم تتخذ الدول ذات القدرة الكبرى على التغيير تلك الخطوة، فلا تتوقعوا أن تقوم الدول ذات الوسائل المتواضعة بذلك، يجب أن يُظهر الغرب في مؤتمر “Cop26” أنهم مستعدون للتحدي الآن وأنهم سيوفون بالتزاماتهم في النهاية، حينها فقط تصبح العدالة والمساواة أكثر من مجرد شعار.
المصدر: الغارديان