يتزايد تعويل العالم على وقود الهيدروجين الأخضر لملء بعض الأجزاء المفقودة المهمة في أُحجية الطاقة النظيفة، حيث تمَّ الترويج له في البداية في الولايات المتحدة خلال الولاية الأولى للرئيس جورج دبليو بوش، عندما أطلق عليه اسم “وقود الحرية“.
ومؤخرًا، وعدَ الرئيس جو بايدن أن الولايات المتحدة سوف تكون قادرة على الوصول بالهيدروجين الأخضر إلى نفس تكلفة الهيدروجين التقليدية في غضون 10 سنوات، كجزء من خطته للطاقة النظيفة.
وهناك العديد من الدول حول العالم تستثمر بالفعل بكثافة في ذلك، بما في ذلك تشيلي واليابان والمملكة العربية السعودية وألمانيا وأستراليا، ومن المتوقع أن ينمو سوق الهيدروجين الأخضر بشكل كبير في العقد المقبل.
الهيدروجين الأخضر
الهيدروجين الذي يتمُّ توليده من مصادر الطاقة المتجددة بواسطة عملية التحليل الكهربائي أو الكهرلة؛ حيث يستخدَم تيار كهربائي لفصل ذرات الهيدروجين عن ذرات الأكسجين في جزيئات الماء، وعندما يكون التيار الكهربائي المستخدَم من مصدر متجدِّد كالرياح أو الشمس تتمّ عملية الإنتاج دون أي انبعاث لغاز ثنائي أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وبالتالي نطلق على الهيدروجين الناتج اسم “الهيدروجين الأخضر“.
ما استخداماته؟
يعدّ الهيدروجين وقودًا مستخدَمًا اليوم في العديد من البلدان كالولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين واليابان وفرنسا وألمانيا، وللهيدروجين الأخضر استخدامات مستقبلية مؤثرة في العديد من المجالات، أهمها:
– النقل والحركة: تسمح المرونة الكبيرة التي يتمتّع بها الهيدروجين باستخدامه في منافذ الاستهلاك التي يصعب فيها التخلُّص من الكربون بشكل نهائي، مثل قطاع الطيران والنقل البحري.
– تخزين الطاقة: تمتلك خزّانات الهيدروجين المضغوطة القدرة على تخزين الطاقة لفترات زمنية طويلة، وإدارتها أسهل من إدارة بطاريات الليثيوم أيون كونها أخف.
– توليد الكهرباء ومياه الشرب: يمكن الحصول على الماء والكهرباء من تفاعل الهيدروجين مع الأكسجين في خلايا الوقود، وقد أثبتت هذه العملية فائدتها الكبيرة في البعثات الفضائية لتزويد الطاقم بمياه الشرب والكهرباء على نحو متجدِّد.
وعلى عكس البطاريات، لا تحتاج خلايا وقود الهيدروجين إلى إعادة الشحن، ولن تنفد طالما أنها تحتوي على وقود الهيدروجين.
تحدياته
إن قابليته للاشتعال وخفّته تعني أن الهيدروجين، مثل أنواع الوقود الأخرى، يحتاج إلى التعامل معه بشكل صحيح، فبالمقارنة مع البنزين والغاز الطبيعي فإن الهيدروجين أكثر قابلية للاشتعال في الهواء، ومع ذلك إن التركيزات المنخفضة من الهيدروجين لها قابلية اشتعال مماثلة لأنواع الوقود الأخرى.
لماذا الهيدروجين أهمّ مصادر الطاقة النظيفة؟
وعدَ الرئيس الأمريكي جو بايدن باستخدام الطاقة المتجددة لإنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يكلِّف أقل من الغاز الطبيعي، والاتحاد الأوروبي سوف يستثمر 430 مليار دولار به بحلول عام 2030 للمساعدة في تحقيق أهداف الصفقة الخضراء لها، كما تقوم كل من تشيلي واليابان وألمانيا والسعودية وأستراليا باستثمارات كبيرة في الهيدروجين الأخضر.
الهيدروجين هو العنصر الأكثر شيوعًا في الوجود، وفي الواقع 75% من الكون يتكوّن من الهيدروجين بالكتلة، لذلك لن ينفد أبدًا، كما أنه لا تستطيع الألواح الشمسية وتوربينات الرياح تنظيف كل شيء، ويتطلب صنع الفولاذ، على سبيل المثال، درجات حرارة أعلى ممّا يمكن أن توفِّره الأفران الكهربائية التقليدية.
لهذه الأسباب تتصور خطط الحدّ من تغيُّر المناخ الآن دورًا كبيرًا للهيدروجين في الحدّ من الانبعاثات الصناعية، وفي تشغيل السيارات والشاحنات والسفن، فغاز الهيدروجين يمكن أن يحدث تأثيرًا كبيرًا في 20% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية التي تأتي الآن من الصناعة.
وفي صناعة الصلب يمكن للهيدروجين أن يحلَّ محل الفحم الذي يُستخدَم الآن ليس فقط للحرارة ولكن لتنقية خام الحديد.
وبينما تهيمن البطاريات حاليًّا على مجال السيارات الكهربائية، تراهنُ بعض الشركات على أن خلايا الوقود التي تعمل بالهيدروجين ستكون خيارًا أفضل من بطاريات المركبات الثقيلة، مثل الشاحنات والسفن وربما الطائرات.
تجارب الدول العربية مع الهيدروجين الأخضر
السعودية
تنفِّذ المملكة العربية السعودية مدينة مستقبلية في الصحراء على البحر الأحمر تسمى نيوم (Neom)، بتكلفة قدرها 5 مليارات دولار في منطقة أعمال نيوم للمشروعات عالية التقنية -سيارات الأجرة الطائرة والمساعدة المنزلية الآلية- من الصفر وستكون موطنًا لمليون شخص، باستخدام الهيدروجين الاخضر.
هذا الصيف، أعلنت شركة غاز أمريكية كبيرة، هي Air Products & Chemicals، أنها كجزء من نيوم تقوم ببناء مصنع هيدروجين أخضر في المملكة العربية السعودية على مدى السنوات الأربع الماضية، ويتم تشغيل المحطة بواسطة 4 غيغاواط من مشاريع الرياح والطاقة الشمسية التي تمتدّ عبر الصحراء.
الإمارات
أعلنت كلٌّ من شركة أبوظبي الوطنية للطاقة (طاقة)، وشركة “حديد الإمارات” عن عقدهما شراكة لاستخدام الهيدروجين الأخضر منخفض الكربون.
وبموجب مذكرة التفاهم هذه، ستبحث الشركتان تطوير منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ضمن مشروع لتصنيع الحديد الأخضر يعدّ الأول من نوعه على مستوى المنطقة. وهذا النهج المبتكَر لن يقلِّل فقط من استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون فحسب، بل سيخفِّض أيضًا من تكاليف إنتاج “الحديد الأخضر”.
يتميّز الهيدروجين الأخضر بقدرته على توفير الطاقة النظيفة لقطاعات مختلفة مثل الصناعة والنقل، وسيلعب دورًا رئيسيًّا في الجهود الرامية لتحقيق الأهداف العالمية للاستدامة. وبالنسبة إلى أبوظبي، يُعتبَر الهيدروجين الأخضر بمثابة فرصة لنشر المزيد من حلول الطاقة النظيفة، ودفع عجلة الابتكار في قطاع الصناعة، ولأن تصبح أبوظبي مركزًا عالميًّا للتصدير للأسواق الاستراتيجية في جميع أنحاء العالم.
ويتوقع أن تساهم هاتان الاتفاقيتان في ترسيخ مكانة العاصمة أبوظبي كمركز عالمي لتصدير الهيدروجين الأخضر وتصدير الأمونيا الخضراء إلى الأسواق العالمية، حيث يمكن استخدامها في مجال التصنيع أو إعادة تحويلها إلى هيدروجين.
وإلى جانب ذلك، سيقوم الطرفان بتصنيع الحديد الأخضر وطرحه بأسعار جاذبة للمشترين الباحثين عن حلول الاستدامة وتغيُّر المناخ.
سلطنة عُمان
تخطِّط سلطنة عُمان لبناء واحد من أكبر مصانع الهيدروجين الأخضر بالعالم، في خطوة لجعل الدولة المنتِجة للنفط رائدة في تكنولوجيا الطاقة المتجدِّدة، بحسب ما أفادت به صحيفة “ذي غارديان”.
وأفادت الصحيفة أن المشروع الذي سيبدأ العمل به عام 2028، يقع على بحر العرب بالمحافظة الوسطى، بهدف إنتاج 25 غيغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
يأتي ذلك لتقليل اعتماد اقتصاد الدولة الخليجية على النفط ضمن إطار رؤية عُمان 2040، التي أُطلقت في عهد السلطان هيثم بن طارق. ويقوم على المشروع الذي تبلغ تكلفته 30 مليار دولار تحالفٌ من الشركات، بما في ذلك شركة النفط والغاز الوطنية “أوكيو” وشركة تطوير الهيدروجين المتجددة “أنتركونتيننتال إنرجي” التي تتّخذ من هونغ كونغ مقرًّا لها.
وتعتمد عُمان حاليًّا بشكل كبير على الوقود الأحفوري، حيث تولِّد ما يصل إلى 85% من ناتجها المحلي الإجمالي من النفط والغاز، لكن احتياطاتها من الوقود الأحفوري تتضاءل و تكلفة استخراجه ترتفع.
وتسعى عُمان بحلول عام 2027 إلى أن تولّد 20% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجدِّدة، ما يتطلّب إنتاج 2.66 غيغاواط حتى ذلك الحين.
الهيدروجين الأخضر ومستقبل العالم
تدرك الحكومات أهمية تطوير تقنية الهيدروجين الأخضر، وما يترتّب عليه من التزامات تمويلية وسنّ اللوائح والسياسات. على سبيل المثال، تعهّدت وزارة الطاقة الأمريكية في العام الماضي بتقديم 100 مليون دولار على مدار 5 سنوات، لتعزيز أبحاث وتطوير تقنية خلايا الهيدروجين وخلايا الوقود.
كما أشارت حكومة الولايات المتحدة إلى أنه في غضون عقد من الزمن، يجب أن يكون الهيدروجين الأخضر متاحًا بنفس تكلفة الهيدروجين التقليدي. ويشكّل الهيدروجين الأخضر أيضًا جزءًا مهمًّا من الصفقة الأوروبية الخضراء، التي تهدفُ إلى إنشاء اقتصاد محايد للكربون بحلول عام 2050.
سيتطلب الأمر خطوات جريئة لإزالة انبعاثات الكربون في العديد من الصناعات، لتحقيق هدف الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى ما دون درجتَين مئوية، ويمكن أن يلعب الهيدروجين الأخضر دورًا رئيسيًّا في هذه المعادلة، الأمر الذي يؤكّد على ضرورة التوجُّه الآن لجعله المصدر الأكثر أهمية في مزيج الطاقة النظيفة ومستقبل العالم.