ترجمة وتحرير: نون بوست
أطلقت قوات سوريا الديمقراطية، وهي جماعة مسلحة يقودها الأكراد وتعتبر الحليف الرئيسي للتحالف الدولي، عن عناصر سابقين في تنظيم الدولة مقابل تعويض مالي.
احتُجز أبو أيوب، العنصر السابق في تنظيم الدولة، لمدة سنتين ونصف في سجن الصناعة في الحسكة شمال شرقي سوريا، وهو مركز اعتقال خاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
لاستعادة حريته، دفع هذا العنصر 8000 دولار رسميًا لقوات سوريا الديمقراطية، ينضاف إليها مبلغ 12 ألف دولار مدفوع سرًا لبعض المسؤولين المحليين لتسريع الإجراءات. استفاد أبو أيوب من قانون سرّي أصدرته الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا خلال سنة 2019 يأذن لقوات سوريا الديمقراطية بالإفراج عن المعتقلين التابعين لتنظيم الدولة مقابل تعويض مالي.
قُبض على أبو أيوب، الذي انضم إلى تنظيم الدولة في سنة 2014 وقاتل في صفوفه حتى النهاية، في الباغوز في آذار/ مارس 2019 قبيل سقوط التنظيم.
وفي مكالمة هاتفية، قال أبو أيوب الذي رفض إجراء مقابلة مباشرة وأكد أنه يعيش اليوم خارج المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية: “بفضل أعضاء الهلال الأحمر السوري الذين يزورون أحيانا المعتقلين في السجن لتوفير المساعدة الطبية، تمكنت من إرسال رسالة إلى عائلتي في الرقة. عندما علم أخي أنني ما زلت على قيد الحياة في سجن تابع لقوات سوريا الديمقراطية، دفع لأحد الحراس 400 دولار لإجراء أول مكالمة هاتفية معي”.
أفاد أبو أيوب: “علمت بأمر القانون الجديد للأمن المالي بعد أن أخلي سبيل بعض السجناء. وكانوا يطلعوننا يوميا على التقدم الذي يحرزونه في قضيتهم. وعندما اتصلت بأخي على الهاتف، طلبت منه معرفة ما إذا كان بإمكاني الاستفادة من هذا القانون أيضا. وبعد ثمانية أشهر من المكالمة الأولى، تمت التسوية”.
في آذار/ مارس 2021، تلقى أبو أيوب من حارس الزنزانة الخبر الذي كان ينتظره على أحر من الجمر. يتذكر ذلك قائلا: “نادى الرجل باسمي وأخبرني أنني سأنقل إلى سجن آخر، لكنه في الحقيقة اقتادني إلى مكتب المدير حيث كان أخي في انتظاري. وقّعت على وثيقة إخلاء سبيل، وكُتب أنني تعهدت بعدم العودة إلى الانضمام إلى تنظيم الدولة أو أي منظمة إرهابية أخرى. ودفعت مقابل الحرية 8000 دولار التي ينص عليها القانون”.
حثّه شقيقه على التوقيع على الوثائق المطلوبة دون طرح الكثير من الأسئلة، وتم كل شيء بسرعة كبيرة. وأضاف أبو أيوب: “لقد فهم أخي أنني لا أستطيع البقاء في المناطق المجاورة، وأنه علي أن أختفي نوعا ما حتى لا يكتشف أحد أنه تم إطلاق سراحي من قبل قوات سوريا الديمقراطية مقابل المال”.
لامبالاة التحالف الدولي
بعد الاتصال عبر البريد الإلكتروني في أوائل أيلول/ سبتمبر 2021 لتأكيد عمليات الإفراج عن عناصر سابقين في تنظيم الدولة، ردّت القيادة المركزية الأمريكية بأن التحالف الدولي “لا يسيطر أو يدير مراكز احتجاز أو معسكرات للنازحين”.
وحسب الأمم المتحدة، مازال ما يقرب من 11 ألف مقاتل سابق في التنظيم الإرهابي غالبيتهم من السوريين والعراقيين رهن الاعتقال في سجون تقع شمال شرق سوريا بينهم عناصر خطرون للغاية اختار معظمهم القتال بين صفوف تنظيم الدولة حتى النهاية. في المقابل، لم تستجب قوات سوريا الديمقراطية لطلبات التعليق.
عندما لا يتمكنون من الحصول على تصريح الإفراج الرسمي لذويهم من قبل قوات سوريا الديمقراطية، تلجأ العائلات السورية إلى دوائر موازية لمعرفة أخبارهم. ومن بين الأمثلة السيدة سمية التي واقفت بصعوبة على الإدلاء بشهادتها. انضم ابنها البالغ من العمر 20 سنة إلى تنظيم الدولة، وعندما خسر التنظيم آخر جزء من أراضيه في آذار/ مارس 2019، لم تتوقف سمية عن البحث عنه. بعد سنة من البحث، تمكنت سمية من تحديد مكان ابنها في أحد سجون شمال شرق سوريا. قالت سمية، في البداية “اضطررت لدفع 900 دولار للرجال للتأكد من أنه معتقل هناك. ثم حاولت رؤيته والتأكد من أنه بخير لكن ذلك لم يكن ممكنًا”.
تمكنت سمية أخيرًا من الاتصال بأحد المشرفين. عبر الهاتف، أوضح لها المسؤول أنه على استعداد للسماح لها بالتحدث مع ابنها لبضع دقائق عندما يكون بجانبه. وطلب منها دفع 200 دولار مقابل المكالمتين، وهو مبلغ كبير جدا في سوريا.
أوردت سمية غاضبة: “لقد حاول الكثيرون الاستفادة من ضيقتي، ووعدوني بلقاء ابني. لا تزال أرقام هواتفهم بحوزتي وعندما يتم إطلاق سراحه أؤكد لكم أنني سأتواصل مع هؤلاء الأشخاص. من غير الإنساني أن تصبح ثريًا على ظهر أم محطمة القلب، وإعطاء أمل كاذب وجعلها تعتقد أن ابنها الوحيد سيطلق سراحه مقابل المال. لقد دفعت لبعضهم المال ولم يحدث شيء!”.
حراس السجن الفاسدون
يرفع حراس السجون الفاسدون الأسعار عندما يتعلق الأمر بالسجناء الأجانب، وقد عايشت عائلة عنصر سعودي سابق في تنظيم الدولة هذه التجربة. التحق إبراهيم العتال بتنظيم الدولة في سوريا في سنة 2015، وكان عمره في ذلك الوقت 17 سنة فقط. وقد اعتُقل هذا الشاب في سنة 2019 في الباغوز.
حاول والده الاتصال بالسلطات المحلية لتأمين الإفراج عنه وطالب بإعادته إلى بلاده ولكن دون جدوى. بعد عدة محاولات، رضخت أسرة إبراهيم ووافقت على دفع المبلغ المطلوب لمعرفة ما إذا كان على قيد الحياة. يتذكر والده التفاصيل قائلا: “اتصلت أولا بمسؤول في سجن يقع شمال شرق سوريا طلب مني 30 ألف دولار، وأكد لي أنه سيكون لدي دليل على أن ابني لا يزال على قيد الحياة ومن ثم سيتم إطلاق سراحه”.
لا يزال هذا الأب السعودي في حالة صدمة مما عرفه، حيث أوضح أنه بعد 13 يومًا من إرسال الأموال، تلقى مقطع فيديو قصير مدته ثماني ثوان بجودة رديئة جدًا عبر واتساب يظهر فيه ابنه مقابل الحائط دون أن ينبس بكلمة، حيث كان نحيفا للغاية في الصور ويبدو أنه في حالة صحية سيئة للغاية. إبراهيم معتقل، ويقول والده إنه مستعد لدفع أموال مرة أخرى لإخراجه من هناك: “لا يمكنني التخلي عنه…بغض النظر عن السعر، سأخرجه من هناك”.
ضحايا منسيون
كان المدنيون أول ضحايا تنظيم الدولة في سوريا. اعتبارًا من سنة 2014، أصبح آلاف الأشخاص بعد اعتقالهم من قبل تنظيم الدولة في عداد المفقودين. وهم في الوقت الحالي محرومون من أي شكل من أشكال العدالة. فعلى سبيل المثال، اعتُقل والد لمياء، وهو من سكان الرقة، من قبل عناصر تنظيم الدولة في سنة 2015، ولم تسمع عائلته عنه شيئا منذ ذلك الحين. تقول لمياء: “يعتقد العالم أن أسوأ الأشخاص تحت حكم تنظيم الدولة هم الأجانب الذين أتوا إلى بلدنا، لكن هذا ليس صحيحا. لقد كان المقاتلون والجواسيس السوريون فظيعين. هم الذين مهدوا الطريق لوصول الأجانب. من دونهم، ما كان لتنظيم الدولة أن يبسط سيطرته”.
يصعب على لمياء تقبل حقيقة أن العناصر السابقين في تنظيم الدولة يمكن أن يفلتوا من العقاب، خاصة بعد أن أفرِج عن الرجل الذي كان وراء اعتقال والدها وباتت مجبرة على رؤيته بانتظام في شوارع المدينة التي تعيش فيها في سوريا. حيال هذا الشأن، أكدت لمياء: “إنه مسؤول عن وقوع الكثير من الضحايا، وتسبب في موت الكثيرين ومآسي عشرات العائلات، هذا الأمر لا يطاق. إنه حر طليق ويعيش حياته بينما لا يزال والدي مفقودًا”.
المصدر: ميديبار