يعتبر موقع “تويتش” Twitch من أضخم مواقع البث المباشر على الإطلاق، وتمكن من تنحية منافسين بارزين، ومنذ أن اشترت شركة Amazon موقع تويتش بصفقة ضخمة تقدر بمليار دولار تقريبًا عام 2014 ولا تكاد تمضي سنة إلا ويتم الإعلان عن فضيحة جديدة تهز عرش الموقع المفضل لمحبي الألعاب، كان آخرها فضيحة استخدام نظام التبرعات في المنصة لإجراء عمليات تبييض أموال وتجارة غير قانونية.
ما هو موقع تويتش؟ وكيف يعمل؟
بدأ تويتش عام 2011 كمنصة للبث المرئي الحي للموضوعات العامة باسم Justin.tv، لكن بعد انتشار ألعاب الفيديو بشكل كبير خلال العقد الماضي تحول تويتش للتركيز عليها، فبدأ صانعو المحتوى واللاعبون بث طريقة لعبهم ومسابقات الرياضة الإلكترونية، وغير ذلك من الأحداث المتعلقة بالألعاب، ليستطيع أي شخص مشاهدة المحتوى مباشرةً بطريقة البث الحيّ.
واستفادةً من شهرة الموقع تفرغ عدد كبير من لاعبي ألعاب الفيديو للبث عن طريقه وتحصيل الأموال من خلال تبرعات المشاهدين التي تعبّر عن دعم الجمهور لصانع المحتوى وتشجيعه على تقديم المزيد، وأطلق الموقع عددًا من الخدمات المدفوعة التي تسمح لصانعي المحتوى بالاستفادة ماديًا كالاشتراك المدفوع والتبرع بعملة رقمية خاصة بموقع تويتش تسمى Bits يستطيع صانع المحتوى تحويلها إلى أموال نقدية لاحقًا.
وخلال السنوات القليلة الماضية جذب تويتش صناع محتوى من نوع آخر، كالسياسيين والمحللين الاقتصاديين الذين بدأوا بتخصيص ساعات من وقتهم للإجابة عن أسئلة المتابعين واستفساراتهم، لاحقًا بدأ تويتش بجذب صناع محتوى الـASMR وهو محتوى يدّعي أنه يريح الأعصاب من خلال التركيز على أصوات معينة كالنقر على الخشب أو أصوات خشخشة أو همسات ليحصل المتابعون على ما يسمونه “النشوة الدماغية”، في تجربة حسية صارت تعرف بـ”إيسمار” كما يُطلَق عليها بالعربية.
ومع انتشار هذا النوع من المحتوى أصبح هناك بعض صانعي المحتوى الذين يستفيدون من سمعة هذه الغرف لعرض محتوى جنسي مقابل تبرعات نقدية، لكن مجتمع تويتش لم يسكت وقدم العديد من الشكاوى إلى أن جرى إزالة هذا النوع من المحتوى وحظر الأشخاص الذين أساءوا استخدام هذه الغرف، وأصدر بعدها تويتش شروطًا وأحكامًا شديدة التضييق على محتوى الـASMR والمحتوى الذي قد يُصنف بأنه إباحي أو جنسي.
لكن القشة التي قصمت ظهر تويتش إعلانها تعرضها لإحدى أكبر عمليات الاختراق بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول، فقد جرى تسريب أكثر من 125 غيغا بايت من الملفات السرية وعرضها على الإنترنت المظلم “Dark Web” وانتشرت بعدها بشكل مجاني على منصات كبيرة كريديت “Reddit”، وأهم ما تحتويه هذه الملفات هو مدخول صانعي المحتوى والنسب التي تدفعها تويتش لهم (التي تعتبر من أكثر المعلومات سريّة على الإطلاق) والإعفاءات الضريبية الحكومية التي تستفيد منها.
وما لم يكن بالحسبان هو أن تساهم هذه المعلومات بكشف شبكة تبييض أموال ضخمة تتخذ من تركيا مركزًا لها، وصانعي المحتوى الأتراك وسيلة وأداة للقيام بأعمال تحويل أموال غير قانونية.
We can confirm a breach has taken place. Our teams are working with urgency to understand the extent of this. We will update the community as soon as additional information is available. Thank you for bearing with us.
— Twitch (@Twitch) October 6, 2021
كيف جرى اكتشاف الأمر؟
بتاريخ 21 أكتوبر/تشرين الأول تتبع شخص على منتدى Knight Online المعلومات المسربة بهدف الفضول ونشر بعض التساؤلات على أحد المنتديات التركية، بعد نشره لهذه التساؤلات بدأ نقاش طويل وسيل من الاتهامات بين شخصين من صناع المحتوى على موقع تويتش تفجرت من خلاله معلومات صادمة تظهر تلقي بعض صناع المحتوى مبالغ تصل لـ2500 دولار يوميًا كتبرعات بالعملة الرقمية “تويتش بيتز”، رغم أن عدد مشاهداتهم لا تتخطى 50 مشاهدة يوميًا، ما يشير إلى شيء غير منطقي يحدث في الخفاء.
وعند عرض تلك المعلومات على صناع المحتوى، اعترف عدد منهم (دون ذكر أسمائهم) بتلقي دعوات من “المافيا” تهدف لتبييض أموال بطاقات بنكية وحسابات باي بال مسروقة.
تزامن ذلك مع بلاغات عديدة من مواطنين أتراك على موقع “لدي شكوى” المختص بنشر شكاوى المستهلكين الأتراك بأن هناك دفعات مالية تمت دون علمهم لقاء تبرع لموقع تويتش رغم عدم معرفتهم بهذا الموقع سابقًا ودون وجود أي تأكيد أو إشعار بنكي بالتحويل قبل حدوثه، إذ تراوحت المبالغ المسروقة بين 150 ليرةً تركيةً (15 دولارًا أمريكيًا) و10.000 ليرة تركية (1.000 دولار أمريكي) جرى سحبها على دفعات من البطاقة الائتمانية.
وقد نشرت إحدى الضحايا صورة لحسابها البنكي يظهر قيام المخترقين بتحويل ما قيمته 10.000 ليرة تركية تقريبا لصالح موقع تويتش.
قال أحمد – من أكبر صناع محتوى ألعاب الفيديو في تركيا – في مقابلة له مع موقع WebTekno التركي: “كوني واحدًا من أكثر صانعي محتوى ألعاب الفيديو متابعةً في تركيا أعرف تمامًا الأرباح التقديرية لزملائي، لكن ما كان موجودًا في البيانات المسربة غير منطقي ومستحيل”>
وأضاف: “من خلال متابعتي للموضوع اعترف عدد من صناع المحتوى وشرحوا لنا كيفية حدوث عملية النصب هذه، حيث كانت الأموال تأتي من خلال بطاقات بنكية وحسابات باي بال مسروقة ليتم تحويل الأموال لعملة الـ”بيتز” ومن ثم التبرع لصانع المحتوى، ليقوم هو بتحويل الـ”بيتز” للدولار الأمريكي ومن ثم تحويل الدولار لعملات رقمية مشفرة كالبيتكوين، ويحصل صانع المحتوى على ما نسبته 20% من قيمة الأموال المُحولة له ويرسل باقي المبلغ (بعد خصم نسبته الشخصية والنسبة التي يتقاضاها موقع تويتش) للمافيا عن طريق العملة الرقمية بيتكوين وشبيهاتها”.
وتابع أحمد: “من خلال بحثي توصلت لكم كبير جدًا من المعلومات وأنا مستعد لتسليم كل هذه الوثائق للجهات المعنية في حال سؤالي عنها، وعدد من النواب البرلمانيين أبدوا اهتمامًا كبيرًا بالموضوع ووعدوا بعرض الأمر على البرلمان خلال جلساته المقبلة”.
لكن ما يثير الحيرة هنا، منذ متى وهذه العمليات تحدث، فهذه العمليات ليس لها علاقة مباشرة بعملية الاختراق وإنما قد تم كشفها بعد تسريب الوثائق، ما يدل على أن هذه العملية تحدث منذ زمن طويل دون تدخل مباشر من موقع تويتش (المملوك لعملاق التكنولوجيا أمازون).
أجاب أحمد عن هذه النقطة قائلًا: “لا يمكننا القول إن هذه العمليات غير القانونية بدأت مع الاختراق الذي حدث في أول أكتوبر/تشرين الأول، بل إنها تحدث منذ 3 سنوات على أقل تقدير وليس من خلال صانع محتوى واحد بل من خلال عشرات أو مئات صناع المحتوى على منصة تويتش، فهل نحن نتعامل مع شبكة أو مافيا منظمة؟ لا أحد يعلم، لكن ما نعلمه بالتأكيد أنه يتم استخدام هذه المنصة للقيام بأعمال غير قانونية”.
عندما سُئل أحمد في حال كان تويتش يعلم أن منصته تُستخدم لغسيل الأموال أو تمويل تجارة غير قانونية؟ قال: “بعض أصدقائي ممن وصلتهم هذه الدعوات منذ سنتين ورفضوها، أرسلوا لفريق دعم تويتش رسائل عبر البريد الإلكتروني تخبرهم باحتمالية استغلال بعض منظمات الجريمة المنصة للقيام بأعمال إجرامية غير مشروعة، لكن لم يصل أي رد حتى اللحظة، لذلك نحن نعتبر أن منصة تويتش قد أُعلمت بهذه الطرق ولم تُحرك ساكنًا”.
بالمحصلة؛ ما تزال هناك أسئلة عالقة: لماذا كانت تركيا البلد المستهدف من هذه العمليات الاحتيالية؟ وكيف تمكنت تلك العصابات من النشاط بصورة متواصلة لعدة سنوات بدون أن تكشفها السلطات التركية إلى أن يجري فضحها بطريقة الصدفة عن طريق هواة؟ وما الثغرات التي تسللت منها المنظمات الإجرامية لتغسل أموالها بتلك الطريقة؟ ولماذا لم تتحرك منصة تويتش لحظر ومنع هذه الأنشطة على صفحاتها؟ هل كانت مستفيدة؟ هل هناك مسؤولون بالمنصة متورطون بهذا كله؟ أسئلة جديرة بالبحث لعلنا نزيل الغموض عنها في قادمات الأيام.