قبل سنة من الآن، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تمكُّن القوات الاتحادية الإثيوبية، في أقل من شهر، من السيطرة على مدينة ميكيلي عاصمة إقليم تيغراي، وانتهاء العملية العسكرية في الإقليم بنجاح، ليبدأ بعدها آبي أحمد تصفية قيادات جبهة تحرير شعب تيغراي، سواء الميدانية أم التي تشغل مناصب عليا في البلاد.
لكن يبدو أن الحرب لم تنتهِ فعلًا حينها، كما سبق أن قلنا في تقرير لـ”نون بوست“، فالمعلومات المضلِّلة كانت سيدة الموقف، خاصة أن آبي أحمد وزعيم جبهة تحرير شعب تيغراي دبرصيون جبرميكائيل عملا في نفس الاستخبارات ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي وخدمة المعلومات المضلِّلة، فهما خبراء في هذا المجال.
آبي أحمد كان المبادر بالهجوم في المرة الأولى، لكن هذه المرة يحدث العكس، فجبهة تحرير شعب تيغراي بدأت هجومًا قويًّا ضدّ القوات الاتحادية الإثيوبية وسيطرت على عدة بلدات في الأيام الأخيرة، وتفكر في الزحف إلى أديس أبابا التي تبعد نحو 400 كيلومتر عن مواقعها المتقدمة شمالي البلاد.
حالة طوارئ
هذا الأمر جعلَ الحكومة الإثيوبية تسارع للإعلان عن حالة الطوارئ في عموم البلاد، كما دعت سلطات العاصمة الإثيوبية سكان المدينة للاستعداد بالأسلحة للدفاع عن الأحياء التي يقيمون فيها. وأرجع وزير العدل الإثيوبي، غيديون تيموثيوس، إعلان حالة الطوارئ في البلاد ككُلّ إلى ما تمرُّ به البلاد من “تهديد أمني من لدن مجموعة إرهابية (في إشارة إلى جبهة تيغراي) ومن يساعدونها من أجانب”.
وفق وسائل إعلام محلية، فإن “حالة الطوارئ تهدف إلى حماية المدنيين من الفظائع التي ترتكبها جماعة جبهة تحرير شعب تيغراي الإرهابية في عدة أجزاء من البلاد”، ومن المنتظَر أن يوافق النواب على إعلان حالة الطوارئ اليوم الأربعاء.
في هذا الإطار، شكّلت السلطات الإثيوبية لجنة طوارئ خاصة يترأّسها وزير الدفاع أبراهام بلاي، ويشرف عليها رئيس الوزراء آبي أحمد، وتتمتّع اللجنة بصلاحيات تتمثل بالضبط والإحضار والتفتيش من دون إذن قضائي.
يتّهم التيغريون آبي أحمد باستهدافهم، لأنه يدرك وزنهم لا سيما في أروقة جميع الوزارات وداخل نظام الاستخبارات والشرطة.
تسمح حالة الطوارئ بإقامة حواجز في الطرقات، ووقف خدمات النقل وفرض حظر التجول، وسيطرة الجيش على مناطق معيّنة، وفق ما قال مجلس الوزراء. وبموجب إجراءات حالة الطوارئ، يمكن اعتقال أي شخص يُشتبَه في أن له علاقات بجماعات إرهابية من دون مذكّرة اعتقال.
في إطار حالة الطوارئ، ستتمكّن الحكومة الإثيوبية من تجنيد “أي مواطن في سنّ القتال ويملك سلاحًا”، أو تعليق وسائل الإعلام التي يُشتبَه في أنها “تقدِّمُ دعمًا معنويًّا مباشرًا أو غير مباشر” لجبهة تحرير شعب تيغراي، بحسب ما أوردت وسيلة الإعلام الرسمية “فانا برودكاستينغ كوربوريت”.
“مسألة أشهُر إن لم تكن أسابيع”
بالتزامن مع ذلك، يواصل مقاتلو جبهة تيغراي وحلفاؤهم في جيش تحرير أورومو التقدُّم نحو العاصمة، بعد أن سيطروا على مدينتَي ديسي وكومبولتشا الاستراتيجيتَين في إقليم أمهرة (شمالي البلاد)، وتقع المدينتان على بُعد قرابة 400 كيلومتر شمال العاصمة أديس أبابا.
وفق وكالة “فرانس برس“، فقد قال الناطق باسم جيش تحرير أورومو، أودا طربي، ردًّا على سؤال حول احتمال دخوله العاصمة: “إذا استمرّت الأمور على الوتيرة الحالية فستكون حينئذ مسألة أشهُر إن لم تكن أسابيع”.
أضاف أودا طربي أن جيش تحرير أورومو وجبهة تحرير شعب تيغراي “انضما أساسًا لبعضهما وهما على اتصال دائم”، مؤكدًا أن سقوط رئيس الوزراء آبي أحمد “محسوم”؛ ويُذكر أن جيش تحرير أورومو تحالفَ في أغسطس/ آب الماضي مع جبهة تحرير شعب تيغراي.
ويُذكر أيضًا أن جبهة تحرير تيغراي كانت تقود المشهد السياسي في إثيوبيا خلال الفترة بين عامَي 1991 و2018، تحت راية تحالف يسيطرون على مفاصله، وسبق أن رفضت تيغراي الاندماج ضمن حزب الازدهار الذي أعلنَ آبي أحمد إنشاءه في 1 ديسمبر/ كانون الأول 2019، بحجّة أن الطبيعة الفيدرالية لإثيوبيا كانت سبيلًا أفضل لإدارة الانقسامات العرقية العميقة في البلاد.
تطالبُ واشنطن حكومة أديس أبابا بـ”اتخاذ خطوات عاجلة من خلال ضمان وضع حدّ لجميع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”.
يتّهم التيغريون آبي أحمد باستهدافهم، لأنه يدرك وزنهم لا سيما في أروقة جميع الوزارات وداخل نظام الاستخبارات والشرطة، إلا أن آبي أحمد ينفي ذلك، ويرى أن الجبهة تمرّدت على السلطة الاتحادية ويجب معاقبتها.
أزمة إنسانية في الأفق
أيّ كان المنتصر في هذه الحرب، فإنه من المؤكّد أن إثيوبيا قادمة على أزمة إنسانية حادة، ففي ظلّ هذا الصراع المستمر منذ أشهر بين الطرفَين تشرّد عشرات آلاف الإثيوبيين، وتسبّبت الحرب بينهما في موت المئات، ما يجعل هذا البلد الأفريقي على حافة أزمة إنسانية كبيرة.
وسبق أن كشف برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة حدّة الأزمة الإنسانية في إقليم تيغراي، بعد أن حذّرت الأمم المتحدة من أن منع وصول المساعدات يضع ملايين البشر على حافة المجاعة، وقبل شهرَين قالت جبهة تحرير شعب تيغراي إن 150 شخصًا ربما لقوا حتفهم جوعًا.
وعرقلت الحرب المتواصلة رحلات للأمم المتحدة إلى المنطقة التي تهدِّدها المجاعة، إذ أُرغمت الأمم المتحدة على تعليق توزيع المساعدات في العديد من المرات، وتذكر عدة تقارير أن الماشية والناس يموتون بسبب نقص الغذاء والأدوية، وبحسب الأمم المتحدة فقد أدّى نقص الإمدادات الأساسية، وخاصة النقد والوقود، إلى تعطيل عمليات الإغاثة بشدة في تيغراي، حيث يواجه على الأقل 400 ألف شخص ظروفًا شبيهة بالمجاعة.
من المتوقع أن تخسر إثيوبيا فرص الاستفادة من قانون “أغوا” بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك في حال لم تتخذ خطوات مهمة نحو إنهاء الصراع المستمر وتخفيف تبعات الأزمة الإنسانية قبل حلول العام القادم.
وقانون “أغوا” هو تشريع وافق عليه الكونغرس في مايو/ أيار 2000 لمساعدة اقتصادات أفريقيا، وتحسين العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة، وفتح الأسواق الأميركية أمام بضائع تلك الدول التي من بينها إثيوبيا.
كان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد بعث برسالة إلى الكونغرس، أمس الثلاثاء، أكّد فيها أن إثيوبيا لم تلتزم بمتطلّبات المادة 104 من قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا)، مشيرًا إلى وجود “انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان المعترَف بها دوليًّا”.
وتطالب واشنطن حكومة أديس أبابا بـ”اتخاذ خطوات عاجلة من خلال ضمان وضع حدّ لجميع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والسماح بالوصول دون عوائق لمراقبي حقوق الإنسان الدوليين، وإزالة العقبات أمام عمليات الإغاثة الإنسانية”.
في بيان منسوب إلى المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، كرّر أنطونيو غوتيريش دعوته إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية، ووصول المساعدات الإنسانية غير المقيَّد لتقديم المساعدة العاجلة المنقذة للحياة، كما جدّد دعوته لإجراء “حوار وطني شامل لحلّ هذه الأزمة وإرساء أُسُس السلام والاستقرار في جميع أنحاء البلاد”.
من المتوقع أن تكون الأزمة الإنسانية أعمق بكثير ممّا تمَّ نقله إلى حدّ الآن، خاصة في ظلّ التعتيم الإعلامي الممارَس من الطرفَين المتحاربَين، وفرضهما سياسة صارمة في مجال الإعلام ونقل المعلومة للخارج للتغطية على جرائمهما.