ترجمة وتحرير: نون بوست
تهدف منصة إلكترونية جديدة مفتوحة المصدر إلى توثيق انتهاكات الحقوق الرقمية والرقابة التي تمارسها مواقع التواصل الاجتماعي في حق الفلسطينيين والمحتوى الفلسطيني.
خلال مؤتمر صحفي انعقد يوم الإثنين في رام الله، أكد المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي “حملة” – الذي أنشأ الموقع – أن هذه المنصة ستسمح بتوثيق الانتهاكات على نحو أكثر تفصيلا وكفاءة وتمكن الجماعات الحقوقية من متابعة كيفية تعامل مواقع التواصل الاجتماعي مع المنشورات أو الصفحات أو الحسابات التي تنشر المحتوى الفلسطيني.
سلطت المجموعة الضوء على مدى أهمية هذه المنصة في ظل الرقابة الجماعية التي كانت ملحوظة خلال شهر أيار/ مايو على المحتوى الفلسطيني أثناء التعبئة الرقمية للحرب الإسرائيلية على غزة ومحاولات التطهير العرقي في حي الشيخ جراح الفلسطيني في القدس.
تتيح منصة “حر” (المرصد الفلسطيني الأول لتوثيق انتهاكات الحقوق الرقمية) للمستخدمين إمكانية الإبلاغ عن الإجراءات المختلفة المتخذة ضدهم بسبب منشوراتهم بما في ذلك حظر الحساب وإزالة المحتوى. وتتضمن المنصة قاعدة بيانات مفتوحة للبحث توثق سنوات من الانتهاكات التي رصدها مركز “حملة” والجماعات المحلية الأخرى.
وحسب مركز “حملة” فإن المنصة سوف “تسد النقص في البيانات” الذي تواجهه المؤسسات المحلية الذي يحول دون الوصول إلى “قاعدة بيانات عملية ومفصلة ومنظمة لانتهاكات الحقوق الرقمية ضد الفلسطينيين”.
يقول أحمد القاضي، منسق الرصد والتوثيق في مركز “حملة“، إن هذه المنصة ستكون أول أداة في فلسطين أو على الصعيد الإقليمي “توفر بيانات فورية” حول الانتهاكات الرقمية ضد الفلسطينيين. وأضاف القاضي أن “هذا النوع من التقارير والتوثيق غير متوفر حاليًا. فلا توجد جماعات فلسطينية تسعى بشكل منهجي لمواجهة عمالقة التواصل الاجتماعي ناهيك عن العدد القليل للمنظمات التي تنشط في مجال الحقوق الرقمية في البلاد”.
إلى جانب الجماعات الحقوقية الأخرى، يحاول مركز حملة إنشاء ائتلاف ليتمكن من الضغط بجميع الوسائل المتاحة – للتأثير والدعوة إلى التغيير وإحراج هذه الشركات، وذلك حسب ما أكده القاضي. ويضيف أنه “كلما زاد عدد التقارير والبيانات الفعلية التي نحصل عليها، زادت قدرتنا على الضغط على هذه الشركات وبذلك لن يكون لديها مجال لإنكار ما ارتكبته من انتهاكات”.
أحداث أيار/ مايو
وجّه المستخدمون انتقادات لاذعة لشركة “فيسبوك” في شهر أيار/ مايو بعد حذف المحتوى المرتبط بفلسطين – بما في ذلك المحتوى المنشور على إنستغرام – دون إشعار مسبق أو ذكر الأسباب مع حظر أو إغلاق بعض الحسابات. وأبلغ البعض بمن فيهم المؤثرون عن انخفاض كبير في عدد المشاهدات على التغطيات التي ينشرونها أو عدد المشاركين للمنشورات عندما نشروا محتوى عن فلسطين أو استخدموا وسوما مثل “أنقذوا حي الشيخ جراح”.
في تقرير صدر مؤخرًا، ذكر مركز “حملة” أنه سجل ما بين 6 و19 أيار/ مايو أكثر من 500 بلاغ عن انتهاكات الحقوق الرقمية الفلسطينية التي “أظهرت زيادة كبيرة في الرقابة على الخطاب السياسي والمحتوى الفلسطيني على الإنترنت”؛ وكانت حوالي 50 بالمئة من الشكاوى ضد إنستغرام و35 بالمئة ضد فيسبوك و11 بالمئة ضد تويتر.
في المؤتمر الذي انعقد يوم الإثنين، أشار محمود الإفرنجي، منسق مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، إلى أن الغضب الشعبي الذي تأجج في شهر أيار/ مايو “أظهر مدى استهداف المحتوى الفلسطيني والرواية بأكملها”، مشددا على مدى الحاجة إلى مثل هذه المنصة للمساعدة في حماية حرية التعبير الفلسطينية ومناصرة القضية والتعبئة الدولية.
يقول القاضي إن الأرقام التي يتم الإبلاغ عنها حاليا “لا تعكس الواقع” ذلك أن الانتهاكات المرتكبة ضد الحسابات التي تنشر محتوى عن فلسطين داخل فلسطين وخارجها أكبر بكثير، مضيفًا أن “هذا هو الهدف الرئيسي من إنشاء المنصة – نريد تعزيز وتشجيع ثقافة الإبلاغ عن الانتهاكات، لأن معظم الأشخاص لا يبلّغون عنها”.
في شهر حزيران/ يونيو، وقّع حوالي 200 موظف في شركة “فيسبوك” على رسالة مفتوحة حثوا فيها المديرين التنفيذيين في الشركة على النظر في المخاوف المتعلقة بقمع الأصوات الفلسطينية والداعمين للقضية الفلسطينية. وقد جاء في الرسالة ما يلي: “يشعر مستخدمونا ومجتمعنا بشكل عام بأننا نقصر في الوفاء بوعدنا بحماية حرية التعبير العلنية عن الوضع في فلسطين”.
أظهرت وثائق داخلية مسربة كشفت عنها قناة “إيه بي سي نيوز” يوم الجمعة أن العديد من موظفي “فيسبوك” أثاروا مخاوف بشأن القيود المفروضة على منشورات المستخدمين الفلسطينيين على “إنستغرام” في شهر أيار/ مايو، على غرار منشورات الناشط الفلسطيني محمد الكرد الذي يعيش في حي الشيخ جراح.
وقد كتب أحد الموظفين “هل يمكننا أن نحقق في الأسباب التي أدت إلى محدودية الوصول إلى المنشورات والقصص المتعلقة بفلسطين في الآونة الأخيرة، لا سيما في الوقت الذي يتابع فيه عدد كبير من الناس من جميع أنحاء العالم تطور الأوضاع في فلسطين؟”.
في بيان له لـ “إيه بي سي نيوز”، اعتذر المتحدث باسم فيسبوك درو بوساتيري: “لأي شخص يشعر أنه عاجز عن لفت الانتباه إلى الأحداث المهمة”. وأشارت الشركة أيضًا إلى حدوث خلل فني في إنستغرام خلال شهر أيار/ مايو.
في أيلول/ سبتمبر، دعا مجلس الرقابة على فيسبوك إلى فتح تحقيق مستقل حول الرقابة على المحتوى الذي يُعنى بالقضية الفلسطينية. وفي الشهر الماضي، أعلنت الشركة عن تعيين لجنة لضمان العناية الواجبة لحقوق الإنسان على منصة فيسبوك والتحقيق في الانتهاكات التي حدثت على الموقع خلال موجات العنف التي حدثت في أيار/ مايو وحزيران/ يونيو في كل من إسرائيل وفلسطين”.
سنوات من الرقابة
فيما يتعلق بمسألة الرقابة، تقول الجماعات الحقوقية الفلسطينية التي تعاملت مع منصات التواصل الاجتماعي على مدار السنوات القليلة الماضية إنها لاحظت تهميشا منهجيًا للمحتوى الفلسطيني منذ سنة 2015، خاصة بعد الاجتماعات المنعقدة بين وزيرة العدل الإسرائيلية في ذلك الوقت أيليت شكد وإدارة فيسبوك.
حسب الجماعات الحقوقية الفلسطينية، فإن السبب الرئيس وراء تهميش المحتوى الفلسطيني هو الضغط الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية – لا سيما وحدة الأمن السيبراني – إلى جانب سياسات فيسبوك الداخلية بما في ذلك تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تزيل المحتوى تلقائيًا بناءً إدخالات الكلمات الرئيسية.
بعد الاجتماعات المنعقدة في 2016، صرحت شكد بأن فيسبوك وغوغل ويوتيوب تثتمل لما يصل إلى 95 في المئة من الطلبات الإسرائيلية لحذف المحتوى الذي يحرض على العنف. وأشار تقرير صادر عن مكتب المدعي العام الإسرائيلي في سنة 2018 إلى معدلات مماثلة.
يذكر إياد الرفاعي، مدير مركز “صدى سوشال” المختص بالدفاع عن الحقوق الرقمية الفلسطينية: “في سنة 2016، لاحظنا إغلاق 200 حساب فلسطيني، وبدأنا في توثيق الانتهاكات الرقمية منذ ذلك الوقت”.
صرحت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بأن وحدة الأمن السيبراني الإسرائيلية “تبلّغ وتتقدم بطلبات لشركات التواصل الاجتماعي لإزالة المحتوى “طوعًا”. وبدلاً من اتباع الإجراءات القانونية لتقديم أمر من المحكمة بناءً على القانون الجنائي الإسرائيلي لإزالة المحتوى عبر الإنترنت، تقدم وحدة الأمن السيبراني طعونًا مباشرة إلى هذه المنصات بناءً على شروط الخدمة الخاصة بها”.
أشارت المجموعة الحقوقية إلى أنها ليست على علم بأي اعتراضات من قبل فيسبوك بشأن مزاعم الموافقة على طلبات إزالة المحتوى التي تقدمت بها الحكومة الإسرائيلية. كما سأل مجلس الرقابة فيسبوك عما إذا كان قد تلقى طلبات رسمية أو غير رسمية من الحكومة في نيسان/ أبريل وأيار/ مايو. وقد ردت الشركة على حالة معينة لكنها لم تعلق على الطلبات ككل.
“علاقة وثيقة بين فيسبوك والحكومة الإسرائيلية”
خلال المؤتمر الصحفي، أفاد نديم الناشف مدير مركز “حملة” بأنهم يعتقدون بوجود “تعاون وتفاهم واضحين” بين فيسبوك والحكومة الإسرائيلية. وأضاف أن “فيسبوك شركة عملاقة لها صلة وثيقة بالسوق الإسرائيلية، سواء من الناحية التكنولوجية أو السياسية. نحن نتحدث عن شركة لديها منشأتان كبيرتان – واحدة في تل أبيب والأخرى في رمات غان – لذلك من الواضح أن هناك اتصالات قوية للغاية بينهما”.
ومع أن أحداث أيار/ مايو ساهمت في الضغط على فيسبوك “لدفعها إلى اتباع سياسة أكثر حيادا”، إلا أنه لا يمكن إنكار الاختلال الكبير في ميزان القوى – وهي حقيقة نراها في الواقع وتعكسها هذه المنصات”، على حد تعبير نديم الناشف.
وفقا لمدير مركز “صدى سوشال”، فإن استهداف المحتوى الفلسطيني “منهجي وليس عشوائيًا أو مجرد خلل فني”، مضيفًا أنهم وثقوا 700 انتهاك في شهر أيار/ مايو وحده. ويؤكد الرفاعي أن “مجرد ذكر فلسطين أو التطرق إلى الأحداث التي تدور فيها كان كفيلا بالحد من عدد مشاهدات المحتوى الذي ينشره المستخدمون، بما في ذلك المؤثرون”.
في رسائل موجهة وخلال عدد من الاجتماعات، أخبر ممثلو فيسبوك العديد من المجموعات الحقوقية أنهم يلتزمون “بالقانون الأمريكي المعمول به، بما في ذلك قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية التي تصنّف عددًا من الأحزاب السياسية الفلسطينية – بما في ذلك حركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – على أنها “جماعات إرهابية”. وتقول منظمات حقوقية محلية إن هذه القائمة تستخدم كعذر لإزالة المحتوى بشكل غير عادل وتلقائي.
يرى الرفاعي أن مثل هذه السياسات تسمح لفيسبوك والشركات الأخرى “بالتحكم في المحتوى الذي ننشره وتقييد الخطاب الفلسطيني، وحتى تحديد من يمكننا تسميته شهيدًا ومن لا يستحق ذلك”.
تقول تالا غنام وهي طالبة في جامعة بيرزيت تبلغ من العمر 22 عاما، إن المحتوى الذي تنشره يتعرض للرقابة المتكررة من قبل فيسبوك. وتوضح أن المنشورات التي تُحذف تتضمن كلمات مثل “مقاومة” أو “الشهيد” أو “أسماء بعض الشهداء الفلسطينيين”. وأضافت أنه “في أيار/ مايو، لاحظت أن الاستهداف كان متعمدًا للغاية، حيث وجدت صعوبة في الانتقال من قصة إلى أخرى لأن إحداها كانت عن فلسطين. إن ذلك واضح للغاية ومتعمد، وأثّر سلبا علينا وعلى رسالتنا كفلسطينيين. إنهم يحاربون حريتنا في التعبير عن أنفسنا”.
المصدر: الجزيرة