ترجمة وتحرير نون بوست
كانت أمي زكية فخورة أنني وأختي نتكلم العبرية أحسن من العربية، وكان أبي عثمان يعتقد بأننا إذا حققنا أفضل النتائج الدراسية، فإننا سنُعامل يومًا ما باعتبارنا مواطنين إسرائيليين مساوين لغيرنا، وكان مؤمنًا بأن الفلسطينيين القادرين على خلق خطاب قوي خاص بهم سيكسبون عقول وقلوب اليهود الإسرائيليين.
اعتقد أبي في وعود الديمقراطية بمنظومة تتجاوز الهويات الإثنية، ولا زلت مثلهم متمسكة بهذا الحلم، ولكنه حلم يصطدم بالواقع وأنا في طريق العودة إلى منزلي يوميًا.
أنا مواطنة إسرائيلية، ومتزوجة من يهودي أمريكي، بيد أنه ليس مرحبًا بي في إسرائيل لأنني فلسطينية. في زيارتي الأخيرة، مر زوجي بسلاسة عبر الحاجز الأمني بمطار بِن جوريون، ولكنني وابنتي، وكلانا يمتلك جوازي سفر إسرائيلي وإيطالي، تم تفتيشنا بالكامل. تؤلمني تلك الإجراءات بشدة، إذ يجب علي في كل مرة أن أتحمل كل هذا وأنا أغادر بلدي، ولكن ابنتي لم تتحمل فقالت بصوت عالٍ: “هذا المكان يولّد الكراهية!”.
أثناء نفس الرحلة، حاولت أن أجدد جواز سفرها، فقال لي المسؤول الإسرائيلي: “ابنتك ليست يهودية، ولذا لسنا متأكدين إن كانت الجنسية تحق لها”.
هذه الإهانات أمر عادي بالنسبة للإسرائيليين الفلسطينيين، أو عرب 48، والذين يشكلون 20٪ من السكان هنا. ما الذي كان ليشعره والداي، وهما متوفيان الآن، إذا تسنّى لهما أن ينظرا لرسم الجرافيتي الذي ظهر مؤخرًا على جدران منزلنا في حيفا، بشمال إسرائيل، والذي يقول بوضوح: “الموت للعرب!”
أثناء الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس، كانت إحدى أقاربي تمشي على الشاطئ قرب منزلها في حيفا أيضًا، حين سمعت مجموعة من الإسرائيليين يناقشون الأزمة، ورؤيتهم لما يجب أن تفعله الحكومة الإسرائيلية مع سكان غزة — “فلتقتلهم (الحكومة) جميعًا!”
حين عادت، قالت لي أنها لم تشعر بالذعر، على مدى سنوات عمرها الاثنين والثلاثين، كما شعرت حينها. “لا أريدهم أن يعرفوا أنني فلسطينية”، هكذا قالت.
مشروع النقاء الإثني
تتحول إسرائيل سريعًا لمشروع نقاء وإقصاء إثني ديني، حيث تحتل الأحزاب الدينية الصهيونية والأصولية المتطرفة 30 مقعدًا من 120 بالكنيسّت، يضم الائتلاف الحكومي أعضاء من حزب “البيت اليهودي” الديني الصهيوني، و”إسرائيل بيتنا” القومي اليميني. يمثل التشريع العنصري أساسًا لرؤية وبرامج تلك الأحزاب، وهي برامج تسعى للحد من الحقوق المدنية لعرب إسرائيل.
أشهر تلك القوانين العنصرية، والتي سجلها مركز “عدالة” القانوني في حيفا، والذي يرصد حقوق الأقليات العربية في إسرائيل، هو قانون حق العودة، والذي يمنح الجنسية تلقائيًا لأي يهودي، بغض النظر عن مكان مولده. معظم من يحصل على الجنسية من أولئك يحتشد في مستوطنات الضفة الغربية (وهي غير شرعية طبقًا للقانون الدولي)، حيث يحصلون على كافة المميزات والحقوق التي تمنحها الحكومة.
في نفس الوقت، يحظر على عرب إسرائيل، الذين يتزوجون من فلسطينيي الضفة أو غزة، أن يجتمعوا بأسرهم: أي تُحظَر عليهم الإقامة في إسرائيل بمقتضى قانون “المواطنة والدخول إلى إسرائيل”. في سبتمبر الماضي، رفضت المحكمة الدستورية العليا الإسرائيلية التماسًا يحتج على قانون “لجان القبول”، والذي يسمح للمجتمعات المحلية أن ترفض الطلبات المقدمة بالإقامة والسكن استنادًا لـ”عدم الموائمة الاجتماعية والثقافية” — وهو إطار قانوني يسمح بمنع غير اليهود من الإقامة في إسرائيل. بالطبع، وحتى قبل تمرير القانون، كان يستحيل فعليًا على فلسطيني أن يستأجر أو يشتري بيتًا في مدينة ذات أغلبية يهودية.
يعزز التعليم في إسرائيل الهوة الإثنية بشكل أعمق، فباستثناء عدد ضئيل من المدارس المختلطة، تنقسم معظم المؤسسات التعليمية إلى عربية ويهودية. تقول نوريت الحنان، أستاذة علم الاجتماع بالجامعة العبرية، وناشطة حقوق الإنسان التي أنتجت المسح الأكثر شمولًا لمناهج المدارس الحكومية الإسرائيلية، أنه لا توجد إشارة إيجابية واحدة للفلسطينيين في كتب المرحلة الثانوية الإسرائيلية، حيث يوصف الفلسطينيون إما بأنهم “فلاحون عرب بلا وطنية” أو “إرهابيون”، كما يرد في كتابها “فلسطين في الكتاب الدراسية الإسرائيلية: الأيديولوجية والدعاية في التعليم.”
وصلت منظومة الفضل العنصري الإسرائيلية إلى درجة شديدة، حتى أن 42٪ من اليهود في إسرائيل قالوا بأنهم لم يقابلوا فلسطينيًا أبدًا في حياتهم.
اندماج المتطرفين
تاريخيًا، لم يخدم أي إسرائيلي أرثوذكسي أصولي في الجيش، أما اليوم، فهم يدخلون ويخدمون في كافة المستويات، بما فيها وحدات النخبة الإسرائيلية الأكثر أهمية، مثل وحدة ماتكال، والوحدة 8200، واللتان تشمل مهامهما جمع المعلومات الاستخباراتية عن أي فلسطيني يشكّل خطرًا على إسرائيل.
يورام كوهين، الرئيس الحالي لشين بِت أو الشاباك، جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، هو يهودي متديّن، وهي سابقة لم تحدث من قبل. هذا التحول يجري بطول المجتمع الإسرائيلي، حيث يعطي الاندماج المتزايد لليهود الأصوليين فوائد كثيرة لليهود بشكل عام، في حين يعني لعرب إسرائيل عنصرية دينية جديدة، بجانب العنصرية التقليدية “العلمانية”.
بكل فخر، يروج قادة إسرائيل لسياسات الكراهية تلك. فقد قاد وزير الخارجية الإسرائيلي، وقائد حزب إسرائيل بيتنا القومي العلماني، أفيجدور ليبرمان، الدعوات لمقاطعة التجار من عرب 48، بل وسعى إلى تقنين “نقل” الفلسطينيين من منازلهم. لا يبدو، في نفس الوقت أن وزير الخارجية جون كيري، والذي التقى ليبرمان مؤخرًا، قد نقل له أي استياء من تلك السياسات والرؤى العنصرية.
ماذا بعد؟
هذه هي البيئة التي يعيش فيها عرب إسرائيل. ليس هناك في المستقبل القريب علاج لذلك. فحقوقنا لا يمكن أن تدافع عنها السلطة الفلسطينية، والتي تتمتع بالكاد، وبشكل جزئي، بسلطان على فلسطينيي الضفة، ولا يستطيع رئيسها، محمود عباس، أن يتفاوض لأجلنا لأننا رسميًا مواطنين إسرائيليين. ولكن إسرائيل لا ترانا كذلك، وتعمد إلى كل أشكال القمع غير المباشر لتثبت ما تراه، كما فعلت ما ابنتي مؤخرًا.
تحاول إسرائيل دومًا أن تشير إلى الجهود المختلفة لنزع الشرعية عنها ككيان من قبل نقادها، ولكنها في الحقيقة تنزع الشرعية عنها بمعاملتها المشينة لمواطنيها العرب. لا يختلف هذا كثيرًا عن الدول التي مارست العنصرية بشكل منهجي ضد شريحة اجتماعية كاملة، استنادًا للدين أو العرق أو الهوية الإثنية.
بينما تدّعي إسرائيل (مثلها مثل الولايات المتحدة) أنها تمقت العنصرية وخرق حقوق الإنسان في كل مكان، تمرر وتشرّع قياداتها بنشاط قوانين ترسّخ من منظومة فصل عنصري مؤسسية متغلغة فيها.
ما الذي تحتاجه إسرائيل إذن؟ إسرائيل بحاجة لحركة حقوق مدنية، مشابهة لنظيرتها الأمريكية التي قامت في الستينيات.
المصدر: نيويورك تايمز