نقلَ مجلس محافظة إدلب التابع للنظام مقرَّه المؤقت في حماة إلى مدينة خان شيخون جنوبي إدلب في النصف الثاني من العام 2021، وتحوّلت أكبر ثانوية في المدينة كمقرٍّ للمحافظة، في حين توزّعت باقي المكاتب على عدد من المنازل والمزارع الكبيرة التي هجرها أثناء تقدُّم قوات النظام نحو المدينة خلال العمليات العسكرية عام 2019، وزادت نشاطات المجلس وجولات المحافظ محمد نتوف وأعضاء المجلس ومكتبه التنفيذي خلال الأشهر القليلة الماضية في مناطق سيطرة النظام في إدلب.
وبدأ المجلس يروِّج لعودة الخدمات إلى عدد من القرى والبلدات في ريفَي إدلب الشرقي والجنوبي التي يسيطر عليها النظام، وذلك بمساعدة قوى وشخصيات عشائرية ومحلية تتمتّع بنفوذ واسع بين أبناء المنطقة، وبالأخصّ الوجهاء وشيوخ العشائر الذين كان لهم دور كبير في تأسيس ميليشيات مسلحة قاتلت لسنوات إلى جانب قوات النظام.
ومنحَ النظام بعض زعماء الميليشيات مناصب إدارية، كعضوية مجلس محافظة إدلب التي حصل عليها الشيخ أحمد درويش المبارك، زعيم فوج المبارك التابع للفرقة 25 مهام خاصة (قوات النمر)، والتي يتزعّمها العميد في جيش النظام والمقرَّب من روسيا سهيل الحسن.
المناصب لزعماء الميليشيات
زارَ محافظ إدلب محمد نتوف، برفقة عدد من أعضاء مجلس المحافظة والمكتب التنفيذي، عددًا من قرى ريف إدلب الجنوبي الشرقي للاطِّلاع على واقع الخدمات العامة، ومن بين القرى التي زارها نتوف تل العمارة، التي بدأت فيها شخصيات عشائرية نافذة ومقرّبة من شيخ عشيرة بني عز الشيخ أحمد مبارك الدرويش بتنفيذ مشاريع ري تعتمد على الطاقة الشمسية، لإرواء مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية التي تعود ملكيتها لمهجّرين غادروا المنطقة خلال العامَين 2016 و2017.
تسود في قرى ريف إدلب الجنوبي الشرقي التركيبة العشائرية للسكّان، وتشكّل عشيرة بني عز أغلبية فيها، وهي واحدة من العشائر التابعة لقبيلة الموالي العربية الكبيرة، وأكثر أبنائها موالين للنظام، ويتزعّم العشيرة في المنطقة التي تُعتبر بلدة أبو دالي عاصمتها الرمزية الشيخ أحمد درويش المبارك، الذي حصل على منصب عضو مجلس محافظة إدلب كمكافأة له على خدماته التي قدّمها للنظام خلال السنوات الماضية، باعتباره زعيمًا لميليشيا عشائرية، وذلك بعد أن خسرَ مقعده في مجلس الشعب في دورته الأخيرة.
قالت مصادر محلية متطابقة بريف إدلب الشرقي لـ”نون بوست” إن “توزيع النظام للمناصب في المؤسسات والدوائر الخدمية في المناطق التي تمدَّد نحوها خلال السنوات الماضية، لا تنحصر في ريف إدلب فقط، وبالأخصّ المناطق العشائرية التي انحازَ قسم كبير من أبنائها للنظام، ويمكن رصد هذه الظاهرة بوضوح في أرياف الرقة وحلب ودير الزور وحماة وسط وشمالي سوريا”.
أضافت المصادر: “إلى جانب أحمد درويش، يتقاسم زعماء الميليشيات المحلية والعشائرية النفوذ في ريف إدلب الشرقي والجنوبي الشرقي، وهي كتائب ومجموعات مسلَّحة صغيرة في مناطق سنجار وأبو الظهور وريفهما، قاتلت مع قوات النظام والميليشيات في مواقع مختلفة، وبرزَ اسمها أثناء الحملة العسكرية للنظام على المنطقة”.
يكمل المصدر: “وتحوز هذه الشخصيات ومن يلوذ بها من الأقارب، الذين كان معظمهم عناصر مسلَّحة، على مناصب فخرية وإدارية، كمنصب المختار ورئيس المجلس البلدي وعضو فرقة حزبية ورئاسة رابطة الفلاحين وغيرها من المديريات والدوائر الخدمية التابعة للنظام”.
وبحسب المصادر: “تتحكم هذه الشخصيات العشائرية والعوائل الموالية، والتي لديها تاريخ قتالي إلى جانب قوات النظام، بالقسم الأكبر من الأراضي الزراعية والعقارات التي تعود ملكيتها للمهجّرين، وتهيمن على الحصة الأكبر من الدعم الإنساني الذي تقدّمه الجمعيات والمنظمات الإنسانية العاملة في مناطق النظام”.
وبحسب المصدر، إنّ “زعماء الميليشيات باتوا يروِّجون لأنفسهم على أنهم وجهاء ويساهمون في أعمال الخير، وساعدتهم المناصب في دعايتهم الجديدة التي تُعتبَر انقلابًا على ماضيهم الإجرامي”.
أحمد درويش
تابعَ المحافظ نتوف وأعضاء المجلس جولتهم في عدة بلدات، وانتهت الزيارة في بلدة أبو دالي معقل ميليشيا أحمد درويش، وكرّمَ درويش ونتوف العاملين في جمعية محلية ببلدة أبو دالي كانت تعمل على توعية النساء بسرطان الثدي، ومن ثم دعا درويش المحافظ نتوف على وليمة غداء في قصره الكبير على أطراف البلدة، والذي بناه في الفترة ما بعد عام 2018.
تقع بلدة أبو دالي في الجنوب الشرقي من مركز منطقة معرة النعمان بـ 35 كيلومترًا، وتتبع لناحية التمانعة في ريف منطقة معرة النعمان، وتقع على الحدود الإدارية مع محافظة حماة، سكنتها عائلة المبارك من عشيرة بني عز عام 1990، وهي عائلة من البدو الرحّل السوريين، وكبيرهم محمد درويش، لديه 7 أبناء، من بينهم أحمد درويش الذي دخلَ مجلس الشعب كعضو عام 2003، وحافظَ على مقعده في دورتَين لكنه خسره قبيل انطلاق الثورة، وسرعان ما عاد إليه بعد انطلاقتها بوقت قصير بفضل موقفه المؤيد للنظام.
فوج المبارك
في الفترة ما بعد عام 2013 أسّسَ الشيخ أحمد درويش المبارك، وحينها كان قد استعاد مقعده في مجلس الشعب، ميليشيا فوج المبارك التابعة للمخابرات الجوية (قوات النمر) بزعامة سهيل الحسن، وكانت مجموعات الدرويش (مجموعات شبيحة) نواة التشكيل العسكري المنظَّم (فوج المبارك)، والمجموعات غير المنظمة نشأت في وقت مبكّر من عمر الثورة السورية، وساهمت في قمع التظاهرات التي عمّت مناطق عديدة في ريفَي إدلب وحماة.
شاركَ فوج المبارك التابع لقوات النمر في معارك قوات النظام في دير الزور وحلب والغوطة الشرقية بريف دمشق والبادية، واشتهرَ بشكل أكبر خلال العملية العسكرية التي أطلقها النظام أواخر عام 2017 للسيطرة على مناطق شرق سكة الحديد في أرياف حماة وإدلب وحلب، والتي كانت شرارتها الأولى سيطرة هيئة تحرير الشام في أكتوبر/ تشرين الأول على معقل ميليشيا الدرويش بلدة أبو دالي؛ ويتبع لفوج المبارك عدة مجموعات، مثل مجموعات أسد ومجموعات مبارك ومجموعات شهاب وغيرها.
استفاد زعيم ميليشيا فوج المبارك أحمد درويش من الموقع الاستراتيجي لبلدته أبو دالي في الفترة ما قبل منتصف عام 2017، حيث كانت نقطة تماسّ بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام، وافتتح فيها معبرًا تجاريًّا ولعبور المدنيين، وهو المعبر الأول من حيث الأهمية مقارنةً بمعبر قلعة المضيق في سهل الغاب في تلك الفترة.
وكانت ميليشيا درويش تسيطر على المعبر من جانب النظام، بينما تناوبت حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام على إدارة المعبر من جانب مناطق المعارضة، وكانت تتدفّق البضائع القادمة من تركيا بشكل كبير عبر معبر أبو دالي والعكس صحيح أيضًا.
ففي تلك الفترة كانت مناطق المعارضة بحاجة كل شيء بما في ذلك الغاز والمحروقات والألبسة والمواد الغذائية التي كانت تأتي من مناطق النظام، وكانت ميليشيا درويش تفرض ضرائب كبيرة على حركة العبور التجاري، وقد جمع زعيم الميليشيا أحمد درويش مبالغ طائلة من عائدات المعبر، والتي تمكّن من خلالها تجنيد أعداد كبيرة من أبناء عشيرته والقرى المحيطة ببلدة أبو دالي.
عام 2017 كان أحمد درويش، وبسبب علاقاته التجارية المتينة مع تحرير الشام من خلال المعبر، بمثابة وسيط بين مخابرات النظام وقادة في تحرير الشام، وتمَّ تداول معلومات في تلك الفترة تتحدّث عن لقاءات دورية حصلت بين أبو أحمد حدود الذي يدير المعابر الواقعة تحت سيطرة تحرير الشام وضبّاط من القوات الروسية وقوات النظام.
كما يرجع هجوم تحرير الشام على قرية أبو دالي في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، والذي سبقَ العملية العسكرية لقوات النظام بشهرَين تقريبًا؛ إلى خلاف بين أبو أحمد حدود زعيم المعابر في تحرير الشام وأحمد درويش زعيم ميليشيا المبارك، وقيل إن درويش امتنعَ عن دفع مبلغ مليونَي دولار لتحرير الشام، حصّتها من واردات المعبر وأنشطة تجارية مشترَكة بينهما.
بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي أحيا أحمد درويش الذكرى الرابعة لمقتل القائد العسكري للميليشيا فوج المبارك التي يتزعّمها، عبد الجبار الفارس، والذي قُتل بتفجير سيارة مفخَّخة أثناء هجوم تحرير الشام على أبو دالي عام 2017، والذي قُتل فيه أكثر من 20 عنصرًا من عناصر الفوج.
ومع حلول كل ذكرى يقيم درويش وليمة عشاء يدعو إليها شيوخ عشائر في ريف إدلب الشرقي والجنوبي الشرقي، وحضر درويش حفل تخريج دورة لقوات الصاعقة التابعة لفوج الهواشم في قوات النمر، والتي حضرها أيضًا سهيل الحسن وألقى خلالها كلمة توعّد فيها إدلب بمعركة قريبة، ودعا قادة الأفواج والمجموعات للاستعداد لها.