أحد أكثر الأشياء أهمية في الحياة هو المنزل، ولهذا السبب يحاول الجميع استخدام أفضل المواد المتاحة لبناء المنزل، بالإضافة إلى أفضل موقع واتجاه لمنزلهم، غير أن أثر ذلك المبنى أو المنزل على البيئة يعدّ أحد الاعتبارات الأساسية لتغيُّر المناخ.
وفقًا لمجلس المباني الخضراء العالمي: “البناء والتشييد مسؤولان عن 39% من جميع انبعاثات الكربون في العالم”، وتتحمل الشركات مسؤولية خفض استهلاك الطاقة في المباني وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
في عالمنا اليوم يزداد الدعم الدولي للقضايا البيئية، لذا يعدّ من الضروري أن يبدأ المرء من منزله، فلا توجد طريقة تحافظ بها على البيئة أفضل من إعادة تصميم منزلك بطريقة صديقة للبيئة.
المباني الخضراء
تُعرِّف وكالة حماية البيئة الأمريكية المباني الخضراء أو المباني المستدامة بأنها تستخدِمُ عمليات صديقة للبيئة وموفِّرة للموارد طوال دورة حياة المبنى، في مجالات مثل البناء والتجديد والتشغيل والصيانة والهدم.
المبنى الأخضر ليس أكثر من مبنى تمَّ بناؤه باستخدام مواد قابلة لإعادة الاستخدام، ومواد أخرى تجعل المبنى فعّالًا وصديقًا للبيئة، وتحافظ المباني الخضراء على الموارد الطبيعية الثمينة وتحسِّن نوعية حياتنا.
أما الفوائد الاقتصادية، فوفقًا لتقرير المجلس العالمي للمباني المستدامة، يكون توفير الطاقة من 25% إلى 35%، وتوفير المياه يصل حتى 39% مقارنة بالمباني التقليدية.
أما من الناحية الاجتماعية، تساعد المباني المستدامة على تحسين نوعية الحياة، من خلال تعزيز صحّة الأفراد ورفاهيتهم وراحتهم، بسبب استخدام تقنيات العزل الحراري والصوتي، وتحسين إدارة الطاقة والإضاءة.
الهدف العامّ للمباني الخضراء هو تقليل الآثار السلبية للمباني على البيئة، بما في ذلك انبعاث ثاني أكسيد الكربون والغازات السامة الأخرى، وكذلك استنفاد موارد الأرض من خلال الحصاد غير المسؤول لمواد البناء.
التحديات التي تواجه المباني الخضراء هي أن ارتفاع تكاليف التصميم الأولية والبناء تمثّل العقبات الأعلى لمشاريع المباني المستدامة، رغم أنها مربحة على المدى الطويل، بالإضافة إلى قلة الوعي العام عند الشعوب بأهمية هذه المباني وعدم حصولها على الدعم السياسي الكافي.
خصائص المباني الخضراء
لتقييم استدامة المبنى، ينبغي الحصول على شهادة LEED (الريادة في الطاقة والتصميم البيئي)، وهي اعتراف رسمي مقبول دوليًّا، تحدِّد ما إذا كان البناء يستحق أن يُعتبَر مستدامًا.
تؤسِّس شهادة LEED نظام نقاط يعتمد على أقسام مختلفة، تتعلق بالتصميم والبناء من خلال هذه النقاط أو الخصائص أدناه، التي يمكن اعتبار المبنى من خلالها أخضر أو مستدامًا:
– الموقع والنقل: لا تقُم بالبناء في مواقع حساسة بيئيًّا، وتوفير وسائل النقل العام لتقليل استخدام السيارات الخاصة.
– المواقع المستدامة: حماية الموارد الطبيعية والمحافظة عليها وتقليل التلوث واستخدام الموارد الطبيعية وتسهيل التفاعل مع الطبيعة.
– كفاءة استخدام المياه: قلِّل من استخدام المياه أثناء البناء ووفِّر آليات لتقليل البصمة المائية للمبنى.
– الطاقة والجو: تقليل استهلاك الطاقة واستخدام الطاقة المتجددة وزيادة كفاءة الطاقة للحدّ من التلوث.
– المواد والموارد: قُم بدمج أنظمة إعادة التدوير واستخدام المواد المستدامة وتوفير أكبر عدد ممكن من الموارد أثناء البناء.
– جودة البيئة الداخلية: معالجة جودة المساحة لشاغليها، مثل نظافة الهواء والتحكُّم الحراري والتلوث الضوضائي.
– ابتكار التصميم: تنفيذ استراتيجيات الاستدامة المبتكرة أثناء بنائه.
– الأولوية الإقليمية: تحقيق التحسينات للمكان الذي يوجد فيه من حيث البيئة والعدالة الاجتماعية والصحة العامة.
تقنية المباني الخضراء
تغطي تقنية المباني الخضراء، والمعروفة أيضًا باسم “تقنية البناء المستدام”، كل شيء بدءًا من التدفئة الحرارية الأرضية وحتى الأجهزة الموفِّرة للطاقة، ما يعني أن المبنى مصمَّم بطريقة تستهلك طاقة أقل، وتتمتّع بمرونة تصميم كبيرة، وتكلفة صيانة منخفضة، وجودة هواء محسَّنة، وما إلى ذلك.
وفقًا للبيانات، تستهلك أنشطة البناء والتشييد في جميع أنحاء العالم 3 مليارات طنّ من المواد الخام كل عام؛ باستخدام تقنية المباني الخضراء، يمكننا تقليل هذا الرقم دون المساس بمتانة وقوة هياكلنا.
%40-30 من المباني التجارية عادة ما تكون شاغرة في أي وقت، حيث تقوم التكنولوجيا الخضراء تلقائيًّا بإيقاف تشغيل الأضواء عندما يكون المبنى شاغرًا، وضبط خيارات التدفئة والتهوية وتكييف الهواء والتبريد.
يمكن لمالكي المباني تحقيق توفير يصلُ إلى 30% في نفقات الطاقة الخاصة بهم، من خلال التخلُّص من استخدام الطاقة غير الضروري بهذه الطريقة.
غالبًا ما تُستخدَم الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح، كمصدر طاقة متجدِّدة للتدفئة والكهرباء، بحيث يكون أي مبنى سكني أو تجاري قادرًا ليس فقط على تلبية احتياجاته الخاصة ولكن على توليد الكهرباء وتخزينها، كما تعدّ إعادة التدوير وتقليل النفايات من السمات ذات الأهمية الكبرى في العمارة الخضراء.
متلازمة المباني المريضة
لقد وثّقت العديد من الدراسات حالات “متلازمة المباني المريضة”، وهي المباني التي لا تراعي المعايير البيئية وخاصة المباني القديمة، فيما يخصّ استهلاك الطاقة وزيادة الانبعاثات ذات الصلة، مثل ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة كالميثان والأوزون وأكسيد النيتروز والغازات الفلورية.
فضلًا عن جودة الهواء الداخلي التي تعدّ أشد خطورةً من الهواء الخارجي، من جهة تأثيرها السلبي المباشر على صحّة السكان نتيجة سوء التهوية الطبيعية، ومستوى الرطوبة العالية التي توفر بيئة مناسبة لنمو الفطريات والميكروبات، أو الرطوبة المنخفضة التي تزيد من تراكم الغبار، والتذبذب في درجات الحرارة الذي يتسبّب في ظهور المواد العضوية المتطايرة والفطريات.
تتصف المباني والمدن المريضة بـ 3 صفات رئيسية، وهي:
– استنزاف في الطاقة والموارد.
– تلويث البيئة بما يخرج منها من انبعاثات غازية وأدخنة أو فضلات سائلة وصلبة.
– التأثير السلبي على صحّة مستعملي المباني نتيجة استخدام مواد كيماوية التشطيبات أو ملوِّثات أخرى مختلفة.
أفضل تقنيات صديقة للبيئة
يتّخذ المهندسون المعماريون والمطوِّرون خطوات للتخفيف من تأثير المباني على البيئة، ويتحولون إلى المباني الخضراء لتقليل التأثير على البيئة والبشر، من خلال التقنيات الآتية:
البنية التحتية الخضراء
تقوم البنية التحتية الخضراء بتصفية مياه الأمطار وامتصاصها حيث تسقط، وتقوم العديد من المجتمعات بتركيب أنظمة بنية تحتية خضراء بشكل متزايد، لتعزيز قدرتها على إدارة مياه الأمطار لمواجهة هذا التحدي.
الزجاج الكهربائي
يستخدِمُ الزجاج الكهربائي، المعروف أيضًا باسم الزجاج الذكي، دفعة صغيرة من الكهرباء لشحن الأيونات على طبقة النافذة وتغيير مقدار الضوء الذي يعكسه، ويسمح لك الزجاج الكهربائي باختيار كمية الضوء التي تريد إيقافها باستخدام أنظمة التحكم الذكية في المبنى.
على سبيل المثال، من المحتمل أن تحتوي ناطحات السحاب في المستقبل على نوافذ يتمُّ تلوينها تلقائيًّا أثناء النهار، وتصبح شفافة في الليل، إذ تقلِّل بنسبة 25% في تكاليف التدفئة والتهوية وتكييف الهواء في المبنى.
نظام السقف البارد
السقف البارد هو سطح مصمَّم ليعكس المزيد من ضوء الشمس، ويمتصّ حرارة أقل من السقف القياسي، فتحت شمس الصيف يمكن أن تصل درجات حرارة الأسطح المصنوعة من الألواح الخشبية الداكنة إلى حوالي 150 درجة فهرنهايت، ما يضغط على أنظمة تكييف الهواء وبالتالي يزيد من انبعاثات الكربون.
الأجهزة الذكية
زيادة الأجهزة المنزلية الحديثة المجهّزة بتقنية مبتكرة، توفر الطاقة وتجعل حياتنا أسهل؛ على سبيل المثال يتمُّ توصيل الغسالات الذكية وغسالات الصحون والثلاجات بأجهزة قياس ذكية لجعلها موفِّرة للطاقة.
المباني الخالية من الطاقة
تمَّ تصميم المباني الخالية من الطاقة لإنتاج الكهرباء من خلال الطاقة المتجدِّدة، وبالتالي القضاء على الحاجة إلى الاتصال بالشبكة الكهربائية القياسية.
في الواقع، يستهلكُ المبنى الذي لا يحتوي على طاقة صفرية أي طاقة صافية سنويًّا، ولا ينتج عنه أي انبعاثات كربونية لأنه يعتمد على مولدات الطاقة المتجدِّدة مثل الرياح والطاقة الشمسية.
في الولايات المتحدة على سبيل المثال، تقدِّم الحكومة ائتمانًا ضريبيًّا لاستثمار الطاقة الشمسية بنسبة 30% من التكلفة الإجمالية للنظام، بينما توفِّر كاليفورنيا أموالًا إضافية للمستهلكين الذين يختارون الطاقة المتجددة.
أبرز المباني الخضراء في العالم
هناك عدة مبانٍ خضراء في العالم تمَّ بناؤها وفق المعايير التكنولوجية والهندسية الخضراء، وإليك أبرز 5 مبانٍ خضراء في العالم:
برج إيبردرولا، بلباو، إسبانيا
تمَّ تصميم برج إيبردرولا من قِبل المهندس المعماري سيزار بيلي، ويضمُّ المقر الرئيسي للمجموعة، وبسبب خصائصه يمثّل صفر ميل من الطاقة المتجددة.
إن هيكله الزجاجي المهيب الذي يبلغ ارتفاعه 165 مترًا، هو رمز مالي وتجاري في بلباو، ومعيار في التصميم المستدام وكفاءة الطاقة، كما يحتوي على حلقة لاستعادة الطاقة تقلِّل من انبعاثات الكربون.
مكتبة بيتو العامة في تايبيه، تايوان
أول مكتبة خضراء في تايوان تقع في بيتو بارك في تايبيه، إنه مبنى من طابقَين مصمَّم لتقليل استهلاك المياه والكهرباء بفضل النوافذ الكبيرة، والسطح مغطى جزئيًّا بالخلايا الكهروضوئية لتوليد الطاقة، وكذلك لتجميع مياه الأمطار لاستخدامها في المراحيض.
أكاديمية كاليفورنيا للعلوم، سان فرانسيسكو، الولايات المتحدة
أُعيد بناء هذا المعهد البحثي ومتحف التاريخ الطبيعي بالكامل عام 2008، يقوم المبنى الجديد بإعادة تدوير مياه الأمطار، واستخدام الألواح الكهروضوئية، وتحقيق أقصى استفادة من الإضاءة الطبيعية وله سقف أخضر بمساحة هكتار واحد يحتوي على ملايين النباتات الأصلية في كاليفورنيا.
مبنى بكسل، ملبورن، أستراليا
أول مبنى مكتبي خالٍ من الكربون في أستراليا، نشأ كمكتب نموذجي للمستقبل، فلديه سقف أخضر بألواح شمسية لإنتاج طاقته الخاصة ويخزّن كل المياه التي يحتاجها، وتجعل واجهته غير المعتادة متعددة الألوان من الممكن الاستفادة من التهوية والإضاءة الطبيعية لتقليل استهلاك الطاقة.
مجموعة بارك رويال، سنغافورة
يقع هذا الفندق الفاخر في وسط سنغافورة، ويحتوي على 15 ألف متر مربّع من تراسات الحديقة، تُسمّى حدائق السماء، لإسعاد زواره.
تمَّ تصميم الحدائق بحيث تكون مكتفية ذاتيًّا وتستهلك الحدّ الأدنى من الطاقة من خلال استخدام الخلايا الشمسية وأجهزة استشعار الحركة وتجميع مياه الأمطار لإعادة التدوير اللاحقة.
التجارب العربية للمباني الخضراء
بعض الدول العربية بادرت في بناء المباني الخضراء، وكان لها بصمتها الإلكترونية العالمية وخصوصًا دول الخليج العربي، وهي:
مركز التجارة العالمي، المنامة، البحرين
يقع هذا المجمع المكوَّن من برجَين توأمَين بارتفاع 240 مترًا في مدينة المنامة، عاصمة البحرين، وهو أول ناطحة سحاب في العالم تدمج توربينات الرياح في تصميمها.
يغطيان معًا 15% من الاستهلاك النشط للأبراج، كلا المبنيَين اللذين على شكل أشرعة لتوجيه الرياح، مرتبطان بـ 3 جسور ولكلّ منهما توربين يبلغ قطره 29 مترًا.
مدينة مصدر، أبوظبي، الإمارات
مدينة مصدر التي تقع على بعد 17 كيلومترًا من وسط مدينة أبوظبي، بالقرب من مطار أبوظبي الدولي، هي من أبرز تلك الإنشاءات.
تتميز مدينة مصدر بكونها تستمدّ الطاقة اللازمة لها بالكامل من محطّةٍ لتوليد الطاقة الشمسية تعدّ الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط، تبلغ طاقتها الإنتاجية 10 ميغاواطات وتمتدّ على مساحة 22 هكتارًا، وتوفر الفائض من الطاقة للشبكة الرئيسية لأبوظبي.
تُستخدَم في هذه المدينة أيضًا النفايات البيولوجية للحصول على أسمدة عضوية، فيما يتم تحويل بعض هذه النفايات، عن طريق الحرق، إلى مصدر إضافي للطاقة، أما النفايات الصناعية، مثل البلاستك، فيتمّ إعادة تدويرها أو إعادة استخدامها في أغراض أخرى.
جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، السعودية
عند تأسيسها عام 2010، مثّلت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في السعودية أكبر مشروع في العالم من حيث المساحة يحصل على تصنيف LEED البلاتيني للمباني التي تُحافظ على البيئة، حيث تبلغ مساحة المشروع كاملًا 5.5 ملايين قدم مربّع على امتداد 27 مبنى.
حصلت الجامعة على هذا التصنيف نتيجة توظيفها الكثير من تقنيات الطاقة النظيفة وإعادة تدوير المياه، حيث يوجد محطة لإعادة تدوير المياه تقوم بمعالجة كامل استهلاك مباني الجامعة للمياه.
تمتلك الجامعة أيضًا ألواحًا كهروضوئية بمساحة تتجاوز 16 ألف قدم مربّع، تُنتج طاقة كهربائية نظيفة تبلغ قدرتها 4 ميغاواطات.
تحويل المباني القديمة إلى خضراء
يمكن أيضًا استخدام تقنية البناء الأخضر في المباني القديمة الموجودة بالفعل، من خلال تطبيق الخطوات التالية:
– تركيب أجهزة التحكم في التدفُّق في صنابير الماء.
– استخدام الصنابير وصناديق الطرد الإلكترونية في الحمّامات لتوفير المياه.
– إطفاء الأضواء والأجهزة الإلكترونية الأخرى في حالة عدم الاستخدام لتوفير الطاقة.
– استخدام أنظمة جمع ماء المطر للحفاظ عليها.
– عدم تشغيل مكيّفات الهواء على درجة حرارة أقل من 25 درجة مئوية.
– استخدام ألواح الطاقة الشمسية في المناطق المستقبِلة لضوء الشمس لفترات طويلة خلال العام.
إذا كنت تقرأ وتتعلم عن هذه الأفكار المختلفة، سترى أن تطبيق هذه الإجراءات في أقرب وقت ممكن للحفاظ على البيئة ليس أمرًا صعبًا للغاية.
ختامًا؛ تقنية البناء الأخضر ليست صديقة للبيئة فقط، إنما اقتصادية أيضًا وتعتمدها العديد من شركات الإنشاءات حول العالم، كما تعدّ مثالًا رئيسيًّا على التطور الذي يلبّي حاجات الأجيال الحالية دون التفريط في احتياجات الأجيال المستقبلية.
كما توفِّر هذه التقنية كميات كبيرة من الطاقة التي يمكن استغلالها في مهامٍّ أخرى، وبالتالي تساعد على تقليل استخداماتنا للوقود الحيوي والمحافظة على البيئة.