خلال سنة مضت، شهد الجنوب السوري حراكًا عسكريًّا كبيرًا، حيث حصلت معارك كبيرة بين قوات النظام السوري وقوات المعارضة قبل أن يتوصّلوا إلى اتفاق جديد يرسم وجه المنطقة بقلم روسي، وليس بعيدًا عن المعارك كانت وتيرة الاغتيالات بين كافة الأطراف مرتفعة، إضافة إلى زيادة التوغُّل الإيراني والميليشيات الشيعية في المناطق المختلفة هناك، ووصول الميلشيات وتمترسها على الحدود الإيرانية.
استطاعت روسيا ضبط إيقاع المنطقة عسكريًّا بين النظام وقوات المعارضة المتبقية فيما تسيّر دورياتها بشكل مستمر هناك، لكنها على ما يبدو لم تستطع السيطرة على المدّ الإيراني وضبط التحركات التي يمارسها عناصر طهران وحزب الله، ما دفعَ موسكو بالاتجاه نحو تل أبيب دوريًّا لحلّ الموضوع.
وقد بدا ذلك جليًّا من نتائج أكثر من اجتماع بين الطرفَين، إذ طالما اتفق الجانبان على غضّ الطرف الروسي عن الضربات الإسرائيلية التي تستهدف القوات الإيرانية في البلاد، ولا يقتصر الأمر على جنوب سوريا بل على كامل التراب.
تتلاقى المصالح الإسرائيلية الروسية في سوريا حاليًّا بالدفع تجاه تحجيم الدور الإيراني خاصة في مناطق الجنوب السوري، وهو ما يعطي دفعًا أكبر لحكومة الاحتلال بتكثيف هجماتها على المنطقة يومًا بعد يوم، من أجل إبعاد الميليشيات عن حدودها، وبهذا تضمن روسيا عدم المواجهة المباشرة مع إيران، وتكسب الطريق بين الأردن وسوريا حيث هي الواجهة الأولى لإعادة التطبيع الاقتصادي العربي مع نظام بشار الأسد.
في المعادلات الدولية التي تُخطَّط من أجل سوريا، لا تجد ذكرًا أو مشاركةً أو حتى خبرًا عن النظام السوري، فالأمر لم يعد بيده، حيث عندما تتكلم روسيا على الأسد أن ينصت وينفّذ، ولعلّ آخر الاتفاقيات التي حصلت بين روسيا و”إسرائيل” كان ما جرى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزراء الاحتلال نفتالي بنيت خلال لقائهما في موسكو منذ أيام.
وقد قال بنيت إنه “توصّل خلال لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تفاهمات جيدة ومستقرة بشأن سوريا”. وأضاف: “ناقشنا الوضع في سوريا بالطبع. بطريقة ما الروس هم جيراننا في الشمال (سوريا)، ومن المهم أن ندير الوضع الدقيق والمعقّد هناك بسلاسة ودون وقوع حوادث”.
تسلسل زمني من إعداد “نون بوست” يسرد أبرز الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية حتى عام 2020.
اتفاقيات
الاتفاق الروسي الإسرائيلي تعكسه التصريحات المستمرة من الجانب الإسرائيلي، بالإضافة إلى أن التنسيق بين الجانبَين عالي المستوى، باعتبار أن الضربات الجوية التي تشنّها تل أبيب على الأراضي السورية لا يمكن أن تكون دون علم روسيا، كونها هي التي تسيطر على الأجواء السورية.
في يوليو/ تموز 2018، التقى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، مع فلاديمير بوتين، وبعد اللقاء وصف نتنياهو الاتفاقات التي تضمن منع المواجهة مع روسيا في سوريا بأنها “إنجاز على المدى الطويل لـ”إسرائيل””.
كما قال نتنياهو: “إننا في موقف قوة. ففضلًا عن أننا لن نكون مضطرّين لمواجهة الروس، نحن قادرون على تنسيق العمليات العسكرية معهم”، وأيضًا أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي على مدى أهمية الحفاظ على “حرية التصرف” في سوريا.
وحينها أشارت وسائل الإعلام إلى أن روسيا اشترطت أن تكون الضربات موجَّهة للقوات الموالية لإيران وليس لجيش النظام السوري، وهو ما لم تستطع تل أبيب الوعد به، خاصة لوجود تداخل بين مواقع جيش الأسد والقوات الإيرانية.
إلى ذلك كانت وعود نتنياهو حينها، ضمن معادلة ذكرتها عدة صحف، هي: “في حين تعمل روسيا على سحب القوات الإيرانية من الحدود الشمالية لـ”إسرائيل”، ستتجنّب “إسرائيل” من جهتها زعزعة استقرار نظام الأسد في سوريا”.
في يونيو/ حزيران 2019، احتضنت مدينة القدس المحتلة اجتماعًا روسيًّا أمريكيًّا إسرائيليًّا، كان محوره الأبرز الوجود الإيراني في سوريا وكيفية التعامل معه، حينها قال نتنياهو: “التعاون الأمني بين الاحتلال وموسكو ساهم كثيرًا في استتباب الأمن والاستقرار في منطقتنا وحقّق تغييرًا جوهريًّا في الأوضاع فيها”، واصفًا الاجتماع بـ”غير المسبوق”.
وقبل الاجتماع ذكر مسؤول روسي أن من أبرز أهداف اللقاء “البحث عن سُبل وخطوات عملية مشترَكة لتسوية الأزمة في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها”.
لم يكن الاجتماع مرضيًا لتل أبيب، ذلك أن مستشار الأمن الروسي باتروشيف قال خلال مؤتمر صحفي: “يجب أخذ مصالح إيران في سوريا بالحسبان، وأي محاولة لعرضها على أنها تهديد لأمن العالم غير مقبولة، والغارات الجوية على سوريا غير مرغوب بها أيضًا”.
في آخر لقاء روسي إسرائيلي جمع بوتين وبنيت، أكّدت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية على وجود “توافق روسي إسرائيلي لإخراج إيران من المشهد السوري”، وذكرت الصحيفة أن “”إسرائيل” تعمل على المهمة الصعبة المتمثلة في تدمير أحلام طهران بالهيمنة الإقليمية، من خلال شنّ مئات الضربات الجوية في سوريا”.
ووفقًا للصحيفة نفسها، فإن وزير البناء والإسكان الإسرائيلي زئيف إلكين، قال إن “الجانبَين اتفقا على استمرار سياسة “إسرائيل” تجاه سوريا، بما في ذلك الضربات الجوية”.
بعد الاجتماع قال بنيت: “وجدت لدى الرئيس بوتين أذنًا صاغية لاحتياجات “إسرائيل” الأمنية، كما ناقشنا البرنامج النووي الإيراني المتقدِّم، الذي يثير قلق الجميع”، مضيفًا: “ناقشنا الوضع في سوريا بالطبع. بطريقة ما الروس هم جيراننا في الشمال (سوريا)، ومن المهم أن ندير الوضع الدقيق والمعقّد هناك بسلاسة ودون وقوع حوادث”.
بدورها قالت صحيفة “هآرتس” إن “بوتين طالب بنيت خلال الاجتماع في سوتشي بأن تحسِّن “إسرائيل” الإخطارات التي ترسلها إلى موسكو بشأن أنشطتها في الأراضي السورية، وأن تكون أكثر دقة في ذلك”. مضيفةً: “كما ناقش الاثنان تموضع إيران في سوريا وجهود “إسرائيل” لإبعادها عن الحدود قدر الإمكان”.
مصالح مشتركة
وفقًا لتقرير أصدرته كلية الدفاع لدى حلف الأطلسي، فإن “التعامل مع روسيا يسمح لـ”إسرائيل” بإبطاء وتيرة ونطاق نمو الوجود الإيراني في سوريا، وضمان الحياد الروسي تجاه عملياتها”، وترى هذه الدراسة أن “مصلحة “إسرائيل” في التعاون مع روسيا تبدو راسخة”.
وتضيف الكلية التابعة للناتو أن “هناك تنافسًا على النفوذ بين روسيا وإيران في سوريا، لا يقلّ عن التعاون بينهما. بالنسبة إلى موسكو، من الواضح أنه إذا تغلّبَ التأثير الإيراني على النظام في دمشق، فقد يتحدى المكاسب غير المتوقعة المحتملة من مشاريع إعادة الإعمار بعد الحرب. وعندها، قد يكون الوجود الروسي ذاته في سوريا في خطر أيضًا”.
تضيف الدراسة في معرض تحليلها للمصالح الروسية الإسرائيلية المشتركة، أن “الوضع الحالي يسمح لروسيا بكسب نقاط، بصفتها جهة فاعلة قادرة على التفاوض مع “إسرائيل”، على عكس إيران التي تتجاهل هذا الخيار بشكل أساسي”.
وتشير إلى أن “روسيا تستخدم أيضًا التعاون مع “إسرائيل” جزئيًّا لشرح سلبية نظامها المضادّ للطيران في سوريا، وتقليل الضرر الذي يلحق بصورتها المهنية. بعبارة أخرى: قد يؤدي تغيير السياسة والمحاولة الحقيقية لوقف الهجمات الإسرائيلية إلى الإضرار بصورة روسيا، كمصنع أسلحة متقدِّم”.
كما تكشف الدراسة أن أسبابًا تجعل روسيا و”إسرائيل” تتمسّكان بعلاقات طيّبة في سوريا، مثل العلاقات الشخصية والسياسية والإقليمية، فمثلًا يوجد علاقة شخصية قوية جمعت بين بوتين ونتنياهو رئيس الوزراء السابق، حيث التقى الزعيمان ما لا يقل عن 16 مرة خلال الفترة ما بين عامَي 2015 و2020.
وتشير التوقعات إلى أن التغيير الأخير في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي مع وصول نفتالي بنيت إلى السلطة، لن يؤثر في طبيعة التعاون مع الروس، حيث كان دور نتنياهو أساسيًّا في إنشاء وتصميم قناة للحوار مع الكرملين على مدى العقد الماضي.