كل صباح عند باب المغاربة في البلدة القديمة بالقدس، يصطف العديد من السياح واليهود الذين يعتقدون أن ما يفعلونه سيجلب عصرا يهوديا بلا حرب ولا مجاعة. إنهم يفعلون ذلك عبر السير في المنطقة التي تُعرف لدى المسلمين بالمسجد الأقصى أو بالحرم الشريف، ولدى اليهود باسم جبل الهيكل، إذ يعتقدون أنه ضم في السابق اثنين من معابدهم القديمة.
يعقوب هاكوهين، وهو إسرائيلي أمريكي المولد، والذي كان قد مُنع من دخول المكان بسبب خطابه التحريضي، وقف على كرسي يطل على الحشد حاملا علما ضخما لإسرائيل صائحا “يجب علينا أن نجبر المسلمين على الرضوخ لنا” .. وتابع “أخبروهم الحقيقة”.
بينما يُعرف هاكوهين بين اليهود الآخرين بأنه “جاك المجنون”، ويحصل دوما على نظرات الحيرة من السياح وآهات من الإسرائيليين الآخرين المنتظرين للدخول، بدأت رسالته يزداد صداها في بعض الدوائر داخل إسرائيل
حركة جبل الهيكل تكتسب قوة
الوضع الحالي للأماكن المقدسة في القدس لم يتغير رسميا منذ العهد العثماني، حيث كان المسلمون يصلون في المسجد الأقصى وقبة الصخرة واليهود عند حائط المبكى. لكن المجموعة اليمينية المتطرفة التي تضم اليهود القوميين والمتدينيين تبدو قادرة على تغيير بعض الحقائق على الأرض والتي من شأنها تغيير الوضع الراهن، وربما إشعال حرب مقدسة.
على مدى السنوات الثلاثين الماضية، انتشرت حركة جبل الهيكل التي تطالب بأن يتم فرض السيادة اليهودية على كل جبل الهيكل، والذي ينظر إليه على أنه أقدس موقع في اليهودية.
وجهات النظر من هذا النوع، والتي تبنتها الجماعة، لا يتردد صداها لدى معظم اليهود الأرثوذوكس الذين يعتبرون زيارة الهيكل كارثة. الشريعة اليهودية أو “هالاخا” تُحرم على اليهود الذهاب إلى جبل الهيكل بسبب أهميته الدينية.
تومر بيريسكو، وهو محاضر في الأديان المقارنة بجامعة تل أبيب كتب يقول “وفقا للتقاليد الدينية، لا يجب دخول منطقة الهيكل بدون أن تطهر من نجاسة الموت. طقوس التطهير هذه لم تعد ممكنة لأنها تتطلب الحصول على رماد البقرة الحمراء، والتي لا يمكن العثور عليها اليوم”. ويضيف بيريسكو في كتابه “حتى منتصف التسعينات،، كانت هناك إجماع كامل بحرمة زيارة جبل الهيكل” .. “حتى الآن، معظم الشخصيات الدينية الرئيسية لا تزال تدين بذلك، حركة جبل الهيكل، هي في الأساس حركة مناهضة للتدين اليهودي التقليدي (الأرثوذوكسي)”
ومع ذلك، فقد نمت حركة جبل الهيكل من بضع مئات من الناشطين على هامش السياسة في إسرائيل، إلى أن تصبح شديدة التأثير بشكل متزايد، وأن تتمكن من إدراج مسألة السيادة اليهودية على جبل الهيكل في الخطاب الإسرائيلي العام.
بدأت الحركة تكتسب زخما بعد أن بدأت حركة غوش إيمونيم، وهي حركة صهيونية كان مهيمنة على المستوطنين في الضفة الغربية منذ منتصف الستينات، في مواجهة سلسلة من الانتكاسات الإيديولوجية في وقت مبكر من التسعينات.
وبينما جاءت فترة أوسلو إلى الواجهة، بدأت حركة جبل الهيكل في جذب الانتباه والحصول على الدعم. وسرعان ما اكتسبت موطئ قدم قوي في حزب الليكود الحاكم، حيث كان أكثر من نصف أعضاء الحزب داعمون لنشطاء جبل الهيكل” وفقا لبيريسكو.
في الحقيقة، ينص برنامج الحزب على ما يلي “سيعمل الليكود في الفترة المقبلة على إيجاد حل يسمح بحرية العبادة لليهود على جبل الهيكل، وبالطبع سيتم معالجة الأمر بالقدر المطلوب من الحساسية”.
بالنسبة للبعض، يعتبر الجبل كنقطة محورية للصهيونية. “بعد أن تصل إلى أرض إسرائيل، تتخلى عن جبل الهيكل! ليس هناك معنى لأي مكان آخر بدون الهيكل” هذا ما قاله مايكل بن آري، وهو يميني متطرف عضو سابق في الكنيست.
باروخ مارزل، الذي جاء من نفس معسكر بن آري يطالب بتدمير الأقصى بعبارات لا لبس فيها: “جبل الهيكل ملك لنا، نحن نملك المكان. نحن نريد تنظيف الحرم من كل الإرهابيين ومعادي السامية، يجب أن نعيده إلى اليهود حتى نتمكن من بناء الهيكل الثالث” كما صرّح لميدل إيست آي.
المعركة العالمية لـ”الحضارة ضد الإسلام”
في الأسبوع الماضي، أُطلق الرصاص على الحاخام الأمريكي المولد يهودا غليك بعد أن تحدث في مؤتمر في مركز مناحم بيغن للتراث عن “عودة إسرائيل إلى جبل الهيكل”. الاستهداف غالبا كان بسبب استفزازاته بشأن جبل الهيكل، غليك نجا من محاولة الاغتيال، فهو لا يزال في حالة مستقرة لكنها خطيرة في المستشفى. بعد ساعات، قتلت الشرطة الإسرائيلية بشكل غير قانوني معتز حجازي، فلسطيني من القدس الشرقية يقول الإسرائيليون أنه المشتبه الرئيسي في عملية إطلاق النار.
في ذلك الصباح، اندلعت الاشتباكات في أبو طور، حيث كان يقيم حجازي، بين الشرطة الإسرائيلية وشبان فلسطينيين، وعقدت حركة جبل الهيكل مظاهرة مطالبة بالسيادة اليهودية على الجبل. ترأس الاجتماع نائب رئيس الكنيست موشيه فيجلين، أحد الشخصيات السياسية الرئيسية في الحركة، والذي يُعد مقربا من غليك.
فيجلين، الصهيوني من اليمين المتطرف دعا إلى “إبادة الفلسطينيين في غزة” ووضعهم في معسكرات اعتقال، وهو يرى أن المعركة من أجل السيادة اليهودية على جبل الهيكل هي مركز معركة عالمية ضد الإسلام.
“نحن في الجبهة الرئيسية للمعركة من أجل العالم الحر ضد قوى الشر الأكثر تطرفا” كما صرح فيجلين لميدل إيست آي، وتابع “وراء العنف، هناك معركة روحية، وجوهر هذه المعركة هو ذلك المكان: جبل الهيكل”.
دعم من الدولة
في الواقع، حركة جبل الهيكل هي مظلة لعدة منظمات، وكثير منها تدعمه الدولة الإسرائيلية بشكل مباشر أو غير مباشر.
المنظمة الأبرز هي “معهد الهيكل”، وهي التي تدعو لبناء الهيكل الثالث على مجمع المسجد الأقصى، وتكرس جهدها لإزالة “الأضرحة الإسلامية التي وُضعت على الجبل”.
تأسست المنظمة عام 1983 على يد الحاخام إسرائيل آريئيل، والذي كان عضوا رفيع المستوى في حزب كاخ المتطرف الذي قاده مائير كاهانا والمحظور حاليا. كان مائير كاهانا، الذي لا يزال يتمتع بشعبية في بعض شرائح المجتمع الإسرائيلي، هو مؤسس رابطة الدفاع اليهودية، وهي حركة مسلحة من اليمين المتطرف تعتبرها حكومات الولايات المتحدة وإسرائيل بصفتها إرهابية. غليك هو عضو محوري في هذه الحركة.
من 2008 إلى 2011، بعمت وزارة الثقافة والعلوم والرياضة، ووزارة التعليم معهد الهيكل بما متوسطه 107 ألف دولار في السنة. في 2012 أعطت وزارة التعليم 50 ألف دولار إضافية للمعهد.
إدارة التعليم الديني تستخدم جبل الهيكل بشكل كبير في مناهجها وحتى توصي بجولة في معهد الهيكل، وفقا لبحث أعده تومر بيرسيكو.
الدعم الصهيوني المسيحي
حركة جبل الهيكل تحظى أيضا بدعم واسع بين الصهاينة المسيحيين الإنجيليين في الولايات المتحدة، والذين الآن يفوقون عدد الصهاينة اليهود بما يقدر ب10 إلى 1. بقيادة القس جون هاجي، يؤمنون بأن نبوءة تدمير مواقع الإسلام المقدسة وبناء الهيكل الثالث ستؤدي إلى حرب مروعة من شأنها أن تدفع للمجيء الثاني للمسيح.
وعلى الرغم من العديد من التصريحات التي يمكن اعتبارها معادية للسامية، إلا أن هاجي تم تبنيه من قبل رابطة مكافحة التشهير، واللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة (آيباك)، وهما المجموعتين الرئيسيتين الداعمتين لإسرائيل في الولايات المتحدة.
هاجي هو المدير التنفيذي للمسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل، وهي لوبي مسيحي مؤيد لإسرائيل يملك قاعدة ربما تفوق ما تملكه آيباك. أرسلت منظمته العديد من القساوسة لزيارة إسرائيل، وينضوي تحتها 1.8 مليون عضو، وفقا لموقعها على الإنترنت.
وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تهدم إسرائيل بعضا من أقدس الأماكن لدى المسلمين، إلا أن ما تفعله حركة جبل الهيكل من تحريض يساهم في تعقيد الوضع الحساس للغاية بالفعل. وبينما يتصاعد العنف في القدس، فإن هذه الاستفزازات سيكون لها تداعيات أوسع في المنطقة وفي مختلف أنحاء العالم.
“تجاهل الأمر والسير بعيدا ليس خيارا” كما يقول دانيال سيدمان، المحامي الإسرائيلي ومؤسس منظمة “القدس الأرضي”، الذي يتابع التطورات في المدينة التي يمكن أن تدفع للعنف. ويؤكد “إذا استمرت الأحداث لتخرج عن السيطرة، فكل الصراعات الأخرى في الشرق الأوسط ستكون صعبة الاحتواء”
المصدر: ميدل إيست آي