ترجمة حفصة جودة
تنظر الأسر الفلسطينية التي تواجه الطرد من منازلها في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة، في خطوتها التالية بعد أن رفضت اقتراح المحكمة الإسرائيلية الذي سيؤدي في النهاية إلى إجلائهم لصالح المستوطنين اليهود.
يقول صالح دياب – أحد سكان الشيخ جراح والمُهدد بالإجلاء -: “رفض الفلسطينيين للتسوية التي قدمتها المحكمة هو القرار المناسب، فحتى المستوطنين رفضوا هذه التسوية، يسعى المستوطنون لحكم نهائي من المحكمة يقضي بالإجلاء الفوري للسكان الفلسطينيين والاعتراف بحق المستوطنين في امتلاك عقارات الحي”.
يصف دياب الحكم الذي أصدرته أعلى سلطة قضائية في “إسرائيل” بالـ”فخ”، ومع ذلك فهو يقول إن على السكان الشعور بالراحة لأن بقية الشعب الفلسطيني يتضامن معهم.
يقول دياب: “تعهدت المقاومة الفلسطينية أيضًا باستعدادها لشن حرب أخرى إذا استمر الاحتلال الإسرائيلي بجريمة إخلاء الحي”، ورغم اعتقاد دياب أنه لن يتم إجلاء العائلات قريبًا، فإنه يتنبأ بزيادة القيود والمضايقات ضد السكان بعد رفضهم التسوية.
اتهم الفلسطينيون المحكمة بالتهرب من مسؤوليتها في إصدار حكم نهائي، وإجبارهم على الاختيار بين إخلاء منازلهم أو الاستسلام لصفقة خبيثة
في الحقيقة، بدأت المضايقات بالفعل بقرار بلدية القدس ببناء روضة للأطفال اليهود، إضافة إلى بعض القرارات التعسفية بمصادرة الممتلكات وتسليم أوامر الإخلاء للسكان في الجزء الغربي من الحي.
تزداد القضية تعقيدًا يومًا بعد يوم، إذ يواصل المستوطنون ادعاءهم بامتلاك أرض مساحتها 18 دونمًا تضم 500 لاجئ فلسطيني، حيث منحت الحكومة الأردنية ووكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين “الأونروا” وحدات سكنية لهؤلاء اللاجئين في حي الجاعوني.
في 2 نوفمبر/تشرين الثاني أعلن السكان رفضهم للتسوية التي قدمتها المحكمة العليا الإسرائيلية التي تسمح لهم بالبقاء في منازلهم كمستأجرين محميين تابعين لشركة “Nahalat Shimon Jewish” المملوكة للمستوطنين، تمهيدًا لمصادرة ممتلكاتهم تدريجيًا.
اتهم الفلسطينيون المحكمة بالتهرب من مسؤوليتها في إصدار حكم نهائي، وإجبارهم على الاختيار بين إخلاء منازلهم أو الاستسلام لصفقة خبيثة، يرى الفلسطينيون الأمر كامتداد للسياسات الاستعمارية التي تهدف إلى زعزعة التضامن الاجتماعي الذي حققوه منذ شهر مايو/أيار في أثناء حركة الاحتجاجات الشعبية الأخيرة.

هذا الحل أيضًا يعد محاولةً لإخفاء سياسات التطهير العرقي التي تتبعها “إسرائيل” ومستوطنيها، يحمّل السكان الفلسطينيون الحكومة الإسرائيلية مسؤولية مصادرة منازلهم، لكنهم يرون أيضًا أن السلطة الفلسطينية مشاركة في المسؤولية وكذلك الأونروا والأردن الذي بنى الوحدات السكنية في الشيخ جراح كمنازل للاجئين الفلسطينيين عام 1956 ومنح السكان حق ملكية العقارات.
ملكية غير متنازع عليها
أصبح موقف العائلات قضية جذبت انتباه العالم وصرخة حشد للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر والقدس و”إسرائيل” وخارجهم، في شهر مايو/أيار، أثار الإخلاء المحتمل الاحتجاجات في المدن والقرى الفلسطينية في “إسرائيل” وساهم في اندلاع العنف في غزة حين شنت “إسرائيل” حملة قصف مميتة على القطاع.
قتلت القوات الإسرائيلية 260 فلسطينيًا على الأقل بينهم 66 طفلًا، بينما قُتل 12 شخصًا في “إسرائيل” بواسطة الصواريخ الفلسطينية بينهم طفلين.
يرى هاشم سليمة – أحد سكان الشيخ جراح – أن رفض صفقة المحكمة هو القرار الصحيح، فيقول: “إننا نتجه نحو المجهول، لكننا نؤمن بعدالة قضيتنا، لن نتراجع عن قرارنا لأننا نملك أدلة من الأردن وتركيا والأونروا تؤكد ملكيتنا المتنازع عليها، ومع ذلك يلجأ المستوطنون للخداع والتزوير بينما تقف المحاكم الإسرائيلية بجانبهم”.
تجد السلطة القضائية العليا في “إسرائيل” نفسها في موقف صعب، فقد كانت تأمل قبول الطرفين باتفاق التسوية وتجنب الموقف السياسي المثير للجدل
لا يأمل سليمة بأي إنصاف أو عدل من المحكمة الإسرائيلية العليا في المستقبل، فيقول: “كيف يمكن لمحكمة قائمة على أرض مسروقة – حيث تقع المحكمة على أراضي قرية لفتا المهجرة – أن تحكم بالعدل أو تُسمى حتى “محكمة عليا”؟ إننا لا نثق في النظام القضائي للاحتلال”.
يعتقد سليمة أن “إسرائيل” ستواصل سعيها بكل الطرق لإجلاء وطرد سكان الشيخ جراح بالقوة لصالح المشاريع الاستيطانية الاستعمارية التي تخدم روايتها التوراتية في القدس.
4 خيارات قانونية
قال المحامي المقدسي خالد زبارقة إن هناك 4 طرق قانونية متاحة أمام المحكمة العليا خلال الأيام القليلة القادمة بعد إعلان السكان الفلسطينيين في الشيخ جراح رفضهم للاقتراح الذي قدمته المحكمة.
الخيار الأول: تحديد جلسة محكمة جديدة للاستماع لدفاع الطرفين، والخيار الثاني: تقديم اقتراح جديد منقح، أما الخيار الثالث فهو طلب موجز للالتماسات السابقة، يبقى الخيار الرابع وهو إصدار حكم استنادًا إلى الالتماسات القانونية المتاحة أمام المحكمة من ملف طلب الاستئناف الذي قدمته عائلات حي الشيخ جراح ضد حكمي الإخلاء السابقين الذين أصدرتهما المحكمة المركزية وقاضي الصلح.
يقول زبارقة إن المجال المتاح أما المحكمة العليا الإسرائيلية محدود للغاية عندما يتعلق الأمر بقبول استئناف مقدم من السكان الفلسطينيين وإلغاء أوامر الإخلاء، فهو يتعارض مع أحكام الإخلاء السابقة التي أصدرتها المحاكم الأخرى.
أضاف زبارقة أن اعتبارات المحكمة ليست قانونية تمامًا، لكنها تضع في اعتبارها ردود الفعل اليهودية إذا أصدرت حكمًا لصالح العرب، تخشى المحكمة أيضًا عواقب رفض الاستئناف ومنح حقوق الملكية للمستوطنين على المستوى الإقليمي أو الدولي.
نتيجة لذلك، تجد السلطة القضائية العليا في “إسرائيل” نفسها في موقف صعب، فقد كانت تأمل في قبول الطرفين باتفاق التسوية وتجنب الموقف السياسي المثير للجدل.
يقول الباحث بشؤون القدس زياد أبحيص إن “إسرائيل” كانت تأمل قبول سكان حي الشيخ جراح باقتراح المحكمة وبالتالي يمكنها إزالة قضية الشيخ جراح من القضايا المركزية في الصراع لسنوات قادمة.
كان هذا الرفض الجماعي الفلسطيني بمثابة مفاجأة لـ”إسرائيل”، يقول أبحيص: “لقد حرم الاحتلال فرصة إعلان فوزه الكامل في حالة قبول السكان بالصفقة”، استبقت “إسرائيل” حكم المحكمة بمصادرة أملاك عائلتي عودة وعبيدات في الجانب الشرقي من الحي قبل يومين فقط من انتهاء المهلة، كما أصدرت قرارات إجلاء للسكان في الجانب الغربي من الحي بعد يوم فقط من انتهاء المهلة.
وفقًا لهذا الموقف الجماعي الفلسطيني، يتوقع أبحيص أن تقوم “إسرائيل” بتصعيد انتقامي ثأري، ويعتقد أن الوقت مناسب الآن لتجديد التضامن الشعبي لسكان حي الشيخ جراح.
يقول أبحيص: “من الضروري أن نعترف بأن قضية كرم الجاعوني وقضايا الأحياء الأخرى التي تواجه خطر الإخلاء ليست فقط قضية ممتلكات يدافع عنها أصحابها ومحاموهم، لكنها قضية سياسية ووجودية”.
المصدر: ميدل إيست آي