مباشرة إثر انقلابه الدستوري وسيطرته على كل السلطات، بادر الرئيس التونسي قيس سعيد بتسليم معارض جزائري يحمل صفة اللجوء الإنساني إلى نظام عبد المجيد تبون في تجاوز لكل المواثيق المحلية والدولية بهذا الخصوص، رغبةً من سعيد في التقرب من تبون.
كما رفضت تونس، لأول مرة، التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الصحراء الغربية “مينورسو” لمدة عام آخر واستئناف المفاوضات بين الأطراف المتنازعة، إلى جانب روسيا، دعمًا للجزائر.
كان سعيد يأمل في إيجاد حليف إقليمي قوي يدعم انقلابه على مؤسسات الدولة الشرعية ويمول خزينة البلاد الفارغة في ظل العزلة الدولية الممارسة ضده، لكن بمرور الوقت تبين أن سعيد أخطأ الرهان مرة أخرى، فقد أصابه الخذلان من النظام الجزائري.
صفقة لضمان سلامة القروي
تناقلت العديد من المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي قبل أيام قليلة صورًا وفيديو يظهر رئيس حزب قلب تونس ورجل الأعمال نبيل القروي صحبة أخيه غازي في أحد شوارع مدينة برشلونة الإسبانية.
هذا الفيديو، يؤكد أن الأخوين القروي غادرا الجزائر دون أن يتم تسليمهما لتونس، وكانت مصادر جزائرية خاصة قد أكدت لنون بوست في وقت سابق أن السلطات الجزائرية أفرجت عن رجل الأعمال التونسي نبيل القروي وشقيقه، وذلك بعد أن تم نقل ملفهما إلى العاصمة.
وفي 4 سبتمبر/أيلول الماضي، أمر قاضي التحقيق بالقطب الجزائي المتخصص بقسنطينة إيداع نبيل القروي وشقيقه غازي القروي، و4 جزائريين بينهم امرأة رهن الحبس المؤقت بمؤسسة إعادة التربية، في قضية التسلل خلسة إلى التراب الجزائري بطريقة غير شرعية.
تفيد مصادرنا أن نقل ملف القروي للعاصمة، كان بهدف إطلاق سراحه وتأمين خروجه من الجزائر، وهو ما حصل بالفعل، إذ تم إطلاق سراح الأخوين القروي، وعقب ذلك قابل المرشح الرئاسي السابق نبيل القروي مسؤولين كبار في النظام الجزائري لبحث تسوية بينهما يتم بمقتضاها السماح للأخوين القروي بمغادرة الجزائر نحو وجهة آمنة، دون أن يتم تسليمهما لتونس.
وكان نظام قيس سعيد يأمل أن يتم تسليمه نبيل وشقيقه غازي لمحاكمته في تونس، خاصة أنه بادر بتسليم الناشط السياسي الجزائري سليمان بو حفص (54 عامًا) إلى سلطات بلاده التي تلاحقه على خلفية مواقفه السياسية، رغم أنه لاجئ متمتع بالحماية الدولية.
وسبق أن أصدر القضاء التونسي عقب أحداث 25 يوليو/تموز الماضي مذكرة تفتيش بحق كل من المرشح السابق للانتخابات الرئاسية التونسية نبيل القروي وشقيقه النائب في البرلمان غازي القروي، ويُلاحق الأخوان في قضايا تبييض أموال وتهرّب ضريبي.
رغم وجود اتفاقية “تبادل مساعدة وتعاون قضائي” تربط تونس والجزائر وتنص في عنوانها السادس على التزام الطرفين “بأن يسلّم أحدهما للآخر، كل شخص موجود بتراب إحدى الدولتين وهو موضوع تتبع أو محكوم عليه من طرف السلطات القضائية بالدولة الأخرى”، فإن الجزائر لم تسلم تونس الأخوين القروي.
دعم مالي مفقود
هذه ليست الصفعة الأولى التي يوجهها نظام تبون لنظام قيس سعيد الانقلابي، فهناك صفعة اقتصادية أيضًا، فقد كان سعيد يأمل أن تبادر الجزائر بضخ أموال طائلة في ميزانية الدولة لتأكيد نجاح انقلابه في توفير السيولة المطلوبة للبلاد.
سارعت الصفحات المساندة لقيس سعيد بنشر إشاعات تفيد رصد الجزائر مليارات الدولارات للميزانية التونسية لتفادي العجز التام والانهيار الكامل، لم نر ذلك الدعم إلا في الصفحات الفيسبوكية، أما الميزانية فهي فارغة تستجدي العطف.
نظام تبون يخشى أن تسقط تونس في يد الحلف المصري الإماراتي
وتعيش تونس على وقع أزمة اقتصادية بالغة التعقيد في ظل ارتفاع المديونية والأسعار والنقص الحاد في السيولة، ما أضاف صعوبات كبيرة أمام تمويل الموازنة فيما تبقى من عام 2021، وبحسب تقرير لوزارة الاقتصاد والمالية، يتوقع أن يبلغ عجز الموازنة 7.94 مليار دينار (2.85 مليار دولار) في كامل 2021، بما يعادل 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتحتاج البلاد إلى تعبئة موارد إضافية بقيمة تتجاوز 10 مليارات دينار (3.59 مليار دولار) حتى نهاية العام الحاليّ، الأمر الذي يبدو صعبًا بعض الشيء، خاصة بعد تخفيض وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، التصنيف السيادي لتونس من B2 إلى Caa1، مع نظرة مستقبلية سلبية، وتضييق سعيد هامش التحرك في السوق المالية الدولية بعد قراراته ليلة 25 يوليو/تموز الماضي.
حدة الأزمة ظهرت أيضًا في مطالبة قيس سعيد بالتوجه إلى آلية “التقشف” ودعوته التونسيين إلى معاضدة جهود نظامه والتبرع لميزانية الدولة، رغم أنه أكد في بداية انقلابه أن تونس غنية وأن البرلمان سبب المصائب وبزواله تزول مصائب تونس.
رهان خاسر
كان قيس سعيد يأمل أن تسلمه الجزائر نبيل القروي وشقيقه غازي لمحاكمتهما في تونس وتسجيل نقاط ضد معارضي الانقلاب، خاصة أن الحزب الذي يقوده القروي يعارض بشدة قيس سعيد وقراراته الأخيرة، كما كان يأمل في أن تموله الجزائر وتفك عزلته الخارجية، لكن لم يحصل أي شيء من هذا، فتبون لم يبادر إلا بالكلام فقط.
يذكر أنه ليلة 25 يوليو/تموز الماضي، قرر الرئيس قيس سعيد تجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة ورفع الحصانة عن النواب وترؤس النيابة العمومية، وشملت الإجراءات التي أعقبت هذه القرارات إقالة العديد من المسؤولين والقبض على عدد من النواب ورجال الأعمال.
هذه الإجراءات لم تجد استحسانًا كبيرًا في الخارج وأثرت على اقتصاد البلاد المتهالك، لذلك سعى سعيد إلى مغازلة نظام عبد المجيد تبون لما يملكه من مكانة كبيرة في المنطقة عبر العديد من الآليات، مع ذلك لم يحصل على مراده، ورجع بخفي حنين.
تخشى حكومة تبون أن تسقط تونس في يد الحلف المصري الإماراتي، وقد ظهر هذا خاصة في تنسيقها الكبير مع تركيا في هذا الموضوع، كما تخشى دعم نظام انقلابي في وقت يبحث فيه النظام لتبيض صورته داخليًا وخارجيًا، لذلك فإنه يمسك العصا من الوسط.
يؤكد هذا الأمر الورطة التي وقع فيها نظام قيس سعيد عقب انقلابه الدستوري وسيطرته على كل السلطات في البلاد، إذ فشل في تحقيق آمال التونسيين وورط البلاد في لعبة التحالفات الإقليمية وخلق لها أعداءً دون أن يكون لها مصلحة في ذلك.