لقد تمت الإشارة إليهم باسم “المعتدلون”، أو “محور العقل”. والآن، أصدقاء أمريكا في المملكة العربية السعودية ومصر والكويت والإمارات العربية المتحدة، يجرون محادثات لتشكيل قوة عسكرية مشتركة، للتدخل في جميع أنحاء الشرق الأوسط، و”التعامل مع المتطرفين في المنطقة”.
وبالإضافة إلى استغلال الخطاب الأمريكي لمكافحة الإرهاب، في مرحلة ما بعد هجمات 11/9 لتبرير سياساتها الخارجية، تتبع هذه الدول أيضًا نهجًا مباشرًا جدًا من السلوك الرجعي في مواجهة الانتفاضات الشعبية.
ويقوم هذا التحالف المتناقض، من الملكيات والديكتاتوريات العسكرية، في العديد من الطرق، بتكرار نفس الإجراءات القمعية، التي اتخذتها الدول الأوروبية في القرن الـ 19، عندما تصدت للحركات الشعبية، التي كانت تسعى إلى قلب النظام القائم. ومثلما حدث في ذلك الوقت، من المحتمل أن تكون النتائج الآن أيضًا مدمرة، وفي نهاية المطاف، غير مجدية.
في أعقاب الاضطرابات العنيفة للثورة الفرنسية، اجتمعت الملكيات الأوروبية معًا في مؤتمر بيلنيتز عام 1791، لتعلن تأييدها للملك المحاصر لويس السادس عشر، ولتحذر الثوار من مخاطر إسقاطه. ولكن، وبدلًا من خنق طموحات المتمردين، اعتبر هذا الإعلان على نطاق واسع بمثابة استفزاز، وهو ما ساعد في انطلاق حروب الثورة الفرنسية المدمرة، وأدى أيضًا إلى إعلان الجمهورية الفرنسية الجديدة، الحرب على عدد من الممالك المجاورة.
وفي أعقاب هذه الحروب، وبعد هزيمة طموحات نابليون الإمبراطورية في القارة، اجتمعت إمبراطوريات النمسا وبروسيا وروسيا معًا، لتشكيل “التحالف المقدس”، في محاولة للحفاظ على الوضع السياسي الراهن، وخنق انتشار الأفكار الجمهورية.
وأكد الموقعون على هذا التحالف، أن “الملوك الثلاثة، سيبقي توحدهم، أواصر الأخوة الحقيقية، التي لا تنفصم”، وتعهدوا بـ “تقديم كل العون والمساعدة لبعضهم البعض، واعتبار أنفسهم كالآباء تجاه رعاياهم وجيوشهم”.
وكانت هذه اللغة، مشابهة جدًا للغة الأبوة والأخوة، التي تستخدمها الأنظمة العربية المستبدة، عند مناقشة علاقاتها مع بعضها البعض. وتمامًا كما يفعل نظراؤهم العرب المعاصرون، ميز ملوك أوروبا أنفسهم أيضًا، بأنهم أبطال العقيدة الدينية، في محاولة لحشد الدعم الشعبي.
ولعقود من الزمن، وفي جميع أنحاء أوروبا، خدم هذا التحالف كقوة معادية بشكل كبير للثورة. حيث تدخل للمساعدة في إخماد الثورات الديمقراطية لعام 1848، وتعزيز هياكل الحكومات الملكية الاستغلالية، أينما كانت تتعرض للطعن.
نجحت الملكيات في “التعامل مع المتطرفين”، في ذلك الوقت، في المقام الأول، من خلال استغلال التوتر بين الليبراليين ونظرائهم الثوريين الراديكاليين.
وبينما نجحت هذه الجهود في إحداث الكثير من سفك الدماء في أوروبا، وترسيخ القمعية، والحكومات السلطوية لأجيال؛ إلا أنها فشلت في نهاية المطاف في تحجيم الحركات الديمقراطية الشعبية. وعلى الرغم من أن ملوك الرجعية، قاموا بأفضل ما يمكنهم القيام به؛ إلا أن النظام القديم لقي حتفه في نهاية المطاف، حيث أرهقته عقود من سوء الحكم، والتوتر الشعبي، والصراعات المحلية، التي كانت تندلع على فترات متقطعة.
وبالمثل، وعلى الرغم من التحالفات العسكرية والإنفاق المالي الهائل، من المشكوك فيه أن التحالف المقدس الحديث في الشرق الأوسط، سيكون قويًا بما يكفي لخنق رغبات الربيع العربي بالديمقراطية، حتى أجل غير مسمى. هناك مزيج من الضغوط الديموغرافية والاقتصادية، التي من المرجح أن تقيد قدرة هذا التحالف على الاحتفاظ بالسيطرة على الأحداث الإقليمية، وربما حتى على السياسات الداخلية الخاصة بدوله.
ولأغراضها الخاصة، تتحالف الولايات المتحدة اليوم، بشكل وثيق مع رجعيي هذا العصر.
وفي مواجهة انتصارات انتخابية حرة ونزيهة، حققتها جماعات، مثل جماعة الإخوان المسلمين، تميل الولايات المتحدة إلى عقلانية قرارها، والاصطفاف إلى جانب النظام القديم، باعتباره مدافعًا عن القيم الليبرالية.
وهذا على وجه الخصوص، هو ادعاء مضحك، نظرًا لتحالف أمريكا منذ فترة طويلة مع الدول الغير ليبرالية، مثل المملكة العربية السعودية، وحقيقة أنه ليس هناك ببساطة أي شيء “ليبرالي”، حول الدول البوليسية الوحشية، التي تلغي نتائج الانتخابات، ومن ثم تعذب وتقتل المتظاهرين العزل.
وفي الواقع، الولايات المتحدة ليس لديها أي هدف من سلوكها للحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة، سوى أن هذا الوضع يوافق مصالحها. وكما أشار الباحث شادي حميد، من معهد بروكينغز، في وقت مبكر من عام 2011، فإن: “واشنطن تميل إلى التساؤل عما إذا كانت الالتزامات الدينية للإسلاميين، يمكنها أن تتعايش مع احترام الديمقراطية، والتعددية، وحقوق المرأة. ولكن، مخاوف الولايات المتحدة الحقيقية، هي حول السياسات الخارجية، التي قد تتبعها هذه الجماعات”.
وأضاف حميد: “على عكس الأنظمة الاستبدادية الموالية للغرب في الشرق الأوسط، الإسلاميون لديهم تصور مميز، ولو كان غامضًا، عن العالم العربي بأنه واثق، مستقل، وعلى استعداد للتأثير خارج حدوده”.
وخلافًا لمعظم التوقعات، أظهر الإسلاميون أنفسهم مستعدين جدًا للعب ضمن قواعد الديمقراطية، عندما لا يكونون خاضعين للسلطة القمعية. وفي تونس، وهي قصة نجاح كبيرة في سياق الانتفاضات العربية، عقدت مؤخرًا الانتخابات الديمقراطية، التي هزم فيها حزب النهضة المرتبط بالإخوان المسلمين، أمام المنافسين العلمانيين في نداء تونس؛ إلا أنه تم نقل السلطة سلميًا ووديًا، وهو ما يساعد على ترسيخ الممارسات الديمقراطية في البلاد، التي كانت لا تعرف من قبل سوى الحكم الاستبدادي فقط.
وفي مصر، حيث أزال الانقلاب العسكري، المدعوم من الخليج، بعنف حكومة ديمقراطية، وقفت الولايات المتحدة للأسف مع النظام العسكري، حتى عند استمراره في شن حملة قمع وحشية، ضد ثوار ميدان التحرير السابقين.
والآن، وبعد أن نجحوا في كسر، وتهميش، وفي بعض الحالات جعل المعارضين لهم أكثر تطرفًا، تحاول دول مثل المملكة العربية السعودية ومصر، شن عمليات عسكرية لمواجهة المعارضين في جميع أنحاء المنطقة. ولكن، وتمامًا كما حدث للإمبراطوريات الأوروبية التي سبقتها، من المرجح أن الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط، سوف تكون هشة للغاية في المحافظة على سلامتها في وجه الحركات الديمقراطية الشعبية.
من النادر، أن يعيد التاريخ نفسه بالضبط، ولكن من الواضح أن العديد من نفس الأنماط التي سادت في القرن 19 في أوروبا، تكرر نفسها في الشرق الأوسط اليوم. وبدلًا من الاعتماد على النظام القديم، الوحشي والفاسد على حد سواء، والذي ليس من المرجح أن يستطيع البقاء على قيد الحياة على المدى الطويل، ينبغي على الولايات المتحدة، اتخاذ موقف بعيد النظر ومبدئي، من خلال الالتزام بالتطلعات الديمقراطية في المنطقة.
المصدر: إنترسيبت / ترجمة التقرير