خطاب الأكل لا يقلّ قيمة عن باقي الأشكال الخطابية والاتصالية، حيث بات يحظى في عالمنا الرقمي بأسبقية مدفوعًا بزخم برامج الطبخ والمسابقات وإشهار المطاعم والفنادق، ما يجعله حاضرًا في المشهد الثقافي العالمي بقوة.
وبما أن أذواق الناس تختلف في الطعام وطريقة تناوله، وفي العادات الغذائية المتّبعة من شخص إلى آخر، فلكل واحد منهم طبقه وأكلته المفضّلة التي تفتح شهيته وتلبّي إشباعه، فالأمر ينطبق كذلك على رؤساء الدول والزعماء، فهُم أيضًا لديهم وجبات خاصة تختلف حسب ميولهم ونشأتهم.
فبين الرفاهية والبذخ والبساطة والتواضع وأيضًا الغرابة والرعب، تتنوع أكلات الزعماء الدول وعاداتهم الغذائية، وفي هذا التقرير ضمن ملف “دبلوماسية الموائد” سنعرض لكم أبرز أكلات الرؤساء والزعماء حول العالم.
بين الأمس واليوم
صوّرَت الروايات التاريخية في أجزائها المخصَّصة لقصص الملوك والأمراء والأباطرة، القصور العامرة بالطقوس الاحتفالية والغناء والموسيقى والموائد الأسطورية في ترفُّها وتنوُّعها، لتنقل عادات الطعام وفنون الأكل في تلك الأزمنة، فالاهتمام بدراسة الأطعمة وآدابها في المجتمعات القديمة التي تقدِّم نظرة جديدة للتاريخ، قد تعطينا فكرة واضحة عن تلك العصور من منظور اجتماعي وثقافي.
مع التطوّر الحضاري المطّرد والنهضة الاجتماعية والثقافية، تغيّرت موائد الملوك والسلاطين وعقيدتهم الذوقية، وانتقلَ الاحتفال العلني بالولائم إلى الدوائر الضيّقة مع اعتماد البروتوكول الصحي والإيتيكيت، وبات القادة أكثر حذرًا من أي وقت مضى خوفًا من التسمُّم أو المرض.
طعام الرؤساء في صورته الحالية أصبح سريًّا للغاية يرتقي إلى قضايا أمن الدولة، فمن الصعب تحديد عاداتهم الغذائية والأطعمة المفضّلة لديهم، في حال امتنعَ الطهاة عن الإفصاح ببعض كواليس مطابخ القصور، فمن رأس العجل الذي يعشقه جاك شيراك إلى آيس كريم الفستق الذي يحبّه فلاديمير بوتين، يظلُّ الطعام موضوعًا حسّاسًا للغاية في دوائر السلطة.
لذلك، عندما سُئل الطبّاخ الألماني عن وصفات أنجيلا ميركل المفضّلة، أجاب أولريش كيرز بالقول: “لا أستطيع أن أخبرك بما تفضّله، وإلا فإننا سنطبخ هذا الطبق في جميع أنحاء العالم”، فيما ردّ رئيس ومؤسِّس نادي الطهاة جيل براغارد عن عادات رؤساء فرنسا، قائلًا: “في دوائر القوة، يعدّ الطعام موضوعًا حسّاسًا للغاية”.
رؤساء فرنسا
يفضّل شارل ديغول البازلاء وهي تُظهر جانبًا من شخصيته العسكرية المتقشفة، أي أنه لا يقضي الكثير من الوقت على الطاولة، أمّا فرنسوا ميتران فعاداته الغذائية تبعث على الغموض، فالرئيس الاشتراكي يهوى الكافيار أكلة البورجوازية على عكس الأيديولوجيا التي يحملها ويروِّجها أمام الشعب، لذلك أُلصقت به تسمية “يسار الكافيار”، كما عُرف عنه تفضيله للمطبخ الفرنسي العريق، حيث قام بتجنيد طبّاخ لإعداد الوصفات التي كانت جدّته تعدّها.
يُعرف جاك شيراك بأنه مضيف مرح يعرض أطباقه المفضلة على ضيوفه ووجباته على الموظفين، له ميول للمطبخ الآسيوي وكان يحب الأطباق الدسمة بما فيها طبق رأس العجل، إلا أن مداومة مطبخ الإليزيه على إعداده جعله ينفر منه.
يعلم الفرنسيون أن الرئيس فرانسوا هولاند لا يحب الخرشوف والهليون، فهم يتذكرون جيدًا الحادثة الدبلوماسية في مايو/ أيار 2012، حيث قدّمت أنجيلا ميركل الهليون في أول زيارة للرئيس الفرنسي إلى برلين.
A message to Angela Merkel: never serve asparagus to François Hollande.
— ? mystic_cat ? (@mystic_cat) June 27, 2016
أمّا ساركوزي، فيقول برنارد فوسيون الذي أدار مطابخ قصر الإليزيه لما يقرب من 40 عامًا، إن رئيس الجمهورية كان يكره الخرشوف ويحب موس الشوكولاتة، كما عُرف عنه أنه لا يحب النبيذ والجبن بينما في مقابل ذلك يدمن الشوكولاتة.
كما يطلب الزوجان ساركوزي عادة قائمة بسيطة للغاية مكوَّنة من سلطات ولحوم بيضاء، وبالطبع مكرونة للسيدة ساركوزي كارلا بروني ذات الأصول الإيطالية.
قادة أمريكا
في عام 1990، حظرَ الجمهوري جورج بوش الأب البروكلي من الوجبات المقدَّمة في البيت الأبيض وعلى متن طائرة الرئاسة، وكذلك في ثكنات القوات الجوية، ونُقل عنه قوله: “أنا لا أحب البروكلي، لم يعجبني أبدًا عندما كنت طفلًا وأطعمتني إياه أمي، أنا رئيس الولايات المتحدة ولن آكل البروكلي بعد الآن!”.
What he said about broccoli, taxes, Clarence Thomas and more: Quotations from former President George H.W. Bush. https://t.co/MC4YU9UUgC pic.twitter.com/HNq7nnR5J1
— The Associated Press (@AP) December 1, 2018
هذا التصريح الفضيحة الذي سُمّي آنذاك بـ BROCOLIGATE، دفع بالمزارعين إلى إرسال 10 أطنان من هذه الخضروات إلى البيت الأبيض كنوع من الاحتجاج.
على عكس ميشيل أوباما الملتزمة جدًّا بمكافحتها للسمنة والمشجّعة على تناول الفواكه والخضروات، فإن الصور والفيديوهات أظهرت باراك أوباما كزائر بانتظام لمطاعم الوجبات السريعة، كما عُرف عنه أنه يفضّل بشكل خاص الفلفل الحار كون كارني.
روسيا.. بوتين
عُرف عنه خوفه من التسمُّم لذلك وظّف شخصًا متفرّغًا لتذوق جميع أطباقه، وباستثناء إدمانه على آيس كريم الفستق رغم درجات الحرارة المنخفضة في روسيا، يظلّ فلاديمير بوتين من أكثر الرؤساء تحفُّظًا بشأن عاداته الغذائية وطعامه المفضل، فنادرًا ما تُعرض صور إفطار القيصر الجديد لموسكو.
لكنه ظهر عام 2012 على محطة NTV وهو يتناول وجبة الإفطار، وعادة ما يستمتع رئيس الدولة الروسي بالكاشا والتيفوروغ بالعسل، كما يلتهم بيض السمان الخام، إضافة إلى شرب كوكتيل مصنوع من عصير الشمندر والفجل.
وفي حواره مع القناة، قال بوتين: “ليس لدي الكثير من الوقت للطعام، أنا أحب الطماطم والخيار والسلطات، في الصباح أتناول كاشا والتيفوروغ بالعسل، وإذا كان هناك خيار بين اللحوم والأسماك، فأنا أفضّل السمك، كما أنني أحب لحم الضأن”.
ملكة بريطانيا
تبدأ الملكة إليزابيث الثانية يومها بكوب شاي أخضر من علامتها التجارية المفضّلة Twinnings، وهي شركة إنجليزية معروفة تزوّد الشاي في جميع أنحاء العالم، ورقائق الحبوب Kellogg’s Special K مع الفواكه، وفي بعض الأحيان بيض مخفوق مع سمك السلمون المدخّن.
twinings earl grey: Queen Elizabeth’s favourite tea includes a cuppa of Assam and Darjeeling – Times of India | The Times of India https://t.co/VgTw5zYSUC
— Tea Board India (@teaboardofindia) October 20, 2020
أمّا في منتصف اليوم، فتستهلُّ طعامها بكأس نبيذ من ماركة Dubonnet، إضافة إلى طبق السمك مع السبانخ والكوسة أو الدجاج المشوي، وتميل إلى الابتعاد عن النشويات في الغداء.
عشاء الملكة البريطانية لا يبتعد كثيرًا عن مائدة منتصف النهار، بعض اللحوم والخضروات المطبوخة ببساطة، وقد تطلب لحم الغزال إذا رغبت في ذلك، أمّا التحلية فهي مولعة بالشوكولاتة وحلوى الفراولة والخوخ.
ألمانيا.. الفوهرر وميركل
من يصدّق أن فوهرر الرايخ الألماني والرجل القوي الذي قارب على احتلال العالم لا يأكل اللحم وكان نباتيًّا؟ الوجبة الأخيرة لهتلر تكشف بدقة ميوله الغذائية، ففي 30 أبريل/ نيسان 1945، وصلت الفتاة البالغة من العمر 25 عامًا إلى ملجأ هتلر، حيث طُلب منها طهي آخر عشاء له وهو عبارة عن بيض مقلي مع بطاطس مهروسة.
تكشف فيكتوريا كلارك وميليسيا سكوت في كتاب “عشاء الديكتاتور”، أنه بينما كان هتلر أكثر تعاطفًا مع الحيوانات ممّا كان يفعله تجاه الناس، إلا أنه لم يكن نباتيًّا مخلصًا، حيث تمَّ توثيق في أكثر من مناسبة أنه أكل أطباقًا مثل الحمام والكبد، فيما أكّد طاهي بريطاني يُدعى ديون لوكاس كان يعمل في أحد فنادق هامبورغ في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، حبّ الزعيم النازي للحوم الطيور.
أمّا المستشارة أنجيلا ميركل لا تتحدّث عن حياتها الخاصة، لكن مع اقتراب كل موعد انتخابات فهي لا تتردد في فتح نصف باب بيتها للإعلام، حيث تظهر عادة أمام الكاميرا وهي في المطبخ (اتصال جماهيري)، ومع ذلك أعلنت الأخيرة أنها تحب المعجنات وحساء البطاطس والملفوف المحشو، ويقال أيضًا إن المستشارة الألمانية السابقة من محبّي الجبن.
باستا فيديل كاسترو
كان للرئيس الكوبي فيديل كاسترو اهتمامات بالطبخ، وقد وصفه صديقه الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز بأنه كان “صيادًا لا يكلّ بحثًا عن وصفات الطبخ، وكان يحضّرها بما يشبه الحماسة العلمية”.
عُرف عنه ولعه بمطالعة كتب الطبخ التي كان يجمع وصفاتها ويخضعها للتنفيذ في المطبخ، ويشهد مقرّبون له بلذّة أطباق الباستا التي استمتع بطبخها، وكان يبدأ القراءة مع تناول طعام الفطور، ويتعدى ما يقرأه يوميًّا 200 صفحة من الأخبار، بحسب ماركيز.
“A revolution is a struggle to the death between the future and the pasta.” – Fidel Castro ? pic.twitter.com/X0Ra6S5QCI
— Jonno Simpson (@JonnoSimpson) December 14, 2015
“مسكوف” صدام حسين
حكم العراق ما بين عامَي 1979-2003، كان يحب اللحوم الطازجة والخالية من الدهون، إضافة إلى الجمبري الطازج، والزيتون الذي يأتي مباشرة من الجولان، أما وجبته المفضّلة كانت السمك المشوي على النار (المسكوف)، فكان من الممكن أن يتناوله في أي وقت من اليوم، وكان يحبّه طازجًا قدر الإمكان، حيث قد يوقظ العاملين في المطبخ عند الخامسة أو السادسة صباحًا لشواء السمك الذي اصطاده بنفسه.
ASADOR IRAQUI. Un hombre prepara Maskouf, un pescado… https://t.co/RRPxYnA2l6 pic.twitter.com/xB7rIzo7Rw
— Juan Antonio Tirado (@jatirado) July 27, 2017
أما عن الأكلات التي كان يحبها الرئيس العراقي صدام حسين، فهي في مجملها أكلات محلية، مثل مرقة البامية وشوربة العدس وشوربة سمك خاصة بالمنطقة التي ولد ونشأ فيها تكريت.
ناقة القذافي
عُرف العقيد الليبي الراحل معمّر القذافي بعشقه لشرب لبن النوق، وكان هذا اللبن يسبّب له عسر هضم وآلامًا في المعدة، ورغم ذلك لم يتنازل عن شربه، وكان من شدة حبّه لهذا اللبن يصرّ على ضيوفه أن يشربوا منه، وهو ما تجنّبه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير خلال زيارته إلى طرابلس بعد نصائح مستشاريه.
كما أحب القذافي تناول الأسماك بكثافة، وخاصة تلك التي تُطهى على الطريقة الليبية، وبعض الأكلات الشعبية كالكسكسي بلحم الجمال، إضافة إلى المعجنات وخاصة الإيطالية.
بول بوت الكمبودي
زعيم حركة الخمير الحمر في كمبوديا، الذي اتُّصف ببطشه، وأعدم ما يقارب مليونَي كمبودي بالأعمال الشاقة أو جوعًا حتى الموت، من وجباته المفضّلة حساء الكوبرا والفواكه الطازجة والنبيذ الصيني، وكان يحبّذ الوجبات الفخمة في الوقت الذي كان يعاني فيه الشعب الفقر والجوع المدقع، إذ كان يمدّهم بالماء ورشّة من حبات الأرز كفتات بسيط.
كيم جونغ إيل
زعيم كوريا الشمالية (1994-2011) من وجباته المفضلة حساء زعانف القرش وحساء لحم الكلاب، وتقوم مجموعة من النساء بإعداد طبق من الأرز لكيم جونغ إيل بانتقاء حبات أرز متشابهة الشكل واللون والطول، ثم كان لا بدّ من طبخه على نار باستخدام الأشجار المقطوعة من قمة جبل بالقرب من الحدود الصينية.
كان يحب السوشي، وقد ذُكر ذات مرة أنه “استمتع بالسمك النيء الطازج لدرجة أنه يمكن أن يبدأ بتناوله عندما كان “فمه لا يزال يلهث وذيله لا يزال يضرب””، وكان لديه طعام يُزرَع له وحده، بينما كان الكوريون الشماليون يتضوّرون جوعًا.
جوزيف ستالين
يُعتبر القائد الثاني للاتحاد السوفيتي ورئيس الوزراء بين عامَي 1941-1953، عُرف بقسوته وقوته، قام بنقل الاتحاد السوفيتي من مجتمع زراعي إلى صناعي، كما مكّنه من الانتصار على دول المحور في الحرب العالمية الثانية، من بين أطباقه المفضّلة الحلوى الجورجية التقليدية المصنوعة من المكسرات بالكراميل، والمغطسة في العسل.
يمكن أن تستمرَّ حفلات عشاء ستالين في كثير من الأحيان لمدة 6 ساعات، وتحوي المائدة في أغلب الأحيان وصفات من المطبخ الجورجي، بما في ذلك الطعام مثل الجوز والثوم والخوخ والرمان.
بينيتو موسوليني
شغلَ منصب رئيس الدولة الإيطالية ورئيس وزرائها، وهو من مؤسّسي الحركة الفاشية، حقده على فرنسا تجاوز السياسة ليشمل المطبخ، فقد عُرف عنه قوله: “الطبخ الفرنسي عديم القيمة والإيطالي هو الأفضل في العالم”.
من عاداته أنه كان يحب تناول وجبات الطعام في منزله مع زوجته راشيل وأطفاله ضمن أوقات محدَّدة، ويفضّل أن يجلس جميع أفراد أسرته إلى المائدة قبل وصوله، أمّا طبقه المفضّل فهو سلطة بسيطة مشكّلة من الثوم الخام المفروم مع الزيت والليمون.
هذه العادة الغذائية يبدو أنّها عُدّلت لاحقًا بعد تشخيص إصابته عام 1945 بتضخُّم الكبد وارتفاع نسبة السكّر في الدم وتشوّه في الكولون، لذلك تغيّر نظامه ليشمل الأرانب والدجاج.
أخيرًا.. قد تظهر عادات الطعام لدى الزعماء ذوقًا رفيعًا في اختيار الطعام وتفننًا في تجويد الأطباق، لكنها في ذات الوقت، تكشف أن كثير منهم يفتقدون للحس الإنساني والأخلاق، إذ يبذخون إلى أقصى حد لإعداد وجباتهم فيما لا تجد شعوبهم رغيف خبز أو حفنة رز.