يُنتظر أن تنعقد الدورة الـ11 للجنة الحكومية المشتركة الجزائرية التركية للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني اليوم الأربعاء بالعاصمة الجزائر، تحت شعار واحد هو تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدَين، وتوسيعها إلى مختلف القطاعات، والتي يُتوقّع أن يكون قطاع الطاقة أحد محاورها.
وبمرور السنوات، تضع العلاقات الجزائرية التركية لنفسها مكانًا في التعاون الثنائي الناجح المبني على أُسُس المصلحة المتبادلة وفق قاعدة رابح-رابح، رغم اختلاف إمكانات واحتياجات وسياسات كل بلد، إلا أن الاحترام المتبادَل والتشاور السياسي المتواصل جعلا هذا التعاون يتطور لبنةً تلو أخرى، بحسب مختلف المتابعين للشأن الجزائري التركي.
الطاقة أولًا
أفادَ بيان لوزارة الطاقة الجزائرية أن “الدورة الـ 11 للجنة الحكومية المشتركة الجزائرية التركية للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني ستنعقد يوم 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بالجزائر العاصمة، تحت الرئاسة المشتركة لوزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونمز”، مضيفًا أنه على هامش هذه الأشغال، من المقرَّر تنظيم منتدى رجال الأعمال المخصَّص للطاقة والمناجم بحضور الوزيرَين.
وتنعقد الدورة الـ 11 تطبيقًا لاتفاقية التعاون الاقتصادي والعلمي والفني الموقّعة بين الجزائر وتركيا في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 1983، أي أن عمر هذه الاتفاقية يعود إلى 37 عامًا، ما يؤكّد عراقة التعاون بين الطرفَين حتى إن لم يكن سابقًا في المستوى الذي بلغه حاليًّا.
وانطلقت أشغال الدورة الـ 11 للجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-التركية للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني الثلاثاء بالجزائر العاصمة على مستوى خبراء البلدَين، تحضيرًا لاجتماع اليوم.
وحسب وزارة الطاقة الجزائرية، ستتيح آلية التعاون الثنائي للبلدَين تقييم هذا التعاون منذ الاجتماع الأخير للدورة التي عُقدت في إسطنبول في سبتمبر/ أيلول 2012، وكذا دراسة سُبُل ووسائل تعزيزها في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترَك.
تركيا وسّعت استيرادها للغاز من الجزائر، حيث تمَّ تجديد عقود توريد الغاز الطبيعي المسال لتركيا عبر شريكها بوتاش حتى عام 2024، بكميات سنوية تقدَّر بـ 5.4 مليارات متر مكعب.
وعلّقَ بيان وزارة الطاقة أن “أعمال اللجنة تأتي في سياق يتّسم بالتطورات الإيجابية في العلاقات بين الجزائر وتركيا، ورغبة البلدَين في تطوير وتعزيز علاقات التعاون الثنائي على المستويات الاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية والتقنية”.
ويتّضح من خلال إشراف وزيرَي الطاقة على هذه الدورة وتنظيم منتدى رجال أعمال في مجال الطاقة والمناجم، أن هذا القطاع سيشكّل أحد محاور المباحثات، خاصة بعد توقيع البلدَين قبل شهر 3 عقود متعلّقة بتطوير المشروع البتروكيمياوي لإنتاج البوليبروبيلان بمدينة جيهان التركية، التي تمثّل فيه الجزائر شركة سوناطراك النفطية الحكومية.
وتساهم سوناطراك بنسبة 34% في هذا المشروع، وتضمن تموينه بالمادة الأولية البروبان، في إطار عقد طويل المدى باعتماد أسعار السوق الدولية.
وشكّل هذا الحدث قفزة كبيرة في التعاون الطاقوي بين البلدَين، فقد حضرَ مراسم الإمضاء كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزيرَي الصناعة والنقل التركيَّين والمديرَين التنفيذيَّين لرونسانس، شريك سوناطراك التي كانت ممثّلة في الرئيس المدير العام لها توفيق حكار، ومعلوم أن قيمة المشروع تقدَّر بـ 1.4 مليار دولار.
ويلفت أستاذ الاقتصاد الدكتور أنور سكيو، في حديثه مع “نون بوست”، أن تركيا وسّعت استيرادها للغاز من الجزائر، حيث تمَّ تجديد عقود توريد الغاز الطبيعي المسال لتركيا عبر شريكها بوتاش حتى عام 2024، بكميات سنوية تقدَّر بـ 5.4 مليارات متر مكعب.
تحديات جديدة
ويخوض البلدان في السنوات الأخيرة تحدي تعزيز قدراتهما الطاقوية، وتنويع الاستثمار فيها، وسط تغيُّرات كبيرة تشهدها كل من منطقة الأناضول والمتوسط وشمال أفريقيا.
بالنسبة للجزائر، التي خاضت فقط منذ أسبوع تحديًا كبيرًا باعتماد نقل الغاز نحو إسبانيا عبر الأنبوب الذي يربطها مباشرة بمدريد، والتخلّي عن الأنبوب الذي كان يمرُّ عبر المغرب؛ فإنها تريد التأكيد على أنها شريك يمكن الاعتماد عليه في كل الظروف في المجال الطاقوي.
وبدت هذه الرسالة واضحة من الطرف الجزائري، بتأكيده ضمان كل الحاجات الإسبانية من الطاقة عبر أنبوب ميد غاز الذي قالت بخصوصه إنها قادرة على رفع طاقته حتى 16 مليار متر مكعب سنويًّا، في حال توقيع اتفاقيات جديدة طويلة المدى، لتضعَ حدًّا لحملات شكّكت في إمكانية تجاوزها للأزمة التي حدثت مع المغرب.
وبدا ظاهرًا من التوجُّه الجديد للجزائر، التي حاولت التسويق خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الايطالي سيرجيو ماتاريلا إليها بداية الأسبوع، بأنها تريد التأكيد على أنها شريك طاقوي مميَّز.
وإضافة إلى قدراتها الطاقوية التقليدية المعروفة في مجال الغاز، كشفَ المدير العام لسوناطراك مؤخّرًا أن قدرات بلاده من الغاز غير التقليدي تعادل 150 عامًا من الإنتاج الحالي لهذه المادة الطاقوية.
تجربة الجزائر في مجال الطاقات المتجدِّدة تظلّ دون تطلُّعات الحكومة ودون مستوى إمكاناتها الكبيرة في هذا المجال، خاصة الطاقة الشمسية، لذلك هي في حاجة إلى شريك أجنبي حقيقي لتطوير إمكاناتها في هذا المجال، وقد تكون تركيا الحل المناسب.
وتسعى سوناطراك إلى توسيع تواجدها الدولي، والمتمثّل اليوم في البيرو وليبيا والنيجر ومؤخّرًا تركيا التي يمكن أن تكون شريكًا مهمًّا في المجال الغازي والاستثمار البحري، خاصة أن قانون المحروقات الجزائري الجديد نصَّ على الذهاب للاستكشاف النفطي في المجال الإقليمي البحري الجزائري، وهو مجال أثبتت أنقرة من خلال ما تقوم به في شرق المتوسط أنها قادرة على أن تكون شريكًا مناسبًا لأصدقائها الحقيقيين.
والأمر لا يختلف في تركيا التي تعدّ نقطة عبور أساسية في طريق الغاز بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، إذ تشي الاستثمارات والاستكشافات التي تقوم بها أنها تعمل على ضمان حاجياتها الطاقوية من مصادر مختلفة، وقد تجدُ في خبرة الجزائر في هذا المجال شريكًا مناسبًا، خاصة في مجال البيتروكيماويات.
ويوم الثلاثاء، قال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، إن “أيامًا قليلة تفصلنا عن بشائر جديدة من شأنها زيادة كمية وقيمة اكتشافاتنا (من الغاز الطبيعي) في البحر الأسود”.
ولفتَ دونماز إلى أن الطاقة المركّبة التي تنتجها تركيا ستصلُ إلى 100 ألف ميغاواط في غضون بضعة أشهر، مضيفًا أن 97.5% من الطاقة المركّبة التي تمَّ تشغيلها عام 2021، والبالغة 3 آلاف و144 ميغاواطًا، قادمة من مصادر متجدِّدة.
وإن كانت الجزائر تملك خبرة في مجال الطاقات التقليدية، فإن تجربتها في مجال الطاقات المتجدِّدة تظلُّ دون تطلُّعات الحكومة ودون مستوى إمكاناتها الكبيرة في هذا المجال، خاصة الطاقة الشمسية، لذلك هي في حاجة إلى شريك أجنبي حقيقي لتطوير إمكاناتها في هذا المجال، وقد تكون تركيا الحل المناسب في حال لم تصل المفاوضات مع ألمانيا إلى نتيجة ملموسة.
مجالات جديدة
تعلِّق الجزائر وتركيا على اجتماع هذه الدورة آمالًا كبيرة في أن تفضي إلى شراكة في مجالات جديدة، خاصة بتنظيم منتدى رجال أعمال الذي يعدّ فرصة لصنّاع الاقتصاد في البلدَين لعقد شراكات جديدة.
قبل أسابيع شاركت الجزائر في منتدى الأعمال والاقتصاد “تركيا-أفريقيا” الذي عُقد بإسطنبول، ولم يتردد وزير الصناعة الجزائري خلال لقائه وزير التجارة التركي محمد موش في الإعلان صراحة عن رغبة بلاده في تعزيز علاقاتها وشراكاتها الاقتصادية مع تركيا، لا سيما في الجانب الصناعي.
ويتراوح حجم المبادلات التجارية بين الجزائر وتركيا حاليًّا بين 3.5 و4.2 مليارات دولار، ويأمل البلدان في أن يبلغ قريبًا 5 مليارات دولار، على أن يصل مستقبلًا إلى 10 مليارات دولار، حسب ما ورد في تصريحات سابقة لمسؤولي البلدَين، ومنهم الرئيس أردوغان.
وتنشط اليوم في الجزائر أكثر من 1300 شركة تركية مستثمرة، توظِّف 25 ألف جزائري، إضافة إلى أن الجزائر تموِّل تركيا بالغاز، ووقّع البلدان اتفاقات تعاون تشمل قطاعات الفلاحة والنقل البحري والتعليم العالي.
وأهم حضور للقطاع الصناعي التركي في الجزائر يبقى عبر مصنع الحديد والصلب ببلدية بطيوة بولاية وهران غرب البلاد، والذي أنجزته شركة “توسيالي آيرون أند ستيل”، وهو أكبر استثمار لتركيا خارج أراضيها، إذ بلغ إنتاجه العام الماضي 2.23 مليون طن من مختلف المنتجات الحديدية، ويوظِّف اليوم 3800 عامل.
وقال عضو مجلس إدارة مصنع “توسيالي الجزائر”، ألب توبسي أوغلو، في حديث إلى “وكالة الأنباء الجزائرية” في شهر نيسان/ أبريل الماضي، إن المصنع يتوقع أن تبلغ قيمة صادراته في العام الجاري 700 مليون دولار، بنمو يصل إلى 600% مقارنة مع عام 2020.
أما الاستثمار الثاني التركي المهم لتركيا في الجزائر فهو مصنع تيال للنسيج؛ وهو نتاج شراكة بين البلدَين بقيمة 714 مليون دولار، وهو الأكبر على المستوى الأفريقي، ورغم دخوله الإنتاج في مارس/ آذار 2018، إلا أن ثماره الميدانية تبقى غير ملموسة بشكلٍ بارز حتى الآن.
كل الظروف مهيأة لأن يسير التعاون التركي الجزائري في الطريق الصحيح، غير أن الوصول إلى الأهداف المرجوة يبقى مقترنًا بمدى استغلال رجال الأعمال في كلا البلدَين لهذه الفرصة
ويشكّل قطاع الصحة أحد المجالات التي تريد الجزائر الاستفادة فيه من التجربة التركية، فقد بحثَ وزير الصحة عبد الرحمان بن بوزيد في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مع سفيرة تركيا بالجزائر، ماهينور أزدمير كوكتاش، آفاق التعاون الثنائي في مجال الصحّة وسُبُل تعزيزها.
وأكّد بن بوزيد على “أهمية توسيع مجال التعاون والشراكة الجزائرية-التركية”، مشيدًا بـ”المستوى الذي وصل إليه الطب في تركيا، سواء تعلّقَ الأمر بالعلاج أو بعملية التكفل بالمرضى”.
واقترحت السفيرة التحضير للتوقيع على “برنامج عمل ومذكرة تفاهم تحدِّد الخطوات التي من شأنها أن تساهم في تجسيد مشاريع الشراكة الممكن تنفيذها بين البلدَين، بالارتكاز على زيارات متبادلة لأطباء البلدَين قريبًا قصد تبادل الخبرات والتجارب فيما بينهما، بالإضافة إلى تنظيم لقاءات تشاورية تحضيرًا لعملية توأمة بين المستشفيات التركية والجزائرية مستقبلًا”.
ويقصد الكثير من الجزائريين تركيا للعلاج في إطار خاص، وهو ما يكون في الغالب بتكاليف خيالية، لذلك إن توقيع البلدَين على توأمة بين مستشفيات الطرفَين سيشكّل للطرف الجزائري خطوة هامة في حلّ إحدى المشاكل التي يعانيها قطاع الصحة، وذلك بضمان العلاج للمواطنين إما محليًّا وإما مساعدتهم على المداواة خارج البلاد لكن في إطار رسمي.
ويقول أستاذ الاقتصاد الدكتور أنور سكيو لـ”نون بوست” إن “التعاون بين البلدَين ليس وليد الأمس، وهو تقارب منطقي مبني على أُسُس المصالح المشتركة وتقاطُع وجهات النظر في عدة ملفات إقليمية واقتصادية وسياسية على حد سواء. فخلال الـ 15 سنة الأخيرة نلحظ تطور المبادلات التجارية لما يفوق 5 مليارات دولار، فتركيا مستثمرة دون قيود أو شروط سياسية في الجزائر، ناهيك عن التعاون الثقافي والتعليمي من خلال برامج التدريس والتبادل الثقافي والطلابي”.
ويعتقد سكيو أن “تقاطُع الامتدادات العسكرية للبلدَين في نادي السلاح الروسي إس-400، قد يشجّع نوعًا من التقارب الاستراتيجي على المدى الطويل، خاصة أن الجانب التركي يحاول تقديم صناعاته العسكرية المتطورة مؤخرًا كخيار للطرف الجزائري الذي يعدّ وزنًا ثقيلًا في الجانب العسكري والاستراتيجي في منطقة شمال أفريقيا”.
وأضاف سكيو أن للجزائر فرصة “إمكانية الاستفادة من التجربة التنموية التركية، خاصة في مجال الصناعات التحويلية والمنشآت الكبرى والمجال الزراعي”.
من المؤكد اليوم أن كل الظروف مهيأة لأن يسير التعاون التركي الجزائري في الطريق الصحيح، غير أن الوصول إلى الأهداف المرجوة يبقى مقترنًا بمدى استغلال رجال الأعمال في كلا البلدَين لهذه الفرصة، وتعزيز الشراكة الاقتصادية الثنائية أكثر فأكثر.