ترجمة وتحرير نون بوست
في شهر سبتمبر/أيلول، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مكالمة هاتفية أجراها مع برنامج حواري أن الحكومة ستفتتح مجمعًا جديدًا ضخمًا للسجون، قائلًا: “إننا نجهز نسخة أمريكية كاملة، فالسجناء في هذا المجمع سيقضون عقوبتهم بطريقة إنسانية”.
هذا السجن هو الأول بين 8 سجون ضخمة سيجري بناؤها، في الحقيقة افتُتح المجمع الشهر الماضي وسط ضجة كبيرة، ليعلن التحول في طريقة معاملة السجناء من التركيز على العقوبة إلى إعادة التأهيل.
تهدف الحملة الدعائية المصاحبة لذلك التي انتهت بأغنية خاصة إلى إعادة تسمية سلطات السجون المصرية باسم “سلطة الحماية الاجتماعية”، لكن بنظرة أعمق إلى هيكل السجن إضافة إلى التعديلات الأخيرة على قوانين الحماية العامة ومكافحة الإرهاب في البلاد سنجد أنها تشير إلى نية أسوأ: تحديدًا، إضفاء الطابع المؤسسي العميق على القمع، والتوسع المحتمل في عدد نزلاء السجون.
من أبرز ملامح هذا المجمع الجديد، حجمه وتصميمه وانعزاله واكتفائه الذاتي، وهو أمر لا يبشر بالخير لنزلاء السجن، بُني المجمع على مساحة 219 فدانًا، ما يجعله أكبر سجن في تاريخ مصر، وتُقدر سعته بنحو 34 ألف سجين بافتراض عدم وجود اكتظاظ، سيسمح افتتاحه للنظام بإغلاق 12 سجنًا من بين 78 سجنًا في البلاد.
انعزال السجن واكتفاؤه الذاتي يهددان بزيادة قدرة قوات الأمن المصرية على ارتكاب الانتهاكات بعيدًا عن أعين العامة
إذا كان هذا المجمع حقًا واحدًا من 8 سجون أخرى تتمتع بنفس السعة، فإن القدرة الإجمالية لسجون البلاد ستصل سريعًا إلى مئات الآلاف، في الوقت الحاليّ يصل عدد نزلاء السجون إلى نحو 120 ألف سجين بينهم 60 ألف سجين سياسي ومعتقلين بانتظار محاكمتهم.
في العام الماضي أبلغت السجون المصرية المكتظة عن تجاوز سعتها بنسبة 300%، لذا يبدو أن النظام يحاول الآن إنشاء البنية التحتية المادية للزيادة السريعة في الاحتجاز.
ممارسات مسيئة
في الوقت نفسه يشير هيكل السجن القاسي إلى احتمالية استمرار ممارسات النظام المسيئة، فتصميمه يحتوي على عدد كبير من زنازين الحبس الانفرادي التي تعد ممارسة شائعة في السجون المصرية، فالرئيس المصري السابق محمد مرسي احتُجز في زنزانة انفرادية منذ لحظة القبض عليه حتى وفاته في 2019 وهو ما وصفته الأمم المتحدة بأنه “قتل تعسفي بموافقة الدولة”.
يبدو أن المجمع يضم أيضًا 4 قطاعات مصممة على غرار سجن العقرب سيئ السمعة، الذي يشتهر بارتكاب العديد من الانتهاكات فيه.
وأخيرًا، فانعزال السجن واكتفاؤه الذاتي يهددان بزيادة قدرة قوات الأمن المصرية على ارتكاب الانتهاكات بعيدًا عن أعين العامة، فالسجن يقع بوادي النطرون في قلب الصحراء بعيدًا عن القاهرة بنحو 100 كيلومترات.
يضم المجمع محاكم أيضًا ومقرات للأمن الوطني، ما يزيد الأمر صعوبةً على أهالي السجناء لزيارتهم ويزيد من العزلة الاجتماعية للسجناء الذين لن يكونوا بحاجة للانتقال من محبسهم إلى جلسات المحكمة.
يهدف البناء الجديد إلى ضمان أن الهروب الجماعي الضخم لن يتكرر – مثلما حدث عام 2011 – لأن مجمع السجن في منطقة نائية بعيدة عن المراكز الحضرية.
قمع المعارضة
يتزامن افتتاح مجمع السجن الجديد مع التعديلات الأخيرة على قوانين مكافحة الإرهاب والحماية العامة في البلاد، يمنح قانون مكافحة الإرهاب الحاليّ في مصر سلطةً هائلةً للدولة لفرض إجراءات استثنائية في حالة وجود تهديد إرهابي مثل فرض حظر التجول أو إخلاء مناطق معينة، يوسع التشريع الجديد من سلطات الأمن الوطني للرئيس والجيش.
مع زيادة المحاكم العسكرية، سيكون من السهل قمع الاحتجاجات الاجتماعية الضخمة
استُهدفت شخصيات المعارضة والنشطاء لسنوات وفقًا لقانون مكافحة الإرهاب المصري الذي يقدم تعريفًا غامضًا للإرهاب يتضمن الإساءة للأمن القومي والتوافق الاجتماعي، يقدم القانون كذلك حصانة للأمن الوطني من الملاحقة القضائية عند استخدامهم القوة المفرطة في أثناء أداء واجبهم، هذا بدوره سيتسبب في تصاعد القتل خارج إطار القانون.
أما القانون الأقل عرضة للنقاش – قانون حماية المنشآت العامة والحيوية – فقد مُرر في 2014 كإجراء مؤقت لكنه أصبح دائمًا الآن وفقًا للتعديل الجديد، ما يمنح الجيش المسؤولية الأساسية لحماية المؤسسات والكيانات العامة مثل الطرق والكباري وخطوط الطاقة والهيئات الحكومية، وستكون الجرائم المرتكبة وفق هذا القانون من اختصاص المحاكم العسكرية.
هذه التعديلات سيكون لها عواقب وخيمة خاصة في تحويل القوات المسلحة المصرية إلى قوات أمن محلية مسؤوليتها الأولى قمع المعارضة والحفاظ على أمن النظام، ومع زيادة المحاكم العسكرية، سيكون من السهل قمع الاحتجاجات الاجتماعية الضخمة.
هذه الأشياء مجتمعة مع السجون الكبرى تشير إلى نضوج رؤية السيسي البائسة، ويمكننا أن نتوقع الآن ارتفاع مستويات القمع في السنوات القادمة.
المصدر: ميدل إيست آي