ظهر اسم إيلاي أكسوي لأول مرة بين الأوساط العربية في تركيا، وتحديدًا المجتمع السوري، عام 2019 عندما ترشحت عضوة المجلس التأسيسي لحزب “الجيد” المعارض لرئاسة بلدية الفاتح في الانتخابات المحلية، ورفعت شعار حملتها الانتخابية آنذاك على لافتة كُتِب عليها بخط عريض “لن أسلم منطقة الفاتح للسوريين”، معلنةً عداؤها وجهًا لوجه مع المجتمع السوري.
وخلال الأيام القليلة الماضية، وفي خضم “قضية الموز” وقرار الترحيل القسري الذي طال 7 أشخاص سوريين على خلفية تفاعلهم مع الحملة الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي بفيديوهات ساخرة، ظهر اسم المعارضة التركية مرة أخرى لتكون سببًا مباشرًا في اعتقال الصحفي السوري ماجد شمعة (أُطلق سراحه فيما بعد).
إذ جاء قرار اعتقال شمعة وترحيله بعد أن تواصل شخص يُدعى “عرين سليمان” مع أكسوي وحرضها على إبلاغ الأمن التركي عن المحتوى الساخر الذي شاركه شمعة ضمن برنامجه “سوريلي بوب” الذي يبث على قناة “أورينت” ليجري بالفعل اعتقاله استعدادًا لترحيله، رغم أن صاحب الحساب الموالي لنظام الأسد يُعرف بمعاداته لتركيا وشماتته سابقًا في أحد منشوراته بمقتل جنود أتراك في إدلب، ومن يعرف المجتمع التركي يدرك جيدًا مدى قدسية الجنود في الثقافة التركية، وهو الأمر الذي – فيما يبدو – فضلت أكسوي التعامي عنه أملًا في تكوين قاعدة شعبية من الأتراك القوميين المناهضين للوجود الأجنبي في البلاد.
مهاجرة قبرصية
ولدت أكسوي في 16 ديسمبر/كانون الأول عام 1969 في نيقوسيا، عاصمة جمهورية شمال قبرص التركية، وهاجرت إلى أستراليا عام 1976 وأكملت دراستها في كلية “إيست سيدني التقنية” عام 1990 وتخرجت في قسم الأزياء والتصميم، وبعد قضاء نحو 17 عامًا هناك عادت إلى تركيا، وعملت مترجمةً في “تركيش ديلي نيوز”، وبعد ذلك أسست منصة “الأيدي الآمنة” التي تجري دراسات بشأن حقوق الطفل.
تُعرِف أكسوي نفسها بأنها امرأة تسير على مبادئ مصطفى كمال أتاتورك، فهي دخلت السياسة عام 2009 تحت مظلة حزب الشعب الجمهوري، إذ شغلت منصب نائب رئيس المحافظة ثلاث مرات، وبعد ذلك صارت عضوًا في مجلس الحزب إلى أن انتقلت إلى حزب “الجيد” القومي، ثم ترشحت لرئاسة بلدية الفاتح بولاية إسطنبول في الانتخابات البلدية عام 2019، إلا أن شعبيتها الضئيلة لم تكسبها إلا 4.39% من أصوات الناخبين.
ما يحق لأكسوي لا يحق للسوريين
منذ عام 2019 تقريبًا، سخَّرت أكسوي جل وقتها وطاقتها للتحريض على كراهية السوريين، فقد خصصت قناتها على يوتيوب وحسابها الشخصي في تويتر للهجوم حصرًا على السوريين والمطالبة بإعادتهم إلى بلادهم، متجاهلةً الأخطار التي تنتظر العائدين إلى هناك، فوفقًا لتقرير أصدرته منظمة العفو الدولية بعنوان: “أنت ذاهب إلى الموت”، يرتكب ضباط المخابرات السورية انتهاكات مروعة بحق العائدين إلى سوريا، وعقب تواصل الأمنستي مع أقارب 66 من العائدين أوضحت المنظمة الحقوقية أن ثمة 5 أشخاص لقوا حتفهم في الحجز، فيما اختفى 17 شخصًا قسرًا.
ورغم التحذيرات الدولية، ظلت أكسوي تجول المدن التركية وتزور مختلف أحيائها بحثًا عمن يشاركها في التحريض على السوريين وتعزيز الصور النمطية المغلوطة عنهم، فهي لا تتوانى عن تشويه سمعتهم ونشر معلومات مسيئة عنهم، لتضليل الرأي العام التركي، في إطار تحقيق مكاسب سياسية على حساب قوانين ومبادئ حقوق الإنسان الدولية التي تعتبر أكسوي نفسها أحد الفاعلين بها.
وفي بداية العام الحاليّ، أجرت إحدى القنوات التليفزيونية لقاءً مع أكسوي وخلال المقابلة سُئلت عن سبب اختيارها كلمات عنصرية في حملتها الانتخابية “لن أسلم الفاتح للسوريين”، فاستعرضت مجموعة من البيانات والإحصاءات التي تبين حجم انتشار السوريين في منطقة الفاتح مقارنة بالأتراك، سكان وتجار، واتخذت هذه الأرقام حجةً كافيةً لتبرير خطاب الكراهية.
وحين قيل لها إنهم يحاولون كسب قوت يومهم عوضًا عن البقاء في المخيمات والاعتماد على مساعدات وصدقات الآخرين، صبت استياءها من إفلاس التجار الأتراك في تلك المنطقة على السوريين بدلًا من اعترافها بافتقار الدولة التركية إلى الخبرة المطلوبة في التعامل مع هذه القضية، وتوجيهها المسؤولية إلى السلطات المعنية في إدارة الأزمة الاقتصادية من جهة وتنظيم الوجود السوري من جهة أخرى.
كانت أكسوي تركت بلادها حقًا بعد إحلال السلام في قبرص التركية كما تزعم، ألم يكن الأجدر بها أن تذهب إلى تركيا – وطنها الأم – بدلًا من التوجه إلى بلاد غريبة؟
وخلال اللقاء ذاته، اعترفت أكسوي أن الحرب في جزيرة قبرص كانت سببًا مباشرًا في هجرتها إلى أستراليا مع أسرتها – كما هو الحال مع السوريين -، وأضافت أن والدها لم يغادر البلاد خلال الحرب، وإنما حارب لـ10 سنوات في قبرص إلى أن غادر البلاد عام 1974، ثم لحقته هي وبقية أفراد الأسرة إلى هناك عام 1976، مع العلم أن القوات المسلحة التركية أطلقت ما يُسمى “عملية السلام” العسكرية في نفس العام الذي هاجر به والدها إلى أستراليا، ما يعني أن كلامها قد لا يكون صحيحًا.
وإن كانت أكسوي تركت بلادها حقًا بعد إحلال السلام في قبرص التركية كما تزعم، ألم يكن الأجدر بها أن تذهب إلى تركيا – وطنها الأم – بدلًا من التوجه إلى بلاد غريبة؟ هكذا سُئلت أكسوي في المقابلة التليفزيونية، وأجابت قائلةً إن أستراليا كانت الدولة الوحيدة التي كان احتمال نشوب حرب أهلية فيها ضعيفًا، وحين سُئلت لماذا لا يحق للسوريين أن يفعلوا ما فعلته، رغم أنهم لا يملكون خيارًا آخر، تهربت أكسوي من السؤال بطرح أسئلة لا علاقة لها بالموضوع وحولت سياق الحديث إلى منحى آخر.
تملصت أكسوي أيضًا من إبداء رأيها في العنصرية التي يواجهها الأتراك في ألمانيا على نفس النحو الذي تتبعه هي ضد السوريين، وما زاد من تمنعها أن المضيفة أشارت إلى حساسية اختلاف الأديان بين الشعبين (الألماني والتركي) وهو الاختلاف الذي يغيب عن الحالة التركية السورية ومع ذلك فإن حالة العداء لا تختلف كثيرًا عما يجري في ألمانيا ضد الجالية التركية.
بالإضافة إلى ما سبق، تقول أكسوي – في المقابلة ذاتها – إن تركيا ليست مضطرة لدفع ثمن معارضة السوريين لنظام الأسد، – ولا شك أن كلامها صحيح -، لكن تركيا لم تدفع ثمنًا لذلك، لأن سياسة الباب المفتوح التي اتبعتها الحكومة لم تكن بالإكراه أو المجان، على النقيض تمامًا، فقد اكتسبت تركيا ثقلًا سياسيًا وإقليميًا هائلًا مع إدارتها لملف اللجوء، لا سيما فيما يخص علاقاتها بالاتحاد الأوروبي.
أما ما يثير الاستغراب حقًا في مواقف أكسوي، أنها أحد الأتراك الذين عاشوا العنصرية بسبب اعتداءات وثورات اليونانيين المستمرة ضد القبارصة الأتراك، كما أنها ذاقت طعم الحرب والمذابح الدموية وما خلفته من انعدام الاستقرار السياسي والأمني، ومع ذلك لم تكلف نفسها النظر إلى اللاجئين السوريين في تركيا من نفس المنظور/المنطلق الذي تصرفت هي وعائلتها بناءً عليه.