ترجمة حفصة جودة
افتتحت ملكة الديسكو جلوريا جاينور مؤتمر الاستثمار العالمي في السعودية بأغنيتها الشهيرة “هل تعتقد أنني سأستلقي وأموت؟ لا؛ سوف أنجو”، وسواء قصد ولي العهد محمد بن سلمان أن تكون توبيخًا مشاكسًا لنقاد حقوق الإنسان أم لا، فإن رسالة الأغنية تلخص الإصرار والتبجح السعودي الظاهر للعيان.
قبل 5 سنوات، كشف ابن سلمان – ولي العهد آنذاك والحاكم الفعلي للمملكة الآن – خطته الطموح “رؤية 2030” – التي يرى الكثيرون أنه مبالغ فيها – لتنويع الاقتصاد السعودي، قبل 3 سنوات فقط شعر المستثمرون الغربيون بالرعب بعد مقتل الكاتب الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي وقرروا الابتعاد عن مؤتمر مبادرة الاستثمار المستقبلي السنوي، لكن العديد من الأسماء الشهيرة في وول ستريت عادت إلى المؤتمر هذا العام.
في زيارة قريبة استمرت 3 أسابيع للمملكة، التقيت بعشرات الوزراء الكبار ومستشاري الديوان الملكي بالإضافة إلى مواطنين سعوديين ذوي معارف كثيرة، ما وجدته أن المملكة لديها ثقة متزايدة بشأن إصلاحات الاقتصاد المحلي وحزم أكبر بشأن سياستها الخارجية، ربما بدافع الضرورة.
تنتشر الشكوك بشأن مصداقية إدارة بايدن في كل مكان ويُعبَر عنها بسهولة، والآن تتجه السعودية شرقًا دون أعذار، يقول أحد الوزراء: “أدار ولي العهد الرئيس ترامب بفاعلية، لكنه انسجم مع الرئيس الصيني شي”، (يُفضل معظم وزاء السعودية التحدث دون ذكر أسمائهم لأن ولي العهد يفضل التحدث باسم المملكة).
زار شي جين بينغ الرياض في 2016 وسافر ولي العهد إلى بكين بعدها بثلاث سنوات، في الحقيقة يحاكي ولي العهد تكتيكات الرئيس شي: قمع المعارضة السياسية وإحكام قبضته على الاقتصاد السعودي والسعي بكل تأكيد لسياسة خارجية قائمة على المصلحة الذاتية.
الاستثمار الضخم في البنية التحتية الرقمية الذي ساعد في أثناء الإغلاق بسبب الجائحة في توفير وصول 99% من السعوديين إلى التطبيب عن بعد والتعليم والخدمات الحكومية الروتينية، أدى إلى ترسيخ دعم أجندة ولي العهد
يقول محمد التويجري – مستشار اقتصادي في الديوان الملكي – “إننا نؤيد النمو، وأينما نجد الفرصة المناسبة، فإننا نقتنصها”، بينما قال مستشار آخر: “أيًا كان ما تسميه فإننا نقوم به مع الصين، فالصين شريك إستراتيجي”، حتى المدارس السعودية الثانوية بدأت في تعليم اللغة الصينية.
يتلاعب ولي العهد بعدة تحولات صعبة في نفس الوقت، فلوقف اعتماد المملكة على الهبات الحكومية قرر قطع الدعم عن الطاقة ورفع أسعار البنزين وفرض ضرائب باهظة لأول مرة، ما تسبب في رفع تكلفة المعيشة بشكل كبير.
لتخفيف هذا الألم منح السعوديين حريات اجتماعية مثل الحفلات وسباقات السيارات والاختلاط بين الجنسين، والآن تستطيع النساء قيادة السيارات والحصول على وظائف خارج المنزل.
هذه التغيرات لها شعبيتها، لكن الاستثمار الضخم في البنية التحتية الرقمية الذي ساعد في أثناء الإغلاق بسبب الجائحة في توفير وصول 99% من السعوديين إلى التطبيب عن بعد والتعليم والخدمات الحكومية الروتينية، أدى إلى ترسيخ دعم أجندة ولي العهد.
مع ذلك، فهذا التقدم في الإصلاحات المحلية قد ينتهي بسبب الأحداث الخارجية، فالمملكة محاطة بمخاطر متزايدة، إيران أوشكت أن تصبح قوة نووية وإثيوبيا تعاني من حرب أهلية وحكومة السودان سقطت في أيدي الانقلاب والحكومة اليمنية المدعومة من السعودية ما زالت في حرب ضد المتمردين الحوثيين، قد ترغب الرياض في إنهاء هذا القتال لكننا لا نتوقع ذلك قريبًا.
خفضت أمريكا مبيعات الأسلحة الهجومية للرياض وسحبت صواريخ باترويت الدفاعية التي تحمي المملكة من الهجمات، كما فشلت في تحديد إستراتيجية لمواجهة إيران النووية
كل هذه الأحداث تفرض كابوس احتمالية تدفق اللاجئين إلى المملكة الغنية والمستقرة، هذه الهجرة الضخمة قد تلعب دورًا في تدمير الخطة الباهظة لتحويل البحر الأحمر إلى وجهة سياحية دولية، يقول أحد الوزراء: “هذه ليست مجرد أزمة هجرة، لكنها قد تدمر صناعة السياحة ووظائفنا كذلك”.
هناك قضية دولية أخرى ذات عواقب محلية وهي زيادة التوتر بين الولايات المتحدة والصين، يشعر المسؤولون السعوديون بالقلق بشأن الوقوف بين اثنين من القوى العظمى، فقد أصبحت الصين الآن أكبر شريك تجاري للمملكة بسبب حاجة بكين إلى النفط السعودي، بينما تشتري المملكة أسلحة من الصين.
لكن العداء المتزايد بشأن تايوان والتجارة العالمية يثير قلق السعودية، فعادة أمريكا في فرض عقوبات على خصومها وتوقع مشاركة حلفائها في ذلك، هو أمر تصمم السعودية على مقاومته، يقول أحد وزراء السعودية البارزين: “لا تدفعونا للاختيار، فمبيعات النفط يجب أن تمول شعبنا”.
بينما تتحدث إدارة بايدن عن شراكتها مع السعودية، فإنها لا تفعل شيئًا لأجل ذلك، فقد خفضت أمريكا مبيعات الأسلحة الهجومية للرياض وسحبت صواريخ باترويت الدفاعية التي تحمي المملكة من الهجمات، كما فشلت في تحديد إستراتيجية لمواجهة إيران النووية.
يعتقد السعوديون أن القنبلة الإيرانية على وشك الانفجار، يتذمر الكثيرون أيضًا من أن الولايات المتحدة تدعي رغبتها في السلام باليمن، لكنها لن تتدخل لمنع تدافع الأسلحة من إيران إلى الحوثيين.
وصف الوزارء السعوديون سياسة أمريكا في الشرق الأوسط بأنها “مضطربة وفوضوية”، بينما قال مسؤول سعودي في السياسة الخارجية “التصريحات العامة جيدة، لكن لا شيء يحدث على المستوى العملي”.
تبدو السعودية عازمة على السعي خلف مصالحها الخاصة ولو على حساب إبعاد حلفائها
إضافة إلى التعقيدات المحلية والتحولات الخارجية التي تواجهها المملكة، فهناك المعركة العالمية المتزايدة بشأن تغير المناخ، تعهدت السعودية بصافي صفر من انبعاثات الكربون بحلول عام 2060، ومع ذلك فلأنها أكبر منتج للوقود الأحفوري فهي الهدف المفضل لنشطاء البيئة الذين يرغبون في نهاية فورية للاستثمار في الوقود الأحفوري.
والآن يصرّ بايدن – الذي قطع الإنتاج الأمريكي لإرضاء نشطاء المناخ – على ضخ السعودية مزيد من النفط لإبقاء أسعار النفط في أمريكا منخفضة، وهو ما وصفه المسؤولون السعوديون بـ”النفاق”.
تبلغ تكلفة النفط الآن أكثر من 80 دولارًا للبرميل، وبمجرد انتهاء الجائحة وعودة النمو الاقتصادي، يعتقد المسؤولون السعوديون أن سعره قد يصل إلى 150 دولارًا، وبسؤال أحد مسؤولي السياسة الخارجية عن كيفية موازنة السعودية بين كل هذه المتطلبات المعقدة والتنافسية، فقد قال “بصعوبة”.
مرة أخرى، تبدو السعودية عازمة على السعي خلف مصالحها الخاصة ولو على حساب إبعاد حلفائها، قال وزير النفط السعودي عبد العزيز بن سلمان في مؤتمر دولي عُقد مؤخرًا أن العالم النامي لا يمكنه البقاء في الفقر بينما تسعى الدول المتقدمة للحصول على مناخ نظيف.
وأضاف “مع تطور الدول الفقيرة فإن احتياجاتها من الطاقة ستزداد، لكن الطاقة المتجددة تحتاج وقتًا، وفي الوقت نفسه لا بد من وجود طاقة لتغذية الاقتصاد العالمي”.
تستثمر السعودية في الطاقة المتجددة لكنها ترفع أيضًا من قدرتها على إنتاج النفط، سوف تستثمر المملكة 300 مليار دولار لتوسيع قدرتها الإنتاجية لتصل إلى 13 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2027 بدلًا من 12 مليون برميل الآن.
لكن المسؤولين يعتقدون أن الطلب العالمي سيزداد سريعًا لأن النمو الاقتصادي سيُستأنف بعد الجائحة، يقول وزير المالية محمد الجدعان: “إننا نقوم بذلك للحفاظ على الاقتصاد العالمي”.
فضّل حكام السعودية اتباع سياسات حذرة توافقية من قبل، لكن هذه الأيام ولّت للأبد، والآن يتحدث محمد بن سلمان بسلطة جديدة.
المصدر: وول ستريت جورنال