اكتسبت الاستدامة في التصنيع اعترافًا واسعًا في السنوات الأخيرة، مع المزيد من الدعوات للمصنّعين لضمان الحفاظ على البيئة والتخفيف الاجتماعي إلى جانب النمو الاقتصادي.
يتسبّب تغيُّر المناخ والتدهور البيئي بالفعل في تعطيل ملايين الوظائف وسُبل العيش، ومع ذلك لا تزال هناك فرص لا حصر لها لتعزيز الاقتصاد وتحسين نوعية الحياة العملية.
أفادت عدة دراسات لمنظمة العمل الدولية أن تنفيذ اتفاقية باريس بشأن تغيُّر المناخ يمكن أن يخلق مكاسب صافية قدرها 18 مليون وظيفة خضراء بحلول عام 2030، وهذا يتطلب جهودًا مشتركة من عدة أطراف، لا سيما الحكومات ومنظّمات الأعمال.
يؤكّد مفهوم الاستدامة على المساهمات الاجتماعية والبيئية للشركات في المجتمع، مع الحفاظ على الربحية المالية أيضًا.
التصنيع المستدام
هو قدرة الشركة على الحفاظ على الاستخدام الذكي للموارد الطبيعية لتحقيق الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ما يؤدّي إلى تحسين نوعية الحياة مع الحفاظ على الطاقة والموارد الطبيعية، وفي النهاية تعدّ هذه المنتجات أكثر أمانًا بشكل عام للموظفين والمجتمعات والبيئة.
وإدراكًا لحقيقة أن 20% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية تتولّد عن تصنيع السلع، فقد تمّت الدعوة إلى التصنيع المستدام لزيادة الوعي بالاستدامة وتقديم مساهمة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، كما يحقِّق عدد كبير ومتزايد من الشركات المصنِّعة فوائد مالية وبيئية كبيرة من ممارسات الأعمال المستدامة.
أسباب تحول الشركات إلى التصنيع المستدام
هناك العديد من الفوائد المتاحة للمصنّعين الذين يقرِّرون ممارسة الاستدامة في شركاتهم، ويرى الكثيرون أن الاستدامة وسيلة للتنافس مع الشركات المصنِّعة الأخرى على مستوى العالم وزيادة نمو شركاتهم.
الأسباب التي تجعل الشركات تسعى للتصنيع المستدام:
– زيادة الكفاءة التشغيلية عن طريق تقليل التكاليف والنفايات.
– الاستجابة أو الوصول إلى عملاء جُدد وزيادة الميزة التنافسية.
– حماية وتعزيز العلامة التجارية والسمعة وبناء ثقة الجمهور.
– الاستجابة للقيود والفرص التنظيمية.
– التصنيع المستدام يجذب عملاء جُددًا، ويمكنه أيضًا جذب موظفين جددًا، ما يعني أن الأعمال ستستمر في التوسُّع.
– تحصل العديد من الشركات الخضراء أو المستدامة على مزايا ضريبية حكومية عند استخدام الأساليب والممارسات التي تفيد البيئة.
التصنيع المستدام من خلال الروبوتات
لماذا على الشركات التركيز على التصنيع المستدام من خلال الروبوتات؟
التصنيع المستدام من خلال الروبوتات والذكاء الاصطناعي له فوائد طويلة الأجل لكل من البيئة والمجتمع والشركة نفسها. إليك أهم أسباب احتضان التصنيع الأخضر للروبوتات الصناعية:
– تقصير الوقت بين الطلب والتسليم
عندما يتمّ تنفيذها بواسطة الروبوتات، فإنَّ مهام التصنيع تستغرق وقتًا أقل بكثير من الطرق اليدوية، وفي الوقت نفسه تعمل الروبوتات الصناعية على تحرير العمّال المهرة لأداء مهام أكثر تعقيدًا، وتحسين استخدام الوقت والمال.
– التكيُّف مع الطلبات المتغيرة
بفضل تقنيات البرامج وأجهزة الاستشعار، يمكننا أتمتة الروبوت لعدد من المهام في إعداد واحد، ما يقلِّل من وقت الانتقال والتدريب ومتطلبات المساحة.
وللاستجابة بشكل أفضل للطلبات المتغيرة، يمكن إضافة المزيد من الروبوتات إلى وحدة تحكُّم واحدة لمضاعفة سرعة أو حجم المهمة.
– تقديم جودة ثابتة
الحركات الروبوتية متّسقة ومركّزة ودقيقة للغاية، ونتيجة لذلك تنتج الروبوتات الصناعية كميات أقل من الخردة الصناعية وتعيد العمل، وكلا الأمرَين غير شائعَين في خطوط تصنيع العمالة اليدوية بسبب التعب، خاصة في وقت متأخّر من المناوبة أو بنهاية أسبوع العمل.
عندما نقدِّم الروبوتات كوسيلة للتصنيع المستدام، تزداد الجودة دون عيوب إيجاد العمّال المهرة لصيانتها.
– تقليل التكلفة وإضافة القيمة
عندما تلتزم شركة ما بالتصنيع المستدام والروبوتات، يمكنها استرداد نفقاتها الرأسمالية بسرعة بسبب زيادة المبيعات الناتجة عن الإنتاجية العالية للروبوتات. ولهذا، إن تدريب القوى العاملة الروبوتية والحفاظ عليها أقل تكلفة من الموظفين البشريين.
الوظائف الخضراء
ما الذي يجعل الوظيفة صديقة للبيئة؟
أبسط إجابة هي أنها تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في معالجة تغيُّر المناخ.
الوظائف الخضراء هي وظائف تركّز إما على تقليل انبعاثات الكربون وإما استعادة الطبيعة وإما إجراء تحسينات بيئية مماثلة.
على سبيل المثال؛ تعمل حكومة المملكة المتحدة على إنشاء المزيد من الوظائف الخضراء، من 410.000 الآن إلى مليونَي وظيفة خضراء بحلول عام 2030، كجزء من خططها لاقتصاد خالٍ من انبعاثات الوقود الأحفوري. وليس الأمر أنها ليست خطة خالية من المخاطر، لكن بعض المجالات ستوفِّر فرصًا للكثيرين.
لماذا الوظائف الخضراء مهمة؟
تصيب الوظائف الخضراء عصفورَين بحجر واحد، وهما التخلُّص من البطالة والحفاظ على البيئة.
ولنبق مع النموذج البريطاني، فمن أجل تحقيق هدف الحكومة المتمثل في الوصول إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050، يجب أن تختفي الوظائف في قطاعات مثل النفط والغاز، مع وجود وظائف أكثر مراعاة للبيئة ضرورية لتجنُّب البطالة.
دعا نشطاء بيئيون مثل هانا مارتن، المديرة المشاركة لـ Green New Deal UK، إلى الوظائف الخضراء للعب دور كبير في كيفية تعامل حكومة المملكة المتحدة مع أزمات المناخ والتوظيف في أعقاب جائحة كوفيد-19.
وقد صرّحت قائلة: “الوظائف الخضراء مربحة للطرفين”، كما صرّحت لمجلة The Big Issue: “نحن في أزمة بطالة وأيضًا في أزمة مناخ، وأزمة عدم مساواة”.
وأكملت: “نحن بحاجة إلى استثمارات ضخمة في صفقة خضراء جديدة لمعالجة هذه الأمور الآن قبل فوات الأوان، وخلق ما يكفي من الوظائف الخضراء لتغطية أولئك الذين فُقدوا خلال الوباء بشكل دائم”.
ما هي التخصُّصات الخضراء المستقبلية؟
التخصُّصات الخضراء (Green Majors) هي تلك الحقول المعرفية في الجامعات والمعاهد العلمية التي تتعلّق بالعلوم البيئية، وتركّز على دراسة المشاكل البيئية الحرجة ومحاولة إيجاد حلول فعّالة لها، مثل مشاكل التلوث، الاحتباس الحراري ونضوب الموارد الطبيعية.
فيما يلي قائمة بـ 5 تخصُّصات خضراء، مع توضيح لأهم تطبيقاتها على الصعيد البيئي:
– العلوم الصحية البيئية
هي أحد تخصصات الصحة العامة التي تركّز بشكل أساسي على دراسة كيفية تأثير البيئة على صحة الإنسان والأمراض التي قد تصيبه، يُدرَّس هذا التخصص على جميع المستويات، غير أن درجة البكالوريوس والماجستير هي الأكثر شيوعًا.
ويمكنك الحصول على وظيفة في مجال العلوم البيئية الصحية بواسطة شهادة البكالوريوس فقط، لكن المناصب الأكثر تطوُّرًا والأعلى دخلًا في هذا المجال تتطلّب الحصول على شهادة عليا كالماجستير أو الدكتوراه.
– القانون البيئي
يهتمّ تخصُّص القانون البيئي بدراسة القوانين والقواعد الدولية والمحلية الرامية إلى حماية البيئة من سوء الاستخدام، ويعمل خرّيجو هذا التخصص غالبًا مع عملاء من مختلف الصناعات والمجالات، لذا لا بدّ من البقاء على اطِّلاع دائم بأحدث القوانين والتعليمات الصادرة بشأن القضايا البيئية.
– التصميم البيئي/ الهندسة المعمارية البيئية
من خلال تخصُّصات التصميم أو هندسة العمارة البيئية، ستتعلّم كيفية إنشاء تصاميم متفرّدة مميزة لمختلف المساحات الداخلية والخارجية والمباني التي تتوافق جماليًّا وبيئيًّا مع ما يحيط بها.
ومن الأمثلة على وظائف التصميم البيئي، نذكر الآتي: مهندس معماري بيئي يقوم بتصميم المنازل والمصانع والمكاتب ومختلف المباني، موظِّفًا في ذلك مبادئ تصميم وبناء مستدامة وفعّالة، مع الحرص على استخدام موادّ صديقة تقلِّل الضرر الواقع على البيئة وتحسِّن من صحة البشر.
أيضًا مصمِّم مناظر طبيعية مستدامة يهتمّ بتخطيط وتصميم المساحات الخارجية الصديقة للبيئة، من خلال استخدام نباتات حقيقية وأنظمة ريّ فعّالة، أو تمديدات تكييف أو تدفئة قليلة الضرر بيئيًّا.
– علم البيئة
يهتمّ علم البيئة بدراسة العلاقات بين النظم الحيّة المختلفة، بما فيها البشر، ويسعى لفهم العلاقات الأساسية ما بين النباتات والحيوانات وبين العالم المحيط بهم.
كما تقدِّم دراسة علم البيئة معلومات حول فوائد النظم البيئية المختلفة، وكيفية استخدام موارد الأرض بطرق صحيّة لا تضرّ بالبيئة أو بالأجيال اللاحقة.
أمّا عن أشهر الوظائف في هذا المجال، فهي عالِم مناخ أو محلِّل تغيرات المناخ يقوم بدراسة تغيُّرات المناخ على المدى البعيد، ويوظِّف النماذج المناخية المتعدِّدة لفهم ديناميكية الأنظمة المناخية وأنظمة الطقس ومن ثمّ التنبُّؤ بالمناخ مستقبلًا، كما يعمل أيضًا على تحليل البيانات الموجودة حول المناخ الحالي لتطوير استنتاجات حول تأثير البشر عليه.
– البستنة
يتعلّق تخصُّص البستنة بفنون زراعة الأشياء، حيث يعمل البستانيون على زراعة مختلف أنواع النباتات سواء كانت نباتات زينة أو أطعمة أو غيرها. ليس هذا وحسب، إذ يهتمّ هذا التخصُّص أيضًا بإدارة المناظر الطبيعية الخارجية للمساكن والمباني والملاعب الرياضية.
ومن الوظائف المرتبطة بهذا التخصُّص: عالِم نباتات يقوم بإجراء البحوث حول النباتات والمحاصيل، بهدف تطوير وتحسين مصادر الغذاء سواء كان ذلك لأغراض صحية أو بيئية.
ختامًا، إن تبنّي أطروحات الوظائف الخضراء وما تحمله من إيجابيات بيئية مستدامة على المجتمعات يجابِه العديد من المعوّقات البيئية والاقتصادية، ورغم ذلك وجب الاستفادة من التجارب الدولية المختلفة، وتكاتف الجهود لتحقيق غايات التنمية المستدامة وإحلال الاقتصاد الأخضر كبديل استراتيجي تكتسي فيه الوظائف الخضراء المكانة الأساسية فيه، من خلال التحول إلى التصنيع المستدام.