تدريجيًا، تخلت أغلب الدول السياحية الكبرى عن الطرق الكلاسيكية للتعريف بالمنتجات والإعلانات والدعاية، وباتت تعتمد على الطعام وتأثيراته كإستراتيجية جديدة لاستقطاب الزوار، فظهرت مهرجانات الطعام وما يُرافقها من أنشطة ترفيهية وثقافية كرافعة قادرة على إضفاء ديناميكية على هذا القطاع الذي تشتد فيه المنافسة بين أقطابه المعروفة. وفي بعض الأحيان، تحمل بعض هذه المهرجانات الغذائية طابعًا تراثيًا وإرثًا حضاريًا، ونذكر بعضها هنا:
مهرجان البيتزا
تنتشر البيتزا في أكثر من دولة ويقبل عليها الجميع، لكن طريقة خبزها في نابولي الإيطالية داخل أفران من الطوب على نار الخشب المحترق، ليست معروفة في كل مكان ومذاقها مختلف تمامًا.
هذه البيتزا توارثها الإيطاليون جيلًا بعد جيل، وارتبطت بها أغان شعبية وحكايات وطقوس اجتماعية يشارك بها صانعو البيتزا وأبناء الطبقة العمالية الشعبية في نابولي، فالإيطاليون يؤكدون أن صنع هذه البيتزا جزء من تراث فريد من تقاليد الثقافة الغذائية، لذلك أدرجتها “يونيسكو” ضمن قائمة التراث العالمي.
في أول أسبوع من كل شهر سبتمبر/أيلول من كل عام، تتحول مدينة نابولي إلى ساحة كبيرة لتناول البيتزا التي يصنعها الأهالي، ويصل عددها إلى 100 ألف شطيرة، ويحضر المهرجان 500 ألف زائر لتذوّق بيتزا مارغريتا وبيتزا مارينارا الكلاسيكية ونابوليانا الكلاسيكية.
السائح أو الزائر يُمكنه خلال هذا المهرجان الاشتراك في ورش عمل لتعلم صناعة البيتزا، ومشاهدة الطهاة المتنافسين على تقديم أفضل الأنواع.
شيكولاتة الإكوادور
هناك العديد من الدول التي تنظم احتفالات خاصة بالشيكولاتة، إلا أنها لا تستحق الذكر مقارنة بالمهرجان الذي يُقام في الإكوادور، فالزائر يضطر إلى الوقوف في طوابير طويلة للحصول على قطعة لتذوقها.
عشَّاق الشيكولاتة، يُمكنهم حضور المعرض الدولي لصناعة هذا المنتج وتذوق أفضل أنواعها وأعلاها جودة، إضافة إلى متابعة ورش عمل صنع المعجنات، ففي كل عام يشارك أكثر من 500 شخص من 60 دولة (بما في ذلك أكثر من 200 طاهٍ وصانع حلويات) في المعرض.
بخلاف عرض عينات الشيكولاتة من القارات الخمسة، يضم مهرجان الشيكولاتة العديد من الفعاليات الفريدة، مثل عرض أزياء الشيكولاتة الذي ترتدي فيه العارضات فساتين من الشيكولاتة، ومسابقة نحت الشيكولاتة، وعروض حية من الدول المنتجة للكاكاو.
لكن إن تعذّر عليكم حضور صالون الشيكولاتة بالإكوادور، فإن مهرجان طعام النبلاء ينتظركم خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني في منطقة نابولي الإيطالية، إذ يضم المهرجان عروضًا حية لأشهر مصممي الشيكولاتة، ويشارك فيه أكثر من 900 ألف شخص بين منتج ومصنع وزائر، يتنافسون لصناعة أغرب وأضخم مجسم من الشيكولاتة.
الأغذية البرية بنيوزيلندا
يعتبر مهرجان الأغذية البرية الذي يقام في الجزيرة الجنوبية لمدينة هوكيتيكا النيوزيلندية في مارس/آذار من كل عام من أغرب مهرجانات الطعام في العالم، ولعل تناول زائريه لبعض الأطعمة البرية كاليرقات والديدان أبرز دليل على غرابته، وعلى الرغم من ذلك يجذب هذا المهرجان أكثر من عشرة آلاف زائر لتناول أكثر المأكولات تطرفًا في العالم، بداية من لحوم التمساح إلى الحشرات البرية كالخنفساء.
فطائر هونغ كونغ
فطائر الدامبلنغ، هي تلك المعجنات الصغيرة المصنوعة من الطحين أو البطاطس وفي بعض الأحيان يضاف إليها اللحم أو الخضراوات أو الأسماك، وتطهى مقلية أو بالتبخير.
لو كنت من محبي تلك الفطائر، فهذا المهرجان سينال إعجابك بالتأكيد، حيث يمكنك تذوق فطائر الدامبلنغ بحشواتها المختلفة في اليوم الخامس من الشهر الصيني القمري الخامس.
مهرجان هونغ كونغ الشهير يقدّم فطائر تسونغتسي المصنوعة من الأرز، ويصاحبه العديد من الفعاليات وأبرزها سباق قوارب التنين، وتعود قصة المهرجان لأسطورة وطنية تحكي أن الشاعر الصيني تشو يوان ألقى بنفسه في النهر، وتسابق الصيادون لإنقاذه، فرمي الناس فطائر تسونغتسي ليأكله السمك بدلًا من الشاعر.
المأكولات البحرية في أيرلندا
منذ نحو 65 عامًا، تقيم أيرلندا مهرجانًا عالميًا لمحبي المأكولات البحرية في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر/أيلول، والمعروف باسم “غالوي الدولي للمحار”، ويتوافد على المدينة الأيرلندية الكثير من محبي المحار من جميع أنحاء العالم للتنافس في بطولة العالم لفتح المحار، وذلك خلال مهرجان المأكولات البحرية الذي يمتد لمدة ثلاثة أيام.
في هذا المهرجان يتم تقديم أفضل أنواع الأطعمة البحرية في مختلف مطاعم المدينة التي تعزف في شوارعها الموسيقى الحية ورائحة الطعام التي حتمًا ستجذبك لتذوقها.
خضراوات تايلاند
إذا كنت من النوع الذي يتملكك الفضول لاستكشاف غرائب العالم من خلال التعرف على عادات وطقوس الشعوب، فهناك معتقدات كثيرة ومتنوعة قد تختلف باختلاف ثقافات الشعوب وحضاراتها، ففي بوكيت التايلاندية، تحتفل هذه الجزيرة كل عام بمهرجان الطعام النباتي، بهدف إزالة السموم من الأجسام وتدريب السياح والمواطنين على أسلوب الحياة الصحية.
يعود تاريخ هذا الاحتفال إلى أكثر من 150 عامًا، وهو تقليد يربط بين نقاء الجسم من سموم المنتجات الحيوانية ونقاء النفس، وتقدم في هذا المهرجان على مدار 9 أيام في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، أفضل الأطباق النباتية، وسط المسيرات الملونة بالفوانيس والموسيقى (قرع الطبول)، وتنتشر في تلك الأيام أطباق الفاكهة والخضراوات وفول الصويا.
الرنجة الدنماركي
نشأت ثقافة الطعام الدنماركي أساسًا من المطبخ الريفي القديم، مع جذور تعود إلى عصر الفايكنج، التي أنتجت الكثير من الوصفات الغنية بالفيتامينات والمعادن والبروتينات، لتعطي الدنماركيين الطاقة اللازمة لحمايتهم من الظروف الجوية الباردة، وهذا هو السبب الأساسي الذي جعل الدنماركيين ولعدة قرون يأكلون الكثير من الأسماك.
في الدنمارك، تشتهر مقاطعة رينكبنج بمدارس السباحة وبمهرجانها السنوي للسمك المملح، فيعد مخلل الرنجة طبقًا رئيسيًا للمأكولات الدنماركية منذ العصور الوسطى، ويحضر هذا الاحتفال عدد كبير من الصيادين لاستعراض منتجاتهم، كما تقام به أيضًا عدة منافسات للصيد.
طماطم إسبانيا
من أقدم المهرجانات العالمية وأكبر المعارك الغذائية، انطلق عام 1945 بشكل عفوي، حين نشبت اشتباكات عشوائية بين قرويين إسبان، ليتطور بعد الاعتراف به كمهرجان رسمي محلي عام 1952.
يتوجه الآلاف من الجماهير في الأربعاء الأخير من شهر أغسطس/آب إلى بلدة بينول في مقاطعة فالنسيا الإسبانية لحضور مهرجان التراشق بالطماطم تقدر كمياتها بـ100 طن، حيث يتم تحميل الطماطم في شاحنات تعبر شوارع المدينة الضيقة وسط الحشود الضخمة القادمة من جميع أنحاء إسبانيا للمشاركة في هذا الحدث السنوي الفريد من نوعه.
مهرجان طعام اللاجئين
خلال شهر يونيو/حزيران وتحديدًا في اليوم العالمي للاجئين في 20 يونيو/حزيران، يطهو مهاجرون ولاجئون أطباقًا ووجبات من نحو 150 مطبخًا حول العالم في إطار مهرجان “طعام اللاجئين” الذي يهدف لتعزيز النظرة الإيجابية إلى اللاجئين والمهاجرين ومساعدة الطهاة المتدربين على بدء مسار مهني جديد.
هذه اللقاءات هي جوهر مهرجان طعام اللاجئين الذي انطلق كمبادرة على مستوى القاعدة الشعبية عام 2016 بهدف تعزيز القصص الإيجابية عن اللاجئين ودعم اندماجهم في بلدانهم الجديدة، وتم إطلاق هذه المبادرة في باريس في 2016 لكنها امتدت منذ ذلك الحين إلى 15 مدينة حول العالم، بما في ذلك كيب تاون وسان فرانسيسكو وكوبنهاغن.
الولع العالمي بالطعام لم يقتصر على الحفلات والمهرجانات الشعبية التي تحتفي بأنواع الأكلات وأصنافها فحسب، بل امتد لإقامة متاحف مخصصة للأغذية المختلفة في عدد من المدن، والأهم من ذلك كله أن الأطباق باتت محركًا للسياسة والعلاقات الدبلوماسية كما سنكتشف لاحقًا مع الطبق المغاربي الذي وحد الدول.