الانتخابات الليبية.. فرصة للسلام أم تكريس للانقسام؟

مخاوف بشأن الانتخابات الليبية

مرة أخرى تشدد الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد نهاية الشهر المقبل، لفرض السلام في هذا البلد العربي الغارق في العنف والفوضى منذ سنوات عدة، وفق ادعائهم.

لكن من الجيد السؤال عن مآلات هذه الانتخابات إن تمت في موعدها بالفعل وبالشكل الذي يروج له حاليًّا البرلمان الليبي وبعض القوى الداخلية والخارجية الأخرى، فهل المهم إجراء انتخابات بما حضر أم تحقيق السلام المنشود؟

فرصة للسلام

المجتمعون في باريس هددوا في البيان الختامي لمؤتمرهم الدولي بشأن ليبيا، بفرض عقوبات على الأفراد الذين “سيحاولون القيام بأي عمل من شأنه أن يعرقل أو يقوض نتائج الانتخابات المقررة في هذا البلد في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، سواء كانوا داخل ليبيا أم خارجها”.

كما شدد الاجتماع، الذي ضم قادة فرنسا وليبيا وألمانيا وإيطاليا بالإضافة إلى نائبة الرئيس الأمريكي، على أهمية أن تكون الانتخابات الرئاسية والتشريعية، الأولى في تاريخ البلاد، “حرة ونزيهة وجامعة تتسم بالمصداقية”.

من جهته، تعهد رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، بتسليم السلطة إذا أُجريت انتخابات “بشكل توافقي ونزيه بين كل الأطراف”، نفس الأمر بالنسبة لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي الذي قال خلال المؤتمر الصحفي إن المجلس سيسلم السلطة إذا “استطاعت مفوضية (الانتخابات) تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية يوم 24 ديسمبر/كانون الأول”.

تشترط التوافقات بين أطراف النزاع في الصخيرات المغربية وجنيف الاتفاق بين مجلس النواب في طبرق والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا على القوانين الانتخابية

في الأثناء، تواصل المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا استقبال طلبات الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتوزيع البطاقات على الناخبين، وكانت المفوضية قد فتحت باب الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، على أن يستمر فتح باب الترشح للرئاسية حتى 22 نوفمبر/تشرين الثاني، فيما يستمر فتح باب الترشح للبرلمانية حتى 7 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.

يذكر أنه تم تسجيل أكثر من 2.83 مليون ناخب ليبي من نحو سبعة ملايين نسمة على المنصة الإلكترونية للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وسيتم توزيع بطاقات الناخبين في مراكز الاقتراع حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ. 

يُنظر إلى الانتخابات المرتقبة على أنها فرصة تاريخية للوصول إلى سلام دائم في ليبيا، فالليبيون يأملون أن تخرجهم الانتخابات من الأزمات التي تعيش على وقعها بلادهم منذ سنوات، فالذهاب مباشرة إلى الشعب لانتخاب رئيس يمثّل الليبيين في برلمان جديد، من شأنه تجاوز جميع التناقضات القانونية وبناء هيكل مؤسَّسي واحد يمكن أن تتعامل الجهات الفاعلة الإقليمية والمجتمع الدولي معه.

وتعيش ليبيا منذ سنوات على وقع الحرب والفوضى، إذ تسعى أطراف داخلية عديدة على رأسها خليفة حفتر بمساعدة دول عربية وإقليمية إلى فرض سلطتها على الليبيين بالقوة.

تكريس للانقسام

صحيح أن الانتخابات مهمة في تاريخ الشعوب، وعبرها يتم تكريس المؤسسات الشرعية في الدول، لكن من الجيد أيضًا بل من الضروري أن تكون هذه الانتخابات مبنية على أسس سليمة لا أن تكون انتخابات بمن حضر، فليس المهم إجراء انتخابات بقدر ما هو مهم معرفة مآلاتها.

في المثال الليبي، نجد معظم المتدخلين يؤكدون ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد يوم 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، أي أنه يفصلنا عن هذا الموعد أقل من شهر ونصف فقط. السؤال هنا، هل ليبيا مستعدة للانتخابات؟ هل تم التوافق على قانون انتخابي واضح؟

لا يبدو أن ليبيا مستعدة لهذه الانتخابات لوجستيًا على الأقل، رغم أن المفوضية العليا للانتخابات تقول إنها شبه جاهزة لهذا الاستحقاق المهم في تاريخ البلاد، فالبنية التحتية لا تكفي بالحاجة، فضلًا على عدم توافر خدمات الإنترنت بشكل يسهل عملية نقل المعلومات عبرها، وأيضًا ضعف الكادر البشري المكلف بالإشراف على الانتخابات ومتابعتها.

أيضًا كيف يمكن إجراء انتخابات في ظل غياب المنظومة الأمنية الموحدة لتأمينها، فالانقسام الحاصل في المؤسسة الأمنية والعسكرية سيكون مشكلًا كبيرًا وعائقًا أمام تأمين سير الانتخابات، فالغرب له جهازه الأمني الخاص والشرق أيضًا، أما الجنوب فلا تأمين له.

ليس هذا فحسب، فالمجتمع الدولي يدعو لانتخابات والحال أن الداخل الليبي لم يتفق بعد على قاعدة دستورية تنظم الانتخابات على أساسها، أيضًا هناك من يقول بتأجيل الانتخابات التشريعية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي ترفضه العديد من القوى.

أيضًا هناك من يضغط من أجل مشاركة الجميع في الانتخابات حتى من تورط في قتل الليبيين قبل الثورة وبعدها، ونعني بذلك مثلًا خليفة حفتر المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وأيضًا نجل القذافي سيف الإسلام المطلوب القبص عليه من محكمة العدل الدولية.

الدول الأجنبية ومعها بعض الأطراف الداخلية لا يهمها مصلحة الليبيين، فما يهمها فقط مصلحتها

قبل أيام، دعا رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري إلى مقاطعة الانتخابات احتجاجًا على السماح بترشح من أسماهم “المجرمين”، في إشارة إلى اللواء المتقاعد خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي اللذين يعتزمان خوض السباق الرئاسي المقرر قبل نهاية العام الحاليّ.

وأوضح المشري أن السماح لمن وصفهم بالمجرمين بالترشح يماثل السماح للنازية بالعمل في ألمانيا، وأضاف المشري “العالم يعرف أن القوانين الانتخابية الصادرة من مجلس النواب الليبي معيبة، لكنه يتعامل معها كأمر واقع”.

تشترط التوافقات بين أطراف النزاع في الصخيرات المغربية وجنيف الاتفاق بين مجلس النواب في طبرق والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا على القوانين الانتخابية، لكن ما يحدث الآن هو انفراد مجلس النواب في طبرق بصياغة هذه القوانين رغم المعارضة الكبيرة لها.

مصالح الخارج فوق الشعب

يعني هذا أننا سنكون أمام انقسام جديد في ليبيا في حال إجراء الانتخابات المقبلة وفق ما عليه الوضع الآن، انقسام سيكون أكثر حدةً مما سبق، ذلك أنه لن يقبل أي طرف بنتائج الانتخاب، هذا إن تم الوصول إليها أصلًا.

سنكون أمام سيناريو سيئ، أبطاله المرتزقة والمليشيات المسلحة الراغبة في تسلم السلطة مهما كلفها الأمر، فالوصول إلى الحكم يبرر الوسائل المستعملة القانونية وغير القانونية، ما دام ليس هناك رادع يردع.

الدول الأجنبية ومعها بعض الأطراف الداخلية لا يهمها مصلحة الليبيين، فما يهمها فقط مصلحتها، لذلك ليس من مصلحتها استقرار هذا البلد العربي الغني بالنفط والثروات الطبيعية، فتصر هذه الأطراف على الوصول للانتخابات بمن حضر حتى تنتقل لما هو أهم، أي تقاسم النفوذ والامتيازات.

ترى هذه الأطراف في ليبيا مجرد وليمة وجب الانقضاض عليها بسرعة حتى لا يفتكها غيرها منهم أو ترجع لأصحابها الشرعيين، وهم الليبيون الذين ضحوا بأرواحهم من أجل رؤية بلادهم ديمقراطية تقوم على المؤسسات وليس المليشيات.