ترجمة وتحرير: نون بوست
في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر، أكّدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في تدوينة لها على تويتر، مشيرة إلى آلاف المهاجرين الذين اصطحبهم النظام البيلاروسي إلى حدود بولندا، أن ما يحدث يمثل “هجوما هجينا وليس أزمة هجرة” – في الواقع، إن ما يحدث كلاهما. ورفض زعماء الاتحاد الأوروبي الاعتراف بهذه الأزمة يمثل جزئيا سبب مواجهة الاتحاد الأوروبي لمثل هذه الفوضى.
بعد ست سنوات من ذروة أزمة اللاجئين الأخيرة في أوروبا، لا تزال القوات المسلحة والأسلاك الشائكة تمنع المهاجرين – كبارًا وأطفالًا – الفارين من الحروب والدول الفاشلة من عبور الحدود الأروبية. ولكن تدفقهم على الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي عملت على تسهيله الأجهزة الأمنية للدكتاتور البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي ينتقم من العقوبات التي فرضها عليه الاتحاد الأوروبي بسبب انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان ضد شعبه.
لكن مقاربة الاتحاد الأوروبي العسكرية التي يحركها الشعور بالفزع في التعامل مع مشكلة الهجرة التي يمكن السيطرة عليها، هو بالضبط ما يجعل نظامه المختل مهيئا للاستغلال من قبل الجهات المعادية.
إن النظام البيلاروسي متحالف مع المهربين الذين يُقنعون العائلات العراقية اليائسة بتصفية ممتلكاتها وخوض الرحلة المحكوم عليها بالفشل إلى غابات أوروبا الشرقية، إلا أنه نادرًا ما يسلط الضوء على خلفية هؤلاء الأشخاص. وبما أن لوكاشينكو لا يهتم بحمايتهم، يجب على أوروبا أن تفعل ذلك. وبدلا من ذلك، إن هوس الاتحاد الأوروبي على عسكرة هذه القضية الإنسانية وتقويض مفهوم اللجوء يبدد المبادئ التي من المفترض أن تميزه عن الأنظمة سيئة السمعة.
قضيت هذا الصيف وقتا على الحدود الليتوانية – البيلاروسية أين وجدت معارضين لرواية الحكومة والإعلام التي تصورهم على أنهم بيادق أو أسلحة. أخبرني شاب صومالي: “نحن نتفهم أن العلاقات بين أوروبا وبيلاروسيا ليست جيدة، لكني لا أعرف شيئا عن لوكاشينكو. وكل ما أعرفه هو أن بيلاروسيا فتحت حدودها أمامنا، لكنها لم تأتي بنا إلى هنا”. وقال أحد المراهقين الفارين من التجنيد الإجباري من إريتريا: “بالطبع، أتينا بشكل غير قانوني، وليس لدينا وسيلة أخرى”.
دعت ليتوانيا وبولندا وعشر دول أخرى في الاتحاد الأوروبي بروكسل إلى تكييف الإطار القانوني الحالي مع الحقائق الجديدة استجابةً للضغط الذي يفرضه المهاجرون على حدودهم. ولكن هذه الدعوة تتجاهل اتفاقية جنيف للاجئين وتضفي الشرعية على عمليات صد الأشخاص العزل في المواقف الخطرة.
يمكن توجيه العديد من الانتقادات المبررة إلى نظام لوكاشينكو وداعميه في الكرملين، إلا أن سياسات اللجوء المتعثرة في الاتحاد الأوروبي تتحمل اللوم أيضا. ومن بينها أن الدولة المسؤولة عن تقييم طلب اللجوء ينبغي أن تكون الدولة التي وطأتها قدما طالب اللجوء أولًا.
عندما أخبرت وزير الخارجية الليتواني أن بيلاروسيا لا تبدو آمنة لإعادة طالبي اللجوء بسبب الممارسات القمعية التي ترتكبها في حق مواطنيها، أكد لي أنهم “لا يعذبون الأفغان”. وعلى الرغم من أن بيلاروسيا تستضيف آلاف المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل، إلا أنها لم تتوصل إلى حل إنساني، ولا تدير نظام لجوء فعال، ولا تكترث لأمر الأشخاص اليائسين الذين تجمّدوا حتى الموت على حدودها في الآونة الأخيرة.
لدى بولندا سجل في منع دخول الأشخاص الفارين من جمهورية الشيشان القمعية الروسية والأنظمة الاستبدادية في آسيا الوسطى مثل طاجيكستان، وتركهم عرضة للخطر في بيلاروسيا. في المقابل، قامت رفقة ليتوانيا بترتيب تأشيرات وممرات إنسانية للمعارضين الفارين من بيلاروسيا. ولكن لماذا لا يلقى أولئك الفارين من طالبان في أفغانستان أو من بشار الأسد أو من حركة الشباب الصومالية نفس المعالمة؟
يمكن توجيه العديد من الانتقادات المبررة إلى نظام لوكاشينكو وداعميه في الكرملين، إلا أن سياسات اللجوء المتعثرة في الاتحاد الأوروبي تتحمل اللوم أيضا. ومن بينها أن الدولة المسؤولة عن تقييم طلب اللجوء ينبغي أن تكون الدولة التي وطأتها قدما طالب اللجوء أولًا.
لكن هذه السياسة تتسبب في معاناة الناس في بلدان لم ينووا أبدا طلب اللجوء إليها. وقد صممت دول الشمال الثرية هذا النظام من أجل الاستعانة بالدول الحدودية الأضعف للاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط وأوروبا الشرقية في عملية النظر في طلبات اللجوء. كما يسمح هذا النظام لهذه البلدان بالحفاظ على واجهة ليبرالية براقة لحقوق الإنسان بينما تترك الأعمال القذرة للحكومات الأفقر في الاتحاد الأوروبي، التي تتمثل أساسا في حماية الحدود ومنع دخول المهاجرين.
لا يحتاج الكثير من الأشخاص إلى الحماية الدولية وإنما إلى العمل والدراسة، لذلك يجب توسيع هذه الفرص القانونية لتجنب إثقال كاهل أنظمة اللجوء. فضلا عن ذلك، يجب السماح لطالبي اللجوء بالعمل – على عكس سياسة المملكة المتحدة – حتى يتمكنوا من دفع نفقاتهم وعدم الاعتماد على دعم الدولة أو وظائف السوق السوداء الاستغلالية.
في نقاشها لمسألة استغلال لوكاشينكو للمهاجرين في تشرين الأول/ أكتوبر، قالت مفوضة الشؤون الداخلية الأوروبية إيلفا يوهانسون – المسؤولة عن شؤون الهجرة واللجوء في المكتب التنفيذي للاتحاد الأوروبي: “لسنا مثل بيلاروسيا، نحن مع الإنسانية وليس الوحشية”. ولكن العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي متهمة باتباع سياسات هجرة وحشية ممنهجة تضاهي في شناعتها ما تفعله قوات أمن لوكاشينكو.
كشف صحفيون الشهر الماضي عن كيفية قيام وحدات خفر السواحل اليونانية باختطاف المهاجرين الذين ينزلون في جزر بحر إيجه وتركهم في عرض لبحر، وقاموا بتصوير حرس الحدود الكروات وهم يضربون المهاجرين أثناء ترحيلهم عبر نهر إلى البوسنة والهرسك. يتم مراقبة طالبي اللجوء الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط عبر أنظمة المراقبة الجوية الأوروبية، التي تنبه بدورها الميليشيات الليبية المدربة من قبل الاتحاد الأوروبي، التي تجرهم إلى مراكز الاحتجاز الممولة من الاتحاد الأوروبي في ليبيا، حيث يكونون التعذيب والاغتصاب والابتزاز أمر روتيني.
تفيد التقارير بأن المهاجرين يدفعون مبالغ طائلة لوكالات الأسفار وشركات الطيران والفنادق المرتبطة ببلاروسيا، ما يشير إلى أن ما يفعله لوكاشينكو مربح لنظامه الخاضع للعقوبات. وقبل بضع سنوات فقط، كان الاتحاد الأوروبي يرسل ما قيمته مليوني يورو من معدات المراقبة وتجهيزات حرس الحدود إلى بيلاروسيا لقمع الهجرة غير النظامية. ولكن الخبراء قلقون بشأن استخدام هذه التكنولوجيا للقضاء على المعارضة الداخلية أيضًا.
في سنة 2020، تعهدت دول الاتحاد الأوروبي بتوفير الحماية لحوالي 280 ألف شخص في حال كانت أراضيها أول ما تطأه أقدامهم، بيد أنها لا تعيد ببساطة توطين ما يكفي من اللاجئين. وفي نفس السنة، تمكنت من منح اللجوء إلى حوالي 8700 شخص، وفي فترة ما قبل جائحة كورونا في سنة 2019 بالكاد تم إعادة توطين 21 ألف لاجئ. ولو أخذنا بعين الاعتبار الوافدين على متن القوارب والقابعين خلف الأسلاك الشائكة، فإن هذا العدد يجب أن يتضاعف عشر مرات.
لا يحتاج الكثير من الأشخاص إلى الحماية الدولية وإنما إلى العمل والدراسة، لذلك يجب توسيع هذه الفرص القانونية لتجنب إثقال كاهل أنظمة اللجوء. فضلا عن ذلك، يجب السماح لطالبي اللجوء بالعمل – على عكس سياسة المملكة المتحدة – حتى يتمكنوا من دفع نفقاتهم وعدم الاعتماد على دعم الدولة أو وظائف السوق السوداء الاستغلالية.
يمكن تجنب هذه الفوضى على الحدود إذا استُخدمت المزيد من أموال دافعي الضرائب الأوروبيين لتمويل إنشاء مراكز هجرة على المعابر الحدودية الرئيسية تضمن كرامة المهاجرين وتسمح لهم بجلب أفراد أسرهم.
إن رؤية لوكاشينكو يتعاون مع نظام الأسد لنقل الأشخاص مباشرة من دمشق في سوريا إلى مينسك في بيلاروسيا، يفضح نفاق عالم لا يسمح لمعظم طالبي اللجوء بالسفر إلى أي مكان. وبسبب الإخفاق المستمر في تقديم فرص ذات مغزى أو طرق إعادة توطين مجدية ومنع طالبي اللجوء من الوصول إلى بر الأمان، تساهم الديمقراطيات في تمكين الأنظمة الديكتاتورية وشبكات التهريب من احتكار حركة التنقل.
إن تهريب البشر والاتجار بهم يصنف من الآفات، ولكن الكثير من هذه الأعمال المشبوهة هي نتاج القوانين التي تجرم طالبي اللجوء. وإذا كانت الدول ترغب في تجنب إثراء هذه الشبكات الإجرامية فيتعين عليها مراجعة دورها في إنشاء السوق التي تزدهر فيها هذه الشبكات.
قابلت مؤخرا في قبرص لاجئة سورية حاملا وصلت عن طريق البحر قادمة من لبنان، حيث تم نقلها إلى الشاطئ. وبعد فترة وجيزة من ولادتها في المستشفى، أُبلغت أن زوجها وأطفالها الصغار قد رُحلوا إلى لبنان مع جميع من كانوا على متن القارب. لا تمنح قبرص أي طالب لجوء الحق في جلب أسرته بالقانون وذلك أملا في ردع اللاجئين. ومع ذلك، لا يتوانى طالبوا اللجوء عن دفع أموالهم للمهربين والمخاطرة بحياتهم.
اليوم، تمثل بيلاروسيا مصدر الضغط ولكن غدا من المحتمل أن يأتي من داخل الاتحاد الأوروبي. وقبل بضعة أيام، حذّر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بروكسل من أنه إذا لم تسدد المليارات التي تدعي حكومته أنها أنفقتها على جدارها الحدودي المناهض للمهاجرين، فإنه “مستعد لفتح ممر للمهاجرين للتقدم سيرًا نحو النمسا وألمانيا والسويد”.
يمكن تجنب هذه الفوضى على الحدود إذا استُخدمت المزيد من أموال دافعي الضرائب الأوروبيين لتمويل إنشاء مراكز هجرة على المعابر الحدودية الرئيسية تضمن كرامة المهاجرين وتسمح لهم بجلب أفراد أسرهم.
تقوم الأنظمة الديكتاتورية بتسهيل نقل المهاجرين لأغراض شائنة، ولكن لماذا لا تسمح أوروبا بدخول اللاجئين الذين تم النظر في ملفاتهم والموافقة عليهم، ووضع حد للأزمة الإنسانية وتقويض نموذج عمل شبكات تهريب البشر؟ فتذاكر الطائرة ليست مكلفة بقدر الجدران الحدودية التي لا نهاية لها وأنظمة المراقبة ونشر القوات. وفي الحقيقة، لن تختفي ظاهرة الهجرة غير النظامية والمهربون بعصا سحرية، ويجب على الحكومات الناضجة توعية مواطنيها بذلك. يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يقدم حلولا قانونية وإنسانية لمعالجة هذه الظاهرة، بدلا من التطبيع مع العنف وخرق القانون.
المصدر: فورين بوليسي