ترجمة وتحرير: نون بوست
سيان بيندر متطوع ضمن مجموعة من الناشطين في مجال الإغاثة هرع إلى اليونان لتقديم المساعدة في ذروة أزمة اللاجئين. في بلدان أخرى وأوقات أخرى، كان سيان ليكافئ على جهوده. ولكن طالب الحقوق البالغ من العمر 27 سنة، الذي أمضى السنتين الماضيتين في لندن، يعيش الآن في خوف. رغم اضطراره إلى التخلي عن العمل التطوعي، فإن سيان الأيرلندي – ألماني المولد – وصديقته السورية سارة مارديني ربما يعتبران من أشهر العاملين في مجال الإغاثة في اليونان، وذلك لأنهما كانا محور تحقيق جنائي على امتداد السنوات الثلاث الماضية.
وفي تصريح له لصحيفة “الأوبزرفر”، أكد سيان أن “مساعدة المهاجرين في عرض البحر ليس عملا إجراميًا أو بطوليًا. ومن الناحية القانونية والأخلاقية، كان ما فعلته صائبًا”.
وُجهت لهذين الناشطين مؤخرًا تُهم الاتجار بالبشر وتبييض الأموال والاحتيال والتجسس بناءً على مزاعم تفيد بأنهما قاما بمراقبة الموجات الإذاعية لخفر السواحل والسفن في جزيرة ليسبوس الواقعة شمال بحر إيجه، التي تعد الوجهة الرئيسية للاجئين الأساسي، للحصول على إخطارات مسبقة بمواقع قوارب المهربين.
وفي تقرير مكون من 86 صفحة، اتهمت الشرطة الناشطين أيضًا بالانتماء إلى منظمة إجرامية تتظاهر بأنها منظمة غير حكومية هدفها تحقيق الأرباح من خلال جلب أشخاص بشكل غير قانوني إلى اليونان. وتأتي هذه الاتهامات في أعقاب تحقيق أجرته الشرطة استمر ستة أشهر وصفته جماعات حقوق الإنسان المناصرة للناشطين بأنه “مهزلة”. وتعليقًا على ذلك قال بيندر “نحن في خطر داهم. فمهما كانت التهم سخيفة، فإنها تلقي بظلالها على حياتك مما يجعل المضي قدما أمرًا مستحيلًا”.
يوم الأحد، سافر سيان إلى أثينا قبل أن يحط الرحال في ليسبوس للمثول أمام المحكمة بعد أربعة أيام إلى جانب 22 متطوعا آخرين – وتتخذ هذه القضية بُعدًا رمزيًا بالنسبة لنشطاء المجتمع المدني الذين يتعرضون لمضايقات غير مسبوقة في جميع أنحاء أوروبا. وتمثل هذه الجلسة بداية مأساة قضائية قد تؤدي إلى الحكم عليهم بالسجن لمدة قد تصل إلى 25 سنة.
يُقر بيندر بأنه “مذعور” مستحضرًا الـ 106 أيام التي قضاها في الإيقاف التحفظي قبل أن يُطلق سراحه ويُسمح له بمغادرة اليونان مقابل دفع كفالة قدرها 5000 يورو. وأضاف سيان قائلا “لقد جربت حياة السجن في خيوس. كان كل المساجين الذين معي في الزنزانة – والبالغ عددهم 17 شخصا – مصابين بالجرب والعدوى من بق الفراش. وكانت حالة زنزانات الاحتجاز التابعة لقسم الشرطة أسوأ من ذلك بكثير، بل كانت أفظع مكان على وجه الأرض، فقد كانت الغرف قذرة وليس لها نوافذ ومليئة بطالبي اللجوء الذين سجنوا جميعًا لا لشيء سوى لأن السلطات لم يكن لديها مكان آخر لإيوائهم فيه”.
اُفرِج عن بيندر في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر سنة 2018. وبعد ساعات، أُطلق سراح صديقته مارديني – التي كانت تبلغ من العمر آنذاك 23 سنة وكانت بدورها متطوعة في منظمة “المركز الدولي للاستجابة للطوارئ” المنحلة حاليا – من سجن كوريدالوس في أثينا الذي يعتبر أحد أخطر السجون في اليونان.
اكتسبت مارديني شهرة واسعة قبل ثلاث سنوات، حيث أنقذت اللاجئين من الموت المؤكد بعد انقلاب زورقهم مغادرين من تركيا. كان على متن القارب ثلاثة لاجئين فقط من بين 20 شخصًا يجيدون السباحة. عندئذ قفزت سارة وشقيقتها يسرا، السباحة التنافسية التي ستواصل المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في ريو، في البحر ودفعتا القارب وسحبتاه حتى وصل إلى ليسبوس – وهو إنجاز تم تخليده في عمل درامي من إنتاج شبكة “نتفليكس” وإخراج المخرج البريطاني، ستيفن دالدري، الذي من المقرر إصداره السنة المقبلة.
من المقرر أن تنظر محاكمة يوم الخميس في تهم التجسس والاستخدام غير القانوني للموجات الإذاعية – التي تعتبر جنحة بموجب القانون اليوناني، ويعاقب عليها القانون بالسجن لمدة تصل إلى ثماني سنوات.
رغم رغبتها في الحضور، إلا أن مارديني علمت يوم الجمعة أنها ستحاكم غيابيًا بعد أن رفض أحد القضاة رفع حظر سفر المفروض عليها مؤقتًا مدته سبع سنوات يمنعها من العودة إلى اليونان. وبصفتها مواطنة من خارج الاتحاد الأوروبي، اعتبرت سارة خطرًا على السلامة العامة.
حسب زاكارياس كيسيس، المحامي الذي يرأس الفريق القانوني للنشطاء في أثينا، فإن “التحقيق في الجنايات التي تنطوي عليها أحكام بالسجن لمدة طويلة لا يزال جاريا. هذا الأسبوع، سيُحاكم الناشطون بتهمة لا أساس لها حول استخدام تطبيق “واتساب” المشفر لنشر معلومات حول تدفقات المهاجرين”. وأضاف كيسيس أن هذه التهمة غير عادية لأن البيانات كانت متاحة للجمهور ومعروفة لشرطة الميناء.
ونظرًا لخطورة التهم، قام فريقه القانوني بالتواصل مع نقابات المحامين الأمريكية والبريطانية للحصول على المشورة. وأوضح قائلا: “لقد درس كلاهما ملف القضية وخلصا إلى أنه لا يوجد أساس قانوني لهذه الاتهامات، وأن هدفها هو ردع المتطوعين أكثر من كونها ردًا صادقًا على أدلة تثبت حدوث عمل إجرامي”.
يصر كيسيس على أن عمال الإغاثة يعتبرون “أهدافًا سهلة” في الجزر التي تكون عادة وجهة رئيسية للمهاجرين، حيث كان هناك ضغط محلي واسع النطاق ضد المنظمات غير الحكومية التي يُعتقد على نطاق واسع أنها تشجع اللاجئين على العبور من تركيا. وأشار المحامي إلى أن “بعض هذه التهم يعود إلى سنة 2016، عندما لم يكن سيان ولا سارة متواجدين في اليونان. هذا سخيف”.
غادر مئات المتطوعين البلاد خوفًا من أن توجه إليهم تهم من هذا القبيل. وتقول منظمة العفو الدولية إنها تعتبر القضية المرتقبة “رمزية بشكل خاص” في وقت أصبح فيه المناخ تجاه المنظمات غير الحكومية أكثر عدائية، ناهيك عن الانتقادات التي تتعرض لها اليونان بسبب مزاعم صدها لطالبي اللجوء على حدودها البرية والبحرية المدججة بالعناصر الأمنية.
وفقا لجيورجوس كوزموبولوس، وهو ناشط في بروكسل مع المجموعة التي ستراقب المحاكمة، فإنه “يتم تجريم المدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء أوروبا ويُجرون إلى المحاكم بسبب مساعدة اللاجئين والمهاجرين. بدل أن تكون كل من سارة وسيان قدوة لمجتمعاتنا فإنهما مهددان بقضاء أفضل سنوات حياتهما خلف القضبان لأنهما اختارا فعل الصواب”. ويوم الإثنين، ستطالب مسيرة تضامنية خارج البرلمان اليوناني بإسقاط التهم عنهما.
أكّد بيندر، وهو غواص مدرب قبل الشروع في دراسة القانون، أنه يرغب في جعل العالم مكانا أفضل وأن حبه للعمل التطوعي إرث عائلي. فقد كان والده لاجئا فيتناميا فرّ بعد سقوط سايغون إلى ألمانيا، حيث التقى هناك بوالدته، كما قامت جدتاه بالكثير من العمل التطوعي.
إنه يأمل أن ينصفه القضاء من أجل “استكمال” ما بدأه، حتى يتمكن من المضي قدما في حياته. ولكنه إنسان عملي أيضًا. وقال سيان “لم أشترِ تذكرة عودة. يمكن أن ينتهي الأمر في غضون ساعات، أو يستغرق شهورا. ويمكن أن نُسجن. جُل ما أعرفه في هذه المرحلة هو أن كل الاحتمالات واردة”.
المصدر: الغارديان