ترجمة حفصة جودة
قال عضو سابق في وحدة استخبارات إشارات النخبة “8200” بالجيش الإسرائيلي إن “إسرائيل” بإمكانها الاستماع لأي محادثة هاتفية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فكل هاتف تستورده غزة عبر معبر كرم سالم – جنوب غزة – يُزرع فيه ميكروفون إسرائيلي صغير للتجسس، وكل من يستخدم شبكتي المحمول الوحيدتين في الأراضي المحتلة – جوال ووطنية – يتعرض للمراقبة كذلك.
في كل وقت، يستمع مئات الجنود إلى محادثات جارية، وتنقسم مراقبة الصوت إلى مجموعتين: الأولى للفلسطينيين الناشطين سياسيًا أو من يمثلون تهديدًا أمنيًا من وجهة نظر “إسرائيل”، والمستوى الثاني يستخدمه الشاباك – خدمة الأمن المحلية – للعثور على عناصر الضغط في المجتمع الفلسطيني.
يقول الجندي المخضرم: “ربما يجدون مثليين يمكن الضغط عليهم للإبلاغ عن أقاربهم، أو يجدون رجلًا يخون زوجته، قد يجدون أيضًا من يدين بالمال لأحدهم، ما يعني إمكانية التواصل معه وعرض المال للوفاء بدينه مقابل التعاون معهم”.
“إنه عالم كامل يسيطر فيه الشاباك على الفلسطينيين ويجبرهم في النهاية على التعاون معهم أو كشف أسرار أشخاص آخرين، كل ذلك جزء من نظام السيطرة”.
الحياة دون خصوصية
تحدث المحارب القديم بعد أن كشفت صحيفة واشنطن بوست عن “Blue Wolf”، تقنية التعرف على الوجوه التي تنبه الجنود عند نقاط التفتيش لاحتجاز المشتبه بهم.
في بعض الأحيان تكون المحادثات خاصة وربما حميمية، لكن جنود الجيش يضحكون عندما يستمعون إلى محادثات جنسية، وربما يحتفظون بها ويرسلونها إلى أصدقائهم
يقوم جنود إسرائيليون يهود ممن تعلموا العربية كجزء من خدمتهم العسكرية بهذا العمل الشاق في نظام المراقبة الجماعية، يراقبهم في ذلك جنود من الدروز أو يهود من أصول سورية تعد اللغة العربية لغتهم الأم.
تُنسخ هذه المحادثات وتُرسل النصوص المترجمة إلى وحدات المخابرات في الجيش والشاباك، يقول الجندي المخضرم إنه لا حدود لقدرة “إسرائيل” على انتهاك الحياة الخاصة والعامة للفلسطينيين، ويبدو أنه لا حدود كذلك لما يفعله الجنود بتلك المحادثات التي يستمعون إليها.
يضيف الجندي “في بعض الأحيان تكون المحادثات خاصة وربما حميمية، لكن جنود الجيش يضحكون عندما يستمعون إلى محادثات جنسية، وربما يحتفظون بها ويرسلونها إلى أصدقائهم، إنه انتهاك جسيم لخصوصية كل فلسطيني يعيش هناك.”.
لا يعتبر هؤلاء الجنود تلك المراقبة مشكلة أخلاقية، يقول الجندي: “الناس من حولهم وعائلاتهم يخبرونهم أن الأمر مناسب، الجميع يدعمهم في ذلك، قائدهم ووالداهم وأصدقاؤهم والدولة، لا سبب يدفعهم للتفكير بأن ما يقومون به ليس صوابًا”.
إذا وقع هجوم على الجنود في المعبر أو معبر آخر في نفس اليوم، فكل من تُلتقط صورته في هذا اليوم يخضع للبحث والاستقصاء وربما يتعرض للاستجواب حتى لو لم يكن له أي علاقة بما حدث
ما كُشف مؤخرًا عن “Pegasus” و”Blue Wolf” لا يعد جديدًا بالنسبة للفلسطينيين الذين نشأوا تحت مراقبة مستمرة، ويُقال إن الوحدات التي تقدم أكبر عدد من صور الفلسطينيين لإضافتها لقاعدة البيانات تحصل على جوائز، هذه القاعدة وصفها جندي سابق بأنها “فيسبوك الفلسطينيين” للجيش.
نظام السيطرة
في بعض الأحيان لا يوجد هدف من جمع الصور إلا التخويف، يقول محمد رجب صلاح – أسير سابق قضى 10 سنوات في السجن ويعيش في قرية بُرقة قرب نابلس – إنهم التقطوا صورًا له ولهويته وسيارته 3 مرات خلال 30 دقيقة في نقاط تفتيش مختلفة.
في المرة الثالثة واجه صلاح الجندي حيث قال: “خرجت من السيارة وذهبت إلى الجندي وسألته لماذا يفعل ذلك، وأخبرته أن نقطتي تفتيش أخرتين أوقفوني قبل دقائق وفعلا الأمر ذاته، لكن الجندي قال إنه ينفذ فقط أوامر الجيش، وأنه يرسل تلك الصور إلى قائد الجيش في المنطقة عبر واتساب”.
قال عدنان بلاونة – من نابلس – إن الجنود إما يختارون سيارات معينة لتصويرها وإما يلتقطون صورًا لكل السيارات التي تمر بالمعبر، ويضيف “أشعر بالقلق عندما يختارني الجنود من وسط الحشود خاصة إذا وقع هجوم على الجنود في المعبر أو معبر آخر في نفس اليوم، فكل من تُلتقط صورته في هذا اليوم يخضع للبحث والاستقصاء وربما يتعرض للاستجواب حتى لو لم يكن له أي علاقة بما حدث”.
تدقيق دولي
تخضع “إسرائيل” لضغط دولي متزايد بسبب استخدامها لبرنامج التجسس، أضافت الولايات المتحدة مجموعة “NSO” (التي أنشأت برنامج بيغاسوس) للقائمة السوداء بعد أن حصل نشطاء الأمن السيبراني على قاعدة بيانات مسربة لـ50 ألف رقم هاتف اختارهم عملاء المجموعة، وُضعت “Candiru” – شركة تجسس إسرائيلية ثانية – أيضًا على القائمة السوداء.
منظمات المجتمع المدني هي ما تثير قلقهم بشكل أكبر، لأنها قد تتسبب في إنهاء الاحتلال وتحظى بتعاطف المجتمع الدولي
قالت الولايات المتحدة إن أنشطة هذه الشركات تتعارض مع مصالح الأمن القومي لأمريكا، طالب إيتاي ماك – محامي حقوق الإنسان الذي أطلق حملة لكشف مبيعات الأسلحة الإسرائيلية السرية – بأن تنشر وزارة الدفاع الأمريكية الوثائق والتسجيلات المتعلقة بمبيعات الأسلحة وأنظمة الجيش للدول التي تخضع للحظر العسكري أو تشارك في حروب أهلية أو قمع ممنهج لحملات حقوق الإنسان.
رفضت المحكمة العليا التماسه المتعلق بملاحقة التكنولوجيا التي أنتجتها شركة إلكترونية إسرائيلية وأغلقت الباب أمام أي التماسات مستقبلية.
قال ماك: “من وجهة نظر الشاباك فكل فلسطيني بمثابة تهديد، وهم ينزعجون بشكل خاص من النشطاء السلميين لأنهم يستطيعون قيادة حركة شعبية وخلق احتجاجات واسعة وإثارة تعاطف المجتمع الدولي”، وفقًا لوجهة النظر تلك، لا يوجد فلسطيني لا يشكل أي تهديد، لا يمكن لأي فلسطيني أن يتخلص من ذلك.
يضيف ماك أن الأمر لا يتعلق بمراقبة أو منع هجمات المسلحين الفلسطينيين، حيث يقول: “إنهم يستطيعون التعامل مع المنظمات الإرهابية، لكن منظمات المجتمع المدني هي ما تثير قلقهم بشكل أكبر، لأنها قد تتسبب في إنهاء الاحتلال وتحظى بتعاطف المجتمع الدولي”.
قال عيسى عمرو – ناشط فلسطيني من الخليل – إن الجديد في الأمر أن هذه المراقبة يمكن أن يقوم بها أي جندي عادي أو حتى مستوطن، وأضاف “هذا هو الجديد؛ فالجندي يعرف كل شيء عني حتى قبل أن التقيه، لقد صوروني شخصيًا مرات كثيرة، ومن خلال برامجهم يمكنهم أن يعرفوا من أنا قبل أن أصل إلى نقطة التفتيش”.
يملك المستوطنون أيضًا نظام كاميرا خاص، يقول “بينما أسير في الشارع، قد أتعرض للإهانة والضرب من المستوطنين لأن اسمي عيسى، إنني أتعرض للمراقبة في كل مكان، في الشارع والمنزل ونقاط التفتيش وكل مكان، إنهم يعرفون حتى عن مجيئي وذهابي، حياتي أصبحت على البث المباشر يمكنهم مشاهدتها متى أرادوا، لم يعد هناك أي خصوصية”.
المصدر: ميدل إيست آي