ترجمة وتحرير: نون بوست
أعادت موجة الهجمات الدامية في الجزء الخاضع للسيطرة الهندية من إقليم كشمير في الخريف الحالي ذكريات مؤلمة من تسعينيات القرن الماضي، عندما بلغ التوتر في المنطقة ذروته.
شهدت كشمير، هذه المنطقة الخلابة وسط جبال الهيمالايا، مقتل نحو 39 شخصا في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بينهم 13 مدنياً والعديد من الجنود والمسلحين الهنود. ومع استمرار الهجمات في تشرين الثاني/ نوفمبر، وإطلاق النار على شرطي وبائع مسلم، نشرت نيودلهي 5500 جندي إضافي في المنطقة.
بدأت الهجمات مساء 5 تشرين الأول/ أكتوبر، عندما قتل الصيدلاني ماخان لال بيندرو برصاص مسلحين إسلاميين في سريناغار، عاصمة الشطر الخاضع للسيطرة الهندية. في نفس اليوم، قُتل بائع متجول هندوسي من في أحد الأسواق المكتظة بالمدينة. بعد ذلك بيومين، اقتحم مسلحون مدرسة حكومية وأطلقوا النار مسافة قريبة على المدير وأحد المدرّسين، وهما سيخي وهندوسي.
كانت كل عملية قتل تحمل رسالة محددة. تعتبر عائلة بيندرو من بين آخر 800 عائلة هندوسية تعيش في كشمير. في تسعينيات القرن الماضي، فر مئات الآلاف من البانديت الكشميريين – وهم طائفة هندوسية – من المنطقة بعد تهديدات من متشددين إسلاميين بضرورة اعتناق الإسلام. ويقول مراقبون إن قتل بيندرو يهدف إلى ثني البانديت الكشميريين في الشتات عن فكرة العودة إلى المنطقة.
جذور النزاع في كشمير
قسم قانون استقلال الهند سنة 1947 الهند البريطانية إلى دولتين جديدتين: الهند وباكستان، وكان لدى حاكم كشمير الهندوسي الحرية التامة في الانضمام إلى أي منهما. لم يتخذ قرارا حاسما في البداية، إلا أنه اختار الانضمام إلى الهند بعد أن قامت قوات قبلية باكستانية بغزو كشمير بأوامر من مؤسس باكستان، محمد علي جناح. اندلعت حرب بين القوات الهندية والباكستانية، وبعد سنة أثارت الهند قضية كشمير أمام مجلس الأمن.
تدخلت الأمم المتحدة لفض النزاع، ووافقت كل من الهند وباكستان على وقف إطلاق النار. دعا قرار الأمم المتحدة إلى إجراء استفتاء شعبي في كشمير بعد أن تسحب باكستان قواتها وتخفض الهند وجودها العسكري إلى الحد الأدنى. لم يطبق أي من البلدين هذا القرار، وهو ما أدى إلى تقسيم كشمير إلى مناطق تديرها الهند وأخرى تحت سيطرة باكستان.
شنت لشكر طيبة العديد من الهجمات الدامية في الهند، بما في ذلك هجمات مومباي سنة 2008، والتي قُتل فيها نحو 166 شخصًا
مازالت الدولتان تتطلعان إلى السيطرة على كشمير بشكل كامل، وقد اندلعت بينهما عدة حروب لتحقيق هذه الغاية. وبما أنهما دولتان نوويتان، فإن هذا النزاع يعتبر تهديدا أمنيا رئيسيا للسلام والاستقرار في العالم.
أصبحت كشمير الباكستانية على مدى العقود الماضية متجانسة دينياً، بينما ظلت كشمير الهندية موطنا للعديد من الطوائف. حسب تعداد سنة 2017، يمثل المسلمون أغلبية سكان كشمير الخاضعة للإدارة الباكستانية بنسبة 99 بالمئة، مع وجود أقلية من الهندوس بنسبة 0.6 بالمئة، والبوذيين بنسبة 0.3 بالمئة.
ووفقا لتعداد سنة 2011 في كشمير الهندية، فإن نسبة المسلمين 68.3 بالمائة، والهندوس 28.4 بالمائة، والسيخ 1.9 بالمائة، والبوذيين 0.9 بالمائة، والمسيحيين 0.3 بالمائة.
لماذا يتم استهداف الأقليات في كشمير مجددا؟
قالت جبهة المقاومة، وهي الجماعة التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجمات على بيندرو وآخرين، إنها ستهاجم “المتطفلين والمتعاونين” والغرباء لثنيهم عن الإقامة وشراء العقارات في كشمير. كل سنة، يسافر حوالي 400000 عامل هندي إلى كشمير للعمل في النجارة والخياطة والبناء. لكن منذ أن ألغت الحكومة الهندية الوضع الخاص لكشمير سنة 2019، أصبح بإمكانهم الحصول على إقامة دائمة.
يقول ديلباغ سينغ، المدير العام للشرطة في كشمير الهندية، إن جبهة المقاومة هي واجهة لجماعة لشكر طيبة الإرهابية المدعومة من باكستان، ومنظمة محلية مسلحة تسمى حزب المجاهدين. وقال سينغ لصحيفة ديلي إكسلسيور: “إنهم يريدون ترويع الأقليات”.
شنت لشكر طيبة العديد من الهجمات الدامية في الهند، بما في ذلك هجمات مومباي سنة 2008، والتي قُتل فيها نحو 166 شخصًا. وتنفي باكستان بشكل قاطع جميع الاتهامات بالتورط في هجمات إرهابية ضد الهند.
إلغاء الوضع الخاص
في آب/ أغسطس 2019، ألغت الحكومة الهندية برئاسة ناريندرا مودي المادة 370 من الدستور الهندي، التي تمنح وضعا خاصا لشطر كشمير الخاضع للإدارة الهندية. سيطرت الحكومة الهندية بموجب هذه الخطوة على المنطقة بشكل كامل وقسمتها إلى منطقتين اتحاديتين، وعينت مسؤولين جدد بدلا من المسؤولين المحليين السابقين.
وألغت الحكومة الهندية المادة 35 أ، والتي كانت تمنع السكان غير المحليين من الاستقرار في كشمير بشكل دائم بحرمانهم من الحق في شراء أو امتلاك العقارات. ورغم إلغاء المادة، تقول وزارة الداخلية الهندية في رسالة إلى البرلمان، أن مواطنَين هنديين فقط استحوذا على عقارات في جامو وكشمير منذ سنة 2019.
لماذا ألغى مودي المادتين 370 و 35 أ؟
ادعى مودي أن المادتين 370 و35 أ أعاقتا التنمية الاقتصادية في جامو وكشمير ولداخ. وقد كتب وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار في صحيفة فاينانشيال تايمز سنة 2019، بأن التغيير “يتوافق تمامًا” مع رؤية مودي “لنشر الإنترنت وتحسين المهارات وتعزيز الشركات الناشئة ودعم التصنيع وخلق فرص العمل”. واعتبرت الحكومة الهندية أن وضع الحكم الذاتي الذي كان من المفترض أن يكون مؤقتا، عزز فساد النخبة السياسية وعدم الاستقرار في المنطقة.
منذ آب/ أغسطس 2019، أطلقت الحكومة الهندية العديد من المشاريع لإنعاش اقتصاد المنطقة، ومنها بناء المستشفيات وكليات الطب لتحسين البنية التحتية الصحية، كما أعلنت ارتفاع أعداد السياح وتراجع الإرهاب.
تستمر حالة التوتر في المنطقة، وقد تم نقل العديد من العمال الهنود غير المحليين والبانديت الكشميريين إلى معسكرات الجيش الهندي
لكن مقابل ادعاءات نيودلهي، أكد مسؤولون محليون أن العديد من المشاريع التي تم الانتهاء منها مؤخرًا بدأت قبل وقت طويل من إلغاء المادتين 370 و35 أ، وشددوا على أن مؤشرات التنمية البشرية كانت أفضل بكثير قبل آب/ أغسطس 2019 ، ومنها معدل العمر المتوقع ومعدلات الفقر، وأضافوا أن ارتفاع معدلات السياحة المحلية يعود إلى القيود المفروضة على السفر الدولي جراء جائحة كورونا.
مستقبل كشمير
في نيسان/ أبريل الماضي، قالت حكومة مودي إن هناك انخفاضًا بنسبة 60 بالمائة في الهجمات الإرهابية في كشمير منذ آب/ أغسطس 2019. لكن مسؤولين محليين يرون أن الهجمات الأخيرة تفند ادعاءات نيودلهي.
في الواقع، يبدو أن موجة العنف في تصاعد، فقد وجد تقرير صادر عن هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أنه منذ سنة 2019، انجرف المزيد من الشباب الكشميري نحو النشاط المسلح. وتؤكد العديد من الجماعات المسلحة أن مناورات مودي تهدف إلى حرمان الكشميريين من أراضيهم لفائدة الهنود الأثرياء من جهة، وتغيير الهوية السياسية للمنطقة من جهة أخرى.
لكن مراقبين أمنيين يقولون إن الوقت ما زال مبكرا للحديث عن فشل إجراءات مودي الدستورية. قتلت قوات الأمن الهندية ما لا يقل عن ثلاثة من مقاتلي الجبهة المسؤولين عن الهجمات الأخيرة. وتؤكد الشرطة أنها قتلت 130 إرهابياً خلال هذه السنة، وألقت القبض على 700 آخرين.
مع ذلك، تستمر حالة التوتر في المنطقة، وقد تم نقل العديد من العمال الهنود غير المحليين والبانديت الكشميريين إلى معسكرات الجيش الهندي لضمان سلامتهم.
ورغم صمود اتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان منذ شباط/ فبراير، إلا أن الحكومة الهندية تبدو حذرة من أن تستغل باكستان عودة طالبان في أفغانستان لنشر المزيد من الجهاديين المناهضين للهند في إقليم كشمير.
ولا يزال الكشميريون ينتظرون من جانبهم ثمار النمو الاقتصادي الذي وعد به مودي عندما انتزع منهم الحكم الذاتي. ويشعر كثيرون في المنطقة بالغضب والإحباط لأنهم مضطرون لالتزام الصمت في ظل سياسة الاعتقالات التي تتبعها السلطات الهندية.
المصدر: فورين بوليسي