في خطوة أعقبت الانفجارات التي استهدفت بيوت مسؤولي حركة فتح في قطاع غزة، أعلنت حركة فتح إلغاء مهرجان إحياء ذكرى وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل “ياسر عرفات”.
جاء ذلك على لسان “زكريا الأغا” عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” الذي قال في مؤتمر صحفي عقد في قطاع غزة إنّ “لجنة المتابعة العليا لحركة فتح في قطاع غزة، عقدت اجتماعًا طارئًا ظهر اليوم، بالتزامن مع اجتماع لأعضاء من اللجنة المركزية للحركة في رام الله، وقررت إلغاء مهرجان إحياء ذكرى وفاة الرئيس عرفات”.
وأوضح الأغا أنّ حركة فتح قررت إلغاء المهرجان عقب التطورات الأخيرة، وسلسلة الانفجارات والاعتداءات التي طالت قيادات في حركة فتح، مضيفًا: “أبلغنا من الجانب السياسي والأمني في حركة حماس أنّ الأجهزة الأمنية في قطاع غزة لا تستطيع تأمين المهرجان وحماية المشاركين”.
محمّلاً حركة حماس مسؤولية إلغاء المهرجان، وإقدامها على إجراءات تعرقل إقامة المهرجان.
وأضاف: “هذه المواقف تمس بالمصالحة الفلسطينية التي تم التوافق عليها بين الحركتين في لقاءات القاهرة، ونحن نحذر حركة حماس من النتائج السلبية المترتبة على ذلك”.
وكانت وزارة الداخلية الفلسطينية في قطاع غزة، قالت في وقت سابق اليوم، إنّها اعتذرت رسميًا لحركة فتح عن تأمين وحماية مهرجان إحياء الذكرى العاشرة لوفاة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات المقرر يوم الثلاثاء المقبل، في قطاع غزة.
“إياد البزم” المتحدث الرسمي باسم الداخلية قال إن اعتذار الداخلية نتيجة لما وصفه بـ”خلافات حركة فتح الداخلية”، من دون أن يوضح طبيعة الخلافات، مضيفًا “اعتذرنا لحركة فتح رسميًا عن تأمين مهرجانها في غزة بسبب خلافاتها الداخلية إضافة لعدم توافر ميزانيات تشغيلية، الأمر الذي يصعب معه قيام الأجهزة الأمنية بواجبها المطلوب”.
الأمر الذي وصفه “يحيي رباح” عضو اللجنة القيادية العليا لحركة فتح في قطاع غزة، بأنه “محاولة لتخريب مهرجان ذكرى وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات”، مؤكدًا أن الحركة ماضية في إقامة المهرجان وستعمل على تأمينه بطرقها الخاصة، دون أن يوضحها، جاء هذا التصريح ليحيى رباح قبل أن يعلن زكريا الآغا إلغاء المهرجان بالكامل.
وكان مجهولون قد فجروا فجر الجمعة الماضي أجزاء من عدة منازل لقيادات في حركة فتح إضافة إلى منصة الاحتفال بذكرى رحيل الرئيس الفلسطيني “ياسر عرفات” بعبوات ناسفة، دون أن يسفر ذلك عن وقوع إصابات.
جاءت هذه التفجيرات قبل أيام من إحياء الذكرى العاشرة لرحيل الرئيس عرفات – زعيم فتح -، والتي من المقرر أن تقيمها الحركة في ساحة “الكتيبة” غربي مدينة غزة الثلاثاء المقبل، وهي المرة الأولى التي يحيي فيها الفلسطينيون في القطاع هذه المناسبة منذ سبع سنوات.
وفي 11 نوفمبر 2004، توفي عرفات في أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس، خلال تلقيه العلاج بعد تدهور صحته خلال حصار الجيش الإسرائيلي له لعدة شهور في مقر الرئاسة برام الله المعروف باسم “المقاطعة”، ويتهم الفسطينيون إسرائيل بأنّها هي”المتهم الوحيد والأساسي” في عملية اغتيال عرفات.
وعقب قرابة 7 سنوات من الانقسام، كانت حركتا فتح وحماس قد وقعتا في 23 أبريل 2014، على اتفاق للمصالحة، يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني وتشكيل حكومة توافق لمدة 6 شهور ومن ثم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن..
واتفقت حركتا حماس وفتح، مطلع الشهر الماضي، عقب لقاءات وفدين من الحركتين بالقاهرة على تنفيذ كافة بنود اتفاق المصالحة الأخير الذي وقع عليه في أبريل الماضي، وتجاوز جميع العقبات التي اعترضت تطبيق بنوده، وتمكين حكومة التوافق الوطني من بسط سيطرتها على قطاع غزة.
دحلان ضد عباس
وفي ذلك رأى مراقبون فلسطينيون، أنه من الصعب التكهن بهوية المسؤول عن التفجيرات، إلا أنهم اتفقوا أنها “تحمل الكثير من الضبّابية، ولا يمكن بسهولة تحديد هوية فاعلها، لتشابك الظروف السياسية والميدانية، وأن أكثر من جهة، وطرف قد يكون هو المتهم”.
إلا أن الكاتب والمحلل السياسي “عبد الستار قاسم” رأى بدوره :”في الواجهة يطل صراع القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس”، مضيفًا: “هذه التفجيرات، يصعب الجزّم، بهوية فاعلها والمسؤول عنها، ما لم يتم تحديد ذلك من قبل الأجهزة الأمنية والجهات المختصة في قطاع غزة، ولكن ما جرى من استهداف لمنصة الاحتفال بذكرى عرفات، وعدد من قيادات فتح، يعيدنا إلى واجهة صراع دحلان -رعباس من جديـد”.
ويرى قاسم أنّ “الخصومة بين الرجلين، وحالة الاستقطاب الحادة بين أنصار كل طرف منهما في قطاع غزة، قد تؤدي إلى مثل هذه التفجيرات، وأن يتحول الصراع السياسي إلى ميداني”.
وكان دحلان، قد شنَّ في مارس الماضي، هجومًا لاذعًا وعنيفًا، على الرئيس عباس عبر مقابلة تلفزيونية، عقب اتهام الأخير له بالتورط في أعمال “قتل وسرقة”.
وسبق أن اتهم عباس، دحلان في اجتماع المجلس الثوري لحركة فتح، بـ”التخابر مع إسرائيل، والوقوف وراء اغتيال قيادات فلسطينية”، كما اتهمه بالمشاركة في “اغتيال الراحل ياسر عرفات”، وهو ما ينفيه دحلان.
غير أن قاسم، “لا يستبعد دعم بعض عناصر من حركة حماس لهذه التفجيرات، لإيصال رسالة لحركة فتح وزعيمها محمود عباس، أنّ الفوضى هي البديل عن عدم تلبية احتياجات الفلسطينيين في قطاع غزة”.
وفي هذا الصدد، يقول “هناك تيارات داخل حركة حماس ترفض المصالحة مع فتح، وترفض إقامة مهرجان للحركة التي تتهمها بعدم تطبيق شروط المصالحة، لهذا فإن سيناريو الفوضى والفلتان الأمني وارد”.
وكان المتحدث باسم حركة فتح بالضفة الغربية “أسامة القواسمي” قد اتهم حركة حماس “بتفجير منازل قيادات حركة فتح في قطاع غزة”، واصفًا التفجيرات بـ “الجبانة الدنيئة”، ومنفذيها بـ “خفافيش الليل”، الأمر الذي نفته حماس على لسان المتحدث باسمها.
من جهته، يرى “حسام الدجني” المحلل السياسي والكاتب في عدد من الصحف الفلسطينية، أن “تزامن التفجيرات في وقت واحد ودقة الأهداف وخليط الأسماء ما بين تيار دحلان وعباس، من شأنها أن تُسقط خيار الصراع الفتحاوي”.
ويقول :”لهذا من حق البعض أن يشير بأصابع الاتهام لحركة حماس كون بعض عناصرها والمحسوبين عليها أطلقوا حملة لمنع مهرجان عرفات”.
غير أن الدجني، يتفق مع قاسم في صعوبة تحديد هوية الفاعل، في ظل الظروف السياسية التي وصفّها بـ”المُعقدّة”.
وكان أنصار من حركة حماس أطلقوا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، تهدف إلى منع توافد أنصار حركة فتح إلى مهرجان إحياء الذكرى العاشرة لرحيل عرفات، المقررة في 11 الشهر الجاري، واستنكر البعض تأمين وزارة الداخلية بغزة للمهرجان في ظل ما وصفوه بـ”تنكر الرئيس عباس وحكومة الوفاق للموظفين العسكريين التابعين لحكومة حماس السابقة”.
وتلقى موظفو حكومة حماس، نهاية الشهر الماضي، دفعات مالية من رواتبهم المتأخرة، تقدر بـ 1200 دولار أمريكي، تبرعت بها دولة قطر.
واقتصرت الدفعات المالية على موظفي الوزارات المدنية (نحو 24 ألف موظف مدني)، واُستثني منها أفراد الشرطة، وقوات الأمن الوطني التابعة لوزارة الداخلية.
وكانت حكومة الوفاق، شكلت مطلع يونيو الماضي، لجنة قانونية لدراسة أوضاع الموظفين المهنية، للتوصل إلى مدى احتياج الحكومة لهم، على أن يتم البت في أمرهم بعد أربعة شهور من تشكيلها.
ويقدر عدد الموظفين الذين عينتهم حكومة حماس، بعد الانقسام الذي حصل عام 2007، بنحو 40 ألف موظف عسكري ومدني، وتبلغ فاتورة رواتبهم الشهرية قرابة 40 مليون دولار.
بدوره، لا يستبعد “هاني البسوس” أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة، أن تكون هناك أيادٍ وصفها بـ “الخفية”، تعمل لصالح “زعزعة الداخل الفلسطيني، وإشغال الساحة بدوامة الفوضى والعنف”.
ويقول البسوس: “من المستبعد قبل أن تنتهي التحقيقات وملابسات الحادثة، الكشف عن هوية الفاعل، ولكن من الوراد جدًا أن يقف وراء مثل هذه التفجيرات، أطراف تريد لقطاع غزة أن ينشغل في الفوضى والصراعات الداخلية، بعيدًا عن الإعمار وتحقيق الوفاق”.
ويضيف “هذه الأطراف تخدّم إسرائيل، فهي تزيد من عزلة قطاع غزة، وحرف المسار عن معاناة قرابة مليوني مواطن، وخلّط الأوراق في الساحة الفلسطينية”، غير أنه يرى أن أهم اختبار أمام حركة حماس والأجهزة الأمنية في غزة، هو “تأمين مهرجان عرفات، والتأكيد على رسالة الوحدة الوطنية، حتى يبقى القطاع في منأى عن الفوضى”.