ما زالت اجتماعات البيوت السياسية لقوى الإطار التنسيقي الشيعي لم تؤسِّس لمخرج حقيقي وموقف واضح لها، من حيث المشاركة في ماراثون تشكيل الكتلة الأكبر، أم الذهاب باتجاه مقاطعة العملية السياسية.
وهذا الإشكال نابع من عدة أسباب، أبرزها عدم وجود صوت واحد داخل قوى الإطار، وثانيًا عزوف الضامن الإقليمي (إيران) عن الدخول في خط الأزمة الراهنة، خصوصًا أنه يطمح لتحقيق بيئة هادئة قبيل الدخول في محادثات الجولة السابعة مع القوى الكبرى في فيينا.
وهذا يطرح بدوره أسئلة واستفسارات عديدة حول المستقبل الذي ينتظر قوى الإطار التنسيقي الشيعي، وتحديدًا بعد بيان مجلس الأمن الدولي الداعم لنتائج الانتخابات، ومنحها الشرعية الدولية، ما يجعل عملية الانقلاب عليها صعبة للغاية.
ومن جهة أخرى، أتت المبادرة السياسية التي طرحها زعيم تحالف قوى الدولة عمار الحكيم، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني، على شكل مبادرة للخروج من الانسداد السياسي ومراجعة القانون الانتخابي والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وإجراءاتها.
وأطلق عليها عنوانًا غير مألوف للقوى الفائزة يستند إلى جمع الفائزين “على مستوى المقاعد أو الأصوات”، وقال إن الهدف منها هو “إعادة التوازن للعملية السياسية”، وذلك عبر تقسيم الأدوار بين الحكومة والبرلمان القادم، من حيث تمكين الفائزين في الحكومة، كما المعارضين والممتنعين في البرلمان، وأشار إلى أن “التصويت سيكون على ورقة الاتفاق الوطني كقرار برلماني في أولى جلساته الرسمية”.
وفي هذا الإطار قال القيادي في تيار الحكمة رحيم العبودي، إن قادة الإطار التنسيقي الشيعي سيعقدون اجتماعًا في منزل رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي خلال اليومَين المقبلَين، لمناقشة مبادرة السيد عمار الحكيم لإنهاء الانسداد السياسي.
الخسائر المتوقعة من عملية عدم المشاركة، سيجعل قوى الإطار التنسيقي الشيعي الطرف الأضعف في المعادلة السياسية، كما أنها ستكون معزولة إقليميًّا ودوليًّا.
إن نظرة بسيطة إلى طبيعة المبادرة، تشير بوضوح أنها ستلقى اعتراضات واضحة من قبل كتل سياسية عديدة، أبرزها الكتلة الصدرية والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف تقدم، على اعتبار أن هذه الكتل حصلت على معدّل أصوات أعلى من الكتل السياسية الأخرى، ومن ثم من غير المتوقع أن تفرّط باستحقاقها الانتخابي، وتحديدًا على مستوى الرئاسات الثلاث، أو حتى حصة كل كتلة من المقاعد الحكومية.
ورغم أن الواقع السياسي العراقي قد تأسّسَ خلال الفترة الماضية على قاعدة التوافق السياسي، إلا إن المتغيّر الرئيسي في الانتخابات الأخيرة هو الفارق الكبير في عدد المقاعد بين كتلة وأخرى، ما يجعل تقبُّل فكرة التوافقية صعبًا بعض الشيء، كون عملية التوافق ستأتي على حساب الكتل الفائزة، وهو ما يدركه الإطار التنسيقي الشيعي جيدًا.
ومن ثم إن هذا الواقع يطرح تساؤلًا مهمًّا يدور حول نقطة رئيسية: ما هي المكاسب والخسائر التي ستتعرّض لها قوى الإطار التنسيقي الشيعي في حال قبول أو رفض عملية المشاركة في الحكومة المقبلة؟
يمكن القول إن واقع هذه القوى صعب جدًّا في المرحلة الحالية، كون عملية المشاركة ستعني اعترافًا صريحًا بوزنها الانتخابي، وستمنح شرعية سياسية وقانونية للحكومة المقبلة، وقد لا تكون قادرة على الوقوف بوجه إجراءاتها، فيما لو تعرضت المكاسب السياسية التي تحصلت عليها خلال الفترة الماضية لإجراءات إدارية أو تنفيذية.
كما أن الخسائر المتوقعة من عملية عدم المشاركة، سيجعلها الطرف الأضعف في المعادلة السياسية، كما أنها ستكون معزولة إقليميًّا ودوليًّا، كون حتى إيران قد لا تكون مستعدّة على التعامل معها مستقبلًا، فهي تنظر إلى مصالحها في العراق أولًا، ثم مصالح حلفائها ثانيًا.
إن التعقيد السياسي الحالي نابع من فكرة أن المزاجية السياسية أصبحت إقصائية أكثر من السابق، فالتراكمات السياسية للفترة الماضية أنتجت حالة استقطاب واضح بين الكتل السياسية.
أضف إلى أن الوضع يزداد تعقيدًا بعد بروز خلافات واضحة داخل قوى الإطار نفسها، وتحديدًا بين زعيم تحالف الفتح هادي العامري وزعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، فالأخير بدأ ينظر إلى أن الإخفاق السياسي الحالي لتحالف الفتح، جاء بسبب السياسات والمواقف التي تبنّاها العامري خلال الفترة الماضية.
هذا عدا عن أن العامري لم يعد قادرًا على قيادة التحالف خلال الفترة المقبلة، وهي سلوكيات برهن عليها الخزعلي عندما استفرد بقرار الإطار التنسيقي الشيعي، عبر الجلوس مع ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جنين بلاسخارت يوم 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، للتباحث حول نتائج الانتخابات، وتقديم وجهة نظر التحالف لممثلة الأمين العام حول المرحلة المقبلة.
إن التعقيد السياسي الحالي نابع من فكرة أن المزاجية السياسية أصبحت إقصائية أكثر من السابق، فالتراكمات السياسية للفترة الماضية أنتجت حالة استقطاب واضحة بين الكتل السياسية، فالتيار الصدري يسعى لإقصاء دولة القانون وتحالف الفتح عن المشهد السياسي، وكذلك ينظر هذان الطرفان إلى الطرف الأول، ما أوصل الواقع السياسي لحالة انسداد واضحة.
فحتى المبادرات السياسية، سواء الداخلية والخارجية منها، لم تعد تحظى بمقبولية سياسية من قبل الرابحين والخاسرين معًا، لأنها مبنية بالأساس على معادلة صفرية (فوز طرف بها يعني بالمقابل خسارة الطرف الآخر)، ما يجعل أفق الحل السياسي بعيدة عن الواقع في الفترة الراهنة.