بينما لا يزال الطريق أمام المجتمع الدولي طويلًا لمواجهة تبعات تغير المناخ، فإن بعض الدول حظيت بإشادة عالمية بسبب إسهاماتها الإيجابية في الحفاظ على كوكب الأرض، وفقًا لمؤشر الدول الجيدة الذي وضعه سايمون انهولت، المستشار السياسي المستقل، لتقييم تأثير سياسات وممارسات كل دولة على البشرية وكوكب الأرض، مثل تأثير كل دولة على البيئة قياسًا بحجم النمو الاقتصادي ومدى اعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة.
الصفقة الخضراء الجديدة
اُستخدم مصطلح الصفقة الخضراء الجديدة لوصف مجموعات مختلفة من السياسات التي تهدف إلى إجراء تغيير منهجي، إذ تحصل الولايات المتحدة حاليًا على 80% من طاقتها من الفحم والنفط والغاز الطبيعي، فيما يكمن الهدف الرئيسي للصفقة هو خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الولايات المتحدة إلى الصفر الصافي، وتلبية 100% من الطلب على الطاقة في الدولة من خلال مصادر طاقة نظيفة ومتجدِّدة وعديمة الانبعاثات بحلول عام 2030.
تدعو أيضًا إلى خلق ملايين الوظائف لتوفير ضمان وظيفي لجميع الأمريكيين، إلى جانب الوصول إلى الطبيعة والهواء النظيف والماء والغذاء الصحي والبيئة المستدامة ومرونة المجتمع، والعمل مع المجتمع الدولي لإيجاد حلول ومساعدته على تحقيق صفقات خضراء جديدة.
ستكون هناك حاجة إلى تشريع منفصل لتحويل الصفقة الخضراء الجديدة إلى حقيقة واقعة إذا أقرَّ الكونغرس القرار، لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن رفض المصادقة على الصفقة الخضراء الجديدة، وأطلق خطة جديدة أطلق عليها “ثورة الطاقة النظيفة”، تحتوي على العديد من الأهداف التي تبنّتها “الصفقة الخضراء الجديدة”، ولكن في إطار زمني أقل طموحًا وبتكلفة أقل.
التعاون البيئي الدولي
يلعب الاتحاد الأوروبي دورًا رئيسيًّا في المفاوضات البيئية الدولية، وهو طرف في العديد من الاتفاقات البيئية العالمية أو الإقليمية أو دون الإقليمية بشأن مجموعة واسعة من القضايا، مثل حماية الطبيعة والتنوع البيولوجي وتغيُّر المناخ وتلوث الهواء أو المياه عبر الحدود.
وساعد الاتحاد في تشكيل العديد من الاتفاقيات الدولية الرئيسية التي تمَّ تبنّيها عام 2015 على مستوى الأمم المتحدة، مثل خطة التنمية المستدامة لعام 2030 (والتي تشمل أهداف التنمية المستدامة العالمية الـ 17 (SDGs) والأهداف الـ 169 المرتبطة بها)، واتفاقية باريس بشأن تغير المناخ وإطار سِنداي للحدّ من مخاطر الكوارث، كما أصبحت طرفًا في اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض (CITES) في ذلك العام.
التقاضي المناخي
يقوم بعض المواطنين والمجتمعات بمقاضاة الحكومات وشركات الوقود الأحفوري لمنع مشاريع الوقود الأحفوري، والمطالبة باتخاذ إجراءات حكومية لحماية حقهم في مستقبل مناسب للعيش. والتقاضي المناخي هو واحد من سلسلة متغيرات للعبة المناخ يمكن أن تحقق إزالة الكربون العالمية بالكامل في غضون سنوات قليلة، وليس عقود.
جرى بالفعل استخدام التقاضي المناخي في الجوانب الآتية:
– إثبات أن الحكومات عليها واجب قانوني لمنع تغير المناخ الخطير.
– إجبار الحكومات على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالمناخ.
– محاسبة شركات الوقود الأحفوري عن الضرر الذي تسبّبوا فيه عن قصد.
أهم سياسات العالم الخضراء
– خطة سنغافورة الخضراء 2030
السياسة الخضراء ليست جديدة على سنغافورة ذات الـ 6 ملايين نسمة، فهي دولة جزرية معرّضة لارتفاع مستويات سطح البحر والطقس القاسي الناجم عن تغير المناخ.
قدمت الحكومة الخطة لأول مرة عام 1992 وتقوم بمراجعتها باستمرار للسماح للبلاد بمواكبة التحديات البيئية والتنموية الناشئة، وساعد وجود مخطط الاستدامة الأساسي المعمول به في البلاد لسنوات عديدة على إنشاء نموذج “المدينة الخضراء” وتحسينه.
تهدف الخطة الخضراء لسنغافورة إلى تسخير الاستدامة باعتبارها “محركًا جديدًا للنمو”، مع تعزيز التزامات الدولة بموجب أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة واتفاقية باريس بشأن تغير المناخ.
بموجب الخطة، ستقود الحكومة السنغافورية وتدفع جميع الفاعلين الاقتصاديين للانتقال نحو نماذج اقتصادية أكثر استدامة، بما في ذلك تأسيس البلاد كمركز للتمويل الأخضر وتجارة الكربون والاستشارات المستدامة.
لتحقيق ذلك، جمعت الحكومة السنغافورية بين 5 وزارات: التعليم والتنمية الوطنية والاستدامة والبيئة والتجارة والصناعة والنقل، لقيادة الخطة الخضراء، وحددت “الخطة الخضراء 2030” لتحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفرية.
– كوريا الجنوبية
قدّمت حكومة كوريا الجنوبية “صفقة خضراء جديدة” العام الماضي، مع التركيز على الانتقال إلى الطاقة المتجددة، وبناء البنية التحتية الخضراء وإحياء القطاع الصناعي بشكل مستدام.
ستستثمر الحكومة الكورية 144 مليار دولار أمريكي في كل من الخطط وتدعم الأفراد والشركات في المرحلة الانتقالية، كما سيتم إنشاء أكثر من 1.9 مليون فرصة عمل بحلول عام 2025.
ما الدول التي تنقذ الأرض؟
جزر صغيرة تقود العالم نحو “ثورة جديدة” في مجال الطاقة النظيفة، 3 دول تنقذ كوكب الأرض، تصدّرت النرويج قائمة الدول التي أسهمت في الحفاظ على كوكب الأرض والمناخ وفقًا لمؤشر “الدول الجيدة”.
– النرويج
تصدّرت النرويج قائمة الدول التي تتبنّى أفضل الممارسات للحفاظ على كوكب الأرض والمناخ، وذلك تتويجًا لجهودها ودورها الريادي في مجال الحفاظ على البيئة.
إذ سُجِّلت في النرويج أعلى نسبة تملُّك للسيارات الكهربائية في العالم، وتعهّدت الحكومة بالقضاء تمامًا على انبعاثات الغازات الملوثة للبيئة بحلول عام 2030.
– البرتغال
حلّت البرتغال في المرتبة الثالثة على قائمة الدول التي تتبنّى أفضل الممارسات للمحافظة على كوكب الأرض، إذ كانت البرتغال من أوائل البلدان التي تستثمر في تطوير شبكة متكاملة من محطات شحن السيارات الكهربائية، التي كانت حتى وقت قريب بالمجّان.
وقدمت الحكومة حزمة حوافز وتسهيلات للمواطنين المستثمرين في مجال توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، وفتحت لهم الأبواب لبيع الكهرباء المتولدة من المصادر المتجددة لشبكة توزيع الكهرباء.
وتنتشر في كل منطقة في البرتغال سلال مخصَّصة لإعادة التدوير وإنتاج السماد العضوي من مخلفات الأطعمة.
كما لعب التعليم دورًا رئيسيًّا في تشجيع البرتغاليين على الحفاظ على البيئة، وصرّحت ماريانا ماغاليس، مديرة اتصالات برتغالية الأصل تعيش في المملكة المتحدة: “كثيرًا ما كنا ندرس أهمية البيئة في المرحلة الثانوية، ونتلقّى دروسنا في المنتزهات العامة لغرس حب البيئة في نفوسنا”.
– أوروغواي
تتبنّى أوروغواي سياسات اجتماعية وبيئية أهّلتها لتأتي في صدارة دول أمريكا الجنوبية في مؤشر الدول التي تسهم في الحفاظ على كوكب الأرض والمناخ، وقد أصبحت من البلدان الرائدة في مجال توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة.
تقول لولا مينديز، المدوِّنة التي تنحدر من أوروغواي وتعيش في الولايات المتحدة: “كانت أوروغواي تنفق مبالغ طائلة على استيراد النفط، لأنها لا تمتلك أي احتياطي نفطي. وعلى مدى أقل من عقد من الزمان، استطاعت أن تستعيض عن الوقود الأحفوري بالطاقة النظيفة”.
واليوم تولِّد أوروغواي نحو 95% من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة، ويأتي أكثرها من محطات الطاقة الكهرومائية.
السياسات العربية الخضراء
– الإمارات
تعمل حكومة دولة الإمارات على تحقيق الاستدامة البيئية في إطار تشريعي وتنظيمي، يساعد في المحافظة على البيئة ومواردها الطبيعية، وتحظر أية سلوكيات قد تشكّل خطرًا عليها مثل إلقاء النفايات البحرية.
ووضعت دولة الإمارات قوانينًا تحظر إلقاء النفايات وشوائب النفط في المياه، من قِبل مئات من ناقلات النفط العاملة في المنطقة، وانضمت إلى دول العالم للاعتراف بالمشاكل البيئية، من خلال التوقيع والمصادقة على اتفاقات بيئية.
– مصر
صرّحت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، على أن “معظم المؤسسات المصرية باتت توفر تمويلات خضراء صديقة للبيئة، ونحاول من خلال الدبلوماسية الاقتصادية ترسيخ مفاهيم الاقتصاد الأخضر”.
وأضافت: “بينما نواصل التوسع من خلال التعافي الأخضر، في ظل استراتيجية الطاقة التي تنتقل إلى مصادر الطاقة المتجددة بقوة أكبر، هناك مجالات جذّابة للغاية لمثل هذا التمويل، ليس فقط للمشاريع الحكومية ولكن أيضًا لمشاريع القطاع الخاص”.
تُعتبَر الأصول الكهرومائية ثاني مصدر للطاقة فى مصر بعد الطاقة الشمسية، تليها طاقة الرياح التي تمثّل 24% من حجم الطاقات الخضراء بحجم 1000 ميغاواط، والطاقة الشمسية في المرتبة التي تمثل 8% من الطاقة المتجددة لعام 2018 بحجم 312 ميغاواطًا.
– السعودية
أكّد الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمته خلال رئاسته وفد بلاده في القمة العالمية للمناخ في 22 أبريل/ نيسان 2021، على أن “المملكة أطلقت وفق رؤية عام 2030 حزمة من الاستراتيجيات والتشريعات، مثل الاستراتيجية الوطنية كسياسات خضراء، ومشاريع الطاقة النظيفة، بهدف الوصول إلى قدرة إنتاج 50% من احتياجات المملكة بحلول عام 2030”.
كما تهدف السعودية إلى إنتاج 50% من الكهرباء بالسعودية من مصادر متجددة بحلول عام 2030، وهي خطة ستوفر أكثر من 750 ألف فرصة عمل في قطاع الطاقة النظيفة.
والإعلان عن صندوق سعودي للاستثمار في الهيدروجين الأخضر، من خلال بناء مصنع هيدروجين أخضر بقيمة 5 مليارات دولار، وينتج هذا المصنع ما يكفي من الهيدروجين الأخضر يوميًّا لتشغيل 20 ألف حافلة تعمل بوقود الهيدروجين.
– المغرب
إدماج الكفاءات المغربية المهاجرة في مسار التنمية المستدامة، إذ أطلقت الحكومة المغربية في 4 أبريل/ نيسان 2021 برنامجًا وطنيًّا لتعبئة الكفاءات، يستهدف 10 آلاف كفاءة و500 ألف مستثمر من مغاربة العالم في أفق عام 2030، بهدف تعزيز مساهمتهم في مختلف الأبعاد التنموية في البلاد، لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر.
وسيمكّن البرنامج الجديد من تقاسم الخبرة والمعارف بين الخبراء والباحثين المغاربة في المهجر مع نظرائهم في المغرب، وإطلاق عهد جديد من الشراكات مع مراكز أبحاث أجنبية، بما يؤدي إلى تعزيز مكانة المغرب على الصعيد العالمي.
– تونس
عُقد اجتماع بين وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار التونسي، علي الكعلي، والسفير الإيطالي لدى تونس، لورينزو فانارا، في 24 مارس/ آذار الفائت، تناول توثيق التعاون الاقتصادي والمالي خلال الفترة 2021-2024، وتعزيز الاستثمار الإيطالي في تونس خاصة في قطاع الطاقة المتجددة، وهو ما أشار إليه بيان وزارة الاقتصاد التونسية.
ختامًا، إن “السياسة البيئية” اليوم هي الطريق الوحيد لتفسير الأزمات العالمية لتغيُّر المناخ، ونضوب التنوع البيولوجي، وتدهور الأراضي، وإزالة الغابات، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة للتحول إلى الاقتصاد الأخضر.