يزداد نشاط الخلايا النائمة التابعة لتنظيم “داعش” في مناطق سيطرة “قسد” شمال شرق سوريا بشكل يومي، إذ شن مقاتلوه سلسلة من الهجمات كان أبرزها في مخيم الهول الواقع على الحدود السورية-العراقية، الذي يأوي عائلات عناصر التنظيم من جنسيات عربية وأجنبية، بالإضافة إلى نشاط آخر موازٍ في دير الزور، من خلال وضع حدود وقيود على تحركات الأهالي واستهداف عناصر “قسد”.
ورغم شنّ قوات سوريا الديمقراطية، مدعومة من التحالف الدولي، عمليات عسكرية موسَّعة للقضاء على التنظيم، إلا أن نشاطه لا يزال متواصلًا عبر الخلايا النائمة والمجموعات الصغيرة في مختلف المحافظات التي تسيطر عليها، منذ انتهاء الحرب على “داعش” في مارس/ آذار 2019.
في حين تستثمر “قسد” نشاط تنظيم “داعش” في سبيل الحصول على موقف دولي تجاهها، بعد سلسلة من التهديدات التركية لتنفيذ عملية عسكرية تطال مناطق سيطرتها، وسعي روسي متواصل لتحقيق مكاسب اقتصادية في أغنى المناطق السورية بالبترول.
هجمات تنظيم “داعش” شرق الفرات
نشط تنظيم “داعش” خلال نوفمبر/ تشرين الثاني بشكل غير مسبوق، حيث شملت هجماته محافظتَي دير الزور والحسكة، اللتين تقعان تحت سيطرة “قسد” المدعومة من التحالف الدولي، واقتصرت الهجمات على تنفيذ عمليات اغتيال لعدد من الشخصيات، إضافة إلى هجمات مماثلة ضد عناصر ومواقع “قسد” في المنطقة.
في محافظة دير الزور، ينشط تنظيم “داعش” بافتعال هجمات متعددة، حيث طالت هجماته تجمُّعات لعناصر تابعين لـ”قسد”، مطلع الشهر الحالي بحسب ما أعلن التنظيم، بينما اغتال مقاتلو “داعش” اثنين في بلدة أبو خشب في ريف دير الزور الغربي، وأقدم عناصر التنظيم في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني على حرق المجلس المحلي لقرية أبو النتيل التابع لـ”قسد” بريف دير الزور.
وأعلنت “قسد” في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني عن إحباط هجوم كبير على سجن لعناصر تنظيم “داعش” في دير الزور، حيث تمكّنت قواتها بالتعاون مع التحالف الدولي من إحباط الهجوم وأسر 4 عناصر من “داعش” فضلًا عن مقتل اثنين، والاستيلاء على ذخائر ضخمة كانت بحوزة عناصره.
كما شهدَ مخيم الهول في محافظة الحسكة، الذي يحتضن عائلات منتسبي تنظيم “داعش”، عدة هجمات مفاجئة، حيث أقدم مقاتلو التنظيم على قتل رئيس المجلس العراقي في المخيم وشخص آخر وامرأة؛ كما تبنّى التنظيم عملية قتل عايد راشد الدخين بالأسلحة الرشاشة، بعد مهاجمة منزله في منطقة الهول شرق الحسكة، بتهمة التعامل مع “قسد”.
وتحدثت مصادر عن نشوب اشتباكات بين الأسايش التابعة لـ”قسد” وعناصر التنظيم الذين نفّذوا الهجمات إلا أنهم لاذوا بالفرار، ويعيش مخيم الهول في الوقت الحالي حالةً من الفوضى المستمرّة حيث تنتشر عمليات القتل والحرق رغم العمليات الأمنية التي تنفّذها “قسد”، ووصلت حالات القتل في مخيم الهول إلى 90 حالة، بحسب تقارير أمنية، منذ مطلع العام الحالي.
وكانت “قسد” قد أفرجت عن العديد من قاطني المخيم من الجنسية السورية، بعد اتفاق مع العشائر المحلية خلال وقت سابق من هذا العام، حيث أخرجت في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني نحو 48 شخصًا، بعد كفالة العشائر المحلية لهم، من مناطق متفرقة في ريف دير الزور الشرقي.
من جهتها، ردّت “قسد” على تحركات التنظيم الأخيرة بتنفيذ حملات مداهمة أمنية، طالت مخيم الهول وعددًا من المناطق التي تشهد فوضى أمنية ونشاطًا فعليًّا لعناصر تنظيم “داعش”، كما فرضت حظر تجوال في عدة مناطق أخرى من بينها مخيم الهول.
أسباب تزايُد هجمات “داعش”
أحدثت التطورات التي شهدتها منطقة شرق الفرات التي تقع تحت سيطرة “قسد” سجالات متعددة الآراء، وأثارت العديد من التساؤلات، فهل فعلًا “داعش” قادر على اقتحام مخيم الهول ويريد فرض نفسه في المنطقة؟ أم أن قوات سوريا الديمقراطية التي تحرس المخيم تريد لفت نظر العالم لأجل التذكير بأنها تقوم بدور مهم في الحرب على الإرهاب، وتحتاج إلى دعم ومساندة؟
يقول الصحفي السوري المتخصِّص بشؤون الجماعات الجهادية في سوريا، همام عيسى، خلال حديث لـ”نون بوست”: تزايُد نشاط “داعش” خلال الفترة الماضية، محاولة لفرض نفسه وإثبات وجوده في المنطقة عبر تنفيذ الهجمات التي تطال شخصيات تتعاون مع “قسد”، وعناصر يتبعون لها، حيث توزّعت الهجمات التي نفّذها مقاتلو التنظيم في مناطق متفرقة من محافظتَي الحسكة ودير الزور”.
وأضاف: “أطلقت “قسد” عمليتَين عسكريتَين ضد تنظيم “داعش” شرق سوريا، لكن ذلك لم يمنع تصاعد نشاط التنظيم في تلك المنطقة، والعمليات التي تقوم بها “قسد” ضد “داعش” لا تزال محدودة التأثير، بدليل نشاط التنظيم المكثَّف شرق سوريا، وهذا يعني أن التنظيم سيصعّد نشاطاته خلال المرحلة المقبلة”.
ونفّذ “داعش” العديد من الهجمات الموسَّعة ضد جهات متعددة في مناطق متفرقة منها في البادية السورية، ضد قوات نظام الأسد وميليشيات إيرانية، وفي محافظتَي الحسكة ودير الزور ضدّ “قسد”، ما زادَ من مخاوف المراقبين من قدرة “داعش” على استعادة قوته في المنطقة، حيث يحاول تجميع قواه ورصّ صفوفه من جديد.
بينما هناك فرضية ساهمت في منح عناصر التنظيم فرصة لتنفيذ الهجمات في مناطق سيطرة “قسد”، وهي التهديدات التركية بشنّ عملية عسكرية واسعة ستطال مناطق شرقي الفرات، حيث استغلَّ التنظيم انشغال “قسد” في تحضير قواتها للدفاع عن مناطقها، وبدأ بتنفيذ هجماته، وهذا بالفعل ما تريد قوله “قسد” للمجتمع الدولي، الذي تخشى تخلّيه عنها، في ظل السعي التركي للسيطرة على المنطقة.
“قسد” تستثمر وجود “داعش” للمساندة الدولية
تظهر التطورات الأخيرة التي جرت حيال العملية العسكرية التركية، التي تعتزم تركيا شنّها على مناطق سيطرة “قسد”، واستغلال روسيا ونظام الأسد المرحلة التي تعيشها “قسد”، في محاولة منهما لتحقيق مكاسب متنوِّعة يسعى فيها كلٌّ منهما إلى التخلُّص من “قسد”، ووضعها كحليف محلي يشرف إداريًّا على المنطقة في ظل غياب حليفها الرئيسي واشنطن.
حاولت “قسد” أن تُبرزَ العديد من القضايا والمخاوف حيال ما يجري في مناطقها، ولعلّ من أبرزها الاجتماعات التي جرت بينها وبين نظام الأسد برعاية روسية، وكيفية الاستغلال الروسي لوضعها الراهن، في ظلِّ غموضٍ كامل للموقف الأمريكي، ما دفعها للقول إنه بإمكانها مفاوضة نظام الأسد وروسيا من أجل وقف التهديد التركي.
ويبدو أنها تستغلُّ ملف تنظيم “داعش” والهجمات التي ينفذها، حيث تستثمر في وجوده داخل مناطقها، إذ يظهر التصعيد الأخير الذي قام به التنظيم في مناطق متفرقة، خلال مطلع هذا الشهر، مدى ارتباطه بالتهديدات التركية وغموض الموقف الأمريكي.
وهذا ما يؤكّده الصحافي همام عيسى في قوله لـ”نون بوست”: “دلالات التحركات الأخيرة التي يقوم بها أفراد تنظيم “داعش”، تشير إلى أنها ورقة أخرى تريد “قسد” من خلالها الاستثمار بوجود التنظيم والحصول على دعم دولي لها يمتنع من خلاله المجتمع الدولي التخلي عنها، باعتبار أن دورها في الحرب على الإرهاب لم ينتهِ”.
ويضيف: “ما زالت “قسد” تستخدم الأسرى المنتمين إلى تنظيم “داعش” لديها كورقة ضغط على المجتمع الدولي، من أجل ثني تركيا والجيش الوطني عن دخول منطقة شرقي الفرات، وكذلك هو الحال في مخيم الهول الذي يحتوي على عائلات عناصر التنظيم، والذي يشهد فوضى أمنية كبيرة، وهنا هي تريد الإفراج عنهم من أجل تحقيق مصالحها في الحصول على موقف مساند لوجودها”.
وعلى خلفية النشاط المتزايد لتنظيم “داعش” في مناطق شرقي الفرات، أكّدت الولايات المتحدة الأميركية على أنها لن تنسحب من سوريا وستحافظ على وجودها العسكري في مناطق شمال شرقي سوريا، بعد غموض موقفها في ظل التهديدات التركية والتحركات الروسية خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وقالت سفارة واشنطن في سوريا، خلال تغريدة على حسابها في موقع تويتر: “إن داعش تشكّل تهديدًا مباشرًا للشعب السوري ومصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، التي بدورها ستحافظ على وجودها العسكري في سوريا لضمان القضاء على التهديد من المجموعات الإرهابية”، مشددةً على أن “الشعبَين السوري والأميركي لا يستحقان أقل من ذلك”.
ويبدو أن “قسد” استطاعت الحصول على موقف من واشنطن إزاء الانسحاب المتوقع الذي كانت تخشاه، في ظل غموض موقفها تجاه وجودها في سوريا طيلة الأسابيع القليلة الماضية، لذلك فهي تسعى بشكل كامل للحفاظ على توازن التحركات التي يقوم بها أفراد التنظيم، من خلال تسهيل خروجهم من معتقلاتها ومنحهم صلاحيات تنفيذ هجمات متعددة، وبذلك تكون قد حقّقت بالفعل ما تريده في عرقلة العملية العسكرية التركية التي ما زالت طور المفاوضات والتفاهمات السياسية.