ترجمة وتحرير: نون بوست
تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مناطق غنية بالتراث الثقافي والعديد من التقاليد والممارسات التي تشكل جزءًا من الحياة اليومية. ومع تزايد العولمة وتلاقح الثقافات، فإن عددًا من التقاليد معرضة لخطر الاندثار.
سعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو، إلى حماية ممارسات معينة من خلال إضافتها إلى قائمتها للتراث الثقافي الغير المادي للبشرية على أمل أن يؤدي ذلك إلى إبراز أهميتها والحفاظ عليها.
تشمل العادات العديد من الأطعمة التقليدية والحرف والأشكال الشعرية وحتى فنون الدفاع عن النفس.
وفي هذا التقرير، اختار موقع ميدل إيست آي سبعة تقاليد شرق أوسطية مدرجة ضمن القائمة وما زالت تشكل جزءًا من التركيبة الثقافية للمنطقة.
المجلس
إذا تمت دعوتك إلى مجلس، فمن المحتمل أنك شخص يحظى بتقديرعالٍ، فهو عبارة عن مكان للجلوس مفروش بسجاد تقليدي به وسائد على الأرض.
في المجلس، يتم تقديم الشاي أو القهوة العربية طوال المساء ويستمر تجاذب أطراف الحديث ساعات طويلة. في بعض مناطق الشرق الأوسط، يمكن أن يكون المجلس في الخارج، وتتوسطه نار مشتعلة في المنتصف للتدفئة.
من السهل العثور على مثل هذه المساحات الثقافية والاجتماعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكنها بارزة بشكل خاص في دول الخليج.
الهدف من المجلس هو التجمع ومناقشة مختلف الشؤون والقضايا اليومية، ويعد مكانا مناسبا لاستقبال الضيوف والتواصل الاجتماعي والسهر. صمد المجلس على مر العصور، ويزال كثيرون يستخدمونه لإقامة حفلات الزفاف وتقديم التعازي وحل المشكلات ومناقشة الشؤون الحياتية المختلفة.
عادة ما يتم الفصل في المجلس بين الرجال والنساء، من أجل أن يشعروا بالراحة في مناقشة أمورهم الخاصة. تسمح المساحة المفتوحة بحضور عدد كبير من الأشخاص، كما أن ترتيب المقاعد بشكل دائري يسمح للجميع برؤية بعضهم البعض.
يتمتع كبار السن من أفراد المجتمع، مثل وجهاء القبائل، بأهمية خاصة في المجلس. يمكن أيضًا دعوة الشيوخ والعلماء والقضاة في حالة حدوث نزاع أو مشكلة تحتاج إلى حل.
يُستخدم المجلس حاليا لاستضافة الأحداث الثقافية مثل المسابقات الشعرية، بالإضافة إلى الأنشطة الترفيهية مثل الحفلات الموسيقية.
لا يزال المجلس يشكل جزءًا حيويًا من ثقافة الشرق الأوسط، لا سيما وأنه بمثابة مساحة ينتقل فيها التراث والمعرفة شفويا. غالبًا ما يرافق الأطفال والديهم إلى المجلس، مما يتيح لهم الإلمام بالتقاليد العريقة وفهم قيم المجتمع.
ثقافة القهوة التركية وتقاليدها
تحتل القهوة مكانة مميزة في تركيا. تخضع عملية صنعها وسكبها وشربها للقواعد والأعراف المستمرة منذ فترة طويلة. تلعب القهوة أيضًا دورًا مهمًا في حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية والتجمعات.
تتناول كل منطقة في تركيا القهوة بشكل مختلف. يتم تقديمها في الغالب في فنجان صغير، مصحوبة بكوب طويل من الماء. يحب البعض تناول قهوتهم مع الحليب، وعادة ما تقدم بدون سكر.
لتحضير القهوة، تُمزج حبوب البن المطحونة جيدًا مع الماء وكمية صغيرة من السكر في وعاء نحاسي يستخدم لتحضير المشروب على الموقد، ويُطلق عليه كاناكا . يتم تقليبها برفق حتى تتكون طبقة رقيقة من الرغوة في الأعلى، ويتم بعد ذلك نقل الرغوة إلى فنجان، مع سكب باقي القهوة فوقه بعد فترة وجيزة.
خلال بعض حفلات الزفاف التركية، تختبر العروس مزاج زوجها من خلال تقديم فنجان من القهوة المليئة بالملح. إذا استطاع أن يشربه دون استياء، فمن المفترض أنه حسن المزاج وسيكون زوجا جيدا.
قد يختار خبراء القهوة تحضيرها في الرمال الساخنة، لأن وقت تخميرها لفترة طويلة يعزز من نكهتها.
يعد استخدام بقايا البن المطحون للتعبير عن الثروة جزءا مهما آخر من ثقافة القهوة في تركيا، والذي تم تداوله على مدى أجيال. تمت إضافة ثقافة القهوة التركية وتقاليدها إلى قائمة اليونسكو للتراث غير المادي سنة 2013.
زراعة الورد الدمشقي
في شهر أيار/ مايو من كل سنة، تملأ رائحة الورود الدمشقية الهواء في الحقول في جميع أنحاء سوريا. انتقلت هذه الزهرة الأيقونية، التي تسمى رسميًا الوردة الدمشقية، إلى أوروبا لأول مرة في منتصف القرن الثاني عشر عن طريق المقاتلين العائدين من الحروب الصليبية.
شهد إنتاج الزهرة انتشارا بداية من القرن السادس عشر، حيث تستيقظ العائلات في الصباح الباكر وتشق طريقها إلى الحقول لقطف الزهور ثم فرزها. وفي حين تجفف بعض البتلات من أجل إعداد الشاي، يتم تخزين البعض الآخر بعناية من أجل تقطيرها.
تعرف هذه الأزهار، ذات البتلات الوردية الرقيقة، في جميع أنحاء العالم، حيث تصدر وتباع إلى العطارين، وتصنع منها زيوت أساسية ومستحضرات تجميل وماء الورد.
وتتجمع النساء في القرى لصنع المربى والعصائر والمعجنات باستخدام الورود المقطوفة، إذ يعتقد البعض أن لها خصائص مهدئة أو علاجية.
تعتبر الوردة الدمشقية مصدر فخر للسوريين، ولا سيما أولئك المنخرطين في حصادها وإنتاجها. ومع ذلك، فقد أثرت سنوات الصراع في البلاد على هذه الزراعة بشدة، مما أثار المخاوف بشأن صمود هذه التقاليد الراسخة.
اليوم، تقام المهرجانات السنوية في جميع أنحاء البلاد في محاولة للحفاظ على التقاليد التي ينطوي عليها جني هذه الزهور وبيعها. وأضيفت الممارسات المرتبطة بزراعة هذه الزهرة إلى قائمة اليونسكو للتراث غير المادي سنة 2019.
الحكاية الفلسطينية
الحكاية، هي مرادف كلمة قصة بالعربية، وهي تقليد سردي تمارسه النساء الفلسطينيات منذ قرون. عادةً ما تُروى القصص في المنزل خلال ليالي الشتاء أو في المناسبات الاجتماعية التي تجمع النساء والأطفال.
غالبًا ما تتناول القصص، التي يطغى عليها الخيال، القضايا القضايا الاجتماعية والحياة الأسرية والضوابط الأخلاقية. غالبا ما يكون لدى المتحدث نبرة قوية ومعبرة تستقطب الجمهور وتشدهم لساعات.
يشكل هذا التقليد المرتبط بالنساء فرصة لإبداء وجهات نظرهن حول القضايا المختلفة. تُستخدم “الحكاية” أيضًا لتوثيق ونقل التاريخ وتجارب الفلسطينيين، ولا سيما مناقشة تأثير الاحتلال والترحيل القسري.
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، واستمرار القمع الإسرائيلي، أصبح هذا التقليد أقل شيوعا. ومع ذلك، فإن العديد من النساء يبذلن جهودًا كبيرة لإبقاء هذا التراث من خلال القصص التي تُروى باللهجة الفلسطينية، والتي يساهم كبار السن بشكل أساسي في الحفاظ عليها.
سنة 2008، أضافت اليونسكو هذه الممارسة إلى قائمة التراث غير المادي.
التحطيب
يُعتقد أن جذور التحطيب، وهو أحد الفنون القتالية، تعود إلى العصر الفرعوني، حيث تم استخدامه كجزء من التدريبات العسكرية.
يقول علماء الآثار إن النقوش على ورق البردي وجدران المعابد تظهر أشخاصا يقاتلون بالعصي. وعلى مر السنين، أصبح التحطيب طقسا احتفاليا يُمارس في حفلات الزفاف والمناسبات الرياضية.
التحطيب هو عبارة عن مبارزة بين مقاتلين يحمل كل منهما عصا، بهدف ضرب الخصم على رأسه. أصبحت هذه الممارسة رياضة تجذب العديد من الجماهير، ورغم أنها بدأت كرياضة للرجال فقط، إلا أنها استقطبت النساء بمرور الوقت.
يقوم جوهر هذه الرياضة القتالية على الحفاظ على قيم الاحترام المتبادل والصداقة والتوازن والفخر. في الوقت الراهن، عادة ما يُمارس التحطيب على صوت الطبلة والشعر.
في السنوات الأخيرة، افتتحت أندية ومراكز رياضية في جميع أنحاء مصر للحفاظ على هذا الفن، كما تقام مهرجانات وطنية سنوية للتحطيب.
ويقوم بعض المصريين بحملات من أجل أن يصبح التحطيب رياضة معترفا بها دوليًا، وقد تمت إضافة هذه الممارسة إلى قائمة اليونسكو سنة 2016.
تغرودة الإمارات وسلطنة عمان
لآلاف السنين، حظي الشعر بتقدير بدو شبه الجزيرة العربية باعتباره أرقى أشكال التعبير الفني.
كان من الصعب الحفاظ على السجلات المكتوبة في ظل أسلوب الحياة البدوي، وبالتالي أصبحت الكلمة المنطوقة الشكل الأساسية لتوثيق المعتقدات والقيم والنظريات الفلسفية وحتى الأنساب.
تعد التغرودة أحد أشكال الشعر البدوي التقليدي، وتتضمن ترانيم السفر على ظهر الجمال.
يعتقد البدو أن ترديد الشعر يشجع على السفر لمسافات طويلة. واليوم، نجد هذه الممارسة شائعة في الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.
ورغم أنه شعر مرتجل، إلا أنها يخضع لقواعد محددة، ويبدأ المتسابق الرئيسي بالترديد قبل أن يتبعه الآخرون.
تتناول التغرودة العديد من المواضيع مثل الحب والقضايا الاجتماعية والروابط الأسرية، ويمكن ترديد هذه الأبيات في حفلات الزفاف والمهرجانات القبلية.
بالإضافة إلى التسلية، يمكن للتغرودة أن تخدم أغراضًا عملية، مثل تسوية الخلافات بين القبائل أو العائلات وتعليم أفراد القبيلة تاريخهم وإنجازاتهم.
هذا التقليد، الذي يعد شكلاً من أشكال الترابط الاجتماعي، يعود إلى قرون، وليس حكرا على الرجال فقط، بل تمارسه النساء البدويات أيضًا من خلال ترديد القصائد أثناء العمل.
يحاول شيوخ القبائل حاليا الحفاظ على هذا التقليد من خلال المسابقات والأحداث الثقافية الأخرى. وأدرجت اليونسكو هذه الممارسة في قائمة التراث غير المادي سنة 2012.
ملابس الزفاف الجزائرية
ترتدي العرائس في تلمسان، شمال غرب الجزائر، طبقات من المجوهرات والأقمشة الفاخرة في يوم زفافهن. ويعد التطريز المعقد جزءًا مهمًا من الهوية الثقافية للجزائر.
تخرج العرائس من منازل عائلاتهن بملابس حريرية منسوجة يدويًا ومثبتة بغطاء رأس على شكل مخروطي مصمم بإتقان، ويرتدين عادةً قفطانًا مخمليًا مطرزًا.
تحبذ كثيرات اللون العنابي أو الأخضر الغامق، مع أنماط مستوحاة من تصاميم عربية، والتي يتم إعادة ابتكارها سنة بعد سنة.
تغطي العروس يديها بالحناء، وهي صبغة طبيعية تستخدمها النساء كشكل من أشكال التجميل خلال المناسبات الخاصة، وهذه الممارسة شائعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبعض أجزاء من جنوب آسيا.
خلال حفل الزفاف، ترسم امرأة متزوجة من عائلة العروس تصميمًا دائريًا باللونين الأحمر والفضي على خدي العروس وتحت شفتها.
يبدأ التحضير ليوم الزفاف قبل وقت طويل من موعده، وتنتقل براعة صنع الفستان وتحضير العروس من جيل إلى جيل.
تتعرف الفتيات منذ سن مبكرة على التقاليد المرتبطة بحفلات الزفاف والدور الذي يلعبه الزواج في التقريب بين العائلات. وإلى جانب الأهمية الثقافية، هناك أيضًا عنصر اقتصادي مهم يتمثل في صناعة أزياء الزفاف كمصدر حيوي للدخل للمجتمعات الريفية.
غالبًا ما يستخدم الحرفيون الأكبر سنًا أطفالهم كمتدربين، كطريقة للحفاظ على التقاليد.
بالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون شراء الملابس بالكامل، فإن الاقتراض من البدائل المتاحة للزينة ليلة الزفاف.
أضافت اليونسكو ملابس الزفاف في تلمسان إلى قائمة التراث غير المادي سنة 2012.
المصدر: ميدل إيست آي