من خلال مناوراتها السياسية ومراوحتها ما بين النزول إلى الشارع والانسحاب منه، نجحت حركة النهضة ومن حولها أحزاب ومؤسسات أخرى في تحييد الشارع وفي حصر الخلاف داخل غرف المفاوضات، فلم يعد لدعوات “التمرد” أي ثقل شعبي وبعد أن كان “اعتصام الرحيل” الذي دعت له المعارضة وحركة تمرد يضم الآلاف من المطالبين بحل المجلس الوطني التأسيسي وكل المؤسسات المنبثق منه، تقلص العدد المشاركين فيه تدريجيا طيلة الشهر الأخير ليصبح العدد الآن على بضعة عشرات.
تبدد المخاوف من تحول الأزمة السياسية إلى الشارع التونسي دفع رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر إلى العدول عن موقفه القاضي بتعليق نشاط المجلس، حيث دعا بن جعفر في كلمة تلفزيونية ألقاها يوم الأربعاء إلى اجتماع مكتب رئيس المجلس مطلع الأسبوع القادم ليتم من خلاله دعوة المجلس للاجتماع في أجل أقصاه 15 يوما.
ورغم تأكيده لوقوفه على مسافة واحدة من كلا الطرفين، دعا بن جعفر نواب المجلس التأسيسي الذين أعلنوا انسحابهم من المجلس إلى العدول عن هذا القرار والعودة إلى المجلس وطرح مطالبهم من خلاله مشيرا إلى أنهم مطالبون بتحمل مسؤولياتهم التي كلفهم بها الشعب ومطالبون بضمان سلامة الانتقال الديمقراطي.
وكانت جولات مطولة من الحوار غير المباشر أدارها الاتحاد العام التونسي للشغل بين الطرفين الأساسين للخلاف وهما الائتلاف الحاكم وأبرز مكوناته حركة النهضة والجبهة الشعبية أبرز مكوناتها حركة نداء تونس، دون أن تصل هذه المفاوضات إلى توافق على المبادئ التي ستقودهم إلى طاولة الحوار المباشر.
الإئتلاف الحاكم من خلال حركة النهضة ومن خلال المولدي الرياحي أعلن مرارا عن قبوله مبدئيا للمبادرة التي تقدمت بها الأطراف الراعية للحوار بما في ذلك حل الحكومة على أن يكون ذلك بعد الجلوس إلى طاولة الحوار قائلا أن “الائتلاف مستعد لقبول استقالة الحكومة خلال شهر، ولكنه يدعو المعارضة الى حوار فوري مباشر لمناقشة التفاصيل”.
الأمر الذي لم يجد قبول لدى المعارضة التي تمسكت بضرورة إعلان الحكومة التي يرأسها علي العريض عن استقالتها قبل الجلوس على طاولة الحوار، حيث صرح حمة الهمامي القيادي في الجبهة الشعبية في مؤتمر صحفي له أن الجبهة الشعبية قررت “مواصلة التعبئة الشعبية السلمية المدنية، وقررت دعمها وتطويرها من أجل ان تفرض على الترويكا القبول بمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل لحل الازمة”.
ومن جهته علق المولدي الرياحي على مطلب المعارضة بإقالة الحكومة قبل بدأ الحوار واصفا إياه بمحاولة “طرد الحكومة” وليست إقالتها، متهما المعارضة بالسعي “لإهانة الائتلاف عبر محاولة اجباره على اقالة الحكومة بشكل فوري”، الأمر الذي أكدته حركة النهضة مضيفة أن تعثر بدء الحوار بين الائتلاف الحكومي والمعارضة لا يساعد على رسم صورة جيدة لتونس.
وأما حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وأبرز الاطراف الراعية للحوار فقد صرح أمس بعد لقائه لممثل الائتلاف الحاكم أن ” تجاوز الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد يستوجب من كل الأطراف تقديم التنازلات المؤلمة، وهو ما لم يحدث إلى حد الآن”، في حين حمل المتحدث باسم الاتحاد المسؤولية لحركة النهضة متهما إياها “بالمناورة لربح الوقت”.
وحول سبب تمسك حركة النهضة بعدم اقالة الحكومة قبل انهاء الحوار والاتفاق على كل تفاصيل المرحلة القادمة تحدث القيادي في حركة النهضة ووزير الصحة عبد اللطيف المكي عن أهداف خفية تكمن خلف مطالب المعارضة، مؤكدا أن المغامرة بحل الحكومة قبل الاتفاق على خارطة طريق لما تبقى من الفترة الانتقالية وعلى تاريخ محد للانتخابات القادمة قد يدخل البلاد في مرحلة فراغ في حال عدم نجاح الحوار.