حقيقة لا جدال فيها: العالم لا يزال بحاجة إلى النفط والغاز

crop_16_9_image_518095448

ترجمة وتحرير: نون بوست

تزامنا مع قمة المناخ كوب 26، كثر الحديث في الأوساط الشعبية والإعلامية حول الانتقال الطاقي العالمي، وإمكانية القطيعة النهائية مع الوقود الأحفوري.

رغم هذا الانتقال، من الواضح أن الطلب على النفط والغاز لا يزال قائما وسيتواصل لعقود من الزمن، والدول المنتجة للنفط تحرص على ضمان استمرارية الإنتاج للاستجابة للطلب.

تركز الدول النفطية الآن على أن تصبح دول طاقية، تمتلك تركة اقتصادية قادرة على تحقيق المداخيل حتى بعد حدوث الانتقال الطاقي.

بينما تدفع الحكومات في العديد من الدول المتقدمة، إلى جانب المؤسسات الاستثمارية، نحو تسريع التحول الطاقي والتوقف نهائيا عن الاعتماد على الوقود الأحفوري، فإن حقيقة الوضع العالمي الحالي الآن من احتياجات واستهلاك، تظهر أن النفط والغاز لن يختفيا من السوق، وسوف يكونان جزء من خلطة طاقية تعتمد عليها الدول خلال العقود القادمة.

هذا يعني أن العالم سوف يظل في حاجة إلى النفط، حتى لو تمكن من وضع نفسه على السكة الصحيحة نحو تحقيق صفر انبعاثات كربونية بحلول العام 2050.

إذا قرر العالم فجأة الإلتزام بفكرة الإبقاء على الغاز والنفط في باطن الأرض، كما يطالب نشطاء المناخ وحماية البيئة، فإن أزمات نقص الطاقة ستكون حتمية

ويمكن أن تعوض الطاقة المتجددة النفط بشكل متزايد في توليد الكهرباء وفي قطاع النقل على سبيل المثال، ولكن ليست هذه فقط هي الصناعات المستهلكة للوقود الأحفوري. حيث أن الذهب الأسود يستخدم أيضا في الطب، والتجميل، والملابس والتكنولوجيا.

والفرضية المستقبلية الوحيدة التي لن يحتاج فيها العالم للنفط، هي أن يتخلى المستهلكون في كل الدول وبشكل مفاجئ، عن الرفاهية والمنتجات العصرية التي تعودوا على الاعتماد عليها.

وطالما كان هناك طلب على النفط وباقي المشتقات المستخرجة من النفط الخام، سوف يكون هنالك تزويد بهذه المادة. وإذا قرر العالم فجأة الإلتزام بفكرة الإبقاء على الغاز والنفط في باطن الأرض، كما يطالب نشطاء المناخ وحماية البيئة، فإن أزمات نقص الطاقة ستكون حتمية. ويكفي النظر إلى ما حدث مع أزمة الغاز الطبيعي في الأشهر الأخيرة، حيث ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، لتذكرنا بأن هذه المادة لا تزال حيوية للتمتع بالإضاءة والتدفئة في منازلنا.

النفط والغاز سيواصلان لعب دور في الخلطة الطاقية للعام 2050

وجهت الدول النفطية رسالة واضحة للسوق خلال الأسابيع الماضية، مفادها أن الطلب على النفط لم يتراجع خلال أزمة تفشي وباء كورونا، وسيظل هذا الطلب قائما لعقود من الزمن، حتى لو لم يصل إلى نفس المستويات القياسية السابقة.

والرسالة الأخرى التي يمكن استخلاصها من خطاب هذه الدول التي تسعى الآن لأن تتحول إلى دول طاقية، هي أنها ستعمل على توفير أفضل نفط وغاز ممكن، بمعنى تطوير هذه المحروقات للتقليل من التلوث الناجم عنها.

أما الرسالة الثالثة، والتي صدرت خاصة من الدول النفطية الأوروبية، فهي أن تركة عصر النفط والغاز سوف تكون محركا للسيولة النقدية، التي ستوفر مداخيل هامة لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة.

وقد أكد برنارد لوني المدير التنفيذي لشركة بريتش بتروليوم البريطانية في تصريح له يوم الاثنين، أن “النفط والغاز سوف يلعبان دورا في منظومة الطاقة في العقود القادمة.”

وأضاف لوني في ظهور على قناة سي إن بي سي الأمريكية على هامش مؤتمر للطاقة في أبوظبي: “قد لا يحظى هذا الكلام بشعبية كبيرة عندما نؤكد أن النفط والغاز سيظلان يستخدمان للعقود القادمة، ولكن هذه هي الحقيقة. ما أريد أن نقوم به جميعا هو التركيز على الهدف، والابتعاد قليلا عن المواقف الإيديولوجية، وهدفنا هنا هو التقليل من الانبعاثات الكربونية.”

الأداء الجيد أثناء التغيير

رغم أن الكثير من الدول والشركات النفطية الأوروبية سوف تقلل من إنتاجها من النفط من هنا فصاعدا، فإن تركة هذه المحروقات هي التي ستمول مشاريع الطاقة النظيفة.

وقد ذكر بين فان بوردن المدير التنفيذي لشركة شال “أن هذه الشركة باتت تعمل في مناخ عدائي وتواجه شيطنة هذا القطاع، وأنا أفهم أن هذه الشيطنة باتت موجودة أيضا في صفوف مالكي الأسهم وفي أسواق المال.”

ويضيف فان بوردن: “ولكن دعونا نكن واضحين، إن العالم لا يزال في حاجة للنفط والغاز، ولذلك أعتقد أنه سيكون من القانوني والشرعي والضروري أن يتم توفير النفط والغاز للاستجابة للطلب، وأن تلعب هذا الدور شركات نفطية تلتزم بسياسة مسؤولة، وتمتلك استراتيجية تخصيص البعض من مداخيلها، ليس فقط لتوزيع الأرباح على مالكي الأسهم، بل أيضا للانتقال نحو صناعة طاقية أنظف وأقل تسببا بالتلوث.”

أما برنارد لوني الذي يرفع شعار “الأداء الجيد أثناء التغيير”، فإنه يقول: “نحتاج إلى تدفق السيولة النقدية من أجل الاستثمار في الانتقال الطاقي. وصناعة النفط في وضعها الحالي تدر هذه الأموال الضرورية.”

وأضاف: “إن هذه المسألة لا تتمثل في التحول من النفط إلى الطاقة المتجددة. بل هي التركيز على النفط واستثماره من أجل الطاقة المتجددة والحلول غير الملوثة للبيئة.”

الابتعاد عن النفط يبدأ من الطلب وليس التزويد

إلا أن تسارع الاستثمارات في الطاقة منخفضة الانبعاثات لا يعني بالضرورة أن قطاع النفط مطالب بالتخلي عن مشاريعه الجديدة والتوقف نهائيا عن ضخ الذهب الأسود. إذ أن العالم يحتاج الآن إلى النفط تماما كما كان الحال قبل الوباء، والأسواق تشهد الآن قفزة في الطلب، وهو ما يكذب بعض النظريات التي ظهرت في العام الماضي، حول استحالة عودة استهلاك الوقود الأحفوري إلى مستويات ما قبل الجائحة. والطلب لم يعد فقط إلى المستويات السابقة، بل إنه تجاوزها ووصل إلى مستويات قياسية.

وقد أعلنت بريتش بتروليوم في وقت سابق من هذا الشهر، أن الطلب العالمي على النفط تجاوز مستوى 100 مليون برميل يوميا، الذي كان قائما قبل الجائحة.

وقال راسل هاردي المدير التنفيذي لأكبر شركة مستقلة لتجارة النفط  “فيتول”، في تصريح له نشرته وكالة بلومبيرغ: “نحن الآن تقريبا عند مستويات 2019.” ورغم الانخفاض الطفيف في توقعات الطلب خلال هذا العام، فإن تقديرات منظمة أوبك خلال الأسبوع الماضي أشارت إلى أن الطلب على النفط في 2022 سوف يكون معدله 100.6 مليون برميل يوميا، أي بزيادة 500 ألف برميل مقارنة بالعام 2019.

إذا لم تمكن الدول والشركات النفطية الكبرى من لعب دورها، فإن السعودية وروسيا سوف تتدخلان للقيام بدور أكبر في تزويد السوق. إذ أن الاقتصاد العالمي لا يمكنه تحمل انقطاعات أو نقص متعمد في معروض النفط بالتزامن مع انتعاش الطلب.

وحتى فاتيح بيرول، المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة، أشار في الأسبوع الماضي خلال لقاء عبر الفيديو مع مسؤول ياباني رفيع المستوى إلى: “الحاجة لاستثمارات إضافية للاستجابة للطلب في المستقبل، موضحا أن الطلب على النفط والغاز الطبيعي لن ينخفض بشكل حاد حتى في أثناء سير العالم إلى التحول نحو الطاقة المتجددة.”

كذلك صرح إيد كروكس، نائب رئيس مجلس الإدارة في مؤسسة وود ماكنزي بأن: “الطفرة في الطلب سوف تأتي على المدى الطويل من خلال تغييرات هيكلية في الأسواق، من بينها انتعاش قطاع النقل الخفيف على الطرقات، وهذا الأمر سيتطلب بعض الوقت.”

وإلى حين تحقق نمو أو استقرار في الطلب على النفط في الأسواق، وهو الأمر المتوقع بعد انتهاء مرحلة كورونا، يجب أن تكون هنالك أطراف تتكفل بالتزويد. وإذا لم تمكن الدول والشركات النفطية الكبرى من لعب هذا الدور، في ظل الضغوط التي تتعرض لها من نشطاء البيئة ومالكي الأسهم والمستثمرين، فإن السعودية وروسيا سوف تتدخلان للقيام بدور أكبر في تزويد السوق. إذ أن الاقتصاد العالمي لا يمكنه تحمل انقطاعات أو نقص متعمد في معروض النفط بالتزامن مع انتعاش الطلب.

المصدر: موقع أويل برايس الأمريكي