منتصف مايو/أيار 2016 كانت المعارك على أشدّها في ريف دمشق الغربي وبالتحديد في مدينة داريا، أُعلن حينها مقتل حسين عيسى الملقب بأبو عدي وهو جزائري الجنسية وأحد قياديي ما يسمى “الحرس القومي العربي” وهي ميليشيا تقاتل إلى جانب نظام بشار الأسد. كانت المرة الأولى التي يُعلن فيها هكذا خبر، ولم نتأكد إن كانت الحكومة الجزائرية حينها تدعم هذه الميليشيا أم لا.
قبل مقتل عيسى، وعندما كان نظام الأسد بمساعدة القوات الروسية يعمل على إحراق مدينة حلب وتدميرها بشتى الوسائل، استقبل بشار الأسد الوزير الجزائري عبد القادر مساهل وهو المكلّف بشؤون جامعة الدول العربية في حكومته، فقد نقل الوزير رسالة من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ( الذي أطاحت به ثورة شعبية عارمة لاحقًا)، يتحدث فيها عن “مساندة الجزائر للشعب السوري في مكافحة الإرهاب والتصدي له، للحفاظ على استقرار سوريا وأمنها ووحدة أبنائها وانسجام شعبها”.
لم تخف الحكومة الجزائرية يومًا دعمها لنظام الأسد في وجه ما تقول إنه “إرهاب”، ولطالما عملت على إعادة الأسد إلى مقعده في الجامعة العربية، كما أن الجزائر أعلنت عام 2015 أنها وروسيا التي بدأت ذلك العام بتدخلها العسكري لتثبيت حكم الأسد في البلاد تتبنيان الموقف نفسه مما يحصل في سوريا، يذكر أن موسكو تعتبر أن الجزائر أهم شريك اقتصادي وعسكري في القارة السمراء.
علاقات تاريخية
العلاقة بين سوريا والجزائر متينة تاريخيًا والدليل على ذلك التضامن والدعم السوري الكبير مع الكفاح الجزائري ضد المستعمر الفرنسي، يذكر أن الرئيس السوري شكري القوتلي كان داعمًا قويًا للثورة الجزائرية، وخلال استقباله لوفد جزائري عام 1957 قال: “سوريا مشتركة معكم في القتال، إن أردتم سلاحًا أمددناكم بالسلاح، وإن أردتم مالًا عندنا ما نستطيع بذله، وإن أردتم رجالًا فرجال سوريا مستعدون لخوض الوغى إلى جانبكم، أقول لكم هذا علنًا وجهرًا لكي تسمع فرنسا قولنا، ولكي تعلم أننا قوم جد لا هزل، وأنا أكلم قائد الجيش السوري هنا أمامكم ليفتح مخازن الذخيرة حتى يأخذ منها المجاهدون الجزائريون ما يريدون، لقد عقدنا العزم النهائي على أن نموت أو نحيا معًا، وستكون لنا الحياة الحرة الكريمة بإذن الله”.
أيضًا يمكن الإشارة إلى الأمير الشهير عبد القادر الجزائري، الذي كان قد ترك البلاد منفيًا وبعد أن توجه لتركيا ذهب إلى دمشق، وقد استقبل استقبالًا عظيمًا، وأصبح ذو شأن كبير خلال 27 سنة قضاها في دمشق يعطي الدروس تحت قباب المسجد الأموي الكبير ويؤلف الكتب، ولم يكن قد انقطع إلى العمل فقط، بل أصبح يمشي في أمور الناس وكلمته مسموعة هناك، وكان للأمير عظيم الأثر في إخماد أكبر فتنة طائفية كادت أن تودي بدمشق وهي ما يعرف بـ “طوشة النصارى” عام 1860، التي ذهب ضحيتها الآلاف.
وتروي بعض المصادر أن الجزائري كاد أن يحكم البلاد في يوم من الأيام، وفي عام 1883 توفي الأمير في دمشق ودفن فيها وفي العام 1995 نقل جثمانه إلى الجزائر في عهد الرئيس الأسبق هواري بومدين.
للمفارقة فإن حفيد الأمير عبد القادر الجزائري طبيب الأسنان خلدون الجزائري معتقل في سجون نظام الأسد منذ عام 2012 بتهمة الانحياز للثورة السورية، وهو حاصل على شهادة الدكتوراة في علم الفيزياء النووية من جامعة دمشق وطبيب أسنان، ومجاز بالفتوى على المذهب المالكي، وخبير في مجال الأنساب.
التطبيع مع الأسد
اليوم، تقود الجزائر حراكًا تطبيعيًا مع النظام السوري الذي قتل مئات الآلاف واعتقل مثل ذلك وأصاب البلاد بدمار كبير، لكن الجزائر الرسمية اليوم لا تشبه عبد القادر الجزائري بشيء، فمنذ عام 2011 وقفت الجزائر إلى جانب النظام السوري كما تبنت روايته ضد الثورة السورية، وكانت الجزائر بجانب العراق قد تحفظا على قرار الجامعة العربية بتجميد عضوية سوريا في الجامعة.
كانت الجزائر من أوائل المرحبين بزيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد ولقائه برئيس النظام بشار الأسد، فقد رحب وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، بالزيارة قائلًا: “نتمنى أن تساهم في تذليل العقبات وتقريب وجهات النظر”، معتبرًا أن “تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية لم يسهم في حل الأزمة في سوريا، ونحن نسعى للتطلع إلى خطوات طموح عبر بناء توافق بشأن القضية ومباركة كل الخطوات التي ترمي إلى خلق جو من التوافق”، مضيفًا: “آن الأوان لعودة سوريا إلى الجامعة العربية ومقعدها في الجامعة يجب أن يعود إليها”.
إيران
عن العلاقة الجزائرية بإيران وتأثيرها على العلاقة مع النظام السوري، اتصل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بنظيره الجزائري رمطان لعمامرة، لتثمين الموقف الجزائري الداعم لعودة سوريا إلى جامعة الدّول العربية، وكان لعمامرة قد أكد قائلًا: “سبق أن قلنا إنه آن الأوان لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، ويجب أن يرجع مقعد سوريا من دون التدخل في الشؤون الداخلية”، لافتًا إلى أن “تعليق مقعد سوريا في الجامعة العربية لم توافق عليه الجزائر إطلاقًا”.
الصحفي السوري غسان ياسين قال لـ”نون بوست” إن “الجزائر لم تعاد النظام أبدًا منذ اليوم الأول، كل التصريحات تصب في مصلحة النظام، لا ننسى العامل الإيراني في الموضوع، فعلاقة إيران جيدة جدًا بالجزائر وهذا يؤثر على موقفها من النظام، إضافة إلى أن الجزائر هي من المنظومة العربية التي رأت أن موجة الربيع العربي تؤثر على هذا الكيان وتزعزع استقراره الوهمي”.
كلام ياسين يؤكده رضوان بوهيدل، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة “الجزائر” في حديثه لـ”سبوتنيك” الروسية حين قال: “الجزائر ليست فقط تدعم عودة سوريا لجامعة الدول العربية بل تضعه شـرطًا (لانعقاد القمة العربية المقبلة)، لأن انعقاد هذه القمة مرتبط بعدد من الشروط، خاصة أن الجزائر ستترأسها وستنعقد هذه القمة على أراضيها، كذلك ستسعى الجزائر من خلال الدبلوماسية الرسمية وغير الرسمية لعودة سوريا التي تعتبرها مهمة جدًا في انعقاد أي قمة عربية، لأن المقعد كان خاليًا طيلة القمم على الأقل الأخيرة المنعقدة، الجزائر سعت إلى عودة سوريا حتى في السابق”.
وتعتبر إيران أن عودة العلاقات بين دول عربية ودمشق تصب في صالح “كل دول المنطقة”، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة: “مما يبعث على الرضا أن الدول تطبع علاقاتها بشكل علني مع سوريا”، معتبرًا أن هذه الخطوة “تصب في صالح كل دول المنطقة”، وشدد على أن إيران “لا ترحب فقط بهذا المسار، بل تقوم أيضًا بما في وسعها من أجل تسريع وتيرة استعادة الدول العربية وسورية، علاقاتها الطبيعية”.
المصالح الروسية
ليس بعيدًا عن إيران، تتلاقى المصالح الجزائرية الروسية في سوريا، فالجزائر هي الحليفة الكبرى لموسكو في القارة الإفريقية، وفي الفترة الأخيرة صدرت تقارير تفيد باتفاق روسي سوري على إعادة دمشق إلى الجامعة العربية، وفي عام 2015 وهو العام الذي دخلت فيه موسكو إلى الحرب السورية، تبنى عبد العزيز بوتفليقة الموقف الذي تتبناه روسيا فيما يخص الأزمة السورية، ومع رحيل نظام بوتفليقة لم يكن النظام الجديد مختلف الوجهة، فقد أكّد رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق السعيد شنقريحة، على هامش زيارته روسيا، أن “العلاقات بين روسيا والجزائر قوية جدًا، وتقوم على أساس متين”.
وأعرب الفريق السعيد شنقريحة عن امتنانه الكبير للجهود التي تبذلها روسيا لتعزيز الاستقرار الإستراتيجي، وللدور الذي تؤديه في سوريا، مضيفًا “إننا نشاطر موقف روسيا، ونرى الشجاعة التي تظهرها في الساحة الدولية في إطار سعيها لتسوية سلمية”.
ووفقًا لدراسة أصدرها مركز برق للدراسات فإن “روسيا بالنسبة للجزائر حليف إستراتيجي، فمعظم الأسلحة الجزائرية صناعة روسية، وبما أن موسكو منغمسة في الصراع السوري إلى جانب الأسد، فليس من الغريب أن تقف الجزائر مع المحور الروسي في مواجهة الغرب الذي يزعم دعمه للثورة السورية، والنظام الجزائري ورغم عدم مشاركته إلى جانب النظام السوري في القتال، فإن عدم وقوف الجزائر ضمن الدول الداعمة لإسقاط الأسد يعتبر في حد ذاته دعمًا معنويًا لهذا الأخير”.
لا منفعة اقتصادية
من جهة أخرى كشفت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية، عن دور روسيا في عودة العلاقات الاقتصادية بين النظام السوري والجزائر، معتبرة أن تلك الخطوة ستكون مساعدًا في حلحلة العلاقات الدبلوماسية بين النظام السوري واللاعبين العرب.
وكانت السلطات الجزائرية قد أبدت استعدادها لتفعيل علاقاتها الاقتصادية مع النظام السوري، وتحدث سفير النظام السوري في الجزائر نمير وهيب الغانم، عن تفاصيل لقائه بوزير التجارة الخارجية الجزائري كمال زريق، في فبراير/شباط الماضي الذي أشار من خلاله إلى نية حكومة بلاده التعاون مع سوريا وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية معها.
وقال الغانم: “موقف الجزائر تجاه سوريا إيجابي جدًا”، واصفًا اللقاءات التي أجراها مع المسؤولين الجزائريين بـ”المجدية”، مضيفًا أنه جرى التواصل مع الجهات المعنية لإعادة تفعيل “مجلس رجال الأعمال السوري- الجزائري المشترك” وإعادة تشكيله وهيكلته، بعد طرح الجانب الجزائري ضرورة إعادة تفعيل المجلس.
وأشار الغانم إلى ضرورة إعادة تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية الموقعة بين البلدين، بعد إبداء وزير التجارة الجزائري رغبة بلاده في إعادة تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية، لرؤية السلع الجزائرية في الأسواق السورية، والسلع السورية في الأسواق الجزائرية.
يقول الصحفي السوري غسان ياسين: “لا توجد منفعة كبيرة من العلاقة الجزائرية مع النظام السوري، بالنهاية العلاقات الاقتصادية تكاد تكون معدومة، إذ إن النظام ليس لديه ما يقدمه، لكن الجزائر تبحث عن نصر سياسي في القمة العربية التي ستعقد على أراضيها العام القادم، وتبغي الجزائر أن تكون القمة قوية وعودة النظام السوري سيلفت الانتباه للقمة، لكن لا مؤشر حتى الآن على حدوث عودة سوريا لحظيرة الجامعة”.
ووفقًا للغانم وصل حجم التبادل التجاري بين سوريا والجزائر قبل العام 2011 إلى ما يقرب من 600 مليون دولار سنويًا، مع أفضلية في الميزان التجاري لمصلحة سوريا التي كانت تصدر إلى الجزائر السلع الغذائية والأدوية والأقمشة والقمح والأنسجة والقطن والألبسة والأحذية وسلعًا أخرى، في حين تستورد سوريا من الجزائر المواد الكيميائية.
إلى ذلك تقول دراسة مركز برق “تنظر الحكومة الجزائرية إلى النظام السوري على أنه ضمن ما يسمى بمحور المقاومة، حيث كان جزءًا من دول مجموعة الصمود والتصدي، التي تشكلت بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وتوقيع نظام الرئيس المصري أنور السادات لاتفاقية كامب ديفيد للسلام مع “إسرائيل” في 1978″.
تضيف الدراسة “النظام الجزائري يعتبر “إسرائيل” عدوًا إستراتيجيًا، إذ إنه لم يوقع إلى اليوم اتفاقية سلام معها، وبالتالي فهو ينظر إلى نظام الأسد كحليف طبيعي في مواجهة العدو الصهيوني، رغم أن نظام الأسد لم يطلق أي رصاصة ضد “إسرائيل” منذ 1973″.
تشير الدراسة إلى أن الجزائر لا تريد أن تخسر النظام في سوريا لأنه من بين الدول التي “تدعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره”، والجزائر تعد من بين أكبر الدول العربية الداعمة لجبهة “البوليساريو”، ما يجعل نظام الأسد حليفًا مهمًا للجزائر في هذا القضية، لذلك لا تريد الجزائر التفريط في هذا الحليف.
ختامًا.. موقف بلد المليون شهيد من النظام السوري على خلاف الموقف العربي عمومًا، لم يستند إلى واقع أن الأسد فقد شرعيته بعد الهجمات الوحشية بكل أنواع السلاح ضد شعبه، ويبدو أن الجزائر لم تبن موقفها حتى على مصلحة نفعية اقتصادية فعلية حتى، إلا إن اعتبرنا أن إرضاء حلفاء مثل روسيا وإيران، يمكن أن يعود على البلد العربي بأي فائدة.